الرئيسية / قصة قصيرة / روتانا سينما… وهلوسات أخرى !

روتانا سينما… وهلوسات أخرى !

إلى : نسرين .

 

 

هشام بن الشاوي

 

 

 

 

 

تخيلوا كاتبا مغمورا في ورطة.. يود أن يكتب قصة قصيرة لا تفوح منها أية رائحة، ولو رائحة جواربه ،  بعد أن  يندس في فراشه دون أن يخلع حذاءه ، ويهاتف خراب دواخله صوت صديقه الخمسيني :  تزوج .. ستموت  كالبغل الذي لا يخلف سوى حبل مشدود إلى وتد صدئ .

***

صديقنا الكاتب  لا يريد أن يكتب عن صراخ صامت في نظرات ناعسة ،وهو يداعب حلمة ثدي عاهرة أربعيينة ، وبصوت منكسر تهمس : ” لا تعض” !  ولا أن يكتب عن تلك الفتاة التي تبصق على الأرض مزدرية محاولاته التودد إليها … ولا أن يغرق سطوره في دموع طفله اليتيم : قلبه !!

 

***

 

 

 

هل تكتب عن استيقاظك المبكر ،  والشارع الخالي إلا من قطط تعبث بأكياس القمامة؟!  هل تكتب عن  ذهابك إلى العمل – صباحا – تحت جنح الظلام ،  وعودتك إلى البيت  مساء متلفعا بعباءة الظلام بوجه متجهم، ولا تستعيد مرحك إلا بعد أن تسطع الشمس في كبد السماء ؟!

ألا يكفي أنك تكتب لأن علاقتك بالحياة – وبالنحو أيضا – ليست على ما يرام …؟!

 

***

يناير …

موحشة لياليه ،   قارس بردها ،  وأمي تردد دوما أني على شفا الحمق ، لأني أهمل – بسبب البرد ربما – حلاقة شوك لحيتي  ، و كالأطفال لا أبالي باتساخ ثيابي  ، وتنهرني بنبرة  رثاء مضمر:

–         انقص من ذاك الموسطاج .. هو بحال ديال الستاتي*

 

في ظلمة زقاق ألمح قططا تتبادل وشوشات صامتة . وأهتف لنفسي:” طوبى  لك أيتها القطط الضالة موسم تزاوجك ،  كل يناير وأنت في شبق ” . يقترب ظلي من القطة ، تبتعد ماشية أمامي ،  وهي تلتفت إلى عشاقها ،  فيتمطط  جرحي النازف في أعماقي الهشة .

 

***

 

 

أجدني أمياً في فن مص رحيق الشفاه …

–         أين تعلمت .. ؟!

–         من أفلام روتانا سينما .. !!

أعرف أنها قناة فضائية محظور مشاهدتها بالبيت  إلا في غياب رب البيت المتدين في العمل . أفطن إلى أمر، فيجن جنوني  ،  ألعن ذاكرتي البائسة : كيف لم أنتبه إلى أن (ع) الذي تحدثني عنه كثيرا باعتباره زميلها في العمل ، هو من تقدم لخطبتها  ،  فرفضه أخوها ، لأنه سكير وحشاش ، كما علم من أولاد الحلال .

 

” ياه ..!  كل هذه المدة ولازالت … ؟ !ألا يمكن أن  تكون قد أغرمت به ، لا سيما، وأن حبنا لم يكن وليد النظرة الأولى .. كما في الأفلام الرومانسية ؟ !” .

 

***

 

 

 

أية تعاسة أن تطلب منك من تحب  أن تنساها ؟ ! وقد ضاقت بنبشك المتواصل في قبر ماضيها .. !!

 

 

عزيز… قريبك الوحيد  الذي تثق فيه ،  ويعرف بعض تفاصيل علاقتكما الغرامية يؤكد لك أنه يستحيل أن تجد امرأة لم يضاجعها أحد : كلنا نضاجع نساء بعضنا بعضاً قبل الزواج !!

هي تقسم بالملح والطعام  أن (ع) لم يلمسها ، ونزعتي الشرقية جدا ترفض الارتباط  الشرعي بامرأة لمسها رجل آخر !

و الأب الحاج الذي لا تفوته صلاة الفجر ذبح قلبك،   وهو يقسم ألا تدخل بيتكم أية (خانزة)**

 

 

***

 

أيمكن أن تتخلى عني فقط لأني أنفعل بسرعة ،  وأتفوه بكلام نابٍ  ؟ !

تبا!! حتى الحبوب المهدئة  التي لا يمكن ابتياعها من الصيدلية إلا بعد التأكد من اسم وتوقيع الطبيب النفسي – لأن مثل هذه الأدوية تباع  في السوق السوداء كأقراص للهلوسة –  ألقيتها في سلة المهملات ، بعد أن صرت شبه مخدر بعد ثلاثة أسابيع وليس ثلاثة أشهر.. مدة العلاج.

 

***

 

 

في ظهيرة ذلك الصيف اللافح الذي لا ينسى ، كنت أغرق في شرودي ، وانطوائي ، وصمتي الحزين مبلل بمطر الذكريات ..

رفاتي تحت صفيح البراكة ، وعقلي وقلبي هناك .. وحده ”  سعيد ولد الحوات ” ينكأ جرحا نازفا بأغنيته:  (خلاتني مريض وقاطع لكلام) ، وأصدقائي يضحكون مع مراهقات قرويات يأتين لجلب الماء من الأوراش القريبة . أقف أمام باب البراكة ، تلوح لي عمارات حي النجد الذي لا يفصلنا عنه غير خلاء قائظ لمطار مهجور صار مرعى لقطعان مواشي قاطني الدواوير المجاورة ، بيد أن ديار المحبوبة  صارت نائية جدا.. جدا …

أتوجع وأخبئ  دموعي لوحداتي المسائية .

 

***

 

 

القطة تلتفت إلى عشاقها في حنان آسر . تداهم ذاكرتي المتعبة قطة جيران ورش البناء بإحدى الحدائق الخلفية للفيلات المتقابلة بحي الجوهرة ، يأتينا مواء القطط الغزلي  ملحناً ، شبيها ببكاء رضيع .. بعيدا عن الأعين .. طبعا .

ونسمع صوت امرأة ، وهي تنهر قطتها بسبب ضجتها الشبقية : ” انتي مالكي مصداعانا” ..!!

تلعلع قهقهاتنا.. متخيلين أنها تغار منها .

 

 

 

***

 

تموء قطة ذلك المواء الشهواني المستغيث حين نتبادل نظرات ذات معنى ..

الباطرون يحث العياشي أن يتحرك ، وهو يحمل قطع الوردي..

–         تا تصب ***

–  صافي ، بقاوليك غير لمشاش .

ونداري ضحكنا ..

 

***

 

 

 

يرى مصطفى قط  الجار الأبكم ، يمشي بالقرب منا ، يرميه بحجر ، ينهاه أحدنا ألا يضرب القطط :

– أولاد الحرام ! لا يدعوني أنام ليلا ..  أحدهم تسلل من تحت باب البراكة و باسني  في الليل .

 

ألقي نظرة أخيرة على القطة ، وأنا أبتعد .. ورغم أنف حزني المغتصب طفولة القلب ، يندفع من أعماقي  سيل من الضحكات ممزقة سكون الليل .

 

 

الجديدة – 28يناير 2007

 

——————————————–

 

 

هامش :

 

*: مغني مغربي شعبي معروف بشاربه الكث .

**: كريهة الرائحة . وهذه صفة ذات حمولة أخلاقية .

*** : تقال للقط لكي  يبتعد .

عن هشام بن الشاوي

شاهد أيضاً

عيدون

“عيدون”.. الأسطورة شميسة غربي / سيدي بلعباس / الجزائر يجلس أمام مكتب عريض؛ رُصَّتْ عليه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *