الرئيسية / نصوص / سدومي .. تدوينات مثلي سابق

سدومي .. تدوينات مثلي سابق

سدومي

تدوينات مثلي سابق

اسماعيل البصري

 

 

في جيوب المدينة ،اكتشفت هؤلاء …هكذا في غفلةٍ عن المعشوق الحارس ،توغلت في عَيني تلك الأزقة ..لم أكن اعلم انني الان أطأ إحدى عواصم سدوم الأخرى،انها استدارةُ عريضة تقع في طرف المدينة الذي يفضي الى البحر،البحر تقدست اسماؤه… لست متحمساً لذكر البحر هنا،ليس خشيةً من ان يعرف القارئ إنني انتمي لمدينة بحرية،فينكشف اول خيط من ملامح هذا المنكوح في قلبه ويده ولسانه ودبره،ابداً.. بل لاني لا ارغب بالتوقف كثيراً على ما تَوقف عليه العابثون قبلي ،الذين يكتبون باصابعهم !،المسألة ،كل المسألة،بأنني اليوم ايها العالم المعلن،موفد اليك من  ارخبيلك السري ،لأقص على مواطنيك -او لأستنهض فيهم غدد الشتيمة- حكاية إنتصاري ..بالصاد ،(إمسحوا الزبد يا عشاق الحاء)، نعم،نعم،نعم،انها  يوميات شاب مثلي ،يعني شاذ ..جنسي ،عمره  ثلاثون ويلاً، يرى الان ان تجربته المريره مع هذا السر المستودع يجب ان تدون،يجب ان تتحرر او تتفرغ في السر المستقر،انها واحدة من قصص النجاح التي تزخر بها البلدان المتمدنه ويستفيد منها عظماؤها ،وليست اسطورة نكوص وإنتحار تندبون بها اصنامكم المشنوقة،وانا زعيم للابرياء من شخوص هذه التجربة،لن تظهرون هنا إلا ككائنات ملثمة لن يتعرف عليها احد ,وهي تؤبنني او تجلدني او تمسح على رأسي او تبصق في مؤخرتي او تجلسني في مقام ٍ رفيع او …،وكذا ايتها الأماكن،ايتها التماثيل،ايتها الجسور،ايتها المطارات،ايتها القباب،ايتها الجدران،ايتها الرسوم،كما نقول لأفعى الدار لأنها ترى انوف الجن الملونة وتشهد مالا نشهده في عقائدنا البيتية الصغيرة،قولي لي ايتها التفاصيل الارضية التي عشتها….. (انت في مأمن منا شخوصاً وحوادث …اسلك في عذريتنا بسلام).

اكتشفت هؤلاء…هكذا حينما نهرني اليوم المعشوق الحارس ،كنت امشي وحدي اعالج البرد والصداع،واتسقط  قرص الشمس،قلت لنفسي لقد مضى شهران بالكامل منذ اليوم الاول الذي التقيت فيه م.ح او المعشوق الحارس ،اخاف ان يمض اكثر من ذلك وأنا على هذا الحال…انا امشي في هذا الشارع الموبوء واعلم اني ابدو لهؤلاء صيداً سهلاً،لامفر من ان اجرب هذا الشاب الذي تلتمع ملامحه تحت ظلام الشجرة،وفي قلبي نيةً مخادعة..انا رجل تائب ساكلم هذا الشاب فقط،لن امارس معه شيئاً..تقربت منه ،بدأ يغذ السير ،تبعته ،توقف ،توقفت بالقرب منه ،دخنت سيكارتين..على ما اذكر،ثم سألته عن الساعة،وهنا بدا لي هذا الشاب البدين نسبياً موهوباً جدا في هذا الفن..

  • الساعة الان ام بعد قليل؟؟!
  • كما تريد انت.

بدا منبسطاً جدا ومسيطرا على كلماته ،بعد ان اخبرني عن الساعة،همس بحروف مربية …(تعال)،جلسنا وبادلني رغبته في مطارحه الكلام،جذبته بمهارتي الخاصة واستحسن كلماتي التي حرصت على تلوينها جيدا،لقد وجدت نفسي معه في صلب الموضوع وهو يؤكد ثقته بنفسه وانه عرف مااريد منذ النظرة الاولى ..بينما كنت انفي ذلك،واستغل انشغاله بالكلام والنظر في الشارع ..في اجراء مسح كامل لتقاطيعه الممتلئه،مااسمك ..اسمي منار اعمل في ادارايات الشرطة وطالب مسائي في كلية الاداب ،قال اسمه بثقه على غير العادة التي اعرفها ثم ذكر مواليده فعرفت انه يكبرني بسنه،بينما تلبست انا احدى ثيماتي الموسومة ( علاء/الشقق السكنية/1978/موظف جديد في التدقيق المالي/غير متزوج/نازح جديد الى المدينة)، انتصبت فيَ الان احدى اسطوانات الوعظ وبدات احدثه عن جدوى الاستمرار في ذلك بعد ان اخبرني بانه متزوج منذ سنتين،اتذكر اني طرحت عليه في نغمة رؤومة تاريخا سريعا ً لحالة الشذوذ الجنسي ،وكيف انه كان يعتبر حتى اوائل القرن الماضي مرضا عقليا،وكيف ان فرويد – هل تعرفه يامنار نعم سمعت عنه- قال مطمئناً احدى النساء وهي تشكو لها شذوذ صبيها المراهق ..لا تحزني وما المشكلة؟ ،هل تعلمين ان اوسكار وايلد كان شاذاَ،دافنشي ،مايكل انجلو،رامبو،واضفت من عندياتي ،الخليفة الواثق والخليفة الوليد،العشق الافلاطوني،الهة الاغريق,و…،بدأ يلح الان على معرفة نوعي وهو السؤال الذي لن اجيب عليه بالكلام والجواب سيشهده منار على سريرٍعتيد،ولكني اتهرب من الجواب في هذه اللحظات لان حاسة الفضيلة تشتعل لدي ،تشتعل لاني اجد نفسي في عتبة جسد لا اشتهيه كثيرا،ربما من طلعته الاولى ،لكن بعد ان تكلم ضياء وظهرت فيه تلك الميوعة ..وبعد ان صرح بلسانه..انا احب الكبار،لم اعد اطيق المنظر،انه يحب الكبار ..قالها وهو يروي قصة حياته بعد ان طلبت منه ذلك،وهو امر يستساغ بين المتعارفين الجدد في عالم الشواذ ..أن تحكي تجاربك القذرة والمؤلمة…كما يباح الهواء وتضيع ملكية علبة سكائر بين مدخنين،بالنسبة لي الموضوع ممل جداً،لقد استنزفت جل طاقتي في سرد ذلك الزمان بين يدي م.ح حينما طلبت منه الحضور في سوق المدينة الكبير قرب (الحداحده) وسلكنا (الدرابين) الضيقة والرطبة حتى اهتديت به الى مقهى للشياب،وضغطت على زر الذاكرة ..وبدات اقص له سيرتي التي لم يصدقها يوماً….في الكويت انشق بطن الحوته،ارجوك م.ح ركز جيداً ،انا احدثك بشغف ،احب ان تسمعني …

المعشوق الحارس: اسمعك والله اسمعك انا منجذب تماماً..

أنا:في داخلي رجل خليجي،…عمل جدي لأبي في الفروانية بعد أن قدٍم إليها من السماوة،زوج بنينه وبناته في الكويت وترك خلفه  اطياناً وبساتين هي إرث غير عادل لأخوته وذويه،عموما…لقد عشت طفولتي في الكويت وتوفي ابي في حادث سيارة وهو في السابعة والعشرون من عمره ،وبقينا في بيت الجد انا وامي واخواتي الثلاثة،واربعة اعمام…انا ابن الاخ الاكبر ،المدلل،الذي يجب ان يصبح رجلاًُ،وان لا تربيه انثى سَحارة،تلتهم الذكور،وتلقن بيوضها الكراهية !،في هذا البيت الذي قضيت فيه سنواتي التسع الاولى لا اتذكر سوى ثلاثة ابواب،الباب الاول:وهو الباب الذي كان يركله عمي الاصغر برجله وهو يحملني بين ذراعيه ويوسدني على سريره ،حناناً رسمياً مطلوباً،واغتصاباً قسرياً مستمراً،الباب الثاني:وهو باب السطح الذي كنت اسدله على نفسي وازاول دعك الالوان الشمعية بالورق المقوى،الباب الثالث: الباب الذي حبسنا خلفه عمي الاكبر انا وابن عمي الاخر-يكبرني بسنتين- حليقي الرؤوس بعد ان عايننا في جرم مشهود  داخل قبو الدجاج…

لاتضحك يا م.ح طفولتك البصرية البائسة  لاتخلو من قصةٍ كهذه ، …استقلت العائلة في بيت خاص بعد ان تزوجت كبرى بناتها،الكبرى الحنونة التي ساظل ابكي كلما هاتفتها ،كان راتب ابي المتوفى الذي تمنحه الحكومة الكويتية انذاك يعيننا كثيرا،كنت اقضي في تلك السنين  قبل حرب الخليج في بعض مدن البصرة،حينما كنت ازور بيت عمي الذي كان يملك  مطعم الهاتف في العشار ودكان اسواق جميل،اتذكر ان عمي هذا كان يدس اجسامنا تحت السلم الكونكريتي المظلم حينما تبدأ صفارة الانذار وتختلج في خيالنا صور الجثث المحشوة بالحديد المسلح،وصراخ النساء وانهيارات اسقف المنازل،وهو الهاجس الذي ولد عندي حتى اللحظة رهابا من المراوح السقفية وخوفاً من الاماكن الضيقة وصوت المكبرات والحشود…

لقد كنت متوفقا يا م.ح في المدرسة ،متفوقا جدا..انا اشطر منك يا سيادة المهندس المعشوق لولا ظروفي الصعبة…قتل عمي الاصغر في الحرب …حينما دخلت فرقة من العرابيد الخضر الى حي الردمة الخائف ،سحلوه يا م.ح،ضغطوا رأسه على الرصيف بنعلٍ اصبعي مغصوب،بعد ثلاث سنواتٍ من من عاصفة الصحراء وجدت نفسي اقطن مع امي وبعض اقارب ابي في الناصرية ،نتحين فرص العودة او الهرب من العراق ،انتظر ..لحظة ،في هذه الفترة وقبيل دخولي الجامعة حدثت اعاجيب …

 

منار الان يريد مني ان اسرد له كما سردت للمعشوق الحارس ،لا لن اقدر انها دمعة معلقةُ واحده لن تترقرق مرة اخرى،هل يستطيع ان يسحرني بوجنتين متوردتين وبعينين واثقتين مثل م.ح ،انها مسالة توقيت يامنار ،هل تستطيع ان تتعرش ذاتي في لحظة مثل تلك التي راودني فيها ذلك المعشوق الشبق ،الذي نسي قداحته الحمراء في جيبي ونسيتي وجودي كله في عينيه،هيهات.

-لماذا تنظر كثيراً الى بداية الشارع؟

منار:انتظر اصدقائي ..سأعرفك عليهم ،انهم ظرفاء جداً.

انا: هل هم مثلنا.؟

منار: نعم مثلنا تماما…


هكذا بدات اكتشف هؤلاء ..شواذ مثلنا يتعاملون بأسمائهم الحقيقية ولهم مجتمعهم الخاص ومودتهم الخالصة الحنونة،اي نافذة تنفتح علي،سألبث معهم علني اشرد بخيالي نحو وادٍ غير ذي معشوقِ حارس.

 

2

 

يستحق مجلس الأنوناكيين الخمسة ان تستعد له،أن تتخلص في الطريق الى سديمهم المقدس من حمولتك الزائدة التي لاينبغي ان يلحظها احدٌ منهم،أن تلقي باطواقك واكياسك الرملية وحبالك من فوق دخان الكوكب ،هذا ماسأكتشفه بعد لحظات، انهم هناك ينفضون الغبار عن الطاولة…اشار منار مقاطعاً حديثي نحو الضفة الاخرى للشارع الذي تنساب فيه العجلات،توثقت منه ..إلى أيِ الأنواع ينتمي رفقاءك يا دُب؟

منار: مو سوه ..بعضهم سلبي بعضهم إيجابي..

هو الذي انفرطت في لسانه حبات الحياء وقالها قبل دقائق…انا احب كبار السن،الماتشر..نعم اعرفه يا منار،ثم يفصل :لا …طلباتي bear mature gay)) تحديداً .

بعد سنوات طويلة ربما شربت فيها ارطالاً من مياه الحيوان اللزجة،تجدني أُشافِه دُباً عن طقوسي المشفرة ،وانا ادخل الرقعة الرمادية بيسار شبقٍ خجول وبيمينٍ واعظ احمق،أتقولها بتلقائية ..هل يعقل هذا؟ ،انا أًحِب ان يلجني الكهول المترهلين بمحلزناتهم المكسوة بالزغب الابيض!،حدثني منار عن قصة حبه الاخيرة التي من اجل خسارتها أطلق على فخذه النار،بعد ان تناهى الى سمعه ان عشيقه الهرم اعتلى مؤخرةً اخرى…

انا: هل كان حباً يا منار؟

منار: لعــ….د شنو؟ اكلك ردت اموت نفسي ،افكر بيه ليل نهار ،خدعني طلع حقير ..

قضى معه ست سنوات يمتص من وعيه المدحور حناناً مغلوناً ويلعق من صلبه الخمسيني لبناً دافئاً،لا احتاج للمزيد حتى اتفهم هذا الشاب ،ان روحه المسالمة المبتهجة لا تخفي خلف قضبانها حقداً واحداً..لم ينس ان يردد عليً تعويذةُ سلطانية سمعتها من م.ح ايضاً ..(ان هذا ذنبي الوحيد كما لكل الناس ذنوبهم ،يجب ان اتعايش معه،سيغفر الله لي)..لكن منار ،اين اصبح ذلك الرجل..؟

منار:قتلوه….جان بعثي يعني مو كلش ..هسه من خلصو البعثية الكبار بالمنطقة طكوه.

عليه الان أن  يعرفني على رفقائه،بدت هيئاتهم طبيعية ،وهذا ما اثار شهيتي ..ذلك اني كنت  امقت بشدة الشواذ المخنثين ..الطنطات ،ومن شاكلهم من الأسوياء،وهو الالم الذي كنت اتكبده في كل تلك السنوات  ،فحواسي كانت تشيع على الانحاء كلها، وتطلق الحسرات …وتندب حظي العاثر الذي جعلني اشتهي من لا يشتهيني من الرجال ..

منار:اقدم لكم علاء معي في الدوام ..أأأأ في كلية الاداب وليس الشرطة..

الجميع بالتعاقب والتزاحم:أهلاً وسهلا نتشرف..

منار:اقدم لك…حزين ،صابر ومحمد ورفعت ووليد…

انا:اهلا وسهلا”.

سرعان ما غطت الافواه في موجة حديث وتلاعن وتمازح،لا املك الآن الى الانصات لمردوخ وهو يتلمض غروره…لقد عادوا قبل ليلة من زيارة الحسين كما يبدو من تذاكرهم لساعات الطريق والجموع واجواء كربلاء ،وانا احدق في عيني محمد الحزين او حزين –هكذا يلقبونه- طفقت ارتق مسامعي بأصوات العجلات وانا اقول:هل تقبل هؤلاء ايضاً يا حسين؟.

ذكرني محمد حزين بأحد افراد حمايتي حينما كنت في مقامٍ رفيع في حكومة العراق،وهنا مرَ طيفٌ حزين وارتد عميقاً يلعن تلك اللذة الشاذة التي خسفت بدماغي وقذفت بي الى الهاوية وانا في ربيع العمر، حزين شاب سني ،مصمم ديكور في التاسعة والعشرون من عمره ، قضى سبع سنين من عقده الأخير في الإمارات وعمان  ..كما سيفصل لي لاحقاً …حينما يعشقني بشغفٍ ليس بعده شغف !!!،وحينها سيقص لي حكاية حبه الطويلة مع ٍسلام المحامي،أما محمد طبيب اسنان وسيم ..لن تلحظ عليه اي مظهرٍ من مظاهر السدومية،رفعت …سائق أجرة،ربما كان أقرب الاجساد الى ذائقتي وهو الشخص الذي ارتابه الان كوني وبدون ادنى شك شخص مارست معه قبل سنتين او ثلاثة ،ربما لم يعد يذكر ،الحمد لله لم يظهر نفسه كصديق سابق،لقد ابتلع المشهد كما ابتلعته،وليد اله الشعر الابيض اكبر الجلساء،أما صابر فأسمر بدين فيه ميوعه وغَنجْ،يملك غرفةً صغيرة في دهاليز بناية مقابلة لهذا الشارع،ويعمل فيها بكي الملابس وتدبيجها بعد ان يتسلمها من طابق الخياطين،هذه الغرفة التي سأعرف فيها ان صابر نحات ورسام موهوب ،سنمارس فيها طقساً سدوميا جماعياً في غروب اليوم القادم،بدون إدخال…

صرنا نتمشى نحو مرآب المدينة المركزي،منار ومحمد يتهامسان في امر خاص،وصابر يذرع الطريق وحده،ووليد ورفعت يتماشيان،وانا وحزين تقطر من افواهنا الحروف،واعراض البدايات تنتاب حزين وحده،بدأ يشكك في كوني زميلٌ لمنار ،وهنا اكتسب الحديث طراوته ،الشاب الذي يستلطفه الجميع إلا انا ،بدأ يلمح بأحزانه ويطلب مني ان اتكلم بكلام غير التلويح بفلسفات التغيير والانقلاب على هذا الداء الخطير… لقد كنت انسف قلب هذا الشاب ،وفي ظني اني اسحره واستميله ،وهذا داء يصيب الوعاظ غير الكاملين،اخذ مني رقم هاتفي ،وهنا اشتعلت لواعج الذكرى..اتذكر اني في لقائي الأول مع م.ح انتزعت منه الرقم بصعوبة ،واتصلت به مئة وخمس مرات حتى يوم لقاء المقهى،كان يجلس مشبكاً قدميه امامي ،واثقاً من عينيه اللتين يفتحهما بدلال نصف درجة..كنت اتابع سرد سيرتي الذاتية واتوقف قليلاً لألتقط ما اضعته من عروض نارية يطلقها وجهه المتغضن…هل انت معي يا م.ح..

م.ح:شبيك ،انه وياك ..سولف ،ذبهن كلهن..

قلت له بأني يا معشوقي الظالم وجدت نفسي هكذا،اشمأزُ من خيالات النساء ،اتلذذ منذ صباي في تقاسيم الرجال العارمة،لا يستأثر انتباهي من الشاشات سوى الطرف الرجولي من اي لقطة،اقذف ظهري  في تزاحمات الرجال ،وفي قطب الخصوبة…اترصد الأثير،بعد ان استقرت العائلة في بيت خالي مرة اخرى في الناصرية،تماماً في منتصف المدينة،تجدني في المتوسطة اتقلب في جو مرير من الاثارة ،الاثارة التي لا يشعر بها احد،من يسمع خفقات قلب كسير تتهدج باتجاه امثاله من الصبية..التي لن تتخيل امهاتهم ولا حتى امي انا،ان هذا الجو الذكوري ،اخطر عليَ من بيوت الدعارة وكازينوهات الخمر،مراقب الصف علي سالم  يدلك قضيبه مراراً ،يفتخر به ،ينام مازحاً فوق اقرانه،احمد شاطي يحك مدخراته كل خمس دقائق،وفي الفضاء تتقاذف الشتائم المنونة بالاعضاء التناسلية التي تنتظر مني  ان ابذل لها جهداً في تفكيكها وتخطيطيها،كنت مثلهم ،القم رعد الاشقر بالحجارة كونه يسلم مؤخرته للهواء في نهاية الدوام،فالجميع يتكلم عن  جناية رعد واشتهاره باللواط،وانبذ ايضا سامر وانعته بما ينعتونه من اصطلاحات الشذوذ الشعبية،ولا ادري ان مواهبي الخاصة ستبزغ في زمن الاعدادية،حينما لم اعد اطيق هذه المناخات الكاوية وبدأت استجيب لمماحكات حليم الصابئي الذي ارى وجهه الوردي وهو يتقلب في الشمس من شباك درس التربية الاسلامية الذي لايسمح له بدخوله،انه يحتك بجسدي ويلقي بوجهه على رقبتي ،بل صار يتغزل ويلقي الكلمات المعسولة،كنت اتخيله وانا امارس عاداتي السرية الاولى في الحمام وعلى دمى الملابس التي اصنعها في غرفتي من حشو بنطلونات الكبار،حليم (الصَبّي) صار بطلاً جنسياً في غلاف تلك الشهور،وليست سوى ايام حتى ضعفت امام احدى مداعباته وقلت له ..ليس الان حينما يخرج الطلاب،وفعلاً حضرني الفارس وساقني الى التواليت المدرسي القذر،وعدت في عصر ذلك اليوم ..ولأول مرةٍ في حياتي ،عدت..وبين فخذيَ رطوبة مسرية للنجاسة ..كما يعبر الفقهاء!

 

3

      لن تَرزِمَ قطعانك على هذا الطلل المهجور،ولن تعقر من اجلي قطرة،…لن انال من ثقوبك العاجية غير تلك الأشلاء التي قذفتها في فمي مجهولة  الهوية،أُنبأك يا م.ح قبل ان تكشف عن ساقيك ،قبل أن تعترف زوراً بانك سدوميٌ موجب،قبل أن تراقبني من نافذتك الدافئة وأنا اكتب رسالة انتحاري العاشرة/الملغاة تحت المطر،قبل ان ينزو الدم من اذنيك خوفاً على نفسك من عذاب الضمير حينما تجلس في مأتمي تباصر أم المغدور وهي تهيل التراب على رأسها ،حسب المشهد الذي خططت له في حضرتك،انبأك بأن النشوة السلبية الاولى جعلتني انفخ في رؤوس الالهة زفيراً وزنابق ……

      

      م.ح لايتمنى ان يزاول الآن حرفته في مكحلة البراز،انه يسمع الآن على مضض …. عله يجد مايخلصه من عذاباته ،كما سيصرح لي في قابل الأيام،وليس كما كان يسمع في اللقاء الأول ،وفي باله انها تشريفات اللقاء التي تستدعي هذياناً منمقاً يسلك بخجله الشديد الى  مقامات التفخيذ!،قلت له….هل تعلم بأن لخالد (الصبي) اخاً توأماً سبقه الى الدنيا بساعتين ،كنت في لحظات الإنتشاء اطلب منه ان يتظافر مع اخاه في مثل هكذا محن،لكن اداته النابضة كانت تفتر كلما ذكرت اسم اخاه،ولم اكن اعلم اني في ذلك الزمن قد اتوج رائداً لنوع الشذوذ التوأمي الذي اصبح مصنفاً الآن بضمن تلك التكثرات السدومية في مواقع الانترنت!، قلت له..ان ذلك الصَبّي الجميل الذي لا اتذكر منه غير فحيحه الجنسي وثقافة عجائزية عن طقوس الدرفش المندائية، كان يبتزني كثيراً،يتوعدني بالذهاب الى بيتنا واخبار اول من يخرج منه الى الباب، بما يحدث بيننا،كان يتنمر علي بين زملائي ،والأنكى من ذلك يا م.ح انه كان يركلني ويصفعني حينما ينفر من جسدي بعد ان يتقيئ كائناته ..ويمسح بها ملابسي الداخلية ،وحينما تسوء ظروفه الدراسية كان يلقيني ارضاً ويُعمل قبضتيه في وجهي ويتهمني بإفساده وتدمير حياته،حياته كلها!،هكذا اصبحت مقاتلاً مازوخياً ،اتعنف مدخولاتي الخيالية والمحسوسة،اتضاءل وأنثني فاغراً قنواتي حتى لأبطال افلام الكارتون ،تلك الأفلام التي ادمنت عليها حتى بعد ان اصبحت نزيلاً مظللاً في المنطقة الملونة!

 

4

 

هناكَ تحت قبة القلب حيث تشتبك النجوى واظلاف الشيطان،ولايرتد الى السماء سوى صرير عذاباتي ،فيهرب الغراب القديم من الذعر ،فلا اعرف كيف اقبرُ مخلوقاتي البريئة،اي طفل أنت ، اي فتى يافعاً كنتَ ؟ لماذا لا تسالني هذه الأسئلة؟

        لم اعد استميلك الى عشقي اريدك فقط ان تسألني ،لماذا اسميتك معشوقي الحارس ؟ و كيف كانت خيوط مربع الحلبة التي خططتها بيدي… آنذاك، وزعمت اني سأواجه ابليس شخصياً،وسأهزم بإيماني ذلك الوسواس الخناس،لا بل سأنجو من عذاب القبر كما يرد في طبعة حجرية لـ(بشرى الكئيب في لقاء الحبيب) للشيخ السيوطي،الكتاب الذي اشتريته من مكتبة محمد المقيم- بقراريط حسمتها من طلبية مشتريات منزلية ارسلت بيدي- وهي أول دراما مرعبة قرأتها في الإعدادية، أتذكر إن المَطاريق والمقاريض والمناشير كانت تنفعل في اعضائي ،وتنقلني الى نقاء كاذب ،وسرعان ما اتحرر منه بعد ان تزول تلك (الحالة) حسب مقامات القلوب والسلوك،..إنها ارتجاج على سطح ساقية،إنها صفحة من صفحات المياه  التي يجيد هؤلاء المشي عليها،فترتكس الاحياء الصغيرة وذرات الغبار الى العمق  فيبدو وجه الماء صافيا لبرهة .ً..ثم تطفو عوالقه وعوارضه الفلسفية ويعود الى طبيعته السابقة ،او الى طبيعةٍ اخس وأرذل،وانت خبير بذلك يا م.ح وتعلم إن ذلك الفاصل التقليدي الذي انتابك مراراً لم يزدك الا حسرة وايغالاً في الخطيئة…حتى قررت ان تبتدع مصطلح (شرعنة الداء الأوحدي) ومضيت في ممارسة ضروراتك الشرجية والقبلية –ان وجدت- وتبتسم قبل ان يهجم عليك الإكتئاب الشديد الذي اعتدت عليه بعد  دقائق من إنقضاء اللذة،ولقد عثرت عليك في تلك الأيام وحذرتك من اعتقاد مثل هذا،يحجب عنك فيوضات السماء التي يتنعم بها القانع والمقتر! ،وقلت لك… كيف تنسحب هكذا من قائمة المظلومين ،كيف تستقيل من لافتة ….واذا الموؤدة سألت بأي ذنب قتلت ؟ ،أنّ نقابل حبيبنا يا عمري ونحن في بواكير التوبة ،افضل من ان نقف في حضرته ونحن موقنون بأن فطرته التي فطر الناس عليها ساقتنا الى هذا الشذوذ فتعايشنا معه ،وآمنا به جنساً ونوعاً ولذة .

 

في المقهى الضيق طلب م.ح (استكانته) الثانية،ولم يستفزه منظر(استكانتي) الوحيدة التي تركتها تبرد بما يرتادها من رذاذي المالح وانا اقص عليه سيرتي بحماس،ذلك الحماس الذي أنساني الكثير من الأحداث،ولكني تداركت كل ذلك في الجدول المرفق مع رسالة انتحاري…قلت له ،كان خالد الصبّي يصطحبني الى المبازل ،الى شطوط المدينة،لم يعلمني السباحة ..كان يسحبني بعيدا عن (الكَياش) ويوسدني في الموضع المعتاد،كنت اختنق وامج الماء وبقايا القصب ،ثم يستجيب الى وننزوي تحت الجسر ..ويحدث كثيراً ان ينزل بعض الشباب الى نفس المكان وهو يلتفتون وراءهم ليؤمنوا خلوتهم ،فيجدوا داعيك وخالد  يشغلون بقعتهم وينتهكون حدودها الادارية المخصصة لاحتساء الخمر والبيرة،فيحدث ما لست تنكره،الا اني اتذكر جيداً،الصفقة التي اجراها خالد مع شاب عبد..وكلنا عبيد الله كما يقولون الناس في البصرة،ولم اكن اعلم ماهي الفائدة التي جناها خالد كطرف متعاقد ..يتقرر ان يسلمني الى ذلك العبِد ورفاقه …فيتعاقبون علي داخل احدى الدوب التي تستخدم كمعبر مائي،كنت مرعوباً جداً ،جداً …يجب ان تبكي الآن يا م.ح ،حينما ينتهي الاول علي ان اتوقع شكل الرجل الآخر الذي سينزل الي من سقف الدوبة ويثب علي حسب ما يقتضيه مزاجه المخمور،كان جسدي ينفض عرقه بقوة  من الارتجاف متى ينتهي ذلك الطابور؟..وكلما حاولت ان ارفع رأسي لارى كم بقي منهم في الأعلى كان صاحب الدور يسحبني بقسوة،بدات اهادن نفسي ..علي ان اكون رقيقاً لكي لا ينكلوا بي اكثر،سأفعل لهم كل ما يشاؤون واكثر ،وأكثر ..ستنقضي هذه اللحظات ..ستنقضي لا تخف،الا تدري ان الزمن كائن خرافي؟،لا وجود له،كما لا وجود لي أصلاً..


قدمني ذلك الصبّي غير مرة،الى عامل صالة السينما ،وحامل المصباح الموجه.. الذي فتح علينا باب المرحاض ،ومرت الصفقة بهدوء دون ان ينفذ وعيده بمناداة سيارة النجدة،كان خالد يعثر علي في الاماكن العامة وينجح في اقتيادي الى دكة القذارة،وحينما كنت مرتاداً نشيطا في المكتبة العامة واستعير حمار الحكيم ويوميات نائب في الارياف ونسخة غير مشفرة من الف ليلة وليلة ورسالة الغفران وحي ابن يقظان والأغاني والليلة الثانية عشرة وعطيل وهاملت وحكايات من الأدب الصيني ورباعيات الخيام ودواووين الحميري والخزاعي والحلي والرصافي والزهاوي وابن الفارض والمتنبي والى آخره من ما أتذكره من قرآءاتي في تلك الحقب،حينئذٍ ..كان يصطادني خالد ويجلب معه امتعته المدرسية ويطلب مني ان اذاكر له في مادة اللغة الإنكليزية وهي العقدة التي ركنت مستقبله البائس في محل فقير من محلات سوق الصاغة..وحينما تستيقظ الشياطين المدببة،كان يسبقني الى احدى الزوايا المنسية …

 

يبدو اني احتاج الى الكثير من الجهد كي استنطق معشوقي الحارس ،لن تنفع معه مغامرات الجسد…ساسبغ عليه حكاياتي مع منازل الهيام التي ينبغي ان يتكسر لها فؤاد السامع ،يتكسر…؟! لا اضمن هذا في حالة م.ح الذي لايملك قلباً يقول فيه لزوجته..أنا احبك،لم يفعلها م.ح ،كما يؤكد لي مراراً حينما تخنقني عبرتي امامه وانا استجدي منه اي تعبير عن اية شئ في هذا الكون المجسم،فهو منذا إن اندحرت براءته ومنذ ان فاضت روح امه وهو في الثامنة من عمره بين يديه كما سيفصل لي …لم تنبس شفاهه اية جملةٍ شاعرية…..رجل بالغ لم تتحرر منه حتى الآن فقاعات الروح وأدلة وجودها،قبل ان يلثم شفتي في اللقاء الأول قال لي:لقد تعلقت بك!،والذي اتضح انها مقدمات،مقـ..مقبلات لعشاءه الأخير..

ساعد الله قلبك يامحمد ياحزين…كيف تريد من شاب مثلي إندك في قلب مثل قلب م.ح ان يقول لك بالحرف الواحد..احبك!،كان السيد حزين قد إتصل بي بعد تلك الليلة التي تعرفت بها عليه بمعية الدُب ،وبعد ان كويت دماغه بفلسفتي الجديدة التي القمتها اياه ولما تنضج!!!،قال حينما تصل الى عمارة الحاج ياسين إتصل بي ساوافيك اليها،في تلك الايام ..التي لازالت فيها اعراض م.ح تراودني وتسحل معها اعراض فراغي المرير من جراء تركي لحياتي السابقة بما فيها منصبي ودراستي وعلاقاتي وبعض ممتلكاتي …في تلك الايام المحشوة جيداً بالألم،الالم من النوع الذي ينتابك بعد ان تشفى جزئياً من مصابك وتزعم إنك تائب،وتزعم انك عائدٌ وعائذْ،كان علي ان اطرد السأم من خيالي  وأن أملأ ذلك اليوم ولا ترك اي حيزٍ للافكار المجنونة.

اشرت بيدي من بعيد لحزين…ترددت قليلاً،لم يكن مظهرة في البارحة هكذا..لم يوظب نفسه هكذا لانه ربما لأنه كان متعباً من السفر،في حياتي المعلنة والسرية الماجنة لم اتمشى مع شخص بتلك الهيئة،اكتشفت انه اكثر وسامه وانه يخفي تحت عويناته القطبيه دائرةً ملونة،قميص احمر،احمر ..احمر،وجينز ضيق ،ضيق..ضيق،على غير عادتي لم يثيرني ذلك الغرور ولم يأسرني ذلك القوام المهيب ..اشعر انه لايصدر من رجل يثق بنفسه حد الأستخفاف بمواهبي أنا ..التي يحسدها جميع من عرفتهم ..وأنا لا اقصد غيرك يا م.ح،شئ يتضعضع خلف ذلك الكبرياء ليس من جراء القصة الحزينة التي سيوردها حزين الآن عن حبه السابق :سلام المحامي،لا ..انها اثار الاقدام التي تقعر صفحات هذا الجسد المتبختر بجماله وبفنه وبلباقته وبقميصه الاحمر.

 

انا: وين نروح…

 

حزين:……

 

كنا نختط المارة ونتلاحق في الخطوات أو قل الاحق خطواته العريضة …هنا قلت لنفسي  ان هذا الشاب من النوع الذي يصرخ في باحات ارضه الخفية،إعشقوني ايها الناس اعشقوني وسترون العذاب ،الويل لمن ينصهر فؤاده بوجودي الويل لمن يناجيني الويل لمن احبه حين احبه بأقل مما يحبني…صعدنا سلم كان قد ذكرني بسنوات الأقسام الداخلية ،لا…ذكرني بوجه م.ح حينما مررت على هذه الفقرة من سيرة حياتي،وجدت نفسي مع حزين في غرفة صابر الرسام والخياط..سلمت عليه استأنس لحضوري وسرعة اندماجي في مجموعتهم ،على الغرفة الآن ان تسحر (باصورٍ) مثلي كيف لا وقد ملأ صابر جدرانها  بقطوعات القماش الزائد ،فاصبحت مكتنزة بالتفاصيل والألوان والتخططات ،لا انكر ان المكان يوحي بالصعلكة مع مافيه من لوحات غير مكتملة وماكنة خياطة ومنضدة تدبيج وكي الملابس وسخان كهربائي وثلاجة وتلفزيون…وماتبقى من الغرفة فتتبعثر في مساميره ملابس وحقائب،انفعل الحزين في اغراض الغرفة كانه يريد ان يقول لي بأنه يرتاح اليها وانها بيتاً من بيوته الموزعة في دبي وعمان والكويت وليبيا ودمشق،بدأ يعبث بالبوم صور عنوانه ..ذكريات سعيدة،بعد ان نتكلم انا وهو ،سيؤشر حزين على صورة المرحوم سلام المحامي وعلى رجل اردني يقف امام فرن ليقول لي ..كانت لي علاقة بهذا الرجل ،وهذا الشاب الكردي وهذا المصمم المعروف…..

 

 

  

اسماعيل البصري/كاتب وروائي من العراق

Sadoome1977@yahoo.com

 

عن اسماعيل البصري

شاهد أيضاً

اللغة المشتهاة

بقلم : عبد المالك زيري أَقبلْ على العالم من جديد وانظر إليهِ كما أنظرُ إليكَ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *