عبثا حاولت التخلص من الهاجس الذي لازمها … صوت يبدأ همهمة يسري
من أحشائها صاعدا ببطء ثقيل .. ليشمل قفصها الصدري , فتنتابها رعشة الغثيان …
أحست بأحشائها انقلبت رأسا على عقب , وفي صدرها صا ر الصوت دويا هائلا :
آ أ أ أ ….
من السريرقفز زوجها مذعورا , رآها تتلوى … فصرخ :
مابك …. يبدو أن الألم شديد
هزت رأسها بوجع مقيت … وبكت , كانت خصلات شعرها متهدلة بلا عناية , وهي تعتصر تقاطيع وجهها الذابل , أيقن أنها تعاني ألاما مبرحة , وسمع صوتها من بين ركام الوجع :
أحشائي تتقطع … أحشائي أرجوك !!!
للمرة الثالثة تحصل لها حالة إسقاط الجنين … ترى أي نحس يلازمها , تحدثت داخلها … وأيوب رجل مثل كل الرجال يريد ولدا وخلفة …
وإذا سكت طوال الفترة الماضية فلا يمكن أسكا ت أمه …
لأنه أخر العنقود , وتريد أن تفرح برؤية أولاده … وأدركت بحسها الأنثوي ,
بخفوت بريق الحب المذوي في عينيه مثل شمعة تذوب .
..
يجب أن لاأدعه هكذا … !!
قالت العبارة داخلها , وهي تتقدم نحوه … وهمست :
أيوب …..
استدار قابل وجهها الذابل , القد الممشوق صار هزيلا , وسحنتها صفراء , أبتعد عنها نحو الشباك , حيث الحديقة الصغيرة أمامه … تطلع للسدرة العتيقة , تمرق بين أغصانها طيور وعصافير تسقسق جذلة … بينما ظلت
نضال تقف خلفه تمضغها الأحزان , وغصة مريرة في فمها … تدعوها لأن تبوح :
أيوب لقد تغيرت كثيرا .. منذ حالة الإسقاط , لم تعد كسابق عهدك ,أنا نضال …أ نسيت ما تعني لك .
وكمن لايسمع , وبدون أن يرد , تركها ومضى خارجا … وظلت واجمة لاتدري ماذا تفعل , سوى أن تخرج صندوقا صغيرا من خزانة الملابس , نقشت حاشيته بلون غامق …
على حافت السريرجلست , وألقت محتوياته أمامها … صورهم , هداياه الصغيرة .. آه هذه القلادة الغريبة الشكل , كم عزيزة عليها , لقد جاء بها من الشمال , حيث كان يعمل هناك …
لاشيء أسعد من هدية الحبيب , محملة بعبق أنفاسه … راحت تقلب ذكرياتها … هذه صورة زفافهم , يجلس جنبها ببذلته السوداء , وربطة العنق التي أهداها له , صديق ماتزال تتذكرملامحه السمراء …
يبدو أن خيالها جامحا لحبها الأول أيوب الذي صا ر يتركها كثيرا ولفترات طويلة …
أحست أن حبه يجد ب ولامناص من التفكير , بزوجة آخرى تأخذه منها , فلم تعد هذه الظنون والخواطر التي , تتأجج داخلها تجعلها طبيعية في سلوكها مع المحيطين بها …
وفي لحظة فكرت , بأن تنهي المأساة , وتجازف بالانتحار , لكن خوفها الغريزي منعها من الإقدام عليه …
قررت الخروج من بوتقة الجحيم , والهروب لمكان آخر .. لتنسى ما تعانيه جراء الضغوطات النفسية ,وتكاد تهد كيانها المضطرب تحت سيل الهجر والأفكار المتضاربة وصدمتها بلاأباليته ….
وحينما وجدت نفسها مع الحقيبة الكبيرة , على الرصيف فكرت بجدية :
أبي رجل يفيض أنانية , وقد محي الحنان من صدره , مذ تركنا وتزوج بأخرى , بعد وفاة أمي …
وأخي الوحيد لاأقد ر البقاء , عنده أكثر من يومين , بسبب غيرة زوجته التي لاتطاق ….
لم يبق سوى أختها , الساكنة في أطراف المدينة الواسعة , لابد أنها ستقضي يومها بالذهاب والعودة لعملها , الذي سيبعد كثيرا , فكان عليها الذهاب لأنه الحل الآني ..
كان الاستقبال رائعا من الأخت وزوجها ,,ببيتهم الصغير ,ولابأس من النوم في حجرة الأطفال … بعد مرور اليوم الأول , شعرت أنها تفقد الكثير فلا أشياء خصوصية , ما تملكه مشاع لابناءأختها …
بدت تتقيد , لأنها تعيش على مساحة حريتهم , كانت تستحي من الذهاب للحمام , لابد من الصبر… حتى يأتي أيوب ويتصالحا … ويأخذها , وهم يشعرون بأن حبهم يتجدد …
يقضيان أمسيتهم بود , ويحملون طعام العشاء , من أحدى المطاعم , ويكملون السهرة , تحت ضوء الشموع , في بيتهم مثل عشاق هدهم الفراق …
شمس الظهيرة اللاهبة , أشعرتها بجفاف بلعومها , وان رأسها , يتدلى على صدرها من الجو المختنق , والد بق يغزوها مثل غراء يطبق على جسدها , فيجعلها تحس بأنها كرة تتدحرج …
أقتربت من البيت , شمت رائحة , الألفة والمودة , زال شعور التعب , حينما لمس كيانها , برودة المنزل … وفيض الحنان ينابيع باردة تتدفق نحو قلبها المتسارع الضربات …
أدركت بحسها , لابد أن زوجها قد حضر أو أتصل بهم , وحين لقت أختها بوجه ضاحك … وسألتها :
ألم يحضر أيوب ..؟؟
لا… لم يأت , دعيك منه …هل ..
لقد مضى شهر على وجودي هنا … ولم يأت…ليصالحني !
الرجال جميعهم هكذا … تعالي ..
أنه لم يفعل هذا معي أبدا …
عاودها الشعور بالتعب والغثيان , فأنسحبت لغرفة النوم , وألقت برأسها فوق الوسادة …
السكون يغلف البيت , ولعب الأطفال مبعثرة بفوضى , من الغرفة لتمتد الى الممر المقابل , أحست بخواء معدتها , وصداع ثقيل , يدق رأسها , نهضت من رقدتها بكسل , ذهبت للمطبخ لتعد طعامها … والخدر يتمدد في جسمها, رن جرس الهاتف , كانت أختها , تعتذر منها , لاتهم خرجوا دون أخبارها ….
رتبت الصحون , لتتخلص من ضجرها , فوجئت بورقة مطوية … شهقت وهي تقرأ … أحست بمعدتها تكاد تنفجر من الهلع …
كانت ورقة تبليغ من المحكمة بوجوب حضورها بشأن قضية الطلاق التي رفعها أيوب ….