الرئيسية / قصة قصيرة / اشواك : قصة قصيرة

اشواك : قصة قصيرة

كانت ترمقني بنظراتها الحادة كلما سمعت شخصا يمتدحني من الحاضرين ! لا اعرف ما الذي كانت تريده تلك الفتاة مني بالضبط , ففي الوقت الذي كنت فيه مشغولا مع الاخرين بآلية ترتيب اللوحات في معرض الفنون الذي سيتم اقامته في اليوم التالي , والذي سأعرض فيه لوحتي الزيتية التي تصور امرأة عجوز تحيك بيديها الذابلتين والموشومتين بأشكال غريبة كنزه صوفية ، كانت صابرين تلاحقني بنظراتها من بعيد دون ان تشارك معنا في ذلك , تاركة لوحتها التي تروم عرضها في المعرض مركونة في احدى زوايا المكان لوحدها .
عندما تخرجنا معا من كلية الفنون الجميلة في قبل ثلاثة اعوام كنا متفقين حينها على الزواج خلال وقت قصير بعد قصة حب استمرت لسنتين من عمر دراستنا الجامعية ولأسباب مادية تم الغاء فكرة الزواج . لم اكن امتلك غير غرفة متواضعة هي جزء من منزل ابي بمساحته ذات الستون مترا مربعا ، والذي يأوي سبع اشخاص بالإضافة لي , هم شقيقي الاكبر وزوجته وطفله ذو العام الواحد وشقيقي الاصغر وشقيقتي التي تكبرني بعام ووالداي . كان الطابق الثاني يحتوي على غرفتين احدهما يشغلها اخي المتزوج والأخرى نشغلها انا وأخي , فيما تشغل شقيقتي ووالداي غرفة في الطابق الاسفل . حينما تقدمت لخطوبة صابرين كان اول سؤالين سألهما والدها هما كيف تعيش وماذا تعمل ؟ اجبته عن حالة منزلنا وأخبرته بأن اخي الاصغر سينتقل الى الغرفة السفلى لحين تمكن اخي المتزوج من استئجار منزل له , ليكون الدور العلوي لي ولشقيقي الاصغر وبالنسبة لعملي اخبرته بأني اعمل سائق سيارة اجرة , وفي ايام الجمعة اذهب الى شارع المتنبي لأرسم صور من يودون ان ارسمهم مقابل خمسة آلاف دينار للصورة الواحدة . لم يعطي والدها اية اجابة , بل اكتفى بقوله لنا اذهبوا وسنرد لكم الجواب فيما بعد . بعد يومين اتصلت بي صابرين قبل ان يتصل والدها بوالدي لتبلغني برفض والدها الذي اصر على ان لا يعطي ابنته إلا لشخص يمتلك منزلا لوحده ومصدر رزق افضل من سيارة الاجرة . يومها اخبرت صابرين ان لا فائدة من استمرار علاقتنا وأقفلت الخط . حاولت الاخيرة ان تتصل بي لأكثر من مره ولمدة سنة بعد الخطوبة ولكني قاومت رغبتي الشديدة بالاستمرار معها ولم اجيبها رغم حنيني الشديد لها .
في احد الايام اتصل بي احمد وهو احد اصدقائي من ايام الكلية واخبرني بأن بعض طلاب دفعتنا قرروا ان ينشئوا معرضا للوحاتهم في المنتدى البغدادي في نهاية شارع المتنبي , وان علي الحضور الى هناك ان كنت راغبا بالمشاركة وإحضار احدى لوحاتي تمهيدا لعرضها في صباح يوم الجمعة القادم . هناك التقيت بعدد من الزملاء والزميلات الذين استرجعت معهم ذكريات الدارسة ، المفاجأة ان صابرين كانت معهم وقد رحبت بي اشد الترحيب ، لكن ملامحها تغيرت فجأة حين رأت خاتم الخطوبة في يدي اليمنى . بادرت بسؤالي بوجه متجهم وبنبرة صوت تنم عن شعور بالحنق والغيرة ” هل انت خاطب؟ ” ” نعم ، قبل شهر من الان ” اجبتها باقتضاب . تنحت بعيدا , وباتت ترمقني بنظرات يغلب عليها الحقد والاشمئزاز , خصوصا عند ذكر رسوماتي من قبل احمد الذي كان يأتي معي كل يوم جمعة الى شارع المتنبي لنرسم معا , جاعلا باقي الزملاء يكيلون علي عبارات الاشادة والتشجيع على الاستمرار .
لم تكن سارة خطيبتي بين الحضور على الرغم من اخباري لها بموضوع المعرض . كان احمد احد القائمين على المعرض وطلب مني حين اتصل بي بأن اتصل بمن استطيع الزملاء القدامى ليشاركوا في المعرض , ولان خطيبتي احدى خريجات الدفعة اتصلت بها وأبدت استعدادها للمشاركة وانها ستختار لوحة كانت قد رسمتها قبل شهر لطفل يحبو نحو مجهول , لكنها عادت واتصلت بي فيما بعد لتقول ان احدى قريباتها ستتزوج يوم الجمعة ويجب ان تكون حاضرة في حفل الزفاف , لذا لن تتمكن من الحضور والمشاركة على الرغم من ان المعرض سيفتتح صباحا وان حفل الزفاف سيكون عند المغيب , كونها تود ان تتحضر جيدا لذلك الحفل . انه لشيء جيد ان لا تأتي وترى صابرين التي غيرت نظرة الاعجاب التي رمقتني بها اول دخولي لباحة المنتدى الى نظرة حقد واستهجان وازدراء غريبة . كانت سارة كثيرة السؤال عن صابرين وكانت تتحجج بأنها تود معرفة اخبارها كونها فقدت الاتصال بها منذ اخر يوم لها في الكلية واني الوحيد المعروف بقوة علاقتي معها . كان ذلك حيلة منها لتكتشف ما اذا كنت على اتصال معها ام لا , وان لا زلت اهتم لسماع اخبارها .
في صباح اليوم التالي وعند الساعة التاسعة صباحا افتتح المنتدى امام الحضور فيما تأخرت انا الى الساعة التاسعة والربع بسبب قطع عدد من الشوارع والجسور من قبل رجال الامن تحسبا لأي خرق امني قد يحصل . كانت المفاجأة ان لوحة صابرين التي تصور زقاق بغدادي قديم تخترقه عربات تجرها الخيول كما كنت قد شاهدتها قبل خروجي في المرة السابقة , لم تكن ضمن اللوحات التي تم عرضها حول النافورة التي تتوسط ساحة المنتدى , بل كانت هناك لوحة اخرى بتوقيعها هي عبارة عن يد تخرج من الارض وتمسك بزهرة تتفرع من ساقها عدد من الاشواك , كان قد غرس بعض منها داخل اليد تاركة الدماء تسيل منها , وتصنع بقعة حمراء على الارض . كانت صابرين تقف امام احدى وسائل الاعلام على بعد خمسة لوحات من لوحتها لإجراء لقاء صحفي ولم تنتبه علي وأنا امعن النظر الى لوحتها تلك . لم يكن ذلك الرسم غريبا علي . ذات يوما وحينما كنت خارجا لتوي من احدى المحاضرات , نادتني صابرين لتريني شيء قالت بأن سارة قد رسمته بقلم رصاص على ورقة بيضاء وقامت باعطاءه لي . كان الرسم نفس ما موجود بتلك اللوحة التي عرضتها صابرين ولكن بفرق بسيط هو ان الزهرة لم تكن تحتوي على اشواك . ” انها رسمة عادية ما الشيء المبدع فيها؟ ” قلت لها متهكما . “ان تلك اليد هي يدي ألا ترى التشابه” رفعت يدها نحوي ثم استطردت مبتسمة : ” اما الزهرة فهي انت .. انظر الى تويجها لقد رسمته ساره ليشبه تسريحة شعرك ” .
“هل تذكرها ؟” اعادتني هذه العبارة الى الواقع بعد ان كنت مقطوع عنه . التفت نحو مصدر الصوت لاكتشف انها صابرين ثم اضافت بنبرة هادئة ” بالأمس اتصلت بسارة لاستذكر معها هذا الموقف , تفاجئت حينما اخبرتني بأنك خطيبها ! .. ليس هذا المهم , المهم هو ان تعرف ان ابي لم يرفضك كما قلت لك وقال ذلك ابيك , بل ان هذا كان اتفاق بين والدينا نحن الاثنين ليمنعوا زواجنا , هم كانوا اصدقاء واتفق ابوك مع ابي لتتزوج انت من ابنة عمك سارة وأتزوج انا من ابن عمي , ابي اخبر والدتي بذلك فيما بعد وقد سمعت حديثهما دون ان يشعرا بي . حاولت قدر الامكان اخبارك ولكنك لم تكن تجيب على اتصالاتي ورسائلي وكنت تعتقد بأني افتعل الكذب للوصول اليك . لم احقق رغبة ابي بالزواج من ابن عمي رغم محاولاته الكثيرة معي لكنك فعلت , اتمنى لك حياة سعيدة , دون ان تتحدث فيها وتصدع الرؤوس عن الارادة . وداعا .

عن منار عبدالهادي

شاهد أيضاً

عيدون

“عيدون”.. الأسطورة شميسة غربي / سيدي بلعباس / الجزائر يجلس أمام مكتب عريض؛ رُصَّتْ عليه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *