الرئيسية / نصوص / أحتكار العقل (مقارنة أستيطيقية خارج دائرة الانطلوجيا)

أحتكار العقل (مقارنة أستيطيقية خارج دائرة الانطلوجيا)

 

 

 

احتكار العقل – مقاربة استيطيقيّة خارج دائرة الانطلوجيا

 

 

 

 

 

 

 

 

باسم مزعل الماضي

 

 

جوهر العقل شكٌّ ، جوهر الشك ِّ ان يستبدل المرء ُ جناته بجهنماته راضيا ً ، في قلب جهنم يمكن ان يعقد العقل قرانه مع الحور اللواتي لم يطمثهن ّ من قبل نفاق الانس ، ولا مكر الجان ّ ، العقل – اقصد عقلي انا وليس عقل الكهانة طبعا – يقدح من النار شررا ً، ولم يدع ُ نفسه عقلا ً حتى سافح جهنم مرارا ً ، وكلما ولدت من صلبه نغلا ً ، لم ينكر ما بينهما من وشيجة الدم ، لكنه يعكس ترتيب العلاقة ، فلا يضع نفسه في منزلة الاب للنغل ، بل يسمي النغل ابا ً ، ويجلس هو  في حجره متغنجا ً مثل أي ّ ابن ٍ مدلّل ..

 

لا اعرف لماذا في جبلّة ِ آدم ان يحتكر العقل ، مع اني واثق ٌ انه بسبب هذا غالبا ً ما يصاب بالصداع راسه ، ويصاب العالم في شبكيّة عينيه ِ كلُّه بالجرب
،  احتكار العقل يعني جرب العالم ، وان يكون العالم اجرب الروح والبدن ، فهذا يعني ان عقل آدم المسؤؤل مباشرة ً عن وعي العالم ، سرعان ما سوف تنتقل اليه العدوى ، فتخيل معي عقلا مصابا بالجرب هل يمكن ان يقترب من بدن الحقيقة البض، ّ بالحب والغزل والشبق ، دون ان يجعلها تستصرخ الموت من النفور والاشمئزاز …

 

آدم يملك اسما ً ، واذ اطلعه الله سبحانه على الاشياء ِ ، افهمه ان كل شئ منها يملك اسما ً ، والاسم شك ٌّ ، آية ذلك ان الاسم يكتسب دلالات ٍ متغيرة ً من خلال وضعه في سياقات ٍ متحولة ٍ ، وما دام الاسم شكا ً في الواقع ، فما المانع من اعتباره لوحده عقلا ً ، فمن يملك اسما ً يملك عقلا ً بالضرورة ، فكما ان آدم بامتلاك الاسم استطاع ان يمتلك عقلا ً ، فكذلك  كل الاشياء بامتلاكها اسماءها تمتلك عقولها ، فالماء له عقل ٌ ، والحجر لا يعدم وجود العقل ، والهواء والنار والغبار والخشب ، ناهيك عن الكائنات النابضة بالحياة الحيوانية ، او النباتية ، فهذه اولى بان تعتبر ذات عقول ٍ ، وان تـُعامل َ على هذا الاساس ، فلا يملك آدم حق ّ الفخر عليها ، بان يزعم انه وحده في هذا العالم من استطاع ان يرقى بمستوى هرطقاته الى درجة العقل ، ومن الآن فصاعدا ً يتوجب عليه ان يكون منصفا ً ، فلا يوجه لاشياء العالم من الحيوان والنبات والجماد ، وسوى ذلك من الوجودات نظرات الازدراء .

 

عقل آدم شدة ابتهاج الطين بنفسه ، عندما يبتهج الطين يبدو كانه لم يعد طينا ، واذ يفارق وضوح الطين ويصير ملتبسا ً، لا يعود من السهل على نفسه ان يعرف نفسه ، بل ينكر انه التقى بنفسه على قارعة الذكرى يوما ،او في مخيّم للاجئين حتى ، ليست الاستعارة هنا هي المسؤولة عن اقحام اللاجئين في سياق الكلام عن عقل آدم ، فمن معمعة الى اخرى ، ومن صراع مع الكينونة الى صراع آخر ، كلّ حياة العقل ، وهذا ما يجعله دائما فارّا ً من اقطار نفسه الى اقطارها ، دون ان يحظى لا بالامان ، فلا ترتعد فرائص شكه خوفا ً ، ولا بالقبض عليه بغتة ً او حصارا ً ، فتنتهي بالشنق بالنسبة اليه معضلة الوجود .

 

اما عقل الاشياء الاخرى مما هو تحت تصرّف آدم ، فاعتقد ان هيمنته وحدها هي التي تمنع بهجة طينها من التوهج والاكتمال ، ويبقى لهذا السبب الى لحظة فناءها ناقصا ً ، لا شك ّ ان تلك الاشياء تنظر الى آدم ، وتعتبره دكتاتورها الذي لا يقهر ، وهي تعد ّ فيما بينها لخوض معركة الوجود مع هذا الكائن الذي مـُنح اسما ً ولم يتفوق عليها من هذه الناحية ، لكن طينه كان اسرع في التخلص من شوائبه من طينها ، وهي لا تعتبر ان هذه الصفة بالتي تمنح عقل آدم ، ولا طينه حتى ،امتيازا ً عليها …

 

شبق الاشياء ، عنفوان الاستجابة للفكرة العبقرية فيها ، هندسة رغباتها ، حديثها فيما بينها حتى لتخال ان بين كل الاشياء علاقة وجدانية تصل الى مستوى الاستباحة الجنسية احيانا ، قدرتها على النفاذ الى قلب الشاعر ووجدان المفكر والفيلسوف ، حتى يفوق مقدار الفائدة من الحديث مع الاشياء بالنسبة لهؤلاء مقدار الحكمة والفائدة من أي حديث آخر مع هذا الكائن المحتكر للعقل ، اذ حمله كامانة قال الله انه عرضها على السماوات والارض والجبال فابين ان يحملنها وحملها الانسان ، ولم يقل في محكم التنزيل انه كان جديرا بحملها ، بل قال انه ظالم وجاهل ، مما يعني ان تلك العوالم الجمادية ، بالاضافة الى كونها خليقة ً بالخطاب الالهي ، فان حكمتها ومقدار ما تحمل من الطاقة العقلية قد فاقا ما لدى الانسان المغرور منهما . عرض امانة العقل عليها يدل على انها مؤهلة تماما لمثل هذه المهمة الالهية الجليلة ، ورفضها يدل على روية واناة وبعد في التفكير ، وتقدير العواقب ، موجودة ٍ فيها ، ومفقودة ٍ كليا من هذا الكيان الآدمي ّ الذي جلب الكوارث على نفسه وعلى تلك الاشياء ايضا ًبغروره واستسلامه للنوازع الجاهلة غير الحكيمة في عقله المحتكر الظالم الجهول ..

 

ما اشد ظلمك ، واعنف غرورك ايها الانسان كيف تحتال على الحقيقة وتحاول ان تستبدل لؤلؤتها المشعة بحصاة لا قدرة لها على الاشعاع ، وكيف تريد ان تنصب من نفسك طرزان المسؤولية عن ادارة هذا الكون وحدك ، وبرايك ، انك بما انك المسؤول الوحيد عن ادارته ، والسيطرة على مجريات الامور فيه ، بشرعية كاملة جعلها الله سبحانه وقفا ً عليك ، فانك ايضا ً تبعا لهذا المبعوث الوحيد للقيامة ، فالجنة والنار انما من اجلك خلقتا ، ولا يشاركك في الخلود فيهما احد ، بل كل شئ حين يبعث لدقائق هناك يصير بعدها ترابا ً ، فلا شئ الا انت في النعيم او الجحيم ، اية فلسفة لا تصمد امام المعايير العقلية البديهية للمعرفة الانسانية هذه ، ناهيك عما يمكن لتلك الاشياء التي تزدريها ان توجهه اليك من الحجج والادلة الدامغة لو انك بذلت من جهد نفسك ما يجعلك قادرا على فهم حوارها ، وهزءها بك ، واحكام الادلة والبراهين ضد زعمك هذا ، بربك ايها الانسان ، الست تقول ان الجنة الالهية الموعودة مملوءة بالملاذ من الاشجار الرائعة ذات الثمار المتنوعة ، والانهار ذات البهجة، الجارية باللبن والخمر والماء الكرستالي ّ الرقراق، اليس فيها الارائك والنمارق والفرش الفاخرة ، اليس فيها المعادن النفيسة من الذهب والفضة والماس والزمرد ، اليس فيها الثياب الفاخرة وآلات الموسيقى ، والنافورات ، والقصور ، وثريات الاضاءة ، اوَ ليس كل هذه الاشياء موجودة في الجنان الخالدة معك ، اوَ ليست جهنم طافحة ً بالافاعي والعقارب وسائر الزواحف الكريهة المخيفة ، اليس فيها السفافيد ، والقضبان الحديدية ، والقيود والسلاسل ، والاحجار ، والثياب النارية الملتهبة بغضب الله سبحانه ، والمياه المحرقة ، والصديد ، وسائر الاشربة والاطعمة التي لا تسمن ولا تغني من جوع الا انها تلحق المزيد من العذاب بالكيان العاصي الغشوم ، اليست كل هذه الاشياء وآلاف غيرها موجودة معك في الخلود ، سواء في الجنة ام في جهنم ، وبما انك سقت حجتك على مسؤوليتك الوحيدة عن ادارة الكون على اساس انك المعني ّ بالخلد وحدك ، كجزاء ٍ على المسؤولية في الجنة او النار يوم القيامة فلم تعد حجتك قوية على ادعاء هذا الحق بعد ان ثبت بالبرهان القاطع ان القيامة تشمل تلك الاشياء ايضا ً على قدم المساواة معك ، فلم يبق امامك الا ان تطأطئ من هامتك تواضعا وشعورا بالندم امامها لانك مارست هيمنتك عليها بظلمك المعهود ، وجهلك المعروف ، طيلة الزمن المنصرم من عمر الاشياء في العالم ..

 

لو كان احتكار العقل ضد سائر الاشياء سوى الانسان حصرا لهان الامر ، على الاقل من وجهة نظر احتكارية يشترك فيها كل ابناء الجنس البشري في توجيه الاحتقار الى الحيوان والنبات والجماد ، لكن شرعة الاحتكار لا تقف عند حد فهي تشاء ان تستاصل كل ما سوى معتنقها حتى تصل الى درجة ان يخطط المرء لاجتياح حتى من يعترف هو انهم لا يختلفون معه ولا يتفضل عليهم من ناحية التركيب البايلوجي والسايكلوجي العام ، الم يعتبر ذكور بني آدم اناثهم خلقا من طراز ادنى ولم يعترفوا لهن مطلقا بالقدرة على تكوين أي حكم عقلي ّ في أي ّ مجال ٍ معرفي ّ او غير معرفي ّ فوُجد من مرتكزات الثقافة الانسانية الموروثة ان النساء ناقصات العقول في احسن الاحوال وفي كثير من الاحيان تصدر الحكمة من افواه الفلاسفة التي تقضي بان منتهى الحكمة انما تتمثل في عصيان راي المراة وعدم الاخذ بوجهة نظرها بل ان الصواب موجود دائما في عكس ما تتحدث او تنصح به ، فاذا قالت مثلا ان حاصل قسمة العدد اثنين على نفسه هو واحد ، تمثل الصواب في ان نعتقد أي شئ خلاف هذا في النتيجة ، ولا شك ان قوانين الرياضيات والحساب سوف تتعاطف معنا فتغير من نفسها حتى توافق ما نطق به ذكور هذه الامة المرحومة بتعصبها وتزمتها ضد النساء ، وهل تقف نزعة احتكار العقل عند هذا الحد ؟ كلا .. يرجع الذكور فينقسمون الى فئات آيديولوجية مختلفة فتجرد كل فئة الاخرى من حق امتلاك العقل وتفني حياتها في التخطيط والاعداد لاستئصال شافتها من الوجود وتستمر فاعلية شريعة الاحتكار بالتصاعد والاستمرار حتى تجد جرثومة الاحتكار منفذا لها الى داخل الفئة الواحدة فكل فرد على حدة يبتكر الوسائل الجهادية الخاصة به لفرض مشروع التاميم على العقل لصالحه ضد المشاريع التاميمية الاحتكارية لزملاءه الآيديولوجيين الاخرين بعد ان كانوا مشتركين جميعا في مشروع  عقلي ّ احتكاري ّ واحد موجه ٍضد الخصوم الآيديولوجيين من فئة اخرى ، بل ان الامر قد يصل في آخرة المطاف الى ان ينشطر العقل على نفسه داخل الجمجمة الواحدة فعقل اليوم يضرب عقل الامس وعقل الغد يضرب عقل اليوم حتى تتطور الحالة اكثر فلا يستقر العقل على نفسه لحظة ً واحدة ً حتى ينقلب على نفسه مئات المرات ، فكيف يراد من شاعر ٍ خبر لعبة المعنى في مئات القصائد الملعونة المرجومة وعرف الطريقة التي يؤثث بها نفسه من خلال عمليتي الهدم والبناء المتواصلتين بلا استشارة قانونية ياخذها من افواه مهندسي العقل البشري ومصمميه الذين انفقوا اعمارهم الطويلة في هذا الاختصاص ان يضفي على العقل قداسة ً او يرتفع به عن مستوى الغريزة الا قليلا بمقدار ما يعي الانسان نفسه وهو يتدحرج من قمةِ الشيزوفرينا –مثل صخرة سيزيف تماما – الى قاع الجنون !

 

Altal_22@yahoo.com

 

عن باسم مزعل الماضي

شاهد أيضاً

اللغة المشتهاة

بقلم : عبد المالك زيري أَقبلْ على العالم من جديد وانظر إليهِ كما أنظرُ إليكَ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *