الرئيسية / قصة قصيرة / شروخ وجروح

شروخ وجروح

الاستاذ:

يقطع القسم جيئة وذهابا, طولا وعرضا,غارق في حديثه المستفيض عن الوعد والوعيد..الجنة والجحيم..القضاء والقدر..اهل العقل والنقل..والامر بالمعروف والنهي عن المنكر……اما التلاميذ فغائبون عما يجري في الفصل..بعضهم يحلق بخياله خارج الجدران  في الحقول والاخضرار..بعضهم يقرا ما كتب من شعارات على الجدران,,والاغلبية تائهمة هائمة.

هو

تسيل الصور عبر ذاكرته سيلانا..جماهير..شباب…شيوخ…نساء..بيض ..سود..حمر..خليط يجوب الشوارع هاتفا ملوحا بشعارات كتبت عموديا ,افقيا ودائريا….رجال متمنطقين باحزمة الرصاص وباليدي رشاشات وهراوي..يدخلون المعمعة, يشتتون الجماهير يمينا ويسارا,..امواج متلاطمة تضرب على الشط ثم تعود لتحمل معها القش والحجر الصلد…خطيب امامه باقات ورد من الميكروفونات في كلمات متسولة ..مهددة..يعد بحل الازمة وعودة الخير والبركة….حجارة من سجيل..طماطم فاسدة تنزل على الخطيب…يتلاطم الموج ,يعربد ,يزبد فيقرر الخطيب ,الفرار والاحتجاب.

الاستاذ:

يتابع حديثه الطويل..فتسيل الكلمات مدرارة عن اهل الحل والعقد..يغمى على تلميذ..يتابع الاستاذ…اعدوا لهم ما استطعتم من ..ورباط الخيل..روائح كريهة بدات تنتشر بالفصل…اغمي على ثان..لم يتفطن الاستاذ..يرسم على السبورة ايات وشروحات ويسترسل في الحديث.

هو:

تتابع الصور بذاكرته شريطا مفصلا..جحيم واطنان من الفسفور تحط على مدينة هادئة  تحول الناس والحجارة وكل ما هب ودب على الارض الىفحم وقطران..صراخات…شواهب نار..جريان..اصدامات..هروبات…مواجهات..طفل يبكي نسيه اهله في زحمة الجري..جمعية الامم المتحدة…منظمة حقوق الانسان..خطابات حماسية..انسانية ..اصابع مرفوعة..شد رأسه يمنعه من انفجار.

الاستاذ:

اتم الدرس. جلس الى مكتبه لاهثا..العرق يتصبب من جبينه..تناول محفظته..اخرج قلما وكراسا..وضع نظرات طبية..
قم يا…صفر..اجلس.

فلان: بماذا امر ..اجلس صفر مثل الحمار السابق..

صفر..تنهد..طرح القلم..تناول عصا غليظة من تحت المصطبة: ساعيد الدرس ومن لم يفهم يسال..وعاد الى الوعد والوعيد ..الجنة والنار..

هو:

غائب عن ان الفصل..عالم مفكر انساني مقدمة طويلة قالها المذيع..بيده موزة ,يروض قردا على العزف على البيانو..تمر الصورة..اطفال ضامروا البطون ياكل اعينهم الذباب وحشرات  وحشرات  تسي تسي …شيوخ وعجائز مسندة ظهوره الى جدران متاكلة بفعل القنبلة..مادون سيقانا محروقة الى شمس خريفية لافحة..اسراب من الذباب طانة نحط على العين والشفاه..وهم عاجزون عن هشها..شعور بالهزيمة والخذلان..دولة غنية  شعارها خدمة الانسان كيفما كان واينما كان..زترمي بالقمح في البحر خوفا من نزول سعره في الاسواق.

احس بضيق في التنفس.

هو والاستاذ:

انتهى الاستاذ من اعادة الدرس ,عاد الى القلم والكناش..توزعت الاصفار يمينا وشمالا..اندست الايدي بين الركب تستمد الدفء من فرط ما اصابها من برد العصا….بكاء…سعال…عويل …تشهير ووعيد…اما هو ففي ذاكرته تنتصب امواج من البشر تجوب الشوارع عارية الصدر تتلقى المطاط , الرصاص واعصي..طفل يبكي وامرأة تنوح.: اينكم يا عرب؟

انت : بماذا وعد الله الم…….؟

حط عليه العصا ,انتفض كعصفور مبلل ورد فورا:

-اين هؤلاء…

نزلت عليه العصا من جديد..اغمي عليه..اخذ الى العيادة والجروح تدميه..قفز التلاميذ الى الساحة متصايحيين..منشدين ..راقصين يتقاذفون باوراق كراساتهم ويتنفسون.

عن زيتوني ع القادر

شاهد أيضاً

عيدون

“عيدون”.. الأسطورة شميسة غربي / سيدي بلعباس / الجزائر يجلس أمام مكتب عريض؛ رُصَّتْ عليه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *