الرئيسية / مسرح / مسرح المنفى وحقيقة الديناصورات

مسرح المنفى وحقيقة الديناصورات

 

ملاحظة: هذه الدراسة تقرأ مشهد عام لواقع المسرح في المنافي وحتما هناك مشهد خاص سيكون لنا معه وقفة.                                

                                                                               د. حسن السوداني

” ونحن من منفى الى منفى ومن باب لباب نذوي كما تذوي الزنابق في التراب”

البياتي
1
الداخل وحقيقة الخارج

هل الديناصورات موجودة؟ واين هي الان ؟ وهل هي اقوى من الاسد!!؟ هذه الاسئلة وعشرات مثلها يحاصرني فيها ابني الصغير يوميا, ولم تعد اجوبتي كافية اوشافية له فكلما اجبته بـ: نعم انها موجودة في السابق لكنها انقرضت, اجدني اوسع من دائرة حيرته, ولكني في الوقت ذاته اكتشفت ان للدينوصارات علاقة وطيدة بالكثير من توهماتنا ومشاريعنا وطريقة تفكيرنا ومناقشاتنا وكتاباتنا ومعالجاتنا وكل هذه السلسلة من الكلمات التي تخص حياتنا اليومية!! ومن بين تلك المفردات مسرحنا او على وجه الدقة ” مسرح المنفى”. فهل لهذه التسمية من وجود؟ واين يكمن هذا الوجود ان وجد؟ وللاجابة عن هذه التساؤلات سوف أبدأ من مقطع طويل للمخرج الشاعر كاظم النصار في مقال له عن مسرح المنفى نشره على موقع مسرحيون بعنوان المسرحيون خارج العراق: منفى الهوية ورجوعها يقول فيه:
“تخيلوا عروضا لمختلف الاجيال عندما تعود من المهجر لمخرجين ”بدري حسون فريد، قاسم محمد، صلاح القصب، و جواد الاسدي، عوني كرومي، د. فاضل السوداني، مقداد مسلم، عزيز خيون، عباس الحربي، و د. قاسم البياتي، ناجي عبدالامير، كريم رشيد ، وباسم عبدالقهار، قاسم زيدان، كاظم صالح وهذا يعني اننا نستطيع ان ننتج ونشاهد اربعة عشر عرضا مختلفا في رؤاه وفي اساليبه وفي نصوصه التي يكتبها ”شاكر السماوي وصلاح حسن وقاسم مطرود وعصام محمد “ وممثلون من اجيال مختلفة مثل ”محمد سيف “ محمود ابو العباس، حكيم جاسم، مناضل داود، طارق هاشم، احمد شرجي، ومن الممثلات اللواتي نحتفظ لهن بعلامات في ذاكرتنا مثل ”أنعام البطاط “ صاحبة بصمة ”ترنيمة الكرسي الهزاز “ وهناك عواطف ابراهيم والتفات عزيز، وايمان ذياب.. كما لا يجب ان ننسى الجهد النقدي المتميز الذي بذله نقاد ماهرون مثل ”ياسين النصير وعواد علي وعبدالخالق كيطان. تأملوا معي هذه الاسماء التي تنتظر فرصة عودتها لبلادها والمشاركة في نهضة المسرح من جديد واغناء مواسمه وفعالياته المتنوعة استطيع تخيل موسم مسرحي جذاب تعاد فيه بعض العروض التي شكلت علامات مميزة في المشهد المسرحي العراقي مثل ”ترنيمة الكرسي الهزاز“ عوني كرومي و ”النهضة“ عباس الحربي و ”دزدمونة “ ناجي عبدالامير و ”المجنزرة ماكبث “ جواد الاسدي وغيرها.. اذ ربما من خلالها نستطيع اعادة ما انفرط من علاقة بين المسرح والجمهور وبين المسرحيين في الغربة وبلادهم”.
انتهى المقطع وانتهى المقال بكثير من التمنيات والمجاملات كما بدأ بالكثير من الخيال بل وبكلمة ” تخيلوا”………… ومن هنا تبدأ اشكالية زملائنا في الداخل فهم يعتقدون بمخملية الخارج عيشا وشخوصا وفنا وثقافة!! وربما منشئ ذلك هو جحيم حياتنا هناك ودونية النظرة للمثقف واستمرار تردي اوضاعه على مر الحقب والحكومات وعدم انزاله في موقعه الحقيقي, فبات تفكيره يتجه صوب الخارج بغض النظر عن ان يكون الخارج مورتانيا ام السويد كما بات النظر الى انتاج الخارج على اعتباره نتاجا مقدسا ناهلا من ثقافة اوربا قلعة الادب والفن والحرية .
ولكي نضع النقاط على مواضعها لابد لنا من مكاشفة موضوعية ليس في المسرح فقط بل في مختلف جوانب حياتنا السياسية والاجتماعية وغيرها وان نبدأ من تصحيح انفسنا قبل التوهم بحجم انجازاتنا ونزيد من حسرات اهلنا هناك وهم يعانون الامرين من فحيح المفخخات. وسأبدأ من فرز مضموني لخلطة الاسماء التي جاءت في مقال العزيز النصار. فالخارج ياعزيزي النصار ليس خارجا واحدا بل هناك “خارج داخل او داخل خارج” يعش فيه بعض المنفيين في دول الجوار الاقليمي او الافريقي او المتوسطي وهو لايختلف كثيرا عن الوضع العراقي من حيث الممنوعات او التملق ومسح الاكتاف ومصادرة الاراء وخنق التجارب المبدعة. وهناك ينظر الى الفنان العراقي كانسان دخيل يملك الكثير من الخبرة والتجربة ويمكن اعتباره كمواطن من الدرجة الثالثة او الرابعة والتجارب المسرحية التي قدمها العراقيون في تلك البلاد تؤشر الكثير من ذلك. ولعل اقرب واعجب مثل على ذلك ان عشرات من الفنانيين المسرحين العراقيين الذي عملوا في ليبيا وما زال البعض منهم هناك لم يقدموا عملا مسرحيا واحدا رغم وجودهم في اهم مؤسسة اكاديمية ليبية” كلية الفنون والاعلام” والذي قدمه العراقيون في الخليج مازال يدور في فلك المسرح العراقي نصا وتمثيلا واخراجا. وذات الامر ستجده في العروض التي قدمت في الاردن وهو بالتالي يشكل من حيث التحقيل كالفرق بين تجارب البصرة او الناصرية في المسرح وتجارب العاصمة!!! وهنا ستفرز الكثير من الاسماء التي جاءت في المقال الى خارج فلك هذه الدراسة. اما الخارج الاخر وهو الخارج الاوربي او الامريكيتين فلابد لنا من وقفة حقيقية لانصاف مسرحيه وتوضيح الصورة التي شابها الكثير من الخطل في التركيب والتوزيع. فقد بدأت هجرة المسرحي العراقي الى هذه البلدان منذ نهاية السبعينات مرورا بالدول الاشتراكية والتي درس بعضهم فيها وصولا الى الدول الاوربية او الاسكندافية. ثم الهجرة الثانية التي بدأت في تسعينات القرن الماضي والتي تعد الاغزر من حيث الاعداد والاسماء من الجيل الشاب الذي بدأ يتصدى للجديد في المسرح العراقي في تلك الحقبة واثبت فيها حضورا جيدا. هؤلاء الذي وصلوا الى هذه البلاد واجهتهم الكثير من العقبات والمشاكل افضت في النهاية الى فرز غير ارادي للكثير منهم ولابد لي هنا وقبل تسليط الضوء على تلك التجارب من الاجابة على عدد من التساؤلات الهامة والتي ستقودنا الى ماهية الاعمال التي تقدم هنا في اوربا. ومن بين تلك التساؤلات : لمن تقدم العروض المسرحية” الجمهور المستهدف”؟ واين تقدم” مكان العروض” ؟ ومتى” زمن تقديم العروض” ؟ وكيف” الشكل والمضمون”؟ ولماذا” اهداف هذه العروض”؟
2
الجمهور وحقيقة التلقي
واحدة من اهم المشاكل التي تواجة المسرحي في بلاد الخارج هي الجمهور المستهدف وهو المرجعية والصدى الحقيقي لهذه العروض, فممن يتكون الجمهور ويكيف يصنف؟
فبسبب الهجرات القسرية التي عانى منها العراقي عبر فترات زمنية طويلة ادت بالنتيجة الى وصول اجيال مختلفة الى هذه البلاد تعددت اسباب هجرتهم” سياسية , اقتصادية, اجتماعية, …. الخ” وربما توحدت في بحثهم عن الخلاص من اوضاعهم المتعبة الى اوضاع اخرى اعتقدوا انها افضل من سابقتها. وقد طغت الاسباب السياسية على المشهد العراقي المهاجر خلال فترة السبعينات والثمانينات ثم برز العامل الاقتصادي كسبب رئيسي في هجرة التسعينات والتي شهدت خروج العدد الاكبر من من الكفاءات العراقية زرافات زرافات الى مختلف دول العالم ومنها المسرحيين ايضا الذين بدأو في الدول المجاورة للعراق وصولا الى دول اوربا وامريكا وغيرها, من هنا فقد تعددت مشارب الجمهور وتنويعاته المختلفة, فقد واجه المنفيون