في وداعه، أخيراً، للصحافة، قبل نهاية فترته الرئاسية الثانية، لم يتردد الرئيس الأميركي الجاري باراك أوباما في إعلان دعمه الصريح والقوي للسيدة هيلاري كلينتون، مرشّحة «شبه أكيدة»، لخوض جولة الانتخابات الأميركية الرئاسية المقبلة في خريف هذا العام 2016 عن الحزب الديمقراطي.
والصحافي الأميركي مارك لاندلر الذي عمل مراسلاً لصحيفة «نيويورك تايمز» في البيت الأبيض، ومكلّفاً بتغطية أخبار وزارة الخارجية الأميركية في ظل هيلاري كلنتنون، حيث كان من الفريق الصحافي الذي رافقها إلى عشرات البلدان، يكرّس كتابه الأخير لدراسة طبيعة العلاقات بين باراك أوباما وهيلاري كلينتون التي تطمح إلى أن تكون المرة الأولى التي تتولى فيها سيدة المنصب الرئاسي الأعلى لأكبر قوّة في عالم اليوم.
ويؤكّد المؤلف أن السمة الرئيسية التي تجمع بينهما أنهما «يملكان طموحاً سياسياً كبيراً». ويصفهما بأنهما دؤوبان ويعملان كثيراً بلا كلل. الأمر الذي كان مادّة لـ«التنافـــس بينهما» خاصّة فيما يتعلّق بمفهوم «القوّة الأميركية»، كما يشير العنوان الفرعي لهذا الكتاب والذي يحمل عنواناً رئيسياً مــــفاده «شبيهان جداً».
ولا شكّ أن أحد مكامن أهمية هذا الكتاب يتمثّل بصدوره في هذه الفترة التي يتأهّب فيها الأميركيون لاختيار خلف للرئيس الجاري باراك أوباما الذي تنتهي فترته الرئاسية الثانية بعد أشهر قليلة. ولا شك أيضاً أن ما يكشف عنه من مهارات سياسية وأيضاً من الدسائس التي تجري على مستوى قمّة السلطة سيكون بمثابة رافد رئيسي للمواضيع التي ستتناولها النقاشات والمواجهات المتلفزة بين المرشحين لرئاسة الولايات المتحدة.
ويتعرّض المؤلف في العديد من صفحات الكتاب الأولى لشرح أن باراك أوباما وهيلاري كلينتون ينتميان إلى «جيلين مختلفين» و«أفقين مختلفين». فالرئيس الحالي هو من جيل السبعينات ومن تربية ذات منظور عالمي بواقع أن أباه إفريقي الأصل ــ من كينيا ــ وعاش سنوات طفولته في إندونيسيا، حيث يتم النظر إلى الولايات المتحدة كـ«قوّة تدخل خارجية».
بالمقابل، هيلاري كلينتون هي من أطفال الحرب العالمية الثانية وتنتمي إلى وسط بورجوازي، وسياسياً جمهوري ــ وليس ديمقراطياً ــ ومعادٍ للشيوعية. لكنها انتقلت بعد ذلك إلى معسكر الديمقراطيين والتقدميين، حسب المعايير السائدة في أميركا. لكنها «احتفظت» مع ذلك ببعض ردود الأفعال «المحافظة»، خاصّة فيما يتعلق بدور الولايات المتحدة في العالم.
لكن التأكيد أيضاً أن التنافس بين أوباما وهيلاري كلينتون لم يمنعهما من أن يكونا «شريكين لفترة من الزمن». وبعد أن أقصى باراك أوباما هيلاري كلينتون من منافسته على ترشيح الحزب الديمقراطي في الانتحابات الأميركية عام 2008 عيّنها عام 2009 وزيرة للخارجية بعد فوزه.لكنه يكشف بالمقابل في هذا الكتاب أنه عندما أراد باراك أوباما التوجّه إلى القاهرة في شهر يونيو من عام 2009 ليلقي ما عُرف بـ«الخطاب التاريخي» الموجّه للعالمين الإسلامي والعربي، ثارت داخل الإدارة الأميركية مسألة أن يجعل الرئيس من إسرائيل محطة له قبل الذهاب إلى مصر. وانتهى الأمر إلى إقرار عدم فعل ذلك كي لا يبدو الأمر «ممارسة دبلوماسية تقليدية».
في ذلك السياق، طلب أوباما من هيلاري كلينتون «وزيرة الخارجية» إذا كانت مستعدة للذهاب إلى إسرائيل والتحدث مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة. فكان جوابها أنها «لا تريد فعل ذلك».
ويشرح المؤلف أن تلك الشراكة وحّدت بينهما داخل إطار من «التحالف الذي فرضته ضرورات الحكم». لكن في الوقت الذي كانت رؤيتهما للسياسة الخارجية الأميركية ولدور الولايات المتحدة في العالم تتباين كثيراً. فالرئيس أوباما ظهر باستمرار أنه في صفّ «الحمائم» بينما يتم توصيف السيدة كلينتون أنها بالأحرى في صفّ «الصقور».
ويشير المؤلف أن الرئيس أوباما وجّه نوعاً من الاتهام، أثناء زيارة رافقه فيها إلى آسيا عام 2014، لصحيفة «نيويورك تايمز» التي كانت قد كرست غلافها لسياسته في الشرق الأوسط، بأنها «لا تفهم سياسته الخارجية».
وقال ما مفاده أنه في مجال السياسة الخارجية «ينبغي عدم ارتكاب حماقات».ويذكر المؤلف أن الرئيس أوباما تحدّث آنذاك طويلاً عن طريقته في ممارسة السياسة الأميركية، والتي تمثّل جوهرها في تجنب الأغلاط الكبيرة التي ارتكبتها إدارة جورج وولكر بوش.
بالمقابل، يشرح المؤلف أن هيلاري كلينتون «مشرّبة أكثر بالتقاليد الأميركية لما بعد الحرب العالمية الثانية»وبالتوازي هي «أكثر تحفظاً» من الرئيس الحالي في اللجوء إلى «الاتصالات الدبلوماسية»، كما بدا خلال فترتيه الرئاسيتين. والكتاب يساعد على فهم خلفيات سياسات الرئيس الأميركي باراك أوباما على صعيد السياسة الخارجية، كما يساعد على فهم توجهات السيدة هيلاري كلنتنون.
مفهومان
بالاعتماد على رؤية أوباما وكلينتون لدور أميركا في العالم، يشرح المؤلف أن الأول يعتبر هذا الدور «محدوداً»، بينما ترى السيدة كلينتون أن لأميركا «دوراً عالمياً». وأنها بهذا تقترب أكثر من المفهوم الأميركي التقليدي القائل إن أميركا تتحمّل مسؤولية في العالم وحيال العالم. ذلك مقابل المفهوم الأميركي الآخر الذي يرى أن الداخل الأميركي هو المسؤولية الأكبر للولايات المتحدة الأميركية.
الكتاب:شبيهان جداً.. هيلاري كلينتون وباراك أوباما وصراع خافت حول القوّة الأميركية