الرئيسية / كتب وأصدارات / رجيم الكلام» رواية كويتية

رجيم الكلام» رواية كويتية

كأن أموراً ثلاثة حكمت رواية «رجيم الكلام» للكاتبة فوزية شويش السالم. أولها، أنها أرادتها تحية للشهداء، ثانيها، أنها أرادت ان تكرّم من خلالها المخرج العراقي الراحل عوني كرومي، الذي اخرج بعض نصوصها الأولى مسرحياً، وثالثها، أنها شاءت عبرها لفتة الى قصائد الشاعر فائق عبد الجليل. وبهذا حاولت ان تجمع هذه العناصر في رواية واحدة.

كان يمكن «رجيم الكلام» ان تكون سيرة الفقد والبطولة والشهادة، ولكن المؤلفة أخذتها في مسارات مختلفة. (صدرت عن دار أزمنة، عمان – ٢٠٠٧).

ما نقصده بهذا، ان تركيبة الرواية، كانت ستكون تامة بالمادة الموجودة فيها، عن الموضوع المذكور، لولا أن المؤلفة فضلت «الفوضى الخلاقة»، وأدخلت الرواية في مسارب متعددة، واستطرادات، تجمع كل ما تريد الحديث عنه دفعة واحدة. ولا يهم ان حاولت تشبيه الكتابة بالمقاومة، وتصوير كتبها شهيدة برصاص النقد، فالقارئ في النهاية يلحق خيطاً خفياً يمده به الكاتب، ليتابع القراءة، في روايتها. ولم يكف اختيارها ذاتها «شخصية» داخل الرواية، لتبرير الحديث عن معاناتها مع النقد والنشر، والاستطراد الى علاقة المؤلف بنصه وباللغة، إذ كنا نفضل لو قصرت موضوعها، على الفقد ومعاناة الكويتيين تحت الاحتلال، بمزج التجربة الشخصية بالعامة، للوصول الى صورة شاملة أو جزئية لذلك الموضوع. ونعتبر ان جمعها بين الذوبان في الحبيب والذوبان في الوطن، الى حد غياب «الأنا» كانا من صلب موضوعها.

«نارنج» و «أسرار» و «فوزية» أي هي نفسها، لم يأخذن الحيز نفسه من المساحة داخل الرواية. كانت لكل منهن، مساحة على قدر حياتها. وتلك تركيبة فلسفية نوعاً ما، للرواية. «أسرار» تكلمت عنها (المؤلفة) بصيغة ملحمية وبمفردات التبجيل، أما نارنج فامتد حديثها على مساحة اكبر، تعادل طول حياتها مع هامشيتها نسبة الى أسرار. وكانت صيغته مختلفة. وكان الهدف ان يبرز الضد محاسن ضده، أي ان تبرز هامشية نارنج، مميزات أسرار، التي أنجزت في حياة قصيرة إنجازات كبيرة، وشبهت المؤلفة صعودها بالسهم الذي يصل ذروته وينطفئ وهو في قمة المجد. وأسرار هي الشهيدة أسرار القبندي.

حاولت المؤلفة ان تشرح الزمن الدائري الذي تعتمده في بعض رواياتها، او التأليف وفق شكل المربع، او المثلث، ولكن في النهاية ان كان المؤلف يبحث في متعة التجريب فان القارئ يبحث عن مواصلة القراءة. وفي رأينا بعض من تشذيب وتهذيب، كان أوصل الرواية الى صيغة مقروءة على نطاق واسع، وأعطى مقاطع هي «زبدة» الكلام كل تأثيرها. كمقطع التأسي من طريقة موت الشهداء، وهو مقطع وجداني، يعالج وحشية القتل أو الموت، ويبرز ان الرعب في بنظر المشاهد هو رعب الطريقة اكثر من فكرة الموت. أو كالمقطع الذي تتخيل فيه إمكان اغتصابها وبناتها، فتفضل لهن الاغتصاب. او التمزق الذي عاشته بين حب بغداد وما أنزلته بالكويت من مصائب، مما جعل الفرح والغصة يتداخلان لحظة القصف عليها، بين أسى على عاصمة عربية، وفرحة بقرب التحرير. الرواية، من دون التطرق الى محاور جانبية، كانت متجانسة بمادتها، لذلك نرى انها أشبه بتجربة «هاربة» او بضوء متشظٍ، ولن يعود الى البؤرة، ولو ظنت المؤلفة العكس.

طراوة تعابيرها، وانتقاء لغتها، كانا لافتين. عمق تحليلها يختزن ثقافة واسعة، ويتتبع أدق التفاصيل. موضوع مثل تحليل هيمنة الذكورة على الأدب كما في المجتمع، كان مناسباً لرواية أخرى. ومعه زيف الثقافة. الكتابة بحد ذاتها، تشدك في المقطع الذي تقرأه، حتى تنتهي وتنتقل الى غيره فتحس الرابط واهياً. فتتساءل أين اصبح الموضوع أو كيف عدنا إليه؟

ويقينا ان القارئ لا يهمه اصل الكتاب أو نَسَبه «مولودٌ نغلٌ» أو «هجينٌ» كما توقعت الكاتبة ان يقال، بل يبحث عن النظم الذي يشده الى غاية الفكرة، لذلك نتساءل لماذا يعزف الكُتَّاب عن كتابةٍ تمنح القراء تلك اللذة، وهم يمتلكون أدواتها ومفاتيح الابتكار معاً؟

عن مي باسيل

شاهد أيضاً

” هجر و حنين ” للكاتبة رضا الباز

رضا ابراهيم الباز موهبة شابة صاعدة طُبعَت على حسابها الشَّخصي،كتاب (هجر و حنين ) يقعُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *