الرئيسية / قلم رصاص / قلب شاعر

قلب شاعر

قلب الشاعر

جمانة حداد

 

في برنامج وثائقي عرضته اخيراً إحدى المحطات الأجنبية، ورد خبر يتحدث عن اكتشاف مذهل وصاعق، مفاده أن القلب هو أحد أهمّ مراكز الذكريات والمواهب والقدرات الفكرية لدى الإنسان، وأن هذا الدور ليس حكراً على الدماغ. أما البرهان القاطع على هذه الفرضية، فمنحته إحدى عمليات زرع القلب الغريبة التي تمّت أخيرا، حيث أُودع قلب شاعر متوفٍّ حديثا صدرَ سائق شاحنات هجر المدرسة في الخامسة عشرة من عمره. بعد الجراحة، شرع سائق الشاحنات، ذو الجسد المغطّى بالأوشام، والبعيدة اهتماماته سنواتٍ ضوئية عن عالم الأدب، في كتابة القصائد. ولدى مقارنة نصوصه هذه بقصائد الشاعر الراحل الذي وهبه قلبه، تبيّن أنها متشابهة للغاية. وقد فسّر العلماء ذلك بأن القلب يحتوي على خلايا عصبية تؤدي دور دماغ صغير موصول بالدماغ الرئيسي، وتتيح لعرين كوبيدون أن يخزّن الذكريات والميول الفكرية، لا المشاعر فحسب، ما يجعل متلقّي القلب الموهوب يصاب بعدوى سلوك الواهب وشخصيته وطباعه وذوقه، وحتى “ثقافته”.

هكذا إذاً!

ليس “المعنى” فقط في قلب الشاعر، بل في قلبه الشعرُ أيضاً وخصوصاً.

هلمّوا إذاً الى المستشفيات ايها الشعراء، وإلى كتبة الوصايا. هبوا قلوبكم واجعلوها لا تندثر بعدكم. امنحوها فرصة أن تخلّص سائقي الشاحنات، أو سائقي الحياة و”الأوطان”. ما أحوج الجميع إليها. خصوصاً أهل هذه الفئة الثانية.

لعلّ ما لا يؤتونه بالفطرة والأخلاق والرؤية والنزاهة والذكاء، يؤتونه بـ”التطعيم” الجراحي.

لِمَ لا؟ فشرط حصول أيّ معجزة، هو أن نصدّقها. أن نصدّقها فحسب.

 

***

 

حول الشعر وشجونه أيضاً: موقعٌ على الانترنت، متخصص في حماية حقوق الشعراء الأميركيين وفضح قضايا “الفساد الشعري” والمسابقات الشعرية المغشوشة ولجان التحكيم المتحيزة في الجوائز وحالات التمييز ضد الشاعرات وألاعيب دور النشر، الى ما هنالك من قضايا واحتيالات وتزويرات في عالم الشعر.

“فويتري دوت كوم” (foetry.com) أسسه منذ نحو ثلاثة أعوام الان كوردل، صاحب مكتبة في بورتلاند، في السابعة والثلاثين من العمر. يسمّي نفسه “كلب حراسة الشعر الأميركي”، فيما يلقّبه البعض بـ”البطل” وبـ”مايكل مور الشعر”، ويتهمه آخرون بأنه “مجرم” و”وحش”. هذا “الحارس” المزعوم، سرعان ما اصبح “غول” الشعراء الأميركيين ومدار خوفهم الأكبر، إذ لم يتوان عن مهاجمة صدقية بعض أبرز الأسماء، ومنهم من هو حائز جائزة “بوليتزر” المهيبة.

ثمة ما يزيد على مئة مسابقة شعرية في الولايات المتحدة اليوم، وقد اخذ صاحبنا على عاتقه ان يكون ديّانها ومحاسبها، بناء على “معايير الشفافية واللاتحيز والاستحقاقية”، على ما يقول.

قد يكون صحيحاً ما يشاع عن كوردل، الذي سيواجه قريباً عدداً من الدعاوى القضائية المرفوعة ضدّه في المحاكم، من أنه “فاشل يحاول الثأر لفشله وتفجير كبته المرضي وعقده النفسية من خلال هذا الموقع” (الفاشلون جنسٌ لن يؤول طبعاً الى انقراض)؛ وقد يكون صحيحاً ايضاً، مثلما تؤكد مقالات صدرت في ابرز الصحف الأميركية، أن جزءا كبيرا مما ينشره محض افتراءات وتشهيرات غير خاضعة لأي مراقبة (ليس أكثر من “الزبالة” المرمية على عواهنها على الانترنت)؛ لكن فكرة الموقع في ذاتها تظل جديرة بالاهتمام وبدراسة قابليتها للتطبيق: أعني منطق “الإصلاح” الشعري (اللهم نجنّا من فخاخ كلمة “إصلاح” والمستأثرين بها)، وحلم انقاذ الشعر من بؤر الفساد وبراثن المحاباة ووحول التفاهة.

مهمة دونكيشوتية جليلة، عامل نجاحها الأول حمايتها من التشويه، اي ان يكون القيّمون عليها فوق الشبهات، وزهّاداً، ناهيك بامتلاكهم موازين النقد والتقويم الشعريين اللازمة.

 

Joumana333@hotmail.com

www.joumanahaddad.com

عن جمانة حداد

شاهد أيضاً

حكومة العالم الخفية تجتمع في مدينة دريسدن الألمانية (جمال قارصلي )

إن إجتماعات ما يسمى بحكومة العالم الخفية لا تشبه إجتماعات القمة السنوية لمجموعة دول الثمانية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *