الليلة الثانية بعد الألف
ابراهيم درغوثي / تونس
جاء رئيس حرس القصر يجري .
وجرت معه السواري .
وجرت معه الزرابي المفروشة على الأرض .
وجرى العرق .
وجرت رائحة إبطيه .
وجرى معه الخبر .
*****
دق الباب .
دق الباب دقات خفيفة .
دق الباب بأدب .
دق الباب .
باب مقصورة الملك شهريار .
دق الباب ووقف في وضعية / سلام خذ .
*****
خرج له الحارس .
حارس مقصورة الملك شهريار .
خرج شاهرا سيفه .
رأى حارس مقصورة الملك رئيس الحرس يرتعش .
ورأى على وجهه صفرة الأموات .
خاف حارس مقصورة الملك عندما قال له رئيس حرس القصر :
قل لسيدي السلطان أن يهرب
*****
ماذا ؟ قال حارس المقصورة
عن السلطان أن يهرب .
سيدي
السلطان
يهرب .
نعم ، قل لسيدي السلطان أن يهرب عن طريق السرداب .
قل له : كل الأبواب الأخرى موصدة .
والقصر محاصر .
والعامة .
والسراق .
والعياق
والعيارون .
وسكان الأحواز .
والعبيد .
والأعراب .
و …
يريدون لعب الصولجان برأسك .
*****
وانسحب رئيس حرس القصر .
أدى التحية لحارس مقصورة الملك شهريار ، وانسحب .
خبط حذاءه المصنوع من جلد بقر الولايات المتحدة الأمريكية ، وانسحب .
مسح العرق من فوق النياشين وانسحب .
ولم يجرؤ حارس المقصورة على الدخول على الملك .
الملك شهريار .
ملك البرين وخاقان البحرين .
سيد العرب والعجم والروم والبربر .
الملك الذي :
أتته الخلافة منقادة * إليه تجرجرأذيالها
فلم تك تصلح إلا له * ولم يك يصلح إلا لها .
****
وحار حارس المقصورة في أمره .
والسلطان علمه ألا يقطع خلواته ولو انطبقت السماء على الأرض ..
وأعلن الروس الحرب على أمريكا .
وغزا ياجوج وماجوج البر والبحر .
وحار حارس المقصورة في أمره .
تلمس رقبته .
أحس بحد السيف باردا فوقها .
ورأى الدم يسيل فوق النياشين .
مسح الدم من على النياشين .
ومسح العرق البارد من على جبينه .
وخطا خطوتين نحو الباب .
باب مقصورة الملك .
جاءته قهقهات السلطان ممزوجة برائحة الصهباء .
وجاءته ضحكات شهرزاد .
وغمرته روائح البخور والند والعود .
وأصاخ السمع .
هنا خطوات تقترب .
وهناك خطوات أخرى تقترب .
وتقترب الخطوات أكثر فأكثر .
ثم ينفتح الباب .
فتح جندي باب القصر وقدم له ورقة .
لم يضرب له الجندي ، سلام خد ، حين قدم الورقة .
ولم يضرب له ، سلام خذ ، حين غادر المكان .
*****
فتح الحارس الورقة .
قرأ : بيان من جبهة الإنقاذ الوطني .
باسم الشعب ، نعلن خلع الملك شهريار ، ونطلب من كافة حرس القصر تسليم أسلحتهم للجبهة ، ومساعدتنا على إلقاء القبض على الملك المخلوع . وكل من يخالف هذه الأوامر يعرض نفسه للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى ، ويعدم رميا بالرصاص .
( ملحوظة للقارئ : الرصاص في صورته الحالية ، لم يكن معروفا زمن الملك شهريار وربما يراد بالإعدام شنقا حتى الموت وإنما ذكر الرصاص إما سهوا أو استباقا للزمن . والله أعلم . )
*****
قرأ الحارس البيان مرة ثانية …
وثالثة …
ورابعة …
ولم يعرف ماذا يفعل .
هم بخلع الباب .
أمسك بقبضة السيف وهم بخلع الباب .
لكنه تراجع في آخر لحظة .
هل هي مكيدة ؟
هل يريد السلطان اختباري ؟
ربما أراد السلطان معرفة مدى اندفاعك في الذود عن حياته .
وربما …
وربما …
وربما …
فلا تغامر يا ابن الكلب ، وكن حذرا حتى لا تفقد رأسك . فما أسهل أن تأمر السلاطين بضرب رؤوس العامة .
وتبادر إلى ذهنه ما قالته زوجته البارحة بعد أن عادت من الأسواق .
زوجته قالت له إنها سمعت أكثر من واحد يقول إن السلطان لم يعد يهمه أمرهم .
فهو يسهر الليل .
يسهر الليل بطوله .
يسهر الليل بطوله يستمع إلى حكايات شهرزاد .
ولا يفيق من النوم إلا ليأكل أو ليذهب إلى الكنيف .
وتذكر أيضا ما قاله رئيس الحرس .
قال رئيس الحرس :
إن أعوان أمن السلطنة وسلطانها ، ضبطوا مناشير تحرض على الصراع الطبقي وتثلب السلطان وأرباب الدولة والوزراء .
واتهم – الشيوعيين – عفوا أقصد القرامطة .
قال إنهم رأس الفتنة هؤلاء القرامطة .
وشن حملة على الأحياء الفقيرة .
فشنق مجموعة من الرجال .
وعلقهم على أسوار المدينة .
وصلب مجموعة أخرى على الأبواب .
وبقر البطون .
وبتر الأطراف .
وهدم الدور
واغتصب الجند العذارى .
ونكل ، حتى يتعظ الآخرون …
*****
وخطا حارس المقصورة خطوة نحو الباب .
لماذا لا أقتله أنا ؟
لماذا لا أقتل شهريار ؟
وراقت له الفكرة .
وصك أذنيه صوت السلطان الثمل :
– احك يا شهرزاد قبل صياح الديك .
– احك يا شهرزاد بعد صياح الديك .
– احك ولا يهمك ، فأنا سلطان الديكة .
وسلطان أصحابها .
لماذا لا أقتل شهريار بسيفي هذا ؟
وأقطع رقبته .
وأرمي برأسه للثائرين .
وغمرته روائح البخور
ودقات الدفوف .
وأصوات الغناء .
لماذا لا أقتل شهريار ؟
وأنصب نفسي شهريارا جديدا ؟
*****
واقتحم الحارس المقصورة .
وأفرغ رصاص بندقيته الآلية في رأس شهريار.
قلت بندقية آلية فلا تنزعجوا من هذا الخلط في استعمال آلات القتل ) )
ثم مسكه من لحيته المعطرة بالطيب
وذبحه من الوريد إلى الوريد .
ورمى بالرأس للثائرين وراء الأسوار .
فتفرقوا …
ماذا قلت ؟
هل قلت : الثائرون تفرقوا ؟
نعم يا سيدي .
داسوا على الرأس بأحذيتهم ، وتفرقوا …
*****
وجلس شهريار الجديد على كرسي السلطنة .
نادى شهرزاد .
شهرزاد الليالي .
شهرزاد التي لا تموت .
وطلب منها أن تحكي له .
قال :
– احكي يا شهرزاد ، ألف ليلة وليلة …
عفوا ، ألف عام وعام …
www.arab-ewriters.com/darghothi