الرئيسية / قصة قصيرة / حلم ليلة الأمس

حلم ليلة الأمس

* السائر في نومه .

كلما أغلقت الباب ورائي ورحب الشارع بأقدامي ، قلت لنفسي :

ـ هل إستيقظت من نومي وأنا السائر في سديمه ؟ لاشيء يدل على أني كنت ذات ثانية هنا .

باب سجني مفتوح وأقدامي لاتطاوعني على الهروب .

وصراخي من حدة الأنين لايبرح حنجرتي .

وإن قلت لمعذبي كفى قال:

ـ وهل بدأنا العرس ؟

* الحلم

جنته وأحيانا تتحول إلى عقرب صحراء تحن إلى قطرة ماء واحدة .

في الحلم يتحول الملوك إلى عبيد والعبيد إلى طيور وإن كسرت أجنحتهم فوق الأعالى يحومون .

لولا الحلم لكف الإنسان عن النظر إلى السما ء . يغلق غرفته ويفرغ أخر رصاصة في رأسه .

عندما يتكلم الحلم تغلق أبواب القصور وتصوب فوهات البنادق في وجه ظل يتحرك في الظلام .

هو

هوائي…..

نافذة

من شرفتها أطل على بؤس في حجم السماء . وأغازل خيوط شمس كل صباح .

لسنوات طويلة أغازل الشمس، أعتقد أنها لن تدفء ولو بخيط شعاع واحد برودة وفراغ وعزلة غرفتي.

وهي…….

العارفة بفظاعة عيشي تحت سقفها .

ينبغي أن يكون المرء إلها لكي يتحمل أوجاع ساعات الإنتظارالرتيبة المملة المريضة .

* ضد الأب .

هل ستصدقون حلمي؟ .

مهما …..

وضحت ….

وأسهبت في الكلام عن حلم ليلة الأمس ووضعت أمامكم كل قناعتي أدلة ، أكيد لن تصدقوا .

وقد يتلفن بصاص المدينة واحد منكم وهوإلى هلوساتي منصت الأن ويتصنع الغضب والأسف وأنه يقاسمني محنتي . يهودا ترك الأمانة لأحفاده.

يتلفن البصاص لصيادي المجانين بالحلم مثلي ويلقى بي ككيس من الجماجم في مرستان بئيس ، حيت السوط كما يزعمون ويؤمنون الطريق السليم والسوي إلى الصحو . طبعا….طبعا هذا إن كان لطيفا . الكثير من أمثالي منحوهم رقما في قلعة تحت الرمال . ساعي البريد لن يحمل لهم أخبار ما تبقى للبشر من حياة على الأرض .

لاموسيقى ولا رسم ولاكتابة

قال لي شاعرالمدينة :

ـ كسرة خبز هناك شربة ماء وثانية من النوم تعادل جز إصبع.

في الحقيقية لاأدري ما الذي يفعلون هناك بأصابع بشر القلعة ؟ وبعد أن يجزون كل الأصابع ماالذي يطالبون به ؟ نعم تعلمت كتابة إسمي ونطقت بالشهادتين ولقنوني محفوظة وبصوت آمر :

ـ لتسكن حروفها روحك وإلى يوم الدين …مفهوم ؟ ورددنا جميعا :

ـ مفهوم مولانا .

وطفق يغني :

يشرب مايه

ويزيد مايه

نعطش ونموت

ورب السما

ما نبكي

وليه نشكي

وعلى كيفُ إمشينا

مُشْ حمينا

هوبونا

ياربي إخليه لينا

ورددنا جميعا :

ياربي إخليه لينا

بل في ركوع صلاتنا وبهمس عميق :

ياربي إخليه لينا

أنا لست غبيا إلى هذا الحد لأصدق محفوظتي . أنا تعلمتها وهذا بيني وبينكم بالعقاب …..نعم بالعقاب . وكل ما يعلم بلسعاته لا يولد إلا الخوف والشعور بالنقصان والظلم .

تقول عرافة المدينة :

ـ لاعلاقة للحب بالخوف

وزيادة من يضمن لي أن حاكم المدينة أبي كما يقولون هل أمي تمددت على سريره، وحبلت منه هو الأخر ؟ …………….

…………….

مامنحني إلا الصفع والجوع والقهر و….

وهل يوجد أب يكره أطفاله ؟

هل ستصدقون حلمي؟

حلمت أن ……

ولمن سأحكي حلمي الأن ؟ الناس المغلوب على أمرهم سيشاركون حاكم المدينة رشقي بالحجارة .

وقد يرتفع ثمن الحجر ، ويرغمهم على شرائه . بل قد يتفنون تزيينه وقد يكتبون أشعارا حول شكله ووزنه الخفيف لكن مضمون الهذف . لايخطئ أبدا .

في الحقيقة أمقت الحجر .

وأشفق على أولئك الأطفال … يرشقون المحتل بالحجارة والعدو يحولها برمشة عين إلى قنابل .

لعبة حزينة وبئيسة أليس كذلك ؟

وهل لسيف مقامه أمام فوهة مدفع ؟

وحدها إنزلاق الأقدام وتعثراتها علمتني أن أنظر إلى أسئلتها التي لاتخون تلك الحقيقة الصغيرة :

وجود نا كبشر في حرج رهيب .

في الحقيقة لا أعرف ماالذي يجري هناك ؟ فقط ذكر إسم تلك الأرض المجروحة يتهيء جنود العالم بما فيهم أحبابهم للقتل .

حاكم المدينة هدد شرفاء وأحرار الروح بالمقصلة إن ذكروا في أشعارهم تلك الأرض .

ولا أنا….. أنا السارد…. للجدران آذان .

أكيد كلنا يحمل رائحة دمها المغتصب في أرواحنا . لكن هل …..؟ النعلة : جبن يسكنني .

ألهذه الدرجة يثير ذكرها كل هذا الغضب ؟

للغضب وجهان .

الأول يخفي خوفه الحقيقي بذهان شجاعة . والثاني شجاعته : صدقه .

الأول يقتل لأنه مهدد في سلطته . الثاني يذهب ضد موت يهدد سقوط قامته …وذهابه موت : شهادته .

ومع ذلك يقاوم ضد ركوعه .الموت من أجل قضية عادلة : شرف .

ويقول حكيم المدينة :

ـ ماذا يعني أن أكسب العالم وأخسر نفسي .

هذا الأخير حمل شرفه صليبه وتقدم خطوة إلى الأمام .

طبعا لايوجد طفل دون أب .

ربما الأب سمموه وعوضوه بأب مستورد .

بيني وبينكم أشك في عرق أبي .

ذاكرتي مريضة . شيء فظيع أن ينسى الإنسان حلم ليلته . على الأقل يلوكه كعلك طوال يومه إلى أن يحين موعد نومه . لكن صدقوني لي اليقين هذا الشك مفتاح الدخول إلى حلمي .

يقولون أن الشك عدو للحلم … أضغاث مشوشة قد يحقن دم الإنسان بالبرود المطلق .

ومع بروده هذا يتحول إلى يد تصفق لهزيمته . ويقولون كل حلم لايقوده إيمان عميق …حلم فارغ .

لكن أليس الإيمان بالحياة وعدم القدرة على السباحة في أنهارها يحولنا الحلم أثناء النوم إلى أسماك ؟

* ألف سنة إلى الوراء .

ما أخافه أن يتحول حلمنا إلى كوابيس ويمشي على رأسه مقلوبا .

الحلم النائم على أسرة المرض ، يحول ما يحبط عزيمته على التحليق :سلطة الوحش الرهيب .

إلى قط أسود هزيل سجين غرفة مظلمة وبلا باب ونوافذ . ويتفنن المعطوب الكسير الجريح المهزوم في تعذيبه .

الحلم السليم يخرج الوحش الرهيب ويتأمل ضعفه، ويتسلح بقوته لا بشره . ويشيعه إلى مثواه الأخير .

عدم الإيمان بفكرة الكمال البشري خطوة أولى لتحرر.

الأحلام لوحة ألوانها أمينة وصادقة لرغباتنا و هي رغبات عادة ما تحاصر داخل الجدران ….وتحت سقفها تموت الشمس ويعم الظلام . وفي رحم الظلام يولد اليأس . وهل مع اليأس حياة ؟

* عزلة الأمرد .

تقول الجدران :

ـ إحذرمن سرعة التفاؤل .والتأويل الفاسد طعمه والتفسيرالمعطوب الروح .

قال رجل لابن سيرين:

ـ رأيتُ في المنام كأن قرداً يأكل معي على مائدة فقال إبن سرين :

ـ هذا غلام أمرد اتخذه بعض نسائك .

وأسمع جدران قبب وحانات البصرة تردد قهقهات الشيخ .تعلو وتنخفض ، تترنح وتستقيم وتصطدم بقلعة صمت الأمرد الذي لايرفع حزنه وعزلته الباردة بالأنين .

وردد الأمرد في نفسه وبهمس حتى لايتعال صوته بالشكوى والأنين ، وتقتفي كلاب الصحراء الجائعة أثر رعد الحروف ويصبح ضحية لبطش عطشهم العظيم :

ـ يا امة ضحكت من جهلها الامم .

حول سقف بيته إلى محراب . وفي صلاة بيضاء كدواخله البعيدة عن ريح حقد وخبث ، دخل في حوار عميق مع الله :

لا اله الا انت خلقتني و أنت الحكيم العليم .

ويتعال صوت حكيم المدينة بالغضب :

ـ لا تجرحوا قلب الإنسان فهو مثوى الله

إحترام البعد النفسي للفرد وأخده بعين الاعتبار، خطوة ضرورية لكل أرض تحلم بالشمس والخير النعيم .

إقصاؤه ضربة قاضية مميتة وجريمة لاتغتفر في حق العلو والخروج من الظلام .

* قناع جديد .

أَكَادُ أَشُكُّ في نَفْسِي لأَنِّي

أَكَادُ أَشُكُّ فيكَ وأَنْتَ مِنِّي

يَقُولُ النَّاسُ إنَّكَ خِنْتَ عَهْدِي

وَلَمْ تَحْفَظْ هَوَايَ وَلَمْ تَصُنِّي

وشكي ….

إحساس عين يقيني .

بقرة حلوب أنا في مزرعته . ونهر حنانه وحبه لي يعادل مايحمله ضرعي .وإن أصابني الهزال وجف الضرع ، مجزرة نهاية لركض صبري الطويل .

دوام المحال من ثبات الحال .

هل أحكيه ؟

وما الفائدة ؟

كلنا في هذه المزرعة نقاسي من حمل ثقل جبال جوهره . وإن إختلفت طرق الحكي .

ربما في كتابة جديدة يولد بقناع جديد وتلكم إن شئتم سر بقائه حركته و إستمراريته .

النعلة إذن على مرآة لا تعكس إلا فظاعتي .

في القبر راحة .

………….

………….

ويقول الشعاع الأخير:

زمن العبودية إنتهى .

ويقول لمعذبي :

ومن تكون ؟

وقد خرجت من مجرى البول مرتين مرة من ابيك ومرة من امك .

………….

………….

 

عن عبد الحق طوع

شاهد أيضاً

عيدون

“عيدون”.. الأسطورة شميسة غربي / سيدي بلعباس / الجزائر يجلس أمام مكتب عريض؛ رُصَّتْ عليه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *