بقلم : عبد المالك زيري
أَقبلْ على العالم من جديد وانظر إليهِ كما أنظرُ إليكَ أنا الآنْ أو لَو شِئتْ لنقلْ انزعْ طلقةَ اليأسِ من عينيكْ وانظرْ إليه ككلُ الأبناءْ البارينّ بأعينِ أمهاتهم إن لم يكنْ لكَ مثيلٌ في هذه الحقبةِ من الزمن فاضربْ بقلبكَ الساعة ودعها تدُر حول عقلكَ ثم انسحبْ إلى مكانٍ ما بعيدٍ لكي يتسنى لكَ العبورْ ورؤيةَ الأشياءِ تخلقُ بأنوارها من رحم التجديد وحينها فقط سيدركُ فكركَ أنّ الحياةَ ليست جامدةً بكَ وحدك وأنكَ لستَ بإنسانٍ حنطي؛ فقد يبدو علينا تاراتٍ مريرةً أننا نبتاعُ ملامحاً غير تلك التي تحتوينا ونحتويها : “إنّ الملامحَ لتخدعُ الرهبانْ حتى يا سيدي ” وما بين النون الجمعوية والهاء لغةٌ فيصليّة
عليْكِ أن تعلمي يا سيدتي : إنّ لَهذا من عجائبِ الأمور وإنّ الإنسانْ لا يُقَدِّرُ عِيشةَ الآخر حتى يجربَ نكدَ ما عاشهْ ويغرفَ رشفةً من تجربته… إنّ من الشمعِ الدقيقْ ما يلينُ الحديد الفذ…
ليس اعتباطاً أنْ يدركَ أحدٌ سوي خطأ أحدٍ خاملْ ما لم يكنْ متماثلا معهُ في “النديّة” فامتزاجُ الأعراق بعضها ببعضْ لا يدلُ على تجانسها التام أو الناقصْ، إنما يدلُ ذلك في صفوةٍ كونهُ “الإختلاف” الناجمُ عن ( اللاتفردْ )
ومع أنّ الإختلافَ رحمةٌ بيننا كسائرِ الأممْ المتعارفةِ عليه إلا أن الطبعَ في الإنسانْ يغلبُ التطبعْ وأنا بركانٌ انطفأ نورهْ بعدُ ما سطعْ ( لم يَسْطُعْ بعدْ ) .. ولنْ يغيرَ نزعُ نظارتي اليائسةِ من عدمها شيئاً فيّ أبدا، فقط لأني جربتُ كلّ الجرعاتْ من “أسبرين، وايبوپروفين، نوفالجين ” وغيرها فما أجدى منها ترياقٌ واحد للمقامِ الذي أنا عليه فيُنَّاسِبَّنِي لأبرأ من محدوديتي في الإنعاشْ ..
كما أنهُ كُتبَ للفقيرِ أن يكونّ غنياً بقناعتهِ، كُتبَ للغني أيضاً أن يكونّ فقيراً بجهلهِ !!
كيفّ ذلك يا سيدي ؟!
نعمْ، إننا في هذا العالم مقسمون إلى نصفينْ يا سيدتي هناك شقيٌ وسعيد فالشقيُ كان لهُ الاختيارْ فاختارَ أن يكونّ هكذا يعملُ السوءَ وهو يعلم أنهُ سوء ولكنّ بضلاله وكأنهُ يدعي جهلهُ بتعاليمِ الأشياء وصحتها، وقد تجدينّ منهُ : “المنافقَ والنمام والسارقَ والكاذبْ والمحتالْ “…
أما السعيد هو الذي اختار أن يعمل لآخرتهِ وأن ينعشَ رصيدهُ الدنيوي بأعمالٍ حسانْ وأن يكفّ كلَ أنواعِ الظلم عنهُ وعنْ غيرهْ فقط لأنهُ “تعلمّ أنْ يحبَ لغيره ما يحبهُ لنفسهْ ” طلقّ الدنيا ثلاثاً ولا زال ..
وأيُ الفريقينِ أنت يا سيدي ؟؟
أنّا الخامدُ يا سيدتي؛ الخامد …
وما الذي يعنيهِ الخامدُ يا سيدي ؟؟
أما عن الخامدْ فيعني في اللغة : اسمُ فاعلٍ ل خَمَد و خمِدَ
وخمد يخمدُ خمودا بمعنى سكت والخامدُ الساكتُ ونقولُ خمدتِ النارُ إن سكنتْ أو خبتْ أي قلّ لهيبها .. وإلخ من شروحات اللغة
وفي وضعي هذا هي تعني كلّ ما يقالُ وما لا يقالْ أي كل شيء
أما الفريقينْ !! … لا أعلم مكاناً ولا منزلةً لي بينهما ولا أدري أيُ موقعٍ من الإعرابْ في ظلِ هاذينِ أنشئْ، أنا أجدُ الراحةَ حيثُماَ قال لي قلبيْ : ” المكانُ الذي يعطينا الدفء إياكَ وأن تجحدَ بحقهِ فتتركه إنهُ المفرُ الوحيدْ للتائهينْ من أمثالنا، المكانُ الذي لا ترتكزُ إليه الريحْ ولا يزورهُ البردْ إننا إليه نمتثلْ ذلك أنهُ مستقرنا الرئيس ” ..
وعليه تراودنا خلجاتٌ كثيرةٌ بين فينة وأخرى فقط تجعلنا نتبطنُ في متغيراتِ الأجواءِ أقلْ وندعي البحث عن الأمانِ أكثر لاريبَ في هذا إنها طبيعةُ النفسِ البشرية تريدُ “الأمانَ والراحة ” أكثرُ الأشياءِ طلباً على العموم، ولربما هو أبيَّنُ من النظرْ ..
يستطيعُ الأعمى والكفيف وذو العاهةِ الكبرى أن يرى أشدّ منا فما حاجتهُ بغرفةٍ مضاءة ومُكيفةٍ بأغلى الأجهزة
وفي بصيرتهِ نورٌ يكفيهِ إلى نحو مئةِ سنةٍ أو ما يزيدْ لقد اكتشفَ نوعاً جيداً من الطاقة إنّ لونهُ أبيضٌ ناصعْ “الإيمانْ” فلم يزلْ متشبثاً بهِ إلى أن يصلْ .. وهذا ما يتعذرُ على البصير فعله …
الأيام بين الأجناسِ دوال وكلُ امرئ لهُ نصيبٌ من عملهْ ..
فليس عبثاً أنني هكذا قد يكونّ هذا الأنسبَ لي وإنّ المرء ليفعلُ الشيء المناسب وإن كان يبدو لغيرهِ غير ملائم ..