أوجاع في ليل أزرق
سمـر جزائري
ذاتُ ليلة جلستُ انظر الى السماء طويلاً و لم ادرِ كيف رفعتني اليها وكيف في لحظة لا ُتـتاح حتى للنـٌساك وجدتني في عالم ساحر خلاب , في ليل ازرق تتلآلآ انجمه البيضاء على صفحات الكون الفضية؟ فتهتُ وسط زحام النجوم والكواكب و شعرتُ حينها ان هذا الليل الادمي يوجعني بهدوءه ,, فلملمتُ نفسي هكذا, هكذا كالجنين الذي يدري ان الحياة ليست سوى فقاقيع لماعة زائلة لامحالة وقلوب مفعمة بالشهوات متصحرة لاتنبت فيها الازهار والرياحين وعقول كالبهائم مشغولة بطيب المرعى ,, حتى البهائم غالباً ما تُـشفق لجهل البشر,, واذان لاتصغي إلا لايقاع الانخذال والهبوط حتى القاع؟
شعرتُ بأن هذا الليل يوجعني بلذته وهو يحدثني حديث النفس عندما يرخى الصمت سدوله ,, فيصرخ صوتا من داخلي يهشم الاضلاع بأن تكلمي , صرخة حادة يتردد صداها الموجع في فراغ الابعاد الموحش؟ فتقول روحي مالا تقوله الاشياء والاشكال والوجوه. تقول ان الحياة محض امنية وسراب من فوضى الرغبات ,, عتمة تستحيل الى صمت مخيف لامتناهي وخوف لامرئي. تقول بأني عندما انكسر امامهم كعصفور مبلل لا يقوى على الطيران يشعرون بلذة عميقة لايشعر بها من هو مثلي في قفص تفوح منه رائحة الحزن والوجع … والانتظار,, كصاحب الرؤى الذي ما ان مد اصبعه في فراغ هذا العالم الصدأ حتى لامس صخورا منسية من ازمنة جرداء,, فتحلق عيناي كالجناحان في الافق البعيد باحثة عن طريق يوصلني الى هناك..وتغادر روحي جسدي تماما كما يغادر الطير عشه فلا اغنية يت! ردد صداها مادامت كل الاغاني أوهام ,, ولا صوت بشر يحمل عمق محبة,, ولا زقزقة عصفور,, ولا روحا تستبقيني هنا .. لاشيء, لا احد سوى ايادٍ تلٌـوح بالوداع الى اللاشيء وباباً موصدة الى الابد. وهكذا كان يصغي الليل لحديثي… على طول حافة الكون تنتشر بقايا من بقايا الروح. الروح التي تتلاشى امام احزان قد مدٌها الافق غيوماً لا تنز عن فرحٍ ,, فتستحيل هكذا الى مشانق ,, تقف متهيبة كــ “غصة” في الحلقوم لا سبيل للحياة إلا بخروجها ؟ لو لم يكن للروح قلب خافق ألم يكن بإمكانها ان تحيا بقلب نابض ,, فقط؟ في عالمنا الهش الرخو نغدو كالمجانين !! ألآننا مجانين حقاً ؟ أم لآن الجنون هو سر الوجود ؟ وهذا الوجع الذي توارثناه جيلا بعد جيل هل هو سر ديمومتنا منذ الابد ؟ تصدٌع في كل مكان وليس هناك ثمة تفسير لكل شيء,, هل لآن اهمية الاشياء التي تحدث قليلة؟ هل التواطوء مع الاخرين هو ماينقل علاقتنا من الحياد الى المخاطرة “سؤالا طرحه في سا! لف الايام احد الاصدقاء” ؟ نعيش عالم الصمت,, ألآن للصمت سبيلا الى الذات ؟ وهل ندري ان للصوت هيبته الاتية من عزلة الصحارى ؟ عالم اغتصاب لكلا الجنسين يقنن بورقة زواج ,, عالم نتقيء فيه المرارة عندما يـُفقد الشباب والالق فلا شيء يمنح شبابك عمرا ولا عمرك شبابا فلن تعد هناك ولا هنا ولا شيء امامك سوى العدم ولا اثر لوجود الزمن خلفك واقف على حافة الهوة العميقة ,, خائف مرتجف فمن ذا الذي تعترف له بضعفك قبل قوتك بسيئاتك قبل حسناتك تتعرى امامه دون ان ينتقص منك او يشوهك او يحاربك بمساوئك ؟ جميعهم يعانون وجميعهم يقتفون خطى الذئاب
ومازلتُ هكذا حتى اخذ الليل يراقصني ويهمس لي .. تمسكي بمساحة النور في داخلك بعيدًا عن التشتت
وتعالي اليٌ محلقة وانت ترتدين ثوب ذاتك لتبنين مملكة الربيع ,, انشدي لحناً يخترق جبروت الصمت وعظمته وتأملي نفسك الحية المتيقضة في جزيرة الاموات المهجورة,, تأملي روحك المتمردة كأله طائر لا ينافس إلا الهة الصقور ولا يضرب طيرا ضعيفا جائع. إحملي اوتارك الي وغني لي و ارقصي على النبض واقيمي عطرك الدافئ ابداً واصغي لتلك القلوب المحترقة منذ االف عام ومافتئت تبتسم .. ولا تخدري حواسك ,, فلا تستطيعي ان تلامسي غروب الشمس ولابزوغ الفجر ولا فرحة الصباح او سحر الليل ودفئه وتجلدي بالامل وحركي الزمن الراكد حولك, المعفٌـر بتراب الخطيئة واظهري وداعتك المخفية تحت نسيج العنكبوت ويكفيك التقصي في همهمات العيون لتقرأي مالايقال. إنك هناك واقعاً حين تفقد الاشياء حقيقتها وتصطبغ الوانا غريبة بشعة
سمـر جزائري