الرئيسية / دراسات / دراسة نقدية في نصوص الشاعرة السورية كوثر عقباني تقديم :طالب هاشم الدراجي

دراسة نقدية في نصوص الشاعرة السورية كوثر عقباني تقديم :طالب هاشم الدراجي

تدويرالمعاني :
————–
التَدْوِير= مصدر من الفعل تَدَوَّرَ- جعْل الشيء يدور- عند العامة البَحْث والتَفْتِيش /
يتوزع تدوير المعاني في مفهومه العام على مساحة ما ، يكون أداة تسيطر على نظام المعاني، كالمجاورة مثلا : المجاورة التي يتطلب في تركيبها وبنائها أن تكون هناك عبارة أو مفردة أخرى تكمل ما سبقه أو ما يلحقها ليكتمل مفهوم الجملة المكتوبة في النص مثلا : في نص “هياج الريبة ” (( أضارع الشك + رسالة الوجود)) أو في نص ” ربيع بلا وطن “((نامت مثقلة + بأحلام الهروب )) أوفي نص ” ماذا لو” ((وعلى التواءات جسدها + يشهق الشبق)) غالبا ما تكون هذه الجُمل إضافية ، تعتمد السياق التركيبي وليس الدلالي الذي يحكمه قانون الدال والمدلول ، كما أنها بذات الوقت لا تخضع لهذا التركيب ؟ بل وأيضا تضع في سياق التعبير الشعري عندها السياق الدلالي فنجد لديها دوال رمزية لا بد من إحالتها إلى مدلولاتها كي لا يتوه القارئ في تأويل النص تأويلا تكهُنيا يخزن في مخيلته رؤاه ، قد يبتعد أو قد يصيب ؟ فهي أي “الشاعرة” قد لا يبدو بكتابتها عملية النظم الشِعري ؟ بل أنها تتقمص الرؤى وتتمظهر في لغتها حين تبدأ ببناء النص وتشكيله ، مثلا في النص ” ماذا لو”: ((ماذا لو خلّتني رجلا.. وأهداني الرب سرَّ الوجود ؟.. وكان لاذع الكذبِ ملحي..)) فهي تتهم الرجل في خيانة التاريخ ! ،وهل ينكر العالم من الذي كتب التاريخ ؟ وهل هي ملومة حين تصف كذبه بـ ((لاذع الكذبِ ملحي..)) .
إن لذّة الشِعر هي تلك اللذّة التي يصفها “رولان بارت ” فيقول : (( تاريخنا ، ليس ساكنا ، ولعله أيضا ليس ذكيّا ، أن نص المتعة إنما ينبثق فيه بشكل فضائحي ، أو أعرج )) من كتاب لذة النص – رولان بارت – ص 46 ترجمة د. منذر عياشي 1992.
من هنا نشعر بمتعة البوح التي تتقمص فيه الشاعرة دور الرجل ، حينما تتمنى لو أنها هذا الرجل ، ما كانت لتفعل ، أو ما كان ليحدث وهي لن تفعل ما فعله الرجل بهذه الحياة وكيف أضرَّ بها وأفسدها .
بنيوية النصوص لدى الشاعرة :
—————————–
النص البنيوي ، دائما ما يتخذ خندقا تتعدد فيه القراءات والتأويلات ، لأنه يعتمد المجازيات والرمزية في بنائه ، على الأغلب مما رأينا ، أن الطرائق الوصفية للنصوص التي نقرأها تبدو لنا مربكة ويتحتم علينا إفراز تلك الطرائق ومعرفة العلاقة القائمة في كليات النص لا على التناول القائم في النص / من مدخل إلى علم لغة النص- لـ فولفجانج هاينه مان -ص5 – 2004 / ، تقول الشاعرة في نص .. حين هرول الكأس :
—————————–
ياااه لخمرة الحبِّ
حين تعتّقها القلوب بدم ملكي الأقداح..
كيف تستفز كأسي حتى لكأني.. أخافه وأهشه عنوة..
لكنّي أخافيه الصدق وأموت فيه. .
—————————–
لا نستطيع ان نحكم على (( يااه لخمرة الحب )) لأنها جُملة تابعة لما قبلها تحتاج إلى مقدمة ما حيث جاء في المقدمة :
———————
((كم عصاني كأسي وأنا أنهره من كأسه اللعين.. فيخاتلني ويصلصل ماجنا.. ليس لقلبي إلاك الدليل.. فإن لاتأم شفتي الملكية.. وهو الحاد كشفرة سيف.. وبنهمه الذي لا ينبري. يجذبني إليه دون خجل. ))
———————-
هكذا ندرك قيمة التدوير والمجاورة في المعاني الشعرية ، إذ أنها كالسلسلة ، كالإيقاع الشعري، جزء يتجزأ في جزء ، جُملة تصب
في الأخرى ، مفردة تتبع مفردة، فكان لهذه النصوص وبهذه الطرق التعبيرية أن لا تتشكل إلا من خلال بنائية تتبنى موحياتها ومعانيها وأساليبها التعبيرية ، فإن السياق الشعري ها هنا سياق لغوي دلالي تتكون مدلولاته من عناصر بنائية متراصّة في تركيبها اللغوية مثال ذلك:
– ياااه لخمرة الحبِّ
– لكنّي أخافيه الصدق وأموت فيه.
– وأنا أنهره من كأسه اللعين
-ليس لقلبي ألاك الدليل
– وبنهمه الذي لا ينبري.
————————
فونيمات متميزة ، الفونيم ، ويعد بلومفيلد أول من عرفها بأنها (( أصغر وحدة من وحدات السمات الصوتية المتمايزة)) فأين نجد التمايز الفونيمي لدى نصوص الشاعرة كوثر عقباني … ؟
((لخمرة = ل خ م ر ة / اللام المكسورة حيث المخرج اللفظي ضربة صوتية في اللسان تقارع سطح اللثة العليا ومن ثم تستقر على الأسنان الأمامية ، فإن المسافة الزمنية + المكانية = تمايز صوتي (ياه ) بحروفها الحنجرية ، مع أن الياء ( جوفية ) لِخمرة (اللام والراء يقال لهما (ذَلْقيّة) لخروجها من ذَلْق اللسان أي طرفة. فإن الفونيم هنا ( ل خ م ر ة ) يجعل القارئ يتباطأ عند لفظه (لِخمرة) قرائيا وصوتيا ، وهذا التباطؤ يفرضه اللام لضرورة لغوية قرائية صوتية ، (لِيعمل – لِيأكل – لِهدفٍ – لِغايةٍ ) وهكذا ندرك علّة الفونيم في كسر المفردة بداية ونهاية ، للمفردة المميزة ، أما المورفيم والجدوى من بحثها هنا في موضوعنا فهو لأسبابٍ قائمة بين المعاني التي تتضمنها الجُمل والمفردات وطبيعتها اللسانية اللفظية التي تعنيها الكتابة ، فإن “المورفيم” في الغالب منه يجزّءَ الكلمة إلى قطعتين مثل (لخمرة = لخم – رة / الحب = ال – حب ) وهكذا يشتغل المورفيم في إخراج الصوت لفظيا / الأمر هنا ، إنني أحاول أن أعمل تقطيعا يشبه التقطيع الوزني للتفعيلة العروضية مع أن الفرق علميا في جوهره ، فالأول موسيقي تطبيقي والثاني لساني نظري ، فلنفعل ذلك معا :
((كم عص /اني كأس/ ي وأن/ ا أنهره / من ك/ أسه الل/ عين/ هذه مورفيمات صوتية لها آثار تتعلق بصوت الحروف لفظا وقراءة ، فالجُملة هي (( كم عصاني كأسي وأنا أنهره من كأسه اللعين.)).
الآن وقد أدركنا علة المورفيم في تقطيع الكلمات كي يكون الصوت بتركيب لغوي ناجح مهمته خلق نبرة لفظية تساهم في تمييز الكلمة المنطوقة أو المقروءة ، بينما أبررَ وجود المونيم الـ (صوتيم) كحاجة يتطلبها الشِعر المنثور الذي ينحاز للجُمل الأسمية عكس الشِعر الموزون المقفى الذي ينحاز إلى الجُمل الفعلية في تراكيبه الرابطة بين أجزائه ومكوناته.
إن ((الرابطة عند المنطقيين هي الشيء الدال على النسبة. والشيء يشتمل اللفظ وغيره، فيشتمل التعريف الحركات الإعرابية والهيئة التركيبية حيث قيل إن الروابط في لغة العرب إما الحركات الإعرابية وما يجري مجراها من الحروف أو الهيئة التركيبية / الويكيبيديا – )) قد يتساءل القارئ الكريم عن جدوى كلِّ هذه الـ ( فونيم ، مورفيم ، مونيم ) في بحثنا هذا فأقول: نعم لك كلُّ الحقّ في هذا السؤال ، طالما أنا أدرس بحوث وتنظيرات ودراسات غربية للنقد الحديث ، فلا يوجد في لغتنا العربية ما يوافي ويحاكي المفهوم النقدي ورؤيته للنص ما دامت هذه الدراسات غربية ، فإنها تتداخل في تحليل وتفكيك لغة النص شعريا، فقط لأن النص وكينونته الشعرية حداثية وليدة الحداثة ، إذ لا يوجد لدينا نص نثري حداثوي كالنص الحديث اليوم، ما لدينا وعبر التاريخ كلّه قبل النثر العربي ، مقطوعات نثرية لكنها مقطوعات سطرية إذا صح التعبير.. أي أن كل سطر يُقرأ على شكل منصوصة مستقلة، تُلحق بالأخرى نتيجة لطبيعة اللغة التي نستخدمها نحن ، لأن طبيعة لغتنا العربية تفترض العطف حتى بعدم وجود (واو العطف ) وذلك بسبب الإيقاع المألوف للقص أو الحوار أو الشِعر أو المقالي ، وإلا فربما كلُّ مقطوعة منصوصة هي نص مستقل أو مختلف ، حتى لو عثرنا على إيقاعه التراتيبي التزامني ، عموما فإن .. المونيم هو من عنديات مدرسة براغ ( الوظيفية) حيث يحاول الباحث فيها أن يكشف القطع الصوتية التي يحتوي عليها النص هل تؤدي وظيفة في التبليغ أم لا ،ولذلك قمت ببحثها في موضوعنا هذا .
فالمونيم.. إذن هو” الجُمل الاسمية” في نصوص الشاعرة رغم قلّتها في بعض النصوص وسطوة الجمل الفعلية على البعض أو المضاف والمضاف إليه ولا نُعيبها ؟ لكنّنا نستدرك عللها وطبيعتها البنيوية :
مقطوعات من النصوص
———————
– فالسماء تمطرني بخيرها
– ربَّ حظٍ امتلكته بمولدي
– وبامتثال لمشيئة الإله في تكويني
– دلق الليل خمر قصيدتي في كؤوس من وله
– شفتان تتناغمان بقبلة الراح
– كأسي جذّ قلبه ..هاربا بشفتي إليه
——————————-
يقول أبي علي الحسين بن عبدالله بن سينا البخاري في كتابه (فن الشِعر ) كتاب الشفاء- الفن التاسع من الجملة الأولى كتابه (الشفاء) :
((واذا كانت محاكاة الشيء بغيره تُحرك النفس وهو كاذب ، فلا عجب أن تكون صفة الشيئ على ما هو عليه ، تُحرك النفس وهو صادق، بل ذلك أوجب ، لكن الناس أطوع للتخييل منهم للتصديق )) ، ندرك من هذا الكلام أن الجُمل الفعلية في نصوص الشاعرة مثل :
((أضارع الشك رسالة الوجود – أستكين في خلوتي مناجية سرمديّة الكون – فأرمم خدوش انكساراتي على طهر الخطيئة – أعتلي صهوات ليلكَ يا حبيبتي المبلل برغبتي ..))
كانت رمزية الجُمل هنا كما يقول تشومسكي في نظريته الأدبية الحديثة “نشأة البنيوية )) فيصف ما قرره سوسيور بـ ((“اعتباطية الرمز اللغوي” وهو ما يعني أن أشكال التواصل الإنساني ما هي إلا أنظمة تتكون من مجموعة من العلاقات التعسفية أي: العلاقات التي لا ترتبط ارتباطاً طبيعياً أو منطقياً أو وظيفياً بمدلولات العالم الطبيعي” وأن “كل نظام لغوي يعتمد على مبدأ لا معقول من اعتباطية الرمز وتعسفه”، أي: تماماً كما يعتبط العقل الجمعي عند “دوركايم ” ويتعسف فيفرض على الناس ما هو خارج عن ذواتهم، ومن هنا انبعثت فكرة “السيمولوجيا” أي علم الدلالة، أو العلامة والإيحاء، وتطورت فيما بعد .))
إنها الرمزية ذاتها التي تعتمدها الشاعرة في موحياتها الشعرية، فإن قولها في النص “ماذا لو” : (( ماذا لو ..أطلقت العنان للهفتي..وبهيبة فاتح شيدّتُ قلاعا من جبروت سطوتي..وعلى أنقاض ضعفكنَّ رفعتُ رايتي عنوة.. أخالني الآن ملكّت الأندلس. .رفعتُ حدائق بابل بشهقات عنفواني..رسمت الأساطير حصونا على قدر هيبتي..وفي تمرد أناي، صوّرتك أفعى ..من نابها يقطر سم الخطيئة..وعلى التواءات جسدها يشهق الشبق..ليستحيل نصف الكون عورة..أسترها بقهقهات رغبتي..)) فأن هذا كفيلٌ بوضع النقط على الحروف ، إذ أنها تتقن لعبة الرمز اللغوي ، حيث تتبنى رؤية تُظهر النتيجة للصيرورة إذا ما عكسنا الواقع وجعلنا المسميات معكوسة الوظائف.. حيث يكون الرجل وظيفيا يتحمل واجبات البيت الداخلية وتتحمل المرأة الواجبات الخارجية ، وغيرها من الوظائف المنفردة أو المجتمعة، هكذا أرادت الشاعرة من خلال جُملها الفعلية أو الاسمية أن ترمز لغتها الشعرية وتوظفها في مكنونات نصوصها .
السياق في نصوص الشاعرة ودوره التداولي والمعرفي والثقافي
———————————————————–
السياق التداولي:
(( لكنّي أخافيه الصدق وأموت فيه. ./ ليّتني كأسه ويشربني كالترياق الحميم..وأورقُ على شفتيه ماء نار ..يحرقُ ألف زمزم ونهر..(من نص حين هرول الكأس) .
فلا سلطة تحكم رجائي..ولا من شريعة تلجم جموحي..
فلا سلطة تحكم رجائي..أعتلي صهوات ليلك يا حبيبتي المبلل برغبتي ..ولا من شريعة تلجم جموحي .. أنا الأنثى التي وهبتك الحياة من رحمها زهرة..(من نص ماذا لو)
———————————–
يؤدي السياق التداولي وظيفة ، أكثر من كونها معرفة شكل النص ومحتواه ، حيث أن تأويل النص يعتبر فعلا للغة النص ، وهنا تجيء مهمة التداولية هي أن تتوافق شرطية الفعل الموجود في الجُمل الفعلية داخل النص مع فعلها اللغوي ، أي العلاقة التي تربط جُملة بأخرى ويتم تحديد شروط تتوفر في كل فعل لغوي كي ينفرد كل سياق بمعرّفه،
مثلا :
أعتلي صهوات ليلك يا حبيبتي المبلل برغبتي .
(أعتلي صهوات ليلك )* جُملة ذات سياق تداولي ، فيها الفعل “أعتلي” هو لسان الرغبة، يحتاج إلى سبب ما ،جملة مجاورة تبرره مثل ((يا حبيبتي المبلل برغبتي )).
السياق المعرفي:
—————
نفس المثل أعلاه
((أعتلي صهوات ليلك يا حبيبتي المبلل برغبتي .))
نلاحظ هنا أن الصوت ابتدأ بياء المخاطب ((يا حبيبتي )) إذ إن الكاتب أنثى وهي الشاعرة، فكيف تُخاطب الآخر وهو في افتراض المعنى “الرجل ” بياء المخاطبة المؤنثة !! ونحن أدركنا في سابق النص ( ماذا لو) وهي تتقمص دور الرجل ، السياق المعرفي هو السياق الذي يعتمد على معطيات النص التي تُحقق فهما معادلاتياً كما في هذا النص (ماذا لو) الذي تقوم فيه الشاعرة بعكس الحقوق والوظائف من الرجل وإلى المرأة بحيث لا تتغير الأجناس؟ يبقى الرجل رجل والمرأة امرأة ، لكن ما أجازه الرجل لنفسه يكون للمرأة وما أجازه للمرأة يكون للرجل ، وهكذا تكون العملية وظيفية وليست جنسية ، فكان لدور السياق المعرفي ، إنه يساهم في تشكيل عناصر الفهم للنص وإدراك المعاني الحقيقية من المستعارة أو المشبهة أو المماثلة من خلال القيمة الكبيرة التي يمكن له أن يسترجع فيها المفهوم الأصلي ، بحيث إن السياق في التالي يعيد كل شيء لنصابه ، ولكنّها (الشاعرة) تلعب بلغتها التي تتقنها حيث أبقت على جنسها الأنثوي، وجعلت الدور وظيفيا لا جنسيا !!! وبهذا فإنه يُعدَّ مشاكسة شعرية وتقنية فنّية تُحسب لها ، كما نلاحظ في الجُمل الأخرى ((أربعة لي ..باكتناز ألوان الأفول..)) تقصد أنها يحقُّ لها أن تتزوج أربعة رجال ( إفتراضا ).. ( أي ما وظّفه الرجل لخدمته من شرائع.. فهي توظفها إيضا في معادلة العنوان والمتن في النص”ماذا لو”) كما ونلاحظ أيضا (( يحق ليّ بدل العشيقة ثلاثا ..أربعا.. !!؟.
أو أقلّه ثاني اثنتين..)) أو في ((فعشيقتي انتِ..غانيتي..سبيتي..ومنجبة لوريث عرشي..)) .
——————————–
السياق الثقافي:
————–
باعتبار النص ظاهرة ثقافية يتخطى العوامل والقيم والأصول الثابتة في المجتمع ، فهل يحقق النص فرضياته؟ أي هل يصل النص إلى القارئ بطريقة المحاكاة والمماثلة ، ويتقبّل وجهات النظر المغايرة والمحايثة ، فيما لو ادخلناها في قناعاتنا الإنسانية والاجتماعية !! هذا ما نقرأه تاماً في فكرته وكاملاً ومماثلاً في نص ( ماذا لو) إذ تبادل الوظائف هنا سيكون في موقف مُحرج مع الرجل ، وهذا هو هدف السياق الثقافي أن يسلك الكاتب / طرقا تعبيرية ذات سياقات مختلفة داخل السياق نفسه، كالسياق اللغوي والصوتي والصرفي والنحوي والمعجمي والعاطفي والأسلوبي ، وفي النهاية، إنه يُحقق التماسك والثبات ، فإن الكلمة ممكن أن تكون في مكان ما قبيحة ، وفي مكان آخر تكون حسنة !؟..وهنا تكون مهمة التماسك للمعاني الثابتة التي تعنيها اللغة شكلا ومحتوى ، عن المعاني التي يعنيها التأويل ويؤسس لها شكلها الافتراضي المقبول .
=================================
في النهاية:
اختتم هذا البحث الملخّص بإرفاق النصوص التي تناولت فيها محتوى الدراسة هذه، كي يجد القارئ علامات الربط وعلاقاته مع البحث .
أتمنى أن أكون قد أفدت ولو بالقليل في هذه الدراسة .
=======================
النصوص موضوعنا هنا :
– هياج الريبة –
==========
أضارع الشك رسالة الوجود..
اليقين محض هراوة لهراء..
أتسائل هائمة في سرمدية الكون..
ترى من دعا هبل للربوبة..
ومن جعل الخلائق تبحر في السماء؟..
وأين أنا في روح الرب وهبل غريمي؟..
سأضارع المؤلهين بفرعون المقدس..
يهش الدماء بعزاء السبايا..
فكيف لصورتي أن تنجلي في وضوح الرؤيا..
حين تخون وجهي المرايا كالزمن الهارب إلى العدم؟!..
رهينة العدمين أنا..
تحاورني الوحدة بألوان الخيال فأتوه في سرِّ اسرار الوجود..
كالضوء حين يعكس الظل ..
فترتسم كائناته أخيلة.. تتراقص مشاكسة لتمايله شغفا..
ولتختفي عنوة في شكي .. وتتسابق أسراب الربمات يقينا..
ربَّ كونِ وجدٍ لأوجد!!..
وربما وِجدّتُ.. ليوجد هدا الكون ..
أستكين في خلوتي مناجية سرمدية الكون..
كيف شهقت الجبال بآيات الكبرياء..
لتحمل كهوف الرعب متلبسة بالحياة
وبسطت السهول مروجا ؟؟! ..
فآويت السحر المسكون دهشة..
في ثنايا الرهبة تأملا!؟..
أتساءلُ
كيف من ظلمة الأعماق طفى الملح مزلزلا نظم البقاء؟ ..
كيف غضبت البحار ليرتفع الموج ..
فيرسم الصخر وجوها من جبال؟؟..
تُرى هل شق موسى البحر بعصا المعجزات..
فتزخر بطون الحيتان بالحياة زافرة يونس بشهقة الذهول؟!؟..
وهل حضنت البئر يوسف فبعثته حيا مبرئة الذئب من خيانة الدم..
لتلد يسوع من أعماق الخوف حقيقة دون خطيئة؟؟؟..
أيها الإله.. يارب العرش العظيم:..
كنت ..لأكون سرّا آيلا للسقوط في رفعة التجلي..وهياج الريبة..
ذاك الملتهب يقينا بثبات خلقك معحزة للبقاء !!..
==================================
———————
– ربيع بلا وطن –
=============
نامت مثقلة بأحلام الهروب
حين شرب البحر دماء المقهورين عنوة
وطفح الملح باحداق الأجيج
لفظت الصبر ببريق الحنين
كحلم بحّار بقبر لا يتسع روحه على اليابسة
والموج رهين الريح..
تحمله منكسرا بجموح الأنا
على صدر زمن أعمقه القهر
ليسقط الراء من ربيع الوطن
فيغدو معلنا برسم البيع!!
الوطن للبيع..
فمن يشتري بقايا وطن؟
ومن يشتري حزني عليه؟!
فالأنخاب ترفع لصفقات ربحكم المغمّسة بهزائمنا وعاركم
المغمسة بنكهة دم الأبرياء
صفقاتكم المعلنة بخيباتنا
بسقوط ورقة التوت عن عورة أدمغتكم
فالدين مشرّع لأحكام عهركم العرفية
والأصوات ترفعُ.. أن حيَّ على الدماء سلعة رخيصة
أين أنتم من أحلام الطفولة حين يخنقها رصاصكم غدرا؟؟
وكيف ترسم دوائر قنصكم نيرانها موتا
لتحيل الصدور الى نثارٍ من أنين؟؟!
=================================
—————-
ماذا لو ؟!
=======
ماذا لو خلّتني رجلا..
وأهداني الرب سرَّ الوجود؟..
وكان لاذع الكذبِ ملحي..
فأرمم خدوش انكساراتي على طهر الخطيئة..
ماذا لو ..
أطلقت العنان للهفتي..
وبهيبة فاتح شيدّتُ قلاعا من جبروت سطوتي..
وعلى أنقاض ضعفكن رفعت رايتي عنوة..
أخالني الآن ملكّت الأندلس. .
رفعت حدائق بابل بشهقات عنفواني..
رسمت الأساطير حصونا على قدر هيبتي..
وفي تمرد أناي، صوّرتك أفعى ..
من نابها يقطر سم الخطيئة..
وعلى التواءات جسدها يشهق الشبق..
ليستحيل نصف الكون عورة..
أسترها بقهقهات رغبتي..
فلا سلطة تحكم رجائي..
ولا من شريعة تلجم جموحي..
قد أستبدلك رعشة..
كما تغيّر الأرض الفصول..
أربعة لي ..باكتناز ألوان الأفول..
يحق لي بدل العشيقة ثلاثا ..أربعا..
أو أقله ثاني اثنتين..
فللذكر مثل حظ الأنثيين!!؟..
ربَّ حظٍ امتلكته بمولدي..
ولا ئم تملأ أفواه بني جنسي انتشاء..
وبامتثال لمشيئة لإاله في تكويني..
تُرفع الأنخاب..
لتذروها مشاعل نصري على صهوات الطبول
احتفالا..
أي سر قد امتلكت..؟!
لامتلكك غاية تبرر وسائلي المنكرة..
فعشيقتي انتِ..
غانيتي..سبيتي..ومنجبة لوريث عرشي..
صاحبة العرش وأنا والنجوم من خّلقوا..
فالسماء تمطرني بخيرها..
لأمطر أرضي بوابل الفتوحات..
فالأرض وما أُنّث عليها لي..
ومااستطعت تأنيثه ولم يكن..
لي البحر ..والشمس تجري بإشارة رمشي
شكرا لآلهتي..
كيف صيرتني إلاها فارسا..
أعتلي صهوات ليلك يا حبيبتي المبلل برغبتي ..
بحمى سطوتي..
بضعفك الممعن بانتصاراتي..
أقهقه صارخة بملء دمي..
ولا من حلم أرجوه ليرجوني..
فالحلم أنا..
الرغبة أنا..
السر والبقاء ..
الليل ..النهار..السهر ..القمر ..الخلود..والرجاء..
أنا الأنثى التي وهبتك الحياة من رحمها زهرة..
تغدقك بالعطر ..فتشرب الموت
لتمتثل للحياة..
===================================
———————–
– حين هرول الكأس –
=============
بشغف عاشق
دلق الليل خمر قصيدتي في كؤوس من وله..
سألته حالمة..
أيا صاحب ليلي ..
ماذا عن وله الكأس بالكأس في أنوثة الخمر؟!
شفتان تتناغمان بقبلة الراح…
ولم تبغيا كبحرين…
يااااه
كم عصاني كأسي وأنا أنهره من كأسه اللعين..
فيخاتلني ويصلصل مااجنا..ليس لقلبي إلاك الدليل..
فإن لاتأم شفتي الملكية..وهو الحاد كشفرة سيف..
وبنهمه الذي لاينبري. يجذبني إليه دون خجل.
ياااه لخمرة الحبِّ
حين تعتقها القلوب بدم ملكي الأقداح..
كيف تستفز كأسي حتى لكأني..أخافه وأهشه عنوة..
لكنّي أخافيه الصدق وأموت فيه. .
وحين غفلة يسرقني الحلم لعيني
حبيبٌ قد همت فيه مناجية..
ليتني كأسه ويشربني كالترياق الحميم..
وأورق على شفتيه ماء نار ..يحرقُ ألف زمزم ونهر..
وليتني الخمر..
يعتّقني في خوابي قلبه كعشقٍ أبدي الحضور..
فتعال ياكأسه إلي..
كأسي جذّ قلبه ..هاربا بشفتي إليه..
وحسبي الله بكَ يا كأسي .. غارقا بالنبيذ..
ملاحظةهامة
هذا البحث مواكب للبحوث والدراسات والتنظيرات الغربية التي تناولت الشِعر الحديث المنثور ، قمت بمحايثتها مع النصوص واستقرائها حسب ما تضمنته بتصرف مني.
المصادر:
1- الأسلوب والأسلوبية – عبد السلام المسدي
2- ارسطو طاليس – فن الشعر
3- السياق والنص – د.فطومة لحمادي – بسكرة – الجزائر
4- النقد الأدبي أصوله مناهجه – سيد قطب
5- النص والسياق – د. الغامدي
6- المناهج النقدية الحديثة
7- بنية قصيدة النثر وإبدالاتها الفنّية – بحث دكتوراه – جامعة الجزائر
8- تشريح النقد – نور ثروب فراي
9- مدخل إلى علم لغة النص – فولفجانج هاينه مان – ترجمة د. سعيد حسن بحيري
10- لذة النص – رولان بارت – ترجمة منذر عياشي
11- رومان ياكسبون – قضايا الشعرية – المغرب 1988
12- الصورة الشعرية – سي دي لويس – احمد نصيف الجنابي – 1982 – الكويت
13- قصيدةالنثر من بودلير حتى الوقت الراهن –سوزان برنار – راوية صادق – القاهرة 1998

عن طالب هاشم الدراجي

شاهد أيضاً

قراءة في رواية “رقص السناجب” لعباس خلف علي

قراءة في رواية “رقص السناجب” لعباس خلف علي بقلم: شميسة غربي/ سيدي بلعباس/ الجزائر “رقص …

تعليق واحد

  1. شكرا جزيلا لكادر الموقع على نشر دراستي النقدية
    ممتن للجهود الطيبة الكريمة

اترك رداً على طالب هاشم الدراجي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *