المؤسسة الديمقراطية وضمان حقوق الانسان
ياسر جاسم قاسم
ان لتواجد المؤسسات المجتمعية في ارض الواقع ضرورة مهمة للمواصلة والتواصل مع ابناء المجتمع لضمان سلطة الحقوق داخله وبذلك تتعدد هذه المؤسسات المجتمعية داخل المجتمع كل مؤسسة حسب اختصاصها لذلك الضمان ومن هنا فان المؤسسة الديمقراطية اساسها تواجد حقوق الانسان واساس هذه الحقوق الحريات فكان المثلث المعروف والذي يضم الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان وعلى قمة الهرم الحرية والحرية تنبع من المؤسسة الديمقراطية بشكل او باخر فهل الحرية شيء لا حدود له وما هي امكانات تواجدها في المجتمعات وهل تتعارض مع تطبيق القوانين وبالتالي هنالك مؤسستان المؤسسة الديمقراطية التي تعنى بحقوق الانسان والمؤسسة القانونية التي تحاول ان ترعى الحقوق والواجبات وللجواب فان في كل الشرائع والقوانين حدود للحرية وقد تطور الفرد كثيرا في منحه انواعا متعددة من الحريات وقد جاء الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر من الامم المتحدة بتاريخ العاشر من ديسمبر 1948 ليؤكد هذه المنهجية فقد اقر فيه اهم النقاط الكافلة لاحترام احقية الانسان بالحياة اولا وفي كسب العيش والعيش بامان وحرية الراي والامن الانساني وغيرها كثير كذلك اقرت هذه اللائحة الدفاع عن هذه الحقوق والسعي لتحويلها الى واقع حي ومصون في اطار اليات ومؤسسات دستورية وتنفيذية وهو من اهم المطالب والضمانات الهادفة لتقدم المجتمع واشاعة العدل والمساواة والتوازن والاستقرار في ربوعه وصون كرامة الانسان وهي حقيقة متاصلة في كل انسان ولا يجوز التنكر لها او الاعتداء عليها وهذا ما اكدته الوثيقة وقد استكملت هذه الوثيقة التاريخية باصدار الامم المتحدة لوثيقتين مهمتين هما العهد الدولي المتعلق بالحقوق السياسية والمدنية الصادرة في 1966 وكذلك العهد الدولي الثاني المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر في عام 1976 والحقيقة ان هذه الوثائق تشكل بعرف الامم المتحدة (الشرعة الدولية للحقوق)universal bill of rights بالاضافة الى ذلك وخلال العقود الماضية صدرت مجموعة اخرى من المواثيق والقرارات والمعاهدات الخاصة بطائفة واسعه من الحقوق على نحو تفصيلي ومحدد وهادفة لاحترام حقوق الطفل والمراة ومكافحة جميع اشكال التمييز ضدها وتلك المعلقة بحقوق الاقليات والعمال الاجانب وحق تقرير المصير للامم ومكافحة جميع اشكال التمييز العنصري هذه جميعها اضافة للاليات والاجهزة والبرامج المعتمدة ولا سيما من قبل المركز العالمي لحقوق الانسان في جنيف تشكل المنظومة العالمية لحقوق الانسان وفي هذا السياق يثار احيانا بعض التحفظات بشان الحركة العالمية لحقوق الانسان والصاق الشك والريبة في دوافعها ونشاطاتها وذلك بالاشارة الى ما يسمى بازدواجية الموقف والمعايير في سلوك بعض الحكومات والجهات الاجنبية وهنا يتعين التمييز بين امرين بين حركة حقوق الانسان ومبادئها باعتبارها حركة انسانية اصيلة وهادفة لخير المواطن والمجتمع وملبية لحاجاته الرئيسية وبين المحاولات الحاصلة لاستغلال مباديء وشعارات هذه الحركة لاغراض مريبة مرفوضة ومناهضة لمصالح المجتمع وتطلعاته فالتنديد بازدواجية المعايير في السلوك والمواقف هو امر مشروع ومبرر ولا يجوز التهاون او التسامح في محاربته والمتمثل في التصرفات والسياسات العملية لبعض الحكومات والاجهزة المحلية والدولية كما ينبغي الدفاع عن مبادئها ودلالاتها النيرة وتحصينها من سوء الاستغلال ومن جهة ثانية شهدت العقود الاخيرة على حد تعبير الدكتور مهدي الحافظ وزير التخطيط العراقي السابق ورئيس الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية لبنان شهدت مطالبات ومحاولات لصياغة اعلانات او وثائق للتعبير عن حقوق الانسان على اساس ديني (اسلامي او مسيحي او…….)او اقليمي (افريقي ،عربي،….) وهو امر يستدعي التفكير مليا وتقييم مدى الفائدة او الجدوى المترتبة على هذه المساعي فالاقرار بشمولية الاعلان العالمي لحقوق الانسان ولكونه القاعدة العريضة لمجموعة المباديء والقيم الانسانية تستلزم التريث في البحث عن مواثيق اخرى ذات طابع ديني او اقليمي كبديل عن الاعلان العالمي فاذا ما وجدت حاجة ما لتناول اوجه معينة لم يعالجها الاعلان العالمي فيمكن عند ذلك التفكير باصدار مواثيق مكملة للاعلان العالمي هدفها التعبير عن القضايا والامكور التي تم اغفالها في تلك الوثيقة العالمية على ان تكون هذه القضايا والامور نابعة من اوضاع وحاجات خاصة اي ذات طابع خصوصي وتعكس حالات اجتماعية وثقافية وتاريخية مميزة لامم معينة او مناطق متجانسة ومحددة في العالم وحقوق الانسان قد اقرت منهجا لانتشارها وللمساعدة في انتشارها اعطائها الاهمية المميزة لها في انقاذ البشرية وهذا المنهج الذي اقره الاعلان العالمي لحقوق الانسان هو شيا مصطلح الامن الانساني او ما يطلق عليه الامن الناعم وهو مفهوم حديث نسبيا جرى صوغه وتداوله في السنوات الاخيرة وحظي باهتمام واسع ولا سيما من جانب الاوساط والفئات العلمية والمعنية في قضايا الديمقراطية وحقوق الانسان والفئات المعنية في قضايا الديمقراطية وحقوق الانسان حيث يعتبر المفكرون والباحثون ان الامن الانساني مفهوم معني في الدرجة الاولى بامن الافراد او امن المواطنين وذلك عند تحقيق الامن الانساني بهذه الكيفية تتطبق اول مفردة من مفردات حقوق الانسان كي نطبق او نكون على تطبيق بقية المفردات الخاصة بالحقوق وكذلك كي تسود احقية الدولة في سيادة القانون يجب ان نضمن سيادة مفاهيم حقوق الانسان اي لا يمكن للدولة تطبيق نصوص القانون باهدار كرامة وحقوق المواطنين فيروى ان احد حكماء الصين دخل على الامبراطور فوجده يصدر حكما بالاعدام على احد اللصوص فاظهر الفيلسوف امتعاضه الشديد لان الحكم جائر والجريمة لا تستحق ذلك العقاب فخاطب الامبراطور قائلا بحدة :اتيت لتحكم لا لتقتل فرد الامبراطور بغضب :وما تريدني ان افعل باللصوص اجابه الفيلسوف قائلا :تقضي حاجتهم فليس القتل عقابا للسارق ولا اسلوبا للحكم اي اضمن حقوق المواطنين وكفالة معيشتهم كي لا يسرقوا ثم تقتلهم فسيادة القانون يجب ان يماشيها كرامة وحقوق الانسان وهذا هو جواب سؤالنا الذي ابتدانا به المقالة حول حدود الحريات وحقوق الانسان وبتطبيق فعلي وواقعي لا بمجرد شعارات ترفعها هيئات معينة وفي جانب اخر من جوانب حقوق الانسان الكثيرة هي مقولة الفيلسوف الاسلامي (الرازي):النفس الانسانية هي اشرف النفوس جميعا هذه العبارة التي اصبحت عالقة بالذهن منذ انتشار ظاهرة العنف التي طغت على حياتنا فاصبح القتل وانتهاك النفس البشرية التي كرمها الله سبحانه وتعالى جزء من سلوك البعض الذين يدعون الصحوة الدينية في العالم الاسلامي فالسؤال الذي يطرح من اين ياتي اصحاب الاعمال الارهابية والعنف والغلو والتطرف برخص هذه الاعمال وكيف يبررونها لانفسهم ؟والقول في ذلك انه ليس الامجرد انحراف فكري او قراءة مغلوطة بل هو ضرب من العجرفة والتكبر المقيت والمزايدة الفاسدة على ديننا السمح فحقوق الانسان التي اقرها الله سبحانه في كافة الديانات واقرتها اللوائح العالمية لحقوق الانسان كلها تنادي بمصطلح الكرامة الانسانية كذلك حرية الراي التي كفلها الاعلان العالمي للائحة حقوق الانسان حيث ان ما نراه من عملية اضطهاد لاصحاب الاراء المعينة التي يقولونها تجاه اراء اخرى يعلل المفكر سلامة موسى محاربة الراي المضاد باربعة علل هي :
1- ان الناس مطبوعون على الكسل والاستنامة الى ما الفوه من العادات الفكرية والعلمية فالانسان في احوال معيشته لا يخترع كل يوم وانما يجري على عادة امسه فاذا ارتاى احد رؤيا جديدة في اي امر من الامور فانه يصدم المجتمع لاول وهلة ويكلفه تفكيرا او جهدا كنا في غنى عنه لولا بدعته الجديدة .
2- المصلحة المالية او المعاشية كثيرا ما تكون متعلقة بالعادات المعروفة فتبديلها يضيع على بعض الطبقات هذه المصلحة .
3- الجهل حيث الذي يجهل اللغات الاوربية يكره كل من لا يقول بان اللغة العربية افصح اللغات وهذا كمثل بسيط .
4- الاستبداد الذي هو غرور المرء برايه وعدم قبول الاخر وغيرها من الامور ونتيجة لهذه العلل والاضطهادات التي سببت لاصحاب الاراء داخل المجتمعات اقرت لائحة حقوق الانسان مبدا حرية الراي وكرامة الانسان فوق كل اعتبار والكثير من المفكرين ممن ذهبوا نتيجة اراء ابدوها وتم قتلهم كعبد الرحمن الكواكبي الذي عندما اصدر كتابه طبائع الاستبداد كانت النتيجة ان قتل مسموما بقهوة قدمت اليه .
حيث قدم نفسه قربانا لحرية الراي والتعبير ونحن اليوم في عراقنا بحاجة الى ارجاع هذه المفاهيم العظيمة كي تستعمل بدقة بعد عقود من سيادة الاستبداد وبكافة انواعه فلا جدوى من الادعاء باننا غير قادرين على ممارسة الديمقراطية وغير مهيئين لها فهذا ايضا من مظاهر الابوية الزائفة التي تتستر بها التوجهات الاستبدادية فالديمقراطية تجربة مثل العديد من التجارب البشرية تبدا متعثرة ومملوءة بالا خطاء ثم ما تلبث ان تصحح نفسها بنفسها وعلينا ان لا ننسى اننا سوف نبدا في كثير من الاحيان من الصفر تقريبا وبالرجوع الى حتمية وجود المؤسسة الديمقراطية وضرورة تواجدها في المجتمع كند للمؤسسات التي تلغي مفاهيم حقوق الانسان وهنا على سبيل المثال قد يكون للمؤسسة الدينية دور في عدم رعاية حقوق الانسان اذا كان من يتصدى لها غير مراعي للمسيرة الديمقراطية التي يجب ان تكون في البلاد واسس تواجد المؤسسة الديمقراطية يتكرس في ارادة المجتمع على انشاء مثل هكذا مؤسسة يكون لها القدرة على ضمان المسيرة الديمقراطية لحقوق المواطنة العالية ولكي نحول اي مؤسسة نخاف من خطرها على الطابع العام لحقوق الانسان علينا ان نطالب مثلا بديمقراطية الاحزاب كي لا تتحول هذه الاحزاب لمؤسسات مصادرة لحقوق الانسان ولاننا ان ضمنا تطبيق الديمقراطية ضمن رؤاها وابعادها ضمن احزابنا وتشكيلاتنا الوطنية سنضمن بالنتيجة تعدد الرؤى والابعاد ضمن العراق الجديد ولتطبيق الديمقراطية الحزبية يجب ان نضمن عدة نقاط منها وكما يذكرها الدكتور عبد الوهاب رشيد :ان يكون للمرء مباديء واهداف نبيلة وان يتعلم ويمارس التنظيم في حياته الحزبية في سبيل اهدافه ومثله من اجل شعبه ووطنه وبذلك ان تحققت هذه النظرة ضمن مجالات تطبيق الديمقراطية داخل العراق كذلك العمل الجماعي وتطوير الفكر السياسي والحوار والاطلاع على الاوضاع السياسية وقضايا الشعب والاهتمام بها وزيادة الثقافة للانسان ومعارفه وتنظيم حياة العضو الفردية والجماعية في مختلف المجالات وكذلك الالتزام والرؤيا والتحليل والعمل المنظم المدروس ومشاركة الاخرين في الهدف احيانا والمصير وامكانية التطور باعتبار الحزب مدرسة وبالنتيجة العمل من اجل الديمقراطية والمشاركة لخدمة المواطنين ومحاولة التغيير ان امكن وتطوير القابلية الثقافية والمشاركة الجماعية في اتخاذ الطريق الامثل لتثقيف الجماهير والافكار والفلسفة والعدالة والمساواة والخير للناس كلها مصطلحات يجب اتخاذها بنظر الاعتبار فاذا تطلع الافراد من المجتمع لنهضة فاعلة في سبيل تطبيق مفاهيم الديمقراطية والمساهمة في النشاط السياسي وتطوير وعي الفرد والمساهمة في نشر الافكار الديمقراطية وبالنتيجة سنحول مؤسسات كنا نخاف منها لانتهاكها حقوق الانسان ولكن بالنتيجة نراها مؤسسات راعية لحقوق الانسان كذلك من الامور التي تعزز المؤسسات الديمقراطية في البلاد العملية الانتخابية والانتخابات هي العمود الفقري للعملية الديمقراطية باعتبارها وسيلة سلمية لتداول السلطة في المجتمع على اساس دوريوعلى اساس احراز الرضا العام للمحكومين على الحاكمين لكن الانتخابات لا قيمة لها اذا لم تكن مستوفية للشروط والمواصفات التي تجعل منها انتخابات ديمقراطية والانتخابات تشكل اسا انتشار العملية الديمقراطية وهي اول المؤسسات العملية لانتشار مفاهيم الديمقراطية وحقيقة الامر تعبر الديمقراطية عن مفهوم تاريخي اتخذ صورا وتطبيقات عديدة في سياق تطور المجتمعات والثقافات وتقوم فكرتها الاساسية على حكم الشعب وممارسته الرقابة على الحكومة ويتمثل جوهر الديمقراطية في توفير وسيلة منهجية حضارية لادارة المجتمع بغية تطوير فرص الحياة وقد ظهرت بصورتها المبكرة مع ازدهار الحضارة الاغريقية ونشوء دولة المدنية واقتصرت المشاركة فيها على الاقلية من الاحرار دون العبيد والنساء وفي ظروف عدم الفصل بين السلطاتencycl opae dia.vol4.1993p5 ففي عام 600 قبل الميلاد اصبحت اثينا تحت قيادة percles المناصر للحرية بقوله في احدى خطبه (ان حياتنا السياسية حرة ونحن احرار ومتسامحون في حياتنا الخاصة )وقد ذكرت في المنجد 1975 ,قسم الاعلام ص177) واستمرت التجربة الديمقراطية الاغريقية فترة قصيرة قبل زوالها وبعد حوالي 2000عام ظهرت الديمقراطية المعاصرة الديمقراطية غير المباشرة او النيابية representative or in direct بسبب صعوبة تطبيق الديمقراطية المباشرة في عصر الكثافة السكانية ورغم افضلية هذه الطريقة بتوفيرها التكاليف الزمنية والمالية الاانها تقود الى تقليص القوى السياسية للناخبين مقارنة بالديمقراطية المباشرة وهذا يوضح احد مبررات تعزيز الرقابة المؤسسية على الحكومة المنتخبة وهذا البعد التاريخي الذي استمدت منه الديمقراطية وجودها انما نذكره لترسيخ مفهوم الديمقراطية ضمن الابعاد التاريخية لها وبحقيقة الامر اننا نحتاج لعدة انماط من الديمقراطية لترسيخها قبل النموذج العام لها والنموذج الذي نحتاجه هو النموذج القدر على تثبيت وحفظ حقوق الانسان النموذج القادر على تحويل المؤسسة التي تقف بوجه تطبيق وحماية حقوق الانسان الى مؤسسة تحمي حقوق الانسان في هذه البلاد.
البصرة