الرئيسية / دراسات / موسيقى الكائن للشاعر سعد جاسم

موسيقى الكائن للشاعر سعد جاسم

موسيقى الكائن للشاعر سعد جاسم

فانتازيا التنبؤات والتمازج مع اناشيد الروح

 

قراءة : سمر محفوض*

 

الموسيقى قوام القصيدة الأكيد  كاحتفالية  تسعى  لتقولها في حضرة الحس والتذوق ضمن إطار  التواصلات  الراقية بين الكائن وهمه بشكل عام وبين تصوراته الشعرية..وتواشجية المعنى مع البنية  كتناغم هرموني  وكتفعيلات نغمية حركية مقطعية كبهاء معذب صعب امتلاكه بغير وعي الإصغاء  وغناه وتصعيد الفعل  وتأكيده  بتآلف كوني طازج على امتداد زمن الكتابة والحياة بهذا الشكل والبهاء الصميمي يتناوب الايقاع الموسيقي للكائن الشعري في نص (موسيقى الكائن للشاعر(سعد جاسم) على الرغم من غياب  التعريف  النهائي لشدو الروح ينجح سعد بتفجير اللحظة  تشظياً يحيط بإبعادها  الثلاثة  من حيث هي في الأصل تلخيص الماضي وانبثاق الحاضر وحامل المستقبل  يتحكم  بهذا المزيج  الشعري  لعالم يتألق  في ومضة من بريق مفاجئ  دون أن يتلاشى . والشاعر  بهذا المعيار سيد  الفكرة يمتلك خاصية محيرة  يلتقط من خلالها  أدق التفاصيل  والأجزاء وأبهتها  مهما تواهت   فيمنحها   ناصية اللغة  كوجه أخر  من الإضاءة  على بعض  الأجزاء لا لمجرد  إبرازها وإنما للكشف  عن معناها وتأثيرها  في المرئي والمحسوس أيضا من صيغ الكتابة لتصبح بهذا المعنى  ومضة خلق  من فن  الدلالات  والإشارات  تستثير  في القارئ رغبة  الكمال وتحفزه على القيام بمواجهة  الصدام مع أفكاره التي توالي امتدادها بأحلام تمنحها نوعاً من الوحدة  من حيث هي تمثيل للوجود  أو هي الوجود ذاته  كلهبة سحرية  تتآلف من خلالها الكلمات  عبر ديمومة  التواصل  بسائر المواقف والأفعال  ناهضاً بالتلاقي من  منطق الفوضى إلى متن الحروف النابضة  يقيم  لهامش الكلمات  فصول روحه لتصرخ  ملئ يقظتها بلا خجل..

كي يصدح الإنشاد ويصح  الدفء ممتشقاً عرائشه  من الغبطة العارمة   يكوكب الغيم  بعيداً عن الهذيان المرضي  يخط احلاما جامحة  بسخاء التفاصيل  المضمرة يدخل المجاز المخبوء بينابيعه بلون البكاء ولون الكتابة والأمنيات الصاخبة  لنريق ببوابة نبضنا احتمالاَ قد ينجح ذات ما  بالخروج الى مابنا ..تلك هي المداميك التي يقيم بها عالمه الشعري  المرتبط  بجذوة الإبداع  الشعري العميق كما هو مرتبط بالواقع

 

كلُّ هذه العواطف كثيراً ماتحوّل القلبَ الى غرفةٍ مهيأةٍ  

 

لأستيطانِ ايِّ دكتاتورٍ أعزلٍ إلا من أوهامهِ 

 

أو مومس أكثرَ نبلاً من نابليون بونابرت  

 

أو أَسد إفتضتِ الثعالبُ بكارةَ فروتهِ وزئيرهِ الببغائي 

 

أو شاعر نبؤتهُ جنونهُ . 

 

ولكنَّ الكائنَ / أنا ..{ أُنبّهُ … أُنبهني … انبهكِ 

 

أُنبهكَ … أنبهكم }  

 

بأَنَّ أخطرَ تلكَ العواطف هيَ أن : 

 

{ ثدركََ … تدركِ … أُدركُ ..تدركوا } 

 

 هذه العلاقة سوف تجعل (سعد جاسم) يرتقي بإنتاجه الشعري وبصورة بالغة الدلالة  على اعتبار  أن مقاطع النص تمت في أزمنة متفاوتة  من حيث الزمكاني

الذي اشتغل فيه نصه هذا :

 

1993- 2005  

 

( بابل – عمان – أوتاوا )

…………

اختزال أن تدرك بحدسك واختزال أيضا أن تعلن  الحلم  فأحلامك  أوائل الزهر المطروح  كإختصار قوامه اللغة   لذا تقسم الحالة  من حيث المعالجة والسرعة والتكثيف إلى الحوامل  الثلاثة التي سبق تحديدها (    )  قد يبدو التقسيم  للوهلة الأولى  تعسفياً انما ضروري لان التجربة هي التي تخلق الشكل الفني الخاص بها  والذي يحدد أبعاد الشكل وتفاصيله 

 

وهكذا….. 

 

يُفكّرُ الكائنُ / أنا  

 

يُفكّرُ … حتى تشعَّ عزلتُهُ  

 

بنورِ التأمّلِ وجمراتِ الشاعريةِ  

 

وتفيض بينابيعِ التجلي  

 

وإنثيالاتِ الروحِ . 

 

قلتُ : يُفكّرُ / أَنا … 

 

أَن يغلقَ عليهِ بقوةٍ  

 

ويغورُ عميقاً في عزلتهِ . 

 

وهكذا …. 

 

يعثرُالكائن / أنا – بعدَ بحثِ منهكٍ – 

 

قد تبنى الحالة الشعرية لديه على حدث وقد لا تبنى ؛ فليس هذا هو المهم  وان  الشرط الأساسي هو وحدة المعنى  والفكرة  والغنى أي وحدة الناظر.

ثمة كائن شفاف في مكان ما داخلنا يتابع  العالم ولا يجد وسيلة للاتصال به إلا من خلال العزف على أوتار الروح  وهي الحركة التي يرمز إليها النص بتوقه  النابض ليكون الحرف عدا عن كونه حركة  هو الموسيقى والتطهير والمعرفة والحكمة والنشوة الروحية المنتظرة  ؛ بمعنى أكثر كثافة هو الحياة والعجز عن التناغم معه هو عجز عن فعل الحياة  

 

أَيُّها الموتُ ستموتُ يوماً  

 

بموسيقى حقيقتك – حقيقتنا الفاجعة

 

يمتلك الشاعر ناصية الحركة  تلخيصا لموقف تأملي كامل من العالم ليقول نحن لا نحيا الا في المنتظر في القادم  في الآتي والحاضر لا يعني لتل الكثير بل حتى لا نرى فيه القوام الأساسي الدافع بالتشوق لفعل خلاق  (ربما لان ذاكرتنا متخمة بالخيبة كعلامة  لانسحاب مخيلتنا المرصودة للأزمة  ) لذا لابد من اللحن من الحركة  أي التوق  من خلال الروح حيث يسعى الشاعر ليس من عبر التفاصيل بل من خلال  رصد لحظة التوق والتماهي الكلي بالكون من خلال الجسد  كرمز وفعل 

 

وهكذا يمكنُ أن يكونَ هنالكَ الحب : 

 

  

 

* حبُّ مُدمّرٌّ  

 

* حبٌّ تقليديٌّ  

 

* حبٌّ أَعورٌ  

 

* حبٌّ هاملتيٌّ  

 

* حبٌّ سوقيٌّ  

 

* حبٌّ أوُديبيٌّ  

 

* حبٌّ عذريٌّ  

 

* حبٌّ إفلاطو –آليّ  

 

– أنا أَشكُّ بعذريتنا مثلما أشكُّ بعذريةِ  

 

أُوفيليا وعذريةِ ” كزار حنتوش” –  

 

* حبٌّ … حبٌّ نرسيسيٌّ  

 

* حبٌّ معدومٌّ ………  

 

* حبٌّ من طرفٍ واحدٍ .. 

 

وثالثٍ وسابعٍ وعاشرٍ  

 

  

 

نرى هنا ان الشاعرمحلق أبدا في آفاق مخيلته مشدوداً الى فضاءات  شاسعة  لمدار بعينه عاجزا عن الإغراق بانعزاله لا يجد وسيلة لا ثارة الغيظ العميق والمحفز على فعل المعجزة  مجرد الرؤيا لا يكفي بل يجب ان يكون الكل قادراً على الفعل وهنا تبدو عبارة (دعوا الكائنَ / أنا …    ) رمزا للخلاص

التردي حقيقة معاصرة  وشكل أخر من كلية ارهاصاته يقدمها  في صيغة تلخيص  ذكي لعصر يمر الآن مذكرا إيانا باللذة الكامنة خلف الغموض الذي ليس حدثا بقدر ما هو تشظ  لفراغ الحدث 

 

هكذا …. 

 

وبلا عملةٍ وذهبٍ ويواقيت. 

 

هكذا…. 

 

وبلا بوصلةٍ وبلا اسطرلابٍ  

 

هكذا …. 

 

وبعريٍّ بدائيٍّ  

 

كل تلك التفاصيل  تحتفي بتعدد أسلوب الشاعر ويحتاج القارئ الى قدرة غير عادية  لاختراق الصورة  كعبارة تعزف اللحن بطبقة مختلفة عن المألوف .. ترصد كل مايحيط بالحركة والجمود والفعل واللامبالاة ؛ كاشفا انها جذور واقع حاضر يقيم عرضه البديل الساذج الذي نعيشه بديلا عن نبل الصدى الحقيقي للروح  التي تدل على أننا لم نستوعب القطيعة ليكون الشعر عملية غير قابلة لتمرير الخطأ يفتح الباب علي مداه ليخرج من حتمية النبض أبجدية تناغم قبل جفاف الفرح يقيم رقصة الحب الصاهلة  مستعجلا البوح  الذي له نكهة الاختلاف  وبدايات الشغب  النابض بين حروف القصيدة  يهتف بالمكان ويشتكي التأمل .. كلمات ليست كالكلمات يقيم بها  مرجا لطقس الروح ليقرأ علينا بيانات  طفولتنا الغائبة وفلسفة التفاصيل  في اتساع من جريان للموسيقى الحية  التي لا تشيخ مع تقدم الأسطورة كحضور له عفوية الحكاية  وبه شغف المكان  المفتوح على احتفاء يشرق بتصاعده الهرموني حتى تصير مفرداته حتى الكارثية منها  فقط كاشفة للحلم والهم  ليس كشخصي محدد بل وجع عام يستريح بنا على مسافة جرح عن  أخر دفقة نزف وهو كمثل شاعريته يرتاد قلبه بالهديل  المتأهب  لنسأل من أين يتسرب الشدو وكيف انسرب منك إليك دون قصد ليكمل الزرقة القاب نضوجها في سماء الروح  من كل جهاتها  يتحصن بها ضد الخوف والحصار لان الفعل المصيري لا زال حلما لا ظل له في الواقع  كأمل مسور بالتجريب يرفع غصن صوته أعلى وأعلى  بين أشرك  طريق الجلجلة  تحت جنح رحلته  يواري خيبة الأحلام وميقات الأضاحي على طلول الجسد  يرمم بالصدى بعض عاداته المدمنة  للفرح :

 

يحدثُ للكائنِ / أنا … المُحَلّقُ في فضاءاتِ عزلتهِ  

 

المُشعَّةِ بنورِ التأمّلِ  

 

يحدثُ أن تسطعَ في ذاتهِ القلقةِ : 

 

أقمارُ حبِّ … 

 

وإزاء هذا السطوع 

 

تتلألأُ اعماقهُ بفرحٍ طفوليٍّ  

 

لهُ قوةُ عناصرِ الكينونةِ الأولى : 

 

فرحٌ في حبِّ الكائناتِ والأشياء 

 

فرحٌ الغى اعتقادَهُ الواهمَ  

 

هاهنا صوت موسيقا يصدح منطلقا  .. ثمة محاولة  جادة لخلق لحظة متفردة  عبر استغاثة الشعر يحاول امتحان إمكانية  الكلمة  كل كلمة  وقدرتها  على التعبير  ثم طرق الصياغات  المختلفة للجمل التي تنسجم مع موسيقا مضمونها  تسعى على الورق  كأنها تنويعات على لحن واحد  بين جمل مكثفة وأخرى تفصيلية

لان المقاربة بين وضع ونقيضه  يحتاج التفصيل

بلا شك ان هذا التعارض  ينتمي للتقليد الصوفي  المعروف  والذي  شكل خلفية واسعة من ذائقة الشاعر  تتكشف من خلال استخدامه ذلك التعارض بمهارة المؤرخ الشاهد على عصر انحطاط مازال قائما ؛ عصر لم يعد يمكنه منحه الطهر  والسكينة :

 

ينطلقُ الكائنُ / أَنا … ليختارَ لهُ مكاناً بعيداً … 

 

بعيداً عن الضجيجِ الفاسدِ والعيون : 

 

آهٍ… من العيونِ الفئرانيةِ والواحدةِ  

 

والتي تُكَرّسُ للتحديقِ بدواخلكَ  

 

وبكرياتِ دمكَ … وخلاياكَ  

 

وبخطواتكَ … وأمكنتكَ السرّيةِ جداً

 

ينهل الشاعر من الأسطورة مادة التلاقي والقدرة على التلاؤم تحت ضغط الحلم الطفو لي بعالم فاضل

لكن السؤال  الذي يتركه مفتوحا بلا إجابة هو هل التلاؤم هو الحل الذي يبطل جدوى أي احتجاج ام ………؟

انه لا يجد المبرر  لأحد  .. فقط يوضح مايستحق  الشرح   كإسلوب مركّز  لجمل لا تحتمل الشطط  ليؤكد ابداً ان الحركة تصدر عن دافع كامن  في ابتعاد الفر د عن مكانه  وانسلاخه عن الصورة التي  اختارها لنفسه

ليشير بإن علينا أن نطرح للنقاش من جديد ليس فقط مانعتقد إننا نفهمه  عن العالم الداخلي بل  العالم ذاته :

 

يحاورهُ إزاءَ : 

 

* الحقيقةِ العذراء 

 

* معنى الألم  

 

* فضةِ الخسارةِ 

 

* رمادِ الوهمِ  

 

وضوءِ الانصهارِ الكلي  

 

لا الالتقاء الشهوي أو الموت  

 

في الآخر . 

 

  

يستخدم لغة فيها المحسوس  والمجرد مظهران لحقيقة قابلة للتبدل دائماً .. ويهمل جزئيا مبدأ الوحدة الفنية للشكل بجعله اكثر العناصر تباعدا وتناقضا في كل عبارة وهي تخط حلماً شيقاً يفرض نفسه واسئلته  الى ما هو ابعد  من العالم السحري عن طريق الايقاع  الاشراقي  الذي يتصادى من خلال  التناغمات والنقط والعلامات والإشارات  مراعيا في كل ذلك  التدفق العذب لمد الإبداع  يوصف شلال النبض من اعلى مصبات الشدو  يعصف بالطحالب  والاشنات  ويرشقنا بالأخضر الندي  ويشرع قلبه للحنو مرتلاً  سور الحب لنداء الشجن  المسكون بالغناء ويأتي الكلام  انفجاراً في الزمن المستحيل  مفتوحا على كل الحنين المتشبث بالتوق على بعد صرخة من الهاجس وخطوة من الخلاص :

 

دعوا الكائنَ / أنا … 

 

في عزلته 

 

دعوا خلاياهُ تكتشفُ  

 

ودعوا حواسهُ البتول تتفتح 

 

ولا تستعجلوا النهاية

 

يؤكد بغنائية عذبة خصوبة الروح ورحابتها وشوقها للتجسيد في اللحن الداخلي  حيث يمتزج العالم الفعلي والمتخيل  ويتشوشان من خلال التداعيات التي انعكست على الكائن فشيأته حتى نقي العظم  :

 

الآنَ …. 

 

يعني الكائنُ / أنا  

 

أَن يُشيّئَ الزمنَ  

 

ويحاورُ الذي قد يقيَّضُ لهُ أَن يُحلَّقَ  

 

في فضاء هذهِ العزلةِ

 

انه يبرع تحديداً في  اختزال  وتكثيف البوح بالمسكوت عنه وحتى توصيف الشاذ لدرجة جعله بلا ذاكرة مجتمعية اومكانية حكائية بتحويله الى تجويف يشك بوجوده اصلاً  كمحاولة دفعنا لاستعادة شيئ  من ذاتنا المغتالة

ليمر التاريخ متمثلاً بالرمز العجائبي  على مدى القصيدة مشكلا الحدث الابرز  في البنية الشعرية وانزياحاتها  سطحا وقاعا بوصفه مصدر حركة لشحنات من الفاعلية  لا يتلقاها  القارئ الا عن طريق عدم ممنوعية التداخل بين العناصر فقد تتمازج لدية خصائص الفني مع العلمي المختبري مع الأسطوري لتكون الهيمنة  المتحققة على شكل شعرية مموسقه كشكل متقدم من طاقات الشعر ومن موسيقاه الخارجية  والداخلية  ينتمي الى فن التعبير  بالكلمة أي العزف بوترها أي الأدب الذي يحقق جمالية  عالية على اختلاف الأنواع المطبقة . نلحظ في أسلوبه نوعا من هرموني كامن  غامض الإيقاع ينشأ عن ذلك الانسجام الداخلي والتوافق بين ألوان التعبير  لغة ورمزاً وصورة  ؛ ليولد موسيقيا الكائن الشعري  داخل الهرموني لسائر ظروف الإيحاء  اللفظي  والمدلولات المرموز اليها  او الموحى بها والكامنة في الأبعاد  والمناخات لتصاعد الموسيقى الداخلية لونية تشكيلية قائمة على التعبير عن مصدر الايقاع الداخلي  ومتممة للصدى الخارجي الذي نشعره  دون ان نستطيع تفسيره حيث أنَّ جميع عناصره تشع من الانفعال وصورته  مما ندرك ولا ندرك . انه الايقاع الذي يتسق نابضا بالتصويري  وعلاقته بالاصوات  والمعاني والاصداء . وهي موسيقا مستقلة ؛ موسيقا الاستجابة للايقاعات المؤتلفة ولتجاربنا في الحياة .

تنطلق الشعرية لتحيد باللغة عن مدلولاتها العادية مانحة اياها طاقة خاصة على اثارة الدهشة  وفتح طرق سرية في الروح للسمو والتعبير عما يستحق التعبير عنه يقدمه (سعد جاسم)  كايقاع من نوع أخر غير الذي يحتويه الازدواج والتكرار والرتم في الكلمة  العربية بوصفه  أن المفردة الواحدة تضيء اكثر من معنى هو هنا يقول اكثر من شدو حاملا خاصية تجعل منه  أي المدلول لا علما ولا ثقافة فقط بل  وسيلة لقراءة الروح وتحفيز اللحن القابس للنبض كل ذلك وهو يدندن بالصمت  ويورق بالغصة حيث ينداح التزامن الهرموني  على كل متون النص في انبهار  ويترك الوقت يتشرب خفق الكلمات  والاشارات  كعناوين  تفضي للأحلى من هبات الضوء الداخلي اذ يدق أجراسه النهار خارجا لفضاء الطقوس :

 

وعندما تستطيلُ او تتقاربُ وقد تتكسرُاو تتنافى المسافاتُ 

 

تصبحُ الاغنياتُ والنوايا والمحاولاتُ والخسائرُ والمغامراتُ 

 

والتوسلاتُ قابلةً للتأويلِ والبكاءِ والنميمةِ والتمثيلِ  

 

والخيانةِ والانصهارِ المطلقِ  

 

الذي ( ليسَ كمثلهِ شئ ) . 

 

وهكذا يمكنُ أن يكونَ هنالكَ الحب

 

 تبدو التجليات هنا على شكل احلام جامحة يخلصها من الاتجاه الواحد ويشتبك مع الذهول ليقتسم معنا صداه  تاركا في الصدر ورطة اصابعه  وذكرياته ومعاناته باقتراف اللحظة التي نشعر بإنها جاءت  كهوية لزمن مفتقد يناجي الشغب الحميم  على حلم والجسد المختلج بروائعه المنسية يستفيق من النبض حتى النبض متوجاً بطيف القصيدة مخموراً بالانبهار  كذوب الشوق محتاج لدفء وسلام وسكينة هو المسكون بسرب من اللهفات  وبأشواق السراب المستحيل :

 

ولكنَّ الكائنَ / أنا ..{ أُنبّهُ … أُنبهني … انبهكِ 

 

أُنبهكَ … أنبهكم }  

 

بأَنَّ أخطرَ تلكَ العواطف هيَ أن : 

 

{ ثدركََ … تدركِ … أُدركُ ..تدركوا } 

 

بلا شكٍّ بأَننا …أنكَّ … أنكِ .. انني ..  

 

قد التقينا الآخرَ الحقيقي في زمانٍ وفي مكانٍ مزيفينِ

 

 الكائن – الشاعر منشغلٌ ببياناته ؛ ناشرٌ ظله تحت سمت الاختزال  يكمل الجمل الناقصة في الوجدان  وهو منسجم مع ذاته المبدعة  وتفرده بنسيج  مغاير يستصرخ الخلود في عزلته .. مجرد عابر نبض مكتوي بالزمن والغفلة والشجن  .. يكوكب اصواتنا ويطلقها ملونة  بالزنابق  يعدها لمائدة فرحتها المؤجلة  ليبدأ طقس التوحد  ناثرا ملح الحكايات يمنحها يوما جديدا يفيض بالنور  ويشتعل برسالة الشعر  كحرية مرتجاة ليقول  : كن جسدا حراً ياجسدي

ردا على أحوال القطيعة  التي تكرست وتفاقمت في البال  لنكتشف لم نحن  ببساطة لا نجيد (السلام) مع أنفسنا ولا التلاقي على طبق الروح  .. مهارتنا فقط  في الغاء صداقتنا مع أحلامنا  كهجران عتيق  وكامل اللياقة  والعافية  بتمزيق اللحن وتيبس الذائقة مدعين  التجديد والعصرية . فهل يليق بأي عصر ان يطوره المختصمون مع أرواحهم والمنهمكون من القطيعة والخائفون من تطلعاتهم النفسية ومتمماتها وتفرعاتها…التطلعات التي تسهم بإعادة التوازن بين النص والمتلقي  كصفاء منعش يستكمل نضوجه في ظل التهيؤ  النفسي والتقبل  المتوازن  على طرفي الشوق

في نص( موسيقى الكائن ) يجيء الكلام نوعياً  وينبثق من حقيقة التأثير المحتوم  للمغامرة الشعرية وبعدها الفضائي المموسق كتجربة مفتوحة  تتأبى على القولبة من خارج الظاهرة كبرهان لصالح الابداع :

 

وهكذا …. 

 

يعثرُالكائن / أنا – بعدَ بحثِ منهكٍ – 

 

على مكانهِ البعيد … 

 

وما أن يحاولُ أن يستقرَ  

 

وهوَ الذي لامستقرَ لهُ ؛ 

 

حتى تنثالَ أو تنبثقَ من خلاياهُ / موسيقى … 

 

موسيقى تُنذرُ بالخطرِ  

 

ويندهشُ بتفتحِ بنفسجاتٍ وقرنفلاتٍ عذراء  

 

في جغرافيا مكانهِ  

 

بما في ذلكَ جدرانه الآجريةِ وسقفهِ الكونكريتي  

 

وكذلكَ تُنَبههُ النوارسُ  

 

بتوهّجِ الشمسِ  

 

في دمهِ . 

 

 والتناغم الذي نتحسسه في اعماق نفوسنا  ونتحسر عليه كنداء يتوهج داخل المبدع ويتفوق على ذاته وهو بهذا المعنى لدى ( سعد جاسم)  إغواء فطري  للموهبة وانفتاحها على آفاقها ودينامية  تجربيتها  تمثل حالة  الابداع  والتنظير جنباً الى جنب  تزدهر في فضاء  النفس كتأكيد للتجربة الحية الحرة على المستوى الكوني على اعتبار ان المقصود بالشعرية( البو يطيقا –poetics )

ليس النظرية الشعرية فقط بل  الابداع ككل متمم للفنون القولية تلاقياً مع تموجات الذات والكون  على شكل وجد الروح في البحث عن زمنها  الخاص للتعبير في لحظة وهذا هو المجال الحيوي  للموسيقى الشعرية  بحيث يغدو للكلمات  مختلف الإيحاءات والإيماءات الحسية  والعاطفية  المتجاوبة مع معانيها لفظة .لفظة  وإيقاعا بعد إيقاع سياقاً ومعنى  وموسيقى في حلة بوح يرتقي  بالحرف الى نظام الموسيقى وأدبيات الخصائص في كلية الموضوعية الشعرية وتخليصها من ركاماتها  كنتيجة لاتحاد الموسيقى واللغة والصورة  بين الخيال والحقيقة كقطبين يمثلان المبدع في تناغم يبحث عن بيان أي عودة للطبيعة  الأم الأنثى والشاعر يدل على ذلك منتصرا بسؤال تخطى الإجابة  لحضور تشظى في الحواس  رحيبا بلا حدود . والشاعر  يقيم مملكته العفوية  بالإدهاش عبر تكنيكات الخروج عن ضبط مصدر الإيقاع وبهذا تكمن حريته ليقول ان الصمت هو لغته الأصلية وموسيقاه المطلقة :

 

هكذا ….. 

 

وبلا …..  

 

الكائنُ – أنا – الثملُ بنورٍ عزلتهِ  

 

الآنَ ثانيةً تنبثقُ الموسيقى من خلاياهُ : 

 

موسيقى … موسيقى بروق … موسيقى … موسيقى ينابيع 

 

موسيقى جنائزية … موسيقى …موسيقى لإغتيالاتٍ  

 

وحروبٍ فنطازيةٍ … موسيقى … لقيامةٍ لانعرفُ ساعتها 

 

موسيقى … موسيقى خطرةٌ ….  

 

موسيقى لعالمٍ قدْ يفنى في نهاياتِ القرنِ 

 

ولايُخلقُ ثانيةً في ستةِ أَيامٍ  

 

ولهذا سأُحّذّرُ : 

 

إحذرْ … 

 

احذري .. 

 

إحذروا : 

 

هنالكَ ثمتَّ حبٌ – ليسَ كمثلهِ شئ – 

 

  بتدرجات  ذات بنية لفظية تقدم مقاربات  تؤسس لطرح  يدعونا  لانتظار المفاجأة كفن  افتراضي يستحوذ على قدرة التواصل  كطقس حر خارج لعبة الجسد والممكن والكمون والتشكيل  والسلطة والخضوع  أنها تعبير عن شغف الحاسة في فضاء واسع ورحيب هو الروح وحسب .

 

 * شاعرة وناقدة سورية

 

 

عن سمر محفوض

شاهد أيضاً

قراءة في رواية “رقص السناجب” لعباس خلف علي

قراءة في رواية “رقص السناجب” لعباس خلف علي بقلم: شميسة غربي/ سيدي بلعباس/ الجزائر “رقص …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *