منطقة خضراء لكل العراقيين
فتحي عطاء الله اسماعيل – صحافي من تونس
أجل لم يكن ذلك الملعب في جاكرتا وعلى بعد آلاف الأميال من بغداد المحترقة الا منطقة خضراء لكل العراقيين .. منطقة أعادت للخضرة معناها الحقيقي باحالاتها الإيجابية المفترضة من قبيل الأمل والنماء خلافا لما رسخته من انعزالية وامتعاض عبر سنوات الإحتلال تلك المنطقة المسيجة حول المقار الحكومية ومرافق الحاكم العسكري الأمريكي والسفارة الأضخم في العالم .. وبقدر ما أوغلت تلك المنطقة المنبوذة من بغداد في تعميق المحنة العراقية وآلامها كان ذلك المستطيل الأخضر منجما لصنع الفرح العراقي الذي لم يكن يحتاج الى تأهيل نفسية أهل العراق المنهكة بكابوس السيارات المفخخة وفيتوهات الخطاب الطائفي واستتباعاته .. واذ داوى ذلك الإنتصار الكروي جراحات العنف والسياسة على ضفاف الرافدين فقد كان لحظة استثنائية حقا فيها تطهرت النفوس ولو لحين من تلوث الفرقة والضغائن فارتقى الجميع في الوعي وفي اللاوعي الى سقف الإنتماء الوطني الجماعي .. كان الحدث أكبر من أن تحتضنه حاضنة غير حاضنة العراق كل العراق حتى وان هو كما هو الآن حطام دولة لكن ذلك لا ينتقص من الإنجاز شيئا طالما أن الأمر يتعلق بالوجدان وبفائض القيمة النفسية ..لقد أنجز لاعبو الكرة من الشبان ما لم يصنعه قادة العراق الدينيين والسياسيين لابل ان هؤلاء كثيرا ما صاغوا انتصارات فئوية تفرق ولا تقرب تبهج هذا وتؤلب ذاك .. منتخب كرة القدم الظافر بالنصر المؤزر تفوق على ذلك الوجع وفي الأثناء طعم النزال الكروي بنكهة النيل من دولتين شريكتين في احتلال العراق حين ألحق الهزيمة باستراليا وأزاح كوريا الجنوبية من سباق الكأس الآسيوية… لطالما كانت الاقدام توحدنا في عالمنا . اقدام تقودنا الى المجهول في السياسة لنضيع فنتوحد و اقدام تهرول الى الانهزام لنخاف فنتوحد و اقدام تدوس رقابنا فنصبح قطيعا موحدا. نادرة هي فصيلة اقدام هؤلاء الشبان العراقيين التي عملت لمرة على التفكير عوضا عن عقولنا العربية. يا ليتنا نستطيع تركيب تلك الاقدام بدلا عن كثير من الرؤوس.