الجدد نفيا اخر من المنفيين الذين سبقوهم وخاصة الفئة المثقفة منهم, مما حدى بالبعض الى تقديم شهادات غير حقيقية او” تهويلية” لما قدموه في الداخل تحت ابواب التوريه والتأويل المضاد والترميز والعلامات والاشارات والبث واللعب بأليات التلقي!! في حين انزوى البعض الاخر بائعا او معلما في رياض الاطفال او لاعبا ماهرا للنرد في المقاهي اوموزعا للبريد او معتكفا في سكن لا يرى ولا يراه احد!! وسلك البعض الاخر دربا سهلا في التطبيل لهذا المتنفذ اوذاك السياسي والتي ينظر اليه في احسن الاحوال كالمعطي براءة اوالتائب عن الذنب!! في الوقت الذي تشبث القليل من القادمين بأصالتهم واستمروا يقدموا اعمالا افضل ما فيها روح الاستمرار وعدم الاستسلام. وقد واجه هؤلاء مشكلة حقيقية هي الجمهور الذي ينقسم حسب اتجاهاته السياسية والفئات العمرية واهتماماته الثقافية, فليس بالضرورة كل من كان سياسيا سنجد لديه اهماما ثقافيا او مسرحيا على وجه الدقة, كما ان الفئات العمرية تلعب دورا مهما في هذا الباب فأغلب الذين ولدوا في الخارج يعاني من مشكلات تعلم في اللغة الام واذا كانوا يجيدونها في التعامل فهم يفتقدون بدرجة كبيرة الى تأويلاتها المتعددة وهي ما تعتمد علية النصوص المسرحية العراقية عموما كما يفتقد الى ذكريات حقيقية عن الامكنة والاحداث التي غالبا ما تتناولها هذه الاعمال!! ومن هنا فقد حاول البعض من المسرحيين الاتجاه الى اللغات الاصلية للبلدان التي يعيشون فيها, وهنا تكمن مشكلة اكبر واهم وهي قدرة هؤلاء في اجادة تلك اللغات وكيفية احساسهم بالكلمات وطريقة ادائها والنبرة واللحن وغير ذلك من مستلزمات الاداء الصوتي للمثل. اذا ما عرفنا ان مرجعية الممثل العراقي اللغوية تعاني مشكلات حقيقية في النطق وحركات الاعراب والتي تستغرق المناقشات المسرحية في المهرجانات والعروض المسرحية في العراق وقتا طويلا عن المجازر التي يرتكبها الممثلون في اللغة العربية الفصحى فكيف بهم وهم ينطقون اللغات الجديدة!!اما الحديث عن الجمهور العربي في بلدان المهجر فهو لا يستحق اضاعة الوقت في البحث عن علاقته بالمسرح عموما وبالمسرح العراقي على الخصوص فقد شهدت القاعة التي عرضت فيها مسرحية ” المتشائل” لمحمد بكري المسرحي الفلسطيني المعروف ثلاثة عشر فردا فقط منهم تسعة من العراقيين بالرغم من عدد الاعلانات التي وزعت في مدينة مالموالسويدية والتي كانت تشهد حينها مسيرات حاشدة لدعم الانتفاضة الفلسطينية!!! وهذه المشكلة يعترف بها المسرحي اسعد راشد بالقول” هناك مشكلة المتفرج العربي الذي يتابع عروضنا والحقيقة أنه متفرج عراقي بالدرجة الأساس لأن بقية الجاليات تهتم بشؤونها الخاصة وغالبا ما تكون شؤون اقتصادية وليست ثقافية أو فنية, كما أن المتفرج العراقي في الخارج قد أختلف عن المتفرج العراقي في الداخل ولذلك فأن عملية اختيار النصوص تجعلنا أمام اختيارات صعبة وتضع أمامنا عدة تساؤلات.
اما الجمهور الاخر” غير العربي فهو جمهور يمكن ان نطلق عليه جمهورا “شرفيا” اما ان توجه له الدعوات مع بعض ” التوسلات” او جمهورا باحثا عن الأشياء الغريبة عن ثقافته ويحاول ان يعرف كيفية تفكير هؤلاء الذين يعيشون بين ظهرانيه!! وهؤلاء لا يشكلون في طبيعتهم جمهورا كثيرا يدفع المسرحي لتقديم عروضه لايام متعددة بل اجبرته على اقتصار عروضه ليوم او اكثر بلقليل. وازاء ذلك كله فان الدعامة الحقيقية للعمل المسرحي المتمثلة بالجمهور تعاني من كل تلك التعقيدات فتصوروا معي مقدار انعكاس دلك على ما يسمى بـ” مسرح المنفى”.
3
أماكن العروض وحقيقة المسارح

تزخر البلدان الاوربية بعدد المسارح المتوفرة في المدن والقرى ووجود المسارح في هذه المدن ضروريا وحتميا في بعض الاحيان , فلا تخلو مدينة اوربية من وجود مسرح او اكثر بحجم مسرحنا الوطني او اكبر حجما ومساحة, ولكن الشئ الملفت للأنتباه ان هذه المسارح لم تشهد تجارب عراقية او عربية الا بعض المحاولات النزيرة جدا والتي يمكن عدها على اصابع اليد” ان وجدت تلك التجارب اصلا” ولكن السؤال المطروح هنا هو: اين يعرض المسرحيون العراقيون اذا؟ والاجابة عن هذا التساؤل في حقيقيتها مرة, فهم يعرضون في امكنة تقترب تماما من مراكز الشباب في العراق او قاعات المسارح او حدائق رياض الاطفال والمجهزة بمستلزمات الاضاءة والصوت البسيطة جدا اذا ما قورنت مع ما موجود في المسارح المحترفة. ورغم ذلك حاول بعض المسرحيين توظيف هذه القاعات لتقديم عروض مشابهة لما يقدم في مسرح الـ60 كرسي, الامر الذي اوجد الغصة لدى المسرحيين من تقديم ما يحلمون به من عروض كبيرة وغالبا ما اختصروا تلك الاحلام بكلمة” احسن من الماكو”.
4
الممثل وحقيقة الفرق المسرحية

غالبا ما تواجه هنا في الخارج بشكوى مريرة من اغلب المسرحيين مفادها قلة عدد الممثلين واضطرارهم الى اللجوء الى انواع مسرحية محدد كالموندراما مثلا لتعويض النقص بعدد الممثلين وهو صادقون بشكواهم تلك ولكنها تبقى وجه واحد للحقيقية التي يحاول معظمهم التنصل منها او ليها!! فهذا الامر قد يصدق في المدن النائية ذات القلة السكانية او قلة عدد المهاجرين لكنها لا تصدق في المدن والعواصم التي تزخر بالمهاجرين والمسرحيين منهم على وجه الخصوص, فعلى سبيل المثال لا الحصر يتواجد اكثر من عشرين مسرحي معروف بينهم اكثر من خمسة ممثلين ومخرجين للفرقة القومية العراقية في مدينة مالموالسويدية فقط ومن هؤلاء المسرحين( د. حميد الجمالي, د. اسعد راشد, حسن هادي , رياض محمد, عدنان اللبان, د. حسين الانصاري, علي ريسان, أثمار خضر, د. حسن السوداني, انوار عبد الوهاب, باهرة رفعت, سيف عبد الكريم, بان العاني, سرمد مكي البدري, باسم صباح, حسن علوان, سلام الصكر, فالح شمخي, كريم رشيد, ميديا حسين, والقائمة تطول.. فضلا عن عدد مهم من التشكيليين واللذين لهم تجارب في سينوغرافية المسرح. واذا حاولت ان تنتقل من هذه المدينة الى مسافة عشرين دقيقة فقط ستجد العشرات من المسرحيين والموسيقين والتشكيليين في العاصمة الدنماركية” كوبنهاكن” وهي كالمسافة بين الاعظمية والباب الشرقي اذا ما اردنا التوصيف الدقيق, ولكن ستحتاج لمسافة ضوئية كي تستطيع جمع جزء من هذه الاسماء الى طاولة مستديرة لمناقشة اوضاع المسرح مثلا!!! ومما يزيد الدهشة ان الكثير من هذه الاسماء تعمل ضمن فرق مسرحية اسستها هي وضمت عدد من الاسماء الوهمية كجزء من الشرط القانوني لتأسيس هذه الفرق ولكن الحقيقة هي ان هذه الفرق لا تضم سوى مؤسس الفرقة وصديق له سيختصم معه عند توزيع الغلة!!, ويشم المقيمون هنا روائح تلك الاختلافات بين الفينة والاخرى.
5
العرض المسرحي وحقيقة المشكلات

اتجهت اغلب العروض المسرحية الى اختيار المونودراما شكلا لها وهو ما يفسر الكثير مما تطرقنا اليه في المقاطع السابقة وسوف انقل هنا ما دار في الندوة التي اجريتها لعدد من المسرحيين في صحيفة الزمان حول انتشار هذه الظاهرة في عروض الخارج واهم التبريرات التي ذكرها المسرحيون فيها:
محمد سيف: غالبا ما تتكون فكرة المونودراما من خلال مجموعة من الممثلين يأملون في منجز أدبي يحيلونه إلى فضاء مسرحي مجسد ويتماثلون معه ويصنعون هذه اللعبة المسرحية ولذلك يسمون التمثيل في القواميس المسرحية( اللعب) وعملية إقناع المتفرج تكاد تكون صعبة جدا عندما يتعلق الأمر بممثل واحد(المونودراما) لذلك فأن معظم فناني العالم الكبار لا يتعاملون مع هذا النوع من المسرحيات بشكل جاد لأنهم يركزون على إقناع المتفرج بحقيقة ما يجري بالرغم من حالة الاصطناع ولكن لظروف استثنائية يعيشها المسرح العراقي في الخارج يضطر المسرحيون من اختيار هذا النوع كأساس للانطلاق إلى ما هو أبعد ولعدم وجود مؤسسات تدعمهم أو سقف يجمع هذا الممثل بذاك دون أن يحدث نوع من الاختلاف، ولكن للأسف الشديد نجد أن المسرحيين أنفسهم أول من يواجه هذا النوع من المسرحيات تحت حجة أنه بالإمكان تقديم أفضل منها وهذا افتراض غير صحيح لبعد المسافات بين المسرحيين وقلة الدعم والإمكانيات وندرة وجود الممثل المناسب والمخرج المناسب الخ… وبالتالي فأن تشكيل فرقة مسرحية حقيقية كما نريد وان تكون خارج سيطرة الأحزاب والمنظمات السياسية أمر صعب للغاية فالعمل المسرحي أو الفرقة المسرحية التي تتكون تحت هذا السقف أو ذاك خربت وتحولت إلى فرقة مسرحية تشبه تلك التي كنا نعاني منها في الداخل ولذلك فأن الثورة أو الوقوف بالضد من تقديم هذه النوع أجده غير صحيح بالقياس إلى ما يحدث.
س/ ولكن هل تتضمن المونودراما الشروط الكاملة للبناء الدرامي خاصة وأن الحوار يتسيدها على حساب بقية العناصر الدرامية الأخرى وغالبا ما تعوم في فضاء واحد يكشف عن نفسه مع البدايات الأولى للعرض؟
ضياء حجازي:المونودراما على الأغلب هي تجارب فردية تقودها مبادرات فردية وليست فرقية أو مؤسساتية وأن سبب ازدهارها في الداخل والخارج في آن واحد هو التباري بين الممثلين في إظهار قدراتهم الأدائية ولكني أعتقد أيضا ومن خلال دراستي للمسرح في السويد أن كثرة تقديم هذا النوع في الخارج كونها مرتبطة بشكل وثيق بهوية المنفي, لماذا؟ لآن هوية المنفي ليست جماعية وإنما فردية وذاتية حتى لو اشترك مجموعة من المنفيين في هم واحد، يبقى لكل فرد خصوصيته في المنفى.
كريم رشيد: أنا أعتقد أن الموضوع يتعلق بالمحصلة النهائية للعرض وهي قدرته على التأثير وليس الأمر متعلق بعدد الممثلين سواء أكان عددهم خمسون أو بممثل واحد أو حتى بدون ممثل كما يحدث في بعض العروض التجريبية الغربية ولكن أعتقد أن السؤال المخفي تحت سؤالك هو أننا لماذا لا نستطيع أن نقدم عروضاً أكثر تأثيرا من عروضنا الحالية؟ والجواب هو إذا كانت المونودراما تعتمد على قدرات ممثل معطاء وقدرات إنتاج جيدة ومكملات عرض مناسبة من تفرغ للعمل إلى وجود قاعات عروض جيدة إلى جمهور متابع, فأنا أقول لك أن معظم هذه الأمور غير متوفرة بالمرة وبالتالي فان ذلك ينعكس على طبيعة العرض النهائية سلبا مما يؤثر على نتائج هذا النوع من العروض ويكون رأيا مضادا لها.
علي ريسان: أعتقد أن السبب ليس الافتقار إلى عدد الممثلين أو مشكلات الإنتاج وحدها التي تدفعنا لتقديم هذا النوع من العروض وإنما غياب روح العمل الجماعي بين فناني المنفى لاعتقاد كل فنان بأنه مرجع مسرحي لا نضير له وكذلك الاختلاف في الأطياف السياسية مما يحتم عليك عقد ندوات سياسية لتذليل معوقات العمل قبل الاتفاق على قراءة النص المسرحي!! ومشكلة انقطاع الفنانين عن العمل المسرحي لفترات طويلة جعلهم كسولين وجاهزين كـ( النسكافيه).
أسعد راشد: أنا أجد أن ازدهار هذا النوع يعود إلى حالة التقشف التي يعانيها المسرحيون في الخارج من قلة الممثلين إلى بعد المسافات الجغرافية بينهم إلى قلة الإمكانيات المالية وهناك مشكلة المتفرج العربي الذي يتابع عروضنا والحقيقة أنه متفرج عراقي بالدرجة الأساس لأن بقية الجاليات تهتم بشؤونها الخاصة وغالبا ما تكون شؤون اقتصادية وليست ثقافية أو فنية, كما أن المتفرج العراقي في الخارج قد أختلف عن المتفرج العراقي في الداخل ولذلك فأن عملية اختيار النصوص تجعلنا أمام اختيارات صعبة وتضع أمامنا عدة تساؤلات.
س/ إلا تعتقدون أن عزوف المتفرج العربي عن عروضكم سببه تقديمكم أعمال ذات خصوصية عراقية بحتة وتدور في فلك الوضع الحالي للعراق وهو أمر لا يهم كثيرا بقية الجاليات التي لها مشاكلها الخاصة أيضا؟
كريم رشيد: معظم الذين جاءوا إلى المنافي يشتركون إلى حد ما بطبيعة المشكلات التي دفعتهم للهجرة ولكن هناك عروض قدمت كان الهم الإنساني هو الأساس فيها وليس الهم العراقي الخالص وإذا كان الهم الإنساني متوفرا فلا بأس أن يكون عراقيا أو غير عراقي لأننا نذهب لنشاهد عروضاً غير عراقية وغير عربية وهذا هو المسرح بطبيعته.
أسعد راشد: واحب أن أضيف وأعود إلى الإشكالية التي ابتدأنا بها وهي ظروف تقديم العمل المسرحي فأننا غير متفرغين للعمل المسرحي وبالتالي لا أستطيع أنا أن أتخلى عن شروط عيش أبني{على سبيل المثال} عندما يريد الذهاب إلى الروضة على حساب تقديم عمل مسرحي.
عدنان الصائغ: السياب عاش طوال عمره مريضا ولكنه قدم إبداعا كبيراً رغم قصر عمره، أستمر ليكون خالدا , الفكرة هي كيف تستطيع أن تقدم عملا يكون تحديا لمنفاك, المهم بالنسبة لي كمشاهد هو كيف تستطيع إقناعي بفكرتك سواء بممثل واحد أو بعشرين ممثلاً, وثانيا أريد أن أقول أن الإبداع هو الإبداع سواء كان ذلك في الخارج أو في الداخل فالذي عرفناه وقرأناه مبدعا في الداخل وجدناه مبدعا هنا. والفاشلون هم الفاشلون أينما ذهبوا أو اتجهوا .لا هم لهم سوى إطلاق الشعارات والتبريرات والفذلكات الفارغة والإساءة إلى المبدعين الحقيقيين الذين لا يستطيعون الوصول إلى إبداعهم. ومن هنا فنحن غير معنيين بأي حديث أو تبرير لهذا الكاتب أو ذاك المخرج أيا كان لأن النص أو العرض سيكشف صدق ما يقوله من عدمه.
س/ الأعمال التي تقدمونها هنا لا تتناسب سينوغرافيا مع وجودكم في بلاد التقنيات المتقدمة وهي ما زالت أفقر مما قدمتموه في الداخل, فأين تأثيرات الغرب على عروضكم تقنيا على الأقل؟
جعفر طاعون: مفهومي للسينوغراف هو كيف تستطيع أن تخلق شيئا موجودا في العرض المسرحي لكنه لا يرى ورغم أني حصلت على جائزة السينوغراف في المسابقة التي جرت هنا في السويد عن تصميمي لسينوغراف مسرحية الدب لتيشخوف إلا أني أجد أن العروض المسرحية العراقية في المنفى تفتقر لسينوغراف محكم بسبب هيمنة المخرجين على العروض المسرحية من كل النواحي.
محمد سيف: لكي نفهم وظيفة السينوغراف في العرض المسرحي لابد من الرجوع إلى مفهوم برخت للوحدات الفنية المستقلة التي ينبغي أن تنسجم مع باقي المفردات ومنها وحدة الديكور والموسيقى والغناء وغيرها دون أن تصبح متكأ لنجاح وأغراء المتفرج ويكمل له بيتر بروك في كتابه الفضاء الخالي، القولَ بأن على السينوغراف أن يرافق العرض المسرحي من بدايته إلى نهايته. لأن العرض المسرحي فن زائل ينتهي ليلة أثر أخرى ليبدأ في اليوم التالي. وعن فقر أعمالنا المسرحية للسينوغراف فهو مرتبط بعدم توفر الكادر المتخصص أو وجوده في أماكن بعيدة فالمخرج يتحول هنا إلى مصمم إضاءة وديكور وعامل ومنظف وحمال!! وهذه ليست من مسؤولية المخرج لأن نصف طاقة المخرج تذهب إلى الأعمال غير المرئية التي تتسبب في تدهور العرض نفسه.
6
النص المسرحي وحقيقة الكتابات

لو اجريت احصائية لمجمل النصوص المقدمة في مسرح الخارج لتوصلت الى نتيجة واضحة مفادها ان هذه العروض اعتمدت النص المحلي او المعد او المولف وقد ابتعدت بدرجة كبيرة من النص العالمي بحجج مختلفة تبدأ من عدم وجود الممثل وتستمر الى قلة الدعم والامكانات وما الى ذلك من التبريرات التي ذكرها البعض ممن شارك في ندوة الفقرة السابقة. ولا اريد هنا ان اتفق او ارفض تلك التبريرات ولكن اود الاشارة الى موضوعة ازمة النص المسرحي العراقي والتي اخذت الكثير من النقاش واسفرت عن صدور كتاب بنفس العنوان للناقد المسرحي علي مزاحم عباس, فالنص المسرحي العراقي عانى من اشكاليات كثيرة في البنية التركيبية له بما فيها من مكونات العقدة والحوار والشخصيات وخلق الاجواء العامة ومرجع ذلك هو عدم وجود مؤسسة مسرحية عراقية تعنى بالكاتب المسرحي او وجود معهد لكتاب النص الدرامي التلفزيوني او الاذاعي او المسرحي وان اغلب الكتاب العراقيين اعتمدوا اجتهاداتهم الشخصية في الكتابة لما يملكه البعض منهم من ملكات ادبية سواء في كتابة الشعر او القصة او الرواية. كما اتجه الكثير من المخرجين العراقيين الى كتابة نصوصهم بأنفسهم مما اوقعهم في ارباكات عديدة. فهو يحاول تفصيل النص المسرحي على مقاسات رؤيته المسبقة قبل النص ويحاول ان يجد ما يتطابق مع هذه الرؤية في النصوص المسرحية وهي في واقع الامر عكس القاعدة التي توجد النص قبل العرض. وبسبب الانقطاع القسري بين الكاتب المسرحي العراقي في داخل العراق وبين المسرحيين في الخارج وعدم وصول الجديد من النصوص المسرحية اضطرت المسرحيين الى كتابة نصوصهم بأنفسهم وممارسة تجربة الكتابة المسرحية لاول مرة, وفي كل الاحوال لن تنتج هذه المحاولات تجارب نصية متكاملة بل محاولات يمكن لها ان تتطور اذا ما استمر كتابها في الانتاج والتواصل المعرفي وملاحقة الجديد من النصوص واتجاهات الكتابة.
7
ماذا بعد؟

ان انقراض الدينوصورات لا يعني اختفاءها المطلق بدليل وجود اكتشافات مستمرة لها تثير الكثير من الفضول لمعرفة المزيد عن عالمها وانواعها واسلوب عيشها, كما ان المكتشف منها يجلب الكثير من النفع على البقعة التي دفن فيها كما يجلب الكثير من الاسئلة لرأس ابني الصغير والكثير من الوجع لرأسي في ذات الوقت

عن د. حسن السوداني

شاهد أيضاً

مسرحية الأطفال – الساحل وجني المصباح

بـدايــــة   (( المسرح متسع من الفراغ .. الستارة الخلفية بيضاء يرتسم عليها لون     …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *