الحب

لم ارد ذلك،لا افهم،كيف وصل الى هذا الحد،كانت مع نظرة واحدة،بدأت مع رؤيته لي،نظرة ليست بعابرة ولا فضولية،نظرة كما لم يفعلها رجل منذ سنوات،كنت مبقية النوافذ مفتوحة،وهو دخل ببساطة منها.استيقظت من النوم في الغرفة المظلمة، من حلم،اعتقدت في حلمي ان شيئا وقع ،لكني سمعت وما زلت حركة خفيفة في المنزل،لم ارد التصديق،ان احدا ما يوجد هنا،بعد كل هذه السنين،التي لم يحدث فيها اي شيء،اردت معاودة النوم لكني نهضت فعلا،بدون ان اشعل الضوء،ذهبت حافية الى اسفل السلم.

تحت في الممر بحثت عن المصباح،ومرة واحدة(بجرة واحدة) فجأة اصبح هناك ضوء وفي باب غرفة الاستقبال وقف رجل هناك،وقف هناك ويرمش في الضوء.اردت الصراخ،هنا رأيت شابا يافعا،لم احس بالخوف اكثر،ذهبت اليه،تكلمت،لا اعرف ماذا،شيئا ما،لم يتحرك ولم يقل شيئا،نظر الي بشك وريبة،وعندما وقفت امامه،مسكني بقوة من ذراعي،فمه تشنج،وانا عرفت،اذا ما اتيت بأية حركة خاطئة فسيضرب،لكن نظرته لم تكن عنيفة،بل متسائلة ومدهشة اكثر.

سأحضر الشاي قلت انا،هو ترك ذراعي وادخل يده في جيب سرواله،وانا التفت ،احسست بظهري ورقبتي،خلفية رأسي،اذا كان لديه سكينا،اذا ما غمره في ظهري.

ذهبت الى المطبخ،رأيت نفسي،كيف هو ينظر الي في الخلف،بملابس نومي،حافية مسدولة الشعر،مشى ورائي بتأني ثم وقف ساكنا،في وسط الغرفة.تفضل بالجلوس قلت انا، بينما فتحت دواليب المطبخ واخرجت قارورة الشاي منه وجهزت الاكواب،ومرة اخرى تفضل بالجلوس،لأنه لم يحرك نفسه،سحبت واحدا من الكراسي الفارغة دائما عن الطاولة،نظرت بزاوية عيني كيف جلس على حافة الكرسي متجهما،يعالج باستخفاف الى المطبخ،عندما طارت الاكواب فجأة في سكون الليل وتحطمت على الارض. انحنيت وجمعت بقايا الزجاج،واحدة تلو الاخرى.وحاولت  ان اذكر نفسي برقم فرقة مكافحة السرقات،اسنة بقايا الزجاج في اليد والعروة في الاصبع الصغير،الحري بي ان اجري الى خارج المنزل،الى الجيران،حملت بقايا الزجاج الى سلة المهملات،بدون ان انظر اليه،ووضعت كوبين جيدين على الطاولة وقلت” من فضلك ليس لدي اكواب كثيرة،وصببت الماء الساخن في اكواب الشاي،بينما هو ينظر واضعا يده امام صدره.

ولو انني لم اعد اجد اللحظة،التي لا استطيع  الرجوع منه،اعرف جيدا وبالضبط متى ما سمعت صوته لاول مرة وما قاله،قال،قالها بموضوعية:لا تصدقي انك تستطيعين الاتصال بالشرطة،وانا كنت مسيطرا،الى الحد الذي تسألت فيه،ولماذا اخابر الشرطة؟الى هذا الحين،كان كل شيء واضحا لي،هناك لص في بيتي،كان شابا ولكني استطعت برزانة عمري ان اوقفه.

فجأة كان هناك هدوء شديد في المطبخ،الى حد ان امكن سماع ضوضاء الخط السريع من بعيد،كلانا ينظر الى كوبه،كنت لا ازال احس بضغط يده على ذراعي،الشعر المشعث،ملابس نومي الغير المرغوبة جعلوني منرفزا،الامان ذهب عني،لم اجرؤ على النظر     اليه،رؤيته،احسست،كيف نشف فمي ونظرت فعلا اليه،مباشرة في عينيه،اللتان نظرتا الي،كمن يراني للمرة الاولى،بلطف وحنان،لم استطع رده والدفاع منه عن نفسي،نسيت كيف جاء،قميصه كان مفتوحا،والخارج اصبح مضيئا،العصفور الاول بدأ في التغريد.

بينما هو سألني،اذا كنت اعيش لوحدي،كان الاجدر بي ان اقول لا،في الاعلى ينام زوجي،هكذا كنت في امان،كان سيشرب شايه ويذهب،كنت سأفتح له الباب واودعه كما اودع اي زائر،ثم كنت اقفل الباب بالمفتاح مرتين واغلق النافذة في غرفة الاستقبال وربما كنت اتصل بالشرطة،لكني اومأت ،بدون ان انظر اليه،عرفت،انني لن اقدر ان انهض الآن واذهب الى الحمام،حتى ارتب شعري.

فكرت وانا انظر في داخل المرآة،انت مجنونة،ألا فعلت،لماذا لم تفعلي،استعجلت في الذهاب الى المطبخ.عليك ان تقولي له الآن ان يذهب.

عندما رجعت،كان قد قام،ويداه كحاجز امام صدره،وانا فكرت،لا تحتاجين ان تقولي له،لك اجروء على السؤال،اذا ما اراد شايا آخر،الجيران سيستيقظون قريبا،كان الاحسن،لو انه الآن،ما دام الأخرون.لكن لم يكن ممكنا.نظرت خلال النافذة الى غسق الصباح،والتفت الي،وانا نسيت الجيران وسمحت له ان يسحبني اليه،احسست بجسمه الشبابي،وسط المطبخ،وسط ظلال اثاث المطبخ الابيض،للحظة ما صغيرة و آمنة،لكن بعدها نظرت اليه وخلال ضوء المطبخ،والتجاعيد في وجهي تذكرتها،بينما هو يقبلني بشفته،التي كانت محترسة مثل فم الحيوان،انا لا زلت اعرف، انني فكرت،انه سيذهب، عندما بدون سابق انذار، تقريبا بعنف،تركني،لكنه لم يذهب،بدا عاجزا،الى حد انني ربتُ على رأسه،رفعت شعره الاسود من الجبين،اجلست نفسي،قدمت الشاي،بارتباك.

في ذلك العصر المخيف،عندما كان ذاهبا،بعد عناق قصير على الباب المفتوح،كما اتذكره بالضبط ،كنت قد صدقت ،انني هدأت في السنوات الاخيرة،كنت واثقة من ذلك جدا،لكن بمجرد تنظيفي للمطبخ،شعرت باولى الاشارات،كان البيت فارغا،كما لم يكن منذ وقت طويل،اجلست نفسي على الطاولة،ودخنت سيكارة ثم اخرى،كل شيء كان جامدا.كانت تمطر،فقط هذه القطرات السائلة على زجاج النافذة،السماء غائمة،الحديقة غير مؤاسية،قذفت نفسي في الفراش وحاولت النوم،لماذا فعلت،كان بمثابة ولدك،مان يكون ابني،يداه رقيقتان وقويتان جدا,نهضت واقفة،وسحبت الشراشف،بعيدا.الرائحة باقية،والخجل،لا تفكري في هذا اكثر،استطيع النسيان،لا ترفعي الهاتف،لا تريه ابدا،وبينما فعلا قدرت على فعل هذا في الايام التالية،ان اترك الهاتف يرن، فكرت، انك فعلا استطعت التعلم،لكن لم يكن لي رغبة لأي شيء،كنت اقضي وقتي في الشقة،جلست على طاولة المطبخ وادخن،رقدت على الفراش ودخنت،وفي بعض المرات ذكرت نفسي،كيف فتح ذراعيه،كي استطيع الرقود بين انحنائية ذراعيه،والرائحة القارصة لكتفه الحار والمعترق.

لو انني لم اضعف،لكن المنزل كان فارغا لحد الجنون،كلما وضعت شريطا لاسمعه،جعلتني الموسيقى منرفزا،وكلما اغلقته،جعلني الهدوء منرفزا اكثر.مطرت،مطرت لايام،والسماء كان عكرا،كما انا في مزاجي.ثم اقلعت عن هذا،لا اعرف متى،في وقت ما رفعت سماعة الهاتف.

لم اسمع جيدا ما قاله،ركزت فقط على الصوت،وكان هذا،كأنني كنت راقدة بجانبه،بعيون مغلقة،شبعانة وثقيلة،جاوبت،بدون ان اعرف،ماذا ورجعت الى نفسي،عندما اغلقت سماعة الهاتف لمكانه،وكنت قابلة لدعوته.

مباشرة فكرت،لن تذهبي الى هناك،باية حال لن تذهبين،الكل قد يرى،اننا لسنا ام و ابن، لا تفكير في هذا بعد،العيش كما كان قبل،وذهبت الى الجيران المقابل،كذبة حاضرة،اذا ما سألوني عن الرجل الشاب،الذي ترك المنزل قبل فترة،فقط بعض الكلمات،بأية حال لا تبريرات،وكل شيء كما كان،هذه القصة المخجلة كما لو لم يكن.انا لا استطيع ان اتذكر بعد،لكن اذا ذهبت الى هناك.انا اعرف فقط،انني في الليلة السابقة،قبل ان اغطو في النوم،لحظة ما اشتممت الرائحة الثقيلة لجسمه النائم.لكن في الصباح استيقظت صائحا وبكامل رشدي.ربما اصبحت اكثر جرأة،لأنني احسست بامان كبير،وربما لأنني فكرت ايضا،انت لا تستطيعين ان تتركي الشاب هكذا وحيدا.على اية حال ضبطت نفسي،كيف انني غيرت ملابسي،رغم انني لم اكن قررت بعد ان اذهب الى هناك.انا لا زلت اعرف بالضبط ، كيف جلست في السيارة،متلبكا لأنني كنت مبكرة جدا،سألت نفسي،ماذا تفعلين هنا،لعبت مع فكرة،ان ارجع الى البيت.

كان منظره مختلفا جدا،عما كان في ذاكرتي،شباب اكثر،لكن وسيم،وسيم جدا وبسيطا جدا،ذهبت الى طاولته وسألت نفسي،كيف سأقضي هذه الليلة،خجلت من نفسي،لأنني كنت ذاهبة لا افكر بسعادة حول،كيف انني سلمت عليه بايادي مفتوحة جدا وبالكاد جلست على الطاولة كنت ابحث في محفظتي عن السكائر.

قدم علبته لي وقال شيئا،لا اعرف ماذا،فقط اعرف،انني كنت مندهشة،عندما لم يتكلم معي بصيغة الاحترام،واني كنت جالسة بوقار على كرسي،وانفه عن الدخان وكنت مشوشة التفكير،عندما سألني،ما اريد اكله،شخصت في قائمة الطعام،كان الاحب لي لو اني لم آكل،اليوم اعرف،انه هو ايضا كان ضائعا ولهذا كان يتكلم،عندما نظرت انا اليه ولم اسمعه.على الطاولة  كانت شمعة تحترق،وانا لاحظت يده،كيف يجري تحت القميص المفتوح ببطء،فوق الجلد،الى الكتف،موقفا اياه على اعلى الكتف المدور،حيث هو املس ومدور وقوي،وعندما سمعت مرة اخرى،جلست امرأة عجوز بشعر مشعوث مثل عصا في السرير وتصرخ سراق قتلة،كانت تصرخ،عندما التفت هو،كان هاربا من النافذة الى الخارج،على المطر السائل الى الاسفل،فوقه هذا الزعيق سراق قتلة،وكان هو سريعا،لكن لم يخطو الشارع بسرعة كبيرة الى الاسفل،وراءه الصوت الباديء بالخفتان،سراق قتلة.

وهو اكل وضحك،وانا ضحكت ايضا وفكرت،يا الهي،آمل ان لا يسمع احد.نظر الي بسخرية، وبعد الاكل اشعل سيكارتين،اوصل واحدة لي ومعها لمس يدي بخفة جدا،وفجأة ابتسمنا كلانا، ابتسمنا لبعضنا،وكأننا سرقنا كرزا و جالسين خلف احد الحيطان خفية ونقذف النواة بفمنا،انا اتذكر كيف انني قلت لنفسي،دعي هذا،تجعلين من نفسك اضحوكة،يجب ان تدعي ذلك،احتاج لرجل وليس طفلا،كابله،اتصور لنفسي، انني عازمة،هو لم يتصل،في البداية اصبحت غير مرتاحة،ثم غضبانة،وفي النهاية كنت مشتاقة،وانتظرت و كنت ادقق في سماع الهاتف،الذي لم يرد ان يرن،ولعنته ولم انم وفكرت،ربما قبضوا عليه،وكنت افزع،عندما ارى الشرطة في الشارع،مرة مرت سيارة الشرطة امام البيت،فيها شرطيين شابين،كانا ينظران الى بدون خجل،هنا كنت واثقة، انهم قبضوا عليه، ولكني لم اود تصديق ذلك،عندما وقف في اليوم التالي امام الباب،تحت المطر،ضاحكا مع باقة ورد مبللة وعطرة.انا لا كنت انسى انه سحبني الى تحت المطر،القطرات وقعت دافئةعلى وجوهنا،وهو يقدم الاشجار في الغابة لي،التي كنت دائما اتمشى فيها وحيدا،فون اينشتاين(اسم شجرة)،رجل مع مباديء اساسية،محل للموت،وكانت تقطر من غصن شجرة وقورة،الرائحة نحو نبل الشجرة والتربة الناعمة،وعندما خرجنا من الغابة، امامنا الارض الوعرة،مراعي،العشب لم يطل بعد،الخضرة لا زالت نضرة وتحتها لا زالت الدوائر الشهوانية للارض مرئيا،تسلقنا على سياج مرعى وصعدنا فوق تلة،وفوق،شعرت بضخامة الاساس الخشبي لشجرة من الخلف مضغوطة عليها،والقلافة المخدوشة،جسمه،الايادي،وانا فكرت،لهذا انت كبيرة السن.انزلقنا للاسفل الى العشب الرطبي،السماء رأيتها انا فوق،الذي يكن رصاصيا بعد.صارت الى بحر ازرق صغير في السحاب،و العشب فاح طازجا ومرهفا قليلا.

الذكرى تأتي وتذهب،بعض الاحيان،عندما افكر في شيء مغاير تماما، اذا بها فجأة هنا,ومهما اجهد نفسي انا، ان افرقه،ليس بامكاني نسيان الذكرى.ثم ثانية،عندما اكون كالحجر اياما واحب الي ان اتحمل الالم ،يسحب نفسه،انا نسيت كل شيء،اصبح كباب مسدود.لكن عندما ارجع الى الحياة اليومية ولا اريد ان اعرف شيئا،يأتي هذا الشاب مرة واحدة ويقول:انا لا اريد ان اعمل(القصد هنا هو العقل)،اريد لنفسي ان لا ارتاح،اريد ان لا اتعود.

احس بنفسي متفوقة،لو الكل فكروا هكذا،لو ان احدا؟والناس الذين يسرقهم هو،يحب ان يعملوا؟ هل تخيلت ذلك حينذاك،انني شفيت؟بلا نعم، انا فكرت،الآن او ابدا،وحاولت،ان افرق نفسي عنه.انا لم انتظر،ليس في الايام الاولى.

كان هذا زمنا،قالوا لي كلهم فيه، انني جميلة،وانا لم انظر الى المرآة بعدها بهذا المعنى،بل ضحكت لنفسي،وكأن شيئا وراء الزمن ووراء عزمي بقي.ثم لاحظت انا،انني انتظرت،انا لاحظت ذلك،كيف اقبلت على الهاتف،عندما كان يرن،كيف انني كنت استمع،عندما تركن سيارة امام باب المنزل،وعندما وقف هو بعد اسابيع قليلة امام الباب،كان هو موجودا هنا والمنزل مسكون.

انسكنت اليه،ونظرت خلال النافذة الى الحديقة المشوهة والمشعة بالشمس.هل كانت هذه هي اللحظة؟من وقت الى آخر احتار انا في ذكرياتي وابحث عن تلك اللحظة.اذا ما وقفت ابدا امام المحكمة،سيحسمونه هو بالظبط،متى ما اوضحوا انفسهم مستعدين،الجواهر.لكن لا اعتقد،انه كان في ذلك اليوم،الذي جلب فيه السلاسل والاسورة وتشاجرنا فيه لاول مرة.هو وضع الحلي على الطاولة وسأل:هل تستطيعين ان تحفظي لي بهذه لبعض الوقت؟ لم يجري الامر،لأن الاشياء المسروقة،هذا الامر كنت تجاوزته،لكن لأنني فكرت،انه يستغلني،يريد اغتصابي انا.

بصمت اعددت الشاي،بصمت دخن هو،انا رتبت السفرة،بينما هو وضع يده امام صدره،السكائر في زاوية فمه،العيون شبه مغلقة حتى يقيه من الدخان.تأملت نموذج غطاء الطاولة،الازهار البيضاء والزرقاء،معتنقة من المربعات البيض والزرق،وبقعة ملطخة بالشاي،رطبة بجانب كوبه،عندما نظرت اليه،كان منطويا على نفسه.

في سردابي يوجد حفرة،انا قلت،نقدر ان نخفيه هناك،واخذت انا احدى السلاسل في يدي وفكرت،الآن انت ايضا دخلت في العملية،بعض الايام كنت منزعجة،لكن هذا انتهى بسرعة.انا اعرف ايضا بالضبط،متى.

كان هذا ،عندما ساعدني هو،في اقفال حقيبة السفر.انا لا استطيع ان افسر هذا الى اليوم،هذا الشعور بالامان والطمأنينة لدى مشاهدة ذراعيه،انا اعرف فقط،انني وجدت نفسي مع الحلي في السرداب،عندما رأيته يحمل حقيبتي.

 

 

 

ترجمه عن الالمانية اردلان حسن

عن قصة الحب لكاتيا بيهرندت

برلين 25.02.07

عن اردلان حسن

شاهد أيضاً

من قصص الحكمة الصينية

Fables chinoises     ترجمها من الفرنسية : ابراهيم درغوثي / تونس       …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *