الرئيسية / مسرح / الموقف التجريبي المسرحي من التراث في زمن العولمة

الموقف التجريبي المسرحي من التراث في زمن العولمة

 

اسئلة كثيرة تتردد قي زمننا الراهن , الذي اطلقنا عليه النظام العالمي الجديد , او زمن العولمة , اسئلة تبحث عن اجوبة وتلد الاجوبة هي الاخرى , اسئلة جديدة , يطرحها انصار العولمة , مثلما يفعل ذلك ايضا ,دون ان تستطيع الاطراف المتناقضة في ظل هذا الواقع الجديد , تتجاوز تخوم الاسئلة المتوالدة دونما انقطاع , فمع تشبت كل من الطرفين بتطوراته  وطروحاته في هذا المجال ,الا ان ايا منهم لا يجازف بادعاء التنبئو بالمستقبل كما لا يستطيع احد ان يتنبا بمال هذه الثورة العاصفة ,ثورة العلم المارد الذي انطلق من قمقمه والذي لاتعرف حدود لتاثيراته ,ولامدى التغيرات التي يمكن ان يحدثها على وجود بني البشر . او على نمط هذا الوجود ولكننا نستطيع ان نخمن من طرف اخر ,ان نتائج هذه الثورة ستتوقف الى حد بعيد على ما سيتمخض عنه الصراع الدائر بين من يسعىالى توظيف منجزات عصر العولمة ,بما يسفر عن مزيد من الالام والدمار والكوارث ,ومن يطمح على الضد من ذلك الى توظيفها في خدمة الانسانية واهدافها النبيلة السامية وتبقى مزاعم انصار العولمة الذي يفعلون ذلك من موقف الاشاده بافضليات تدويل اقتصاد السوق والتجارة الحره وتعميم استخدام منظومة الاتصالات والمعلومات بما يشمل بصورة خاصة عالم السلاح واستراتيجية حماية الامن القومي تبقى مجرد مزاعم وادعاءات تفتقد الى المصداقية وتتناقض بشكل فاضح مع الوقائع الملموسة التي تتعارض مع هذه الادعاءات والتطمينات الموهومة .

فما زال الاغنياء في العالم يزدادون غنى وما زال الفقراء يزدادون فقرا ,اذ يعيش 20% من سكان العالم حياة مرفهة ,منعمة بينما يكافح الباقون كفاحا مريرا من اجل توفير الما كل والملبس ناهيك عن فرص التعليم او الحق في التمتع بثمار عصر العولمة .

علينا ان نتعامل اذا في ظل هذه الحقائق مع العولمة بصورة جدلية ونقدية , فنراها كما هي في الواقع بكل مظاهرها وتجلياتها , دون افكار مسبقه جاهزة , تاييدا  او معارضة فناخذ منها ما يعينناعلى تحقيق طموحاتنا في حياة حرة كريمة . ونرفض ما يختفي تحت معطفها من مخاطر شتى على مستقبلنا وامتنا .

وفيما يخص الحقل الثقافي تطرح ايضا العلاقة مع عالمنا المعولم الكثير من الاسئلة التي تتعلق بما ل الاداب والفنون ,ومنها الاسئلة التالية :

ماهي وظيفة المسرح مستقبلا ؟ هل سيتراجع المسرح عما هو عليه الان . . . . هل سيفقد هويته وخصوصيته المحلية ام ان سيشق طريقه قدماا باتجاه التطور والتجدد. . . . .

هل سيتقابل ويتجاور ام ستحدث القطيعة ؟ . . . . . ومازالت هذه الاسئلة واخرى غيرها تشغل اذهان المنظرين للمسرح والعاملين فيه واهم هذه الاسئلة : هل سينتهي العقد القائم بين الدولة والمجتمع في مجال التنمية الثقافية ؟ ام ان الدولة ستبقى بكياناتها في خدمة المجتمع والثقافة ؟

وما نورتنا هذه الا محاولة جادة للاجابة على مثل هذه التساؤلات ولنبدا بهذا المهرجان

( ( مهرجان القاهره الدولي للمسرح التجريبي ) ) الذي اعتبره احدى تجليات العولمة ونتيجة لها . فهو مهرجان يسعى الى تبادل المعرفة والخبرة , والتعرف المتبادل على الاخر . . . .

على خشبة المسرح فهو شكل من اشكال الحوار الحضاري . يتخذ من التجريب سمة له , وهي احدى اهم خصائص العلم هدفا وعنوانا . فبدون التجريب والبحث والتقصي ما  كانت ثورة العلم قد وصلت الى ما هي عليه الان .

فالتجريب في المسرح وسيلة اساسية لتطور المسرح واغناء خبرة العاملين فيه . واشاعة الجديد من اجل زيادة فعاليته في حياة البشر الاجتماعية واغناء الجانب الروحي والثقافي للانسان وليس التجريب بدعة وانما هو حالة رافقت مسيرة حياة الانسان وواكبت كل مرا حل التقدم البشري والثورات الانسانية , واذا ما ارتبطت العولمة بالثورة العلمية الحديثة كاحدى اهم سماتها الا ان العولمة هي الاخرى نهضت على جملة من التغيرات التي حدثت على حياة الشعوب عبر الالاف السنبن من خلال السفر , التجارة , والهجرة .

وايضا من خلال الاستعمار والحروب والاراده وظهور الحضارات واندثارها . وما ساهمت به كل منها بقسطها في اختزال المسافات وعولمة العالم فالديانات السماويه التوحيدية هي شكل من اشكال العولمة والكونية بمخاطبتها الانسان , اياكان عرقه او لونه او لغته . سعى الشعوب للحفاظ على هويتها وخصوصيتها الثقافية بهدف التعتيم على مقاصدها في سيادة نمط انتا

وارتبط المسرح الذي هو موضوع بحثنا بالعالمية , فهو فن عالمي اغتنى وتطور عبر العصور رغم اتسام النص او العرض المسرحي بالمحلية الا انه ينزع بحكم طبيعته نفسها لان يكون فنا عالميا فظاهرة المسرح تعتمد الانسان اساسا لوجودها ,

الانسان بمشاعره واحاسيسه وانفعالاته وصراعه المتعد د الاشكال مع نفسه ومع الطبيعة والمجتمع . هذا الصراع الذي لا يتوقف عند مرحله معينة او يتخذ شكلا محددا , بل سيقترن وجوده بوجود الانسان نفسه , وسياخذ اشكال ومضامين جديدة . فمسرحنا اليوم ينشغل بالصراع الدائر بين الانسان وبين النتائج الوخيمة للعولمة التي تتمثل في الفوارق الحادة والقاسية التي تعيشها البشرية اليوم , شعوبا وافراد , بسبب غياب التوزيع العادل للثروة , وعدم اشاعة العلم , والسماح بامتلاك التقنيات . الامر الذي تسبب في اعادة انتاج الفقر والجهل والمرض لدى معظم شعوب العالم من جهة , واستئثار القلة المرفهة باسرار العلم وثمار العولمة من جهة ثانية . وهنا يتبادر الى الذهن السؤا ل التالي . . . .

هل يمكن القضاء على تلك الافات الاجتماعية بالتخلي عن المكاسب الكبرى للتقنيات الحديثة , وبالانكفاء على الذات ؟

ام باتخاذ خيار اخر , خيار النضال المثابر من اجل اشاعة المعرفة واستخدام العلم , ضمانا لتقدمنا وتطورنا اللاحق ؟

لاسيما وان العولمة قد وضعت العالم امام تحديات جديدة , واسقطت شعار الرضا عن النفس واستبدلته باعادة ابداع الذات , الذي سيتطلب الكثير من البحث والاجتهاد والتجريب . فلم يعد هناك مكان للكسل وللاستسلام للفشل , بل يجب ان يدفعنا الخوف من الفشل الى التجريب والبحث والاقبال على العمل بروح نقدية جادة تدفعنا الى البحث عن الاخطاء في ساحتنا اولا ,واختبار نجاعة مناهجنا وادواتنا المعرفية ثانيا .

والقطيعة مع الصيغ القديمة والمستهلكه , والاقل كفاءة والتي تحث عاى الكسل ( تدمير الاستقرار والثبات ) فلقد اصبح كل شيء, في عصر العولمة موضوع تساؤل ومبعث جدل .

لم تعد هناك حقائق مطلقه مسلم بصحتها , بل اصبح كل شيء في حالة حرا ك دائم الراي المعارض كما كان في السابق قبل تبادل الخبر والمعارف يعارض بصبغة اكثر دراية بعد الاغتناء في مزايا ذلك التبادل .

ومع ذلك يجب ان لا تغرينا الرغبة في الانفتاح على الاخر بالتعامل مع الثقافة الغربية الاستهلاكية وكانها تمثل لوحدها ثقافة عصر العولمة / بسبب هيمنتها وانتشارها المترامي الاطراف , وهو امر تعمل الدول الغربية دونما كلل على ترسيخه في الاذهان تحت ذرائع واساليب متعددة ,ليس اقلها خطرا الادعاء يتعارض ثقافة ما بعد الحداثة مع م جها وثقافتها الممركزة , وفي حماية مصالحها الحيوية . ومع الاعتراف بما يمثله هذا التوظيف المريب للعولمة من مخاطر جدية على المقومات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للشعوب , الا اننا لا نقدم من جهة ثانية , وجود من يقف على الطرف الاخر من الشاطىء ليشكل ما يمكن تسميته بجبهة الثقافة الانسانية النيره والتي تدعو الى الاستثمار المفتوح لانجازات وتقنيات عصر العولمة , ومناهضة محاولات الهيمنة وفرض النمط الثقافي الواحد , والى التعاون الثقافي النزيه بين الشعوب , والى التجارب الفنية والعلمية المشتركة , وصولا الى علاقات انسانية جديدة ومنظومة قيم وتقاليد جديدة ونموذج انسان جديد .

اذ لاشىء يبقى ثابتا ساكنا بدون حركة , فالسكون نفسه حالة اخرى للحركة , فنحن نسبح في النهر مرتين  ونطمح نحن المسرحين العرب لان يكون مسرحنا مسرحا عالميا يرفد الثقافة الانسانية بتجاربه ويفيد مما قدمته البشرية من انجازات واكتسبته من خبر .

والمسرح الراقي على اي حال مسرح عالمي لايحتاج الى تاشيرة دخول اضافية الى عقول وقلوب الناس بل يدخل اليها دونما توسطات لما يقدمه لها من متعة راقية تعتمد الابتكار والتجديد , شكلا ومضمونا , الى الحد الذي يتحول فيه العرض المسرحي ذاته الى لغة قائمة بذاتها تعجز اللغة المنطوقة عن مجارات سحرها وبلاغتها.

هكذا كان الحال مع عروض اعمال ستانسلامنسكي في المانيا والولايات المتحدة الامريكية وهي عروض لكتاب روس وناطقة بالروسية وتتحدث عن تجربة محلية ولكنها امتلكت عالميتها من مضمونها الانساني الابعاد وكذلك الحال مع عروض بيتر بروك الشكسبيرية في موسكو والمانيا فقد استقبلت العروض في الحالتين بمنتهى الاعجاب والتقدير , فاق ربما بحجمه ما حصل عليه الاثنان في البلدان الناطقة بلغة العروض الانفه الذكر .

نستنسج من هذين المثالين ان الصدق في نقل التجربة الانسانية والمهارات الخلاقة هي حجر االاساس في عالمية الفن .

وان العالم كله لا يعرف ثقافة فنية نقية واحدة , فثقافة الشعوب كانت وما تزا ل وستبقى في تماس وتفاعل دائمين .

كما وسيبقى الصراع قائما بين الفن البسيط السهل والهزيل وبين الفن المركب و العميق هذا الفن الذي يداعب عواطف الناس وغرائزها والاخر الذي يخاطب عقولها ونوازعها الانسانية النبيلة .

والمسرح يتطور ويرتقي في مراحل معينة وينزوي او يندثر في مراحل اخرى , فيتميز

 

بقدرته التجريبيه الاختباريه , او يبقى ميدانيا استنباطيا , يفتقد الى الخبره والتجربة والفعالية

وحسب تطور المجتمع حضاريا من مجتمع طبيعي الى مجتمع متمدن . حيث تلعب النظره السياسية والاقتصادية للمسرح دورا مهما دعمه , محاصرته وتحريمه . . كما ان مهارة الفنان وابداعه تسهم في تقدم المسرح او تراجعه .

وفي زمن العولمة سوف يتاثر المسرح ويتفاعل ويظهر تحت العديد من التسميات , وذلك لان المسرح شكل تعبيري واتصالي متغير ,سواء عاى مستوى الشكل او المضمون .

وسوف يسعى النظام العالمي الجديد الى تقديم فنه الذي ينسجم مع تطلعاته السياسية والاقتصادية كنموذج فني امثل وسيستفيد المسرح من العولمة في بنية النص والعرض .

وكذلك في مجال الغاية والهدف . فالازمات الانسانية والمخاوف والاكتشافات السريعة وزعزعة الاستقرار كلها موضوعات ستكون مادة للمسرح وعمله . ان الخوف والقلق من المجهول والتغيرات السريعة في مجال الانتاج وفي دورة العمل قد خلقت حالات دفعت بالكثير من الناس الى الاعتقاد بالخرافة والنكوص والانكفاء على الذات , ومن هنا ياتي تساؤلنا عن معنى التراث وقدرته على الاجابة على الكثير من تساؤلاتنا ومساعدتنا في خلق التوازن .

ولا يقتصر العمل على التراث في المسرح العربي في زمن العولمة على تراث محدد دون غيره سواء تعلق ذلك بتراثنا او تراث غيرنا من الشعوب لاننا ابناء ثقافه انسانية متفتحة متاثرة ومؤثرة في ثقافات العديد من الشعوب وعبر مراحل مختلفة وتتبدى ظاهرة التاثير المتبادل هذه في اللغة , الدين , التراث الادبي الفكري , الشفاهي والمكتوب , فلا توجد ثقافة نقية, بقيت بمعزل عن تاثيرات غيرها من الثقافات  , فا الثقافة الاصيلة لا تتناقض .–

بل و تتطلب القدرة على المعاصرة و التفاعل مع الحاضر و الراهن بكل ملابساته , و على استيعاب خصااصه و منجزاته . و مسرحنا . سواء ما اكتشف حديثا او ذلك الذي يمتد الى الماضي السحيق, يؤكد على تبادل التاثير مع المسرح الاخر اوربيا كان ام اسيويا او افريقيا , غربيا كان او شرقيا شماليا او جنوبيا .

فاالمسرح الحديث, اى ذلك المتعارف عليه في المنطقة العربية منذ اكثر من قرن , تشكل هو الاخر عبر تاثيرات عالمية مختلفة , و اصبح تراثا يضاف الى المسرح العالمي المعاصر . و مصادر مسرحنا لم تتحدد بنموذج او شكل دون غيره , و تجربة دون اخرى.

لقد كان التراث بمعناه الشامل , الفكرى و الادبي و الديني ,كان دائما احدى اهم دعائم المسرح ,فاالتنقيب عنه و تجميعه و دراسته و تحليله , قد ساعدت عملية التجريب عليه ,هذه العملية التى اصبحت ظرورة ملحة لا يمكن للمسرح العربي الاستغناء عنها. و من جهة ثانية كان التجريب على التراث تاكيدا و اعترافا باهمية التراث و احياء له . حدث ذلك ليس فقط في بداية النهضة العربية و انما خلال مسيرة التحرر و الاستقلال و البناء الاجتماعي , وصولا االى المرحلة المعاصرة التي نطلق عليها عصر العولمة .

فلقد اثر التراث على المسرح و اغناه با المضامين و الاشكال التي الهمت مجتمعاتنا با المزيد من الثقة باالنفس , و حفزت شعوبنا على التشبت بحقها في العدالة و الحرية و المساواة .

كما ساهم با الحد من التاثيرات السلبية للنموذج الاوربي الذي نشا في بيئة اخرى , و حجم من طغيان ثقافة التسلية الاستهلاكية . و لقد اكتشف الفنان المسرحي من خلال اشتغاله على التراث اشكالا اغنى بها عمله على المسرحية العالمية المقدمة في الوطن العربي وتحول هذا الانجاز بدوره الى تراث يغني تجربة الجيل الجديد .

لقد ساعدتنا مضامين وشخصيات واساليب التعبير الادبية لتراثنا , على تغريب الواقع المعاش وخلق مسافة بينه بين المتلقي بهدف الحد من تاثير الاندماج , ومنح الجمهور بالتالي القدره على ادراك الواقع وعلى اتخاذ موقف نقدي منه ,

وتسنى للمسرحين من خلال الشكل التاريخي التراثي تجسيد اشكال الصراع بطرق متعدده , سواء كان ذلك عن طريق الرمز او الايماء , او من خلال حالات الاسقاط .

ولا ننسى كذلك مساهمة التراث في خلق الامتدادات الروحية والنفسية للعرض المسرحي وذلك من خلال اشتغال المسرحين العرب على الذاكره الجمعية , بهدف زيادة فعالية المسرح .

كما تمت الاستفادة من التراث كاحداث وموضوعات وشخصيات وافعال درامية , ساهمت في تطوير مفاصل العرض المسرحي , وبصوره خاصة بنية النص المسرحي ذاته .

ووفرت للكاتب المسرحي مادة غنية استطاع من خلالها ان يقدم نصا معاصرا يغني به التجربة الانسانية للكاتب والمشاهد , ولازال التراث يلعب في حاضرنا دورا مهما وحيويا في تدعيم موقفنا بوجه الضغوطات والتحديات الخارجية التي تهدد الانسان في المنطقه العربية ليس فقط في مقومات حياته المادية فحسب وانما في الجوانب الثقافية ايضا .

ومما هو جدير للذكر هنا ان معظم مسرحينا لم يستنسخوا التراث او يتناولوه بطريقه تقليدية خاملة , تحوله الى ارث متعال مقدس , لايجوز المس بقدسيته او التمرد عليه فلم يكن التراث وسيلة لنقد الحاضر فقط وانما لنقد الماضي والتفاعل مع تحديات المستقبل فالمسرح وظيفه وخصائص , فن متحرك يعتمد على الحضور الحي في المكان والزمان المحددين . وهكذا

قدم التراث على المسرح باعتباره لحظه حيه يعيد الممثل قرائتها وتسمح له بقراءه بصيغه مفتوحه جديده وسعى المسرح العربي لخلق حاله تناقض بين ما يقدم على المسرح وما يحدث في الواقع .

فطريقة تقديم التراث في المسرح العربي انطوت في داخلها على لغه نقديه عرت النظره الصنميه التقديسيه للتراث , وتناولته في تاريخيته , وكشفت عن العناصر التي لم تعد تنسجم وملابسات الحاضر الثقافية والاجتماعية والسياسية , اذ شمل التقديم الظواهر المتخلفة التراثية منها والمعاصره ,وبهذا تحرر المشاهد العربي من هيمنة الماضي لكي يستثمر التراث في نقد الماضي والحاضر معنا , وفي استشراف المستقبل الرافض لكل ما هو راكد ومتخلف .

ان المسرح العالمي الراهن , بما فيه المسرح العربي هو محصلة للتجارب المسرحية على التراث الانساني , وتحتوي بعض نصوصه او ابداع فنانيه على المزايا والسمات التي مهدت لتقديم اعمال فنية خالدة على مدى الازمنه والعصور .

فالمسرح العربي مثل نظيره العالمي لايختفي وراء نقاء التجربه , انما يسعى الى التواصل والتفاعل مع التراث الانساني واستثماره اداة لتطوير معارفه .

واذا كان التمرد والثوره على سلبيات الواقع المعاش تقود المسرح الى التركيز على الجانب العاطفي الرومانسي للتراث , فانها قد تؤدي في احيان اخرى الى الاحتكام الى الجانب العقلي النقدي , فردود الافعال هنا قد تكون مختلفه ومتنوعه وكذلك الحال مع مشهد العولمه , سمة عصرنا الراهن .

فالمشهد متعدد المظاهر , فالى جانب ثقافات شعوب العالم الثالث التي تطمح الى النماء والتطور , نجد ان المركزية الاوربية تسعى من اجل سيادة نمطها الثقافي واشاعة القيم الاستهلاكية وذلك بهدف الهيمنه على تلك المجتمعات بتوجهات مغايره التي تتميز .

فالعولمة التي تعتمد على مركزية الثقافة الاوربية والامريكية نجد من يوجابهها من الشعوب الناشطة التي تتمسك باصولها الثقافية وتجادل كواحة مخاطر التشويه والافتراء على هويتها وخصائصها القومية ويذكرنا هذا الامر بموقف اخر مشابه .

فما ان سعى نابليون لتاسيس ثقافه اوربية موحده , وفق نموذج ثقافي ينسجم مع تطلعاته السياسية , حتى برزت في اوربا نفسها الحركه الرومانسية بكل عنفوانها وتدفقها , كردة فعل على تلك التوجهات فعمل ( ( هيردر ) ) الشاعر والمفكر والموسيقي على التنويه والاشاده وبالتالي جمع شتى اشكال التراث والشعر الانساني والالماني , واشاره في رسائله الموجهة الى كوته وشلر اهمية الدراما والثقافه الاغريقية , مما اثر بهما ودفعهما الى تجاوز حدود التراث القومي الالماني , ودراسة التراث الاغريقي , وثقافات شعوب اسيا بهدف الاغتناء من التجربة الانسانية , والانفتاح على الحضارات القديمة , والتعرف عليها وتوظيفها في مجابهة تحديات الهيمنة السياسية والثقافية التي سعى نابليون اليها .

لهذا ظهرت عدة طرق واشكال ومناهج بحث مختلفة في التعامل مع التراث المسرحي الانساني والمحلي . واهتمت بصورة خاصة بالنص المسرحي الدرامي , ويمكن لنا هنا ان نحدد ثلاثة اتجاهات اساسية طغت على فن المسرح في القرن الماضي .

1-اتجاه الايمان :—

وهو  اتجاه يعمل على اخذ النصوص المسرحية كما هي بحذافيرها , محاولا قراءة فكر مؤلف النص , واستخلاص معنى النص من داخل النص نفسه , مثل هذا الاتجاه بصوره خاصه قسطنطين , ستا نسلا فسكي الذي سعى الى تحقيق الواقعية التاريخية وصاغ مفهوم الاندماج والوهم المسرحي .

2- اتجاه الصدق :–

ويعني تحليل النصوص المسرحية على ضوء حضورها التاريخي , ودراسة واقعها باعتباره لحظه تاريخية , والتعامل معه من منطلق الرواية الذاتية الابداعية .

اي التعرف على ما يمكن ان يقوله النص وعلى ما هو مسكوت عنه . اي  دراسة مايرمز اليه , وماكان يمكن ان يقوله ويدل عليه , حيث بامكان المشاهد ان يسقط عليه رؤيته وموقفه , ومن اهم ممثليه هذا الاتجاه ماكسي راين هارت ( وكوردن كريك ) ويمثل هذا الاتجاه بدايات المسرح اللاوهمي التقديمي .

3- الاتجاه الابداعي : –

وهو الاتجاه الذي يتم فيه الكشف عن المضمون والموضوعه المعاصره من خلال النص المسرحي التراثي .

اي جعل النص التاريخي معاصرا , وواقعيا , بالرغم من تناوله لاحداث وقعت في الماضي القريب او البعيد , اي النظر الى الماضي على انه واقع معاش لزمن المشاهد من خلال قدرة العرض على تجسيد ظواهر الواقع الحي , وليس واقع النص او زمنه , بتقديم علاقات وروابط وشخصيات ذلك النص بشكل حديث معاصر , ينزع عنه ملابساته وحيثياته التاريجيه الا لاسباب منهجيه لايمكننا هنا ان نضع نقاط حدود ثابته بين هذه الاتجاهات , وعزلها عن بعضها بصوره متعسفه , اذ كثيرا ما تتداخل مع بعضها في المفاهيم او عند التطبيق .

ولو اخذنا النص الشكسبيري على سبيل المثال لاالحصر لوجدناه يتغير عند الترجمه او التفسير اوالتجسيد , عن عرض شكسبير ذاته , وبعض المنظرين المسرحيين  وضعوا شروطا لعملية التغير هذه ,تتمثل بالقدره الابداعيه والمعرفه الفائقه , اذ قال برشت يمكننا ان نغير شكسبير , ولكن فقط عندما نمتلك القدره على تغيره , ويشاطره بروك هذا الراي , فهو يدعو الى نسيان شكسبير , حتى تستطيع تقديمه بصوره شكسبيريه افضل .

اي باسقاط الواقع المعاش عليه وتقديمه على انه لحظه معاشه حيه فليس الهدف التعريف بشكبير , اوبشكل المسرح في عصره , وانما دعوة شكسبير لان يعيش مجددا بين ظهرانينا

فكل من برشت وبروك يدعو الى اعادة اكتشاف شكسبير , واكتشاف النص وتفسيره على ضوء الواقع . وهذه الاتجاهات التي تعاملت مع النص والتراث لها ما يوازيها في المسرح العربي ايضا .

فالتجريب على التراث بهذا المعنى هو العمل على ردم الهوه التي تفصل التراث عن الواقع الراهن , ومد الجسور بين جميع الثقافات والتجارب المسرحية العالمية والمحلية,  وعدم استباق النتائج ,

فلربما نكتشف بعملناالتجريبي في المنطقة العربية مايمكن ان نفيد به ثقافة العصر .

ان ثقافة المنطقة العربية هي بمعنى من المعاني ثقافه عالمية , فلقد تميزت بقدرتها على استيعاب كل انواع الثقافات التي مرت في المنطقة العربية وذلك منذ فترة مبكره من تاريخ هذه المنطقة . حيث نجد التفاعل مع ثقافات الشعوب والامم الاخرى مما يؤكد ان المسرح العربي الماصر ليس وليد ثقافة واحدة انما هو مسرح تفاعلت فيه وامتزجت الثقافات والتجارب والافكار المتنوعة , ولا نتاج بنية اجتماعية ثقافية محدد , انما هو محصلة لرؤى ومفاهيم وتصورات متعدده اغنت تجربته وسلحته بالمزيد من المعرفة , الى الحد الذي نستطيع فيه ان نقول : ان المسرح العربي المعاصر هو صوره شامله لجميع اشكال ومدارس واتجاهات المسرح العالمي .

وما فتى المسرحيون العرب يجربون ويبحثون عن كل ما هو جديد ,وينهلون من المزايا الايجابية للعصر .

اذ لايجب ان ينحصر التجريب في حدود منهج او لون واحد بعينه , بل عليه ان يجتاز افاقا وعوالم جديدة , بافق وحب متفتح , بحثا عن كل ما هو جديد ونافع .

فالتجريب الفاعل هو ذلك الذي يسكنه هاجس الحريه غير المشروطه ومن هنا لايمكن ان نرصد اتجاها واحدا في المسرح العربي هناك عدة اتجاهات واشكال متعددة , منها ما هو رسمي او شعبي , مسرح جاد واخر استهلاكي . مسرح تقليدي او مسرح تجريبي . ويمثل اختلاف فنانينا من حيث الرؤية والتوجه هو الاخر , ظاهره صحيه , يحفز على التنافس الحر من اجل المزيد من العطاء المتعدد الاشكال .

فلا يجوز هنا قمع اي اتجاه من هذه الاتجاهات من قبل اتجاه اخر , لان في ذلك قمعا للاتجاه الاخر ذاته , لما ينطوي عليه فعل القمع هذا , من تحنيط وعزله وتمركز على الذات , وعلى الضد من الانفتاح والقبول بالتنافس , اللذين يحثان على البحث والتجريب وتقديم ما هو راق وممتع .

لقد اتخذ العمل على التراث في المنطقة العربية اشكالا متعدده ومتداخلة , وتمت الاستفادة منها بما يتناسب مع احتياجات المرحلة , وبما يعكس مراحل تطور العرض المسرحي العربي .

منذ الفترات الاولى لدخول المسرح الحديث المنطقة والى يومنا هذا ونستطيع ان نرصد في هذا المجال الظواهر التي شكلت اسلوب البحث والتنقيب عن التراث واشكال الاستفادة منه وابتداء من الاشكال المسرحية القديمة في العراق وسوريا ومصر التي تمثلت بالطقوس الدينية , التي تطورت الى دراما اجتماعية اعتمد ت المناسبات والاحتفالات الدينية الرسمية والشعبية , والتي بقي بعضها قائما حتى يومنا هذا , كاحتفالات التعزية او تمثيل ماساة استشهاد ( الحسين ) في العراق واحتفال عروس النيل في مصر , التي يمكن ان نطلق عليها بدراما موت وانبعاث النموذج او الحزن الجماعي او العروض المسرحية الاحتفالية الموازية , التي تنتمي الى الاحتفال الشعبي الذي طغت عليه المتعة والتسلية والسخرية .

وظهرت باسماء كثيرة منها المحبطون والمهرجون الى جانب هذه العروض شاع ايضا عرض ا

الدمى مثل ( القرقوز ) و ( خيال الظل ) الذي يعتمد الى جانب الدمى على الاناره والستاره .

اما على مستوى النص فقد تمت الاستفادة من التراث القصصي على مستوى اختيار الحكاية والشخصية او الحدث , ابتداء من فن القص في الكتب المقدسة وانتهاء بكل اشكال القص الاخرى , وبخاصة قصص الف ليلة وليلة .

كما تم الاستفادة من التاريخ واحداثه وشخصياته الواقعية او الاسطورية التي وصلت بفضل المخيلة الشعبية الى اعلى اشكالها الدرامية مثل حكايات سير الابطال التاريخيين على مستوى الدين والسياسة , او تلك التي تناولت قصص مشاهير الادباء والشعراء  واصحاب النوادر .  ان المخاوف العديدة التي تثيرها العولمة في داخل المجتمع العربي , ويعاني منها الفرد بسبب مستقبله المجهول | او فقدانه لفرص العمل وحرمانه من ممارسة اختصاصه | واعادة تاهيله | قد حفزت البعض على اعادة اكتشاف التراث التنجيمي والسحري والخرافي , بهدف تهدئة النفس , وامتصاص النقمة , والوصول الى لحظة التوازن الوهمية بين الواقع والوعي .  ولم يبق المسرح بدوره بمناى عن التاثر بهذه الظاهره السلبية . ومما يدعو الى التفاؤل في هذا المجال ,هو قوة تاثير الاتجاه العقلاني في التعامل مع التراث , بما يؤدي الى عدم عزل المسرح عن حركة المجتمع , بل الى انخراطه في مشاكل العصر , واقتراح الامكانيات والوسائل التي تتيح للمسرح الحضور الفاعل , والقدره على تدعيم مفاعلات التحدي ,والحفاظ على الهوية والخصوصية الثقافية من جهة , والى التفاعل مع التراث والفكر الانساني من جهة اخرى . علينا التقدم اذن الى هذا العصر بروحية النقد , وتعرية الظواهر السلبية , ومراجعة نتائج التجريب , والاستمرار على العمل بروحيته وتقديم التراث على انه واقع جديد , وحقيقة مبتكره وخلاقة , والتاكيد على اهمية التنوع المحلي والقومي والتحذير من مخاطر سيادة اللون الواحد , الذي ينطلق من وهم الاعتقاد بتحول العالم في زمن العولمة الى مجرد قرية صغيرة ,يتشابه اهلها في سجاياهم ونوازعهم وطرق التعبير لديهم . فلن يصبح مسرحا عالميا كما لن يفهمنا الاخرون بشكل افضل , الا بالقدر الذي نحافظ فيه على اصولنا وخصائصنا .

عن د . عوني كرومي

شاهد أيضاً

مسرحية الأطفال – الساحل وجني المصباح

بـدايــــة   (( المسرح متسع من الفراغ .. الستارة الخلفية بيضاء يرتسم عليها لون     …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *