الرئيسية / دراسات / هيثم بردي ..الخواء يفضي الى آخر أكثر كثافة

هيثم بردي ..الخواء يفضي الى آخر أكثر كثافة

هيثم بردى .. الخواء يفضي الى اخر اكثر كثافة !

بولس ادم – النمسا

تركيب اللغة الضوئي :

لايتخلى السارد ، في قصص القاص والروائي العراقي ( هيثم بردى ) عن افعاله المضارعة ، تاسيس المعمار البنائي للحكاية جمل يسبقها —-> يرفع ، يقف ، يشعر، يرسم، يحلق —> ( يجمع شتات بصيرته ويحاول أن يجلي هذا  الساتر الضبابي الذي يسلفن تفكيره ويشّله، )الا ان تلك الجمل يعقبها جمل ماضوية اقصر احيانا ليحل الغائب النوستاليجي ، الحنين المجنح الذي اتعبه طيران الخواء والأحلام ، اسيرة المرايا المتصدعة ، جمل الغائب الى المخاطب وبالعكس ، توظيف اسلوب التفات بلاغي ، وسباكة ثنائيات ( اندلق القمر، صهوة القمر ، الجبل الباسق ، الليل الأبيض ،الصخرة الفاتكة ،الرمل الحار،غيوم الضباب، والرغوة الكثيفة ،الغابة والطموح ، السماء والأفق ) يدعمها خزين من كلمات فصيحة من لغة العرب، المنتقات باناة ومما يمكن ان ينسج في السرد الحديث ، ( لظى ، اماد، شعاف ، جهراء، هصورة ) ، ثم ينتقل البناء الى طبقة اعلى حيث تقود الافعال الماضية تراكيب الخيال التي تنفتح محارته لكي تضع امام القارئ لآلئ اللغة في عذوبة التنوع السردي، ازمان تتماوج ، فقط، لكي تقدم عالم قصة ( الصورة الأخيرة ) الرمادي !

(… ولكن دون جدوى فالخواء يفضي إلى آخر أكثر كثافة، وحين أعيته الحيلة، أو توقف تفكيره في البحث عن الحل، إستظل غيمة التشوش التي تمطر فوق وجدانه زخات من الضياع والخوف من الآتي المتمثّل بكائن يحمل جسداً غابت عنه الذاكرة، )

نسغ الحكاية الصاعد :

(حقيقة هذا الرجل نصف العاري الذي يلتحم بالرمل، هل هو حي أم ميت؟ )

في المقطع الأول من هذه القصة تاتي جملة على لسان السارد ( الخواء يفضي الى خواء اخر اكثر كثافة ) ! السارد الذي يتماهى مع الشخصية المحورية، يخترقها ، ويستعيرها لنفسه ، لتعبر عن كينوتته ( المدى يترامى أمامه سجادة عسجدية من رمل فائرٍ تعوي في كينونته مثل ذئب عافه القطيع. ) . ( الخواء يفضي الى خواء اخر اكثر كثافة ) !<— هيكل القصة الفلسفي ، تطلب شخص في بقعة نائية من الكون وسط رمل ، لاشئ غيره ، لايحده نظر.. السراب يتدافع امامه ، بحر متلاطم ، اخيلة ، ذكريات ، شخص له حضور على مسرح العبث شخص لايبوح الا مختنقا في صمت ( بيكيت ) ! رمل ثم رمل ، الشمس العاصرة يقطع قطرها نوارس العدم والوجود ، شخص ما في بقعة نائية من الكون( بحدقتين أرمدهما الرمل الحار اللزج الوخم،)

جذور الشخصية في قصص اخرى ! :

1 – يظهر ذلك الشخص للمرة الأولى في قصة للكاتب اسمها ( الفة ) وفي زمن اخر ! :
( شعر باطرافه تنفصل عن جسده ، وانه يطير معلقا بين السماء والأرض ، يحلق بين الغيوم الحبلى بالمطر .) ..هنا ولدت مع ولادة هذه الشخصية ، رغبة الكاتب في نقل عالمه الحكائي تدريجيا الى عالم غرائبي يعبر فيه الخيال عن الحقيقة .. اصبح ذلك ضروريا ، بعد ان وفرت البيئة المحلية والعالمية هذه الغرابة
دون بخل ! فمثلا ، تتحول محطة قطار الى سجن ! او يوشم عنوان سكن ورقم هاتف على جسد لكي يستدل
عليه، لو اختطف وقطع راسه ! بل اجد ان كاتبا مثل ماركيز عندما قدم من على منصة نوبل غرابات الواقع
في امريكا اللآتينية ستكون ساذجة ! فيما لو قورنت بغرائبية ما ينفث لحما ودما ويبلع الآخر في العراق وتبادل الأدوار بين الجلاد والضحية ! وهذا لم يفت هيثم بردى ليصرخ في فضاء ( الصورة الأخيرة ) السوريالي : ( في العالم افتراس متبادل ) ! يضيف السارد تعليقه ..(وهو يستنبط غموض النفس الإنسانية وشطحات الروح، فبوضعه الفريد والمأساوي هذا، كيف يعّن لتفكيره التحليق إلى هذه الآماد، ما يحصل له الآن من إبتكار الأخيّلة، ) .. طبعا ، كل قصة لها تقنيتها الخاصة ، واذا كان ( هيثم بردى ) في مجموعته القصصية ( حب مع وقف التنفيذ ) قد وضع بصمته المميزة في السرد النمطي اعتمادا على الوصف المتقن واظهار الفريد الموحي والمغمور في غرف الواقع ، فان المهمة هنا ممتعة ،ساحرة ولكن عسيرة في نفس الوقت ! في كل الأحوال ستكون الحكاية محملة بقدر اعلى من الحياة التي نعيشها ، ذلك ليس ممكنا دون استعارة خواص
لغات اخرى في تداخل اجناسي في الفن اجمالا كاللوحة التشكيلية ، المشهد السينمائي ، التغريب البريشتي ، اشكال ايهام اللاتشخيص في مسرح القسوة ، معمار ( الصورة الأخيرة ) دون ذلك كان سيؤول الى هراء !.. السارد يقطع تذكرة تشوش ويمنحها للشخص المازوم ليركب قطار الخيال في تناوب وتعاقب محطات تذكر ، نسيان ، تشوش في كابينة النوستاليجيا ، شخص يجلس في الأخيلة على كرسي رملي ينظر تشويش المناظر من خلال النافذة ،سيان عنده الزمن ،مطمئن الى نزيف ذاكرته في تعاطف نفساني مع الذات وبذل شفقة ذاتية كتعويض لشفقة توقف الواقع الدامي عن منحها،بل قطع كل الجسور المؤدية اليها ! —–> (  بيت… بيت يغلفه الغموض على أطراف الغابة، غابة أشجارها باسقة، أهي أشجار الصنوبر أم السنديان أم النخيل، وأمرأة… أمرأة متلفعة بالضباب والغبار، أهي عجوز أم يافعة، متزوجة أم صبية، تحمل إناءً مملوءاً بالحب، أهو الذرة أم الشعير أم فتات الخبز، تغرف منه بكفها ثم تلقيه إلى أسراب الوز والبط والدجاج والديك الرومي وغيمة متساقطة من الحساسين والقبرات والحمائم غير الداجنة، وطفل تشوشه الذاكرة بحيث لا يعرف إن كان ولداً أم بنتاً يركض خلف كلب سلوقي يتقافز فرحاً وغبطةً ويقعي إزاء حصان مربوط في جذع شجرة يحمحم ويزنخر كلما شمّ أو رأى شاباً يقطع أفنان الأشجار المتيبسة قرب بئر يركن بجانبها دلو قديم…. وتتشوش الرؤية ثم تختفي حين تكوي عينيه حرقة لاسعة جراء تطاير ذرات الرمل الرامضة الى وجهه، يتساءل متجاهلا الألم…) .. هذا السرد ، تداعي خلاق وعذب .
..ثراء صوري مدروس ، عين الكاميرا السينمائية المحمولة في ضبابية شعرية ، تجعل القارئ بانتظار شئ غير معلوم ، طاقة
السرد في ، توقف/عودة / التقاط / تقادم .. في كونية مدهشة وذلك مرمى الفانتازيا واسسها المتينة . في قصة ( القرص)
من ( كتاب الرمل ) ل( خ.ل.بورخيس ) يقول الحطاب : (- تبادلنا بعض الكلمات التي لااتذكرها ).

2 – ظهور اخر للشخص نفسه مهترئا على بلاطات الفراغ والخواء ، في قصة اسمها ( الثلج ) ! :
( تغوص قدماه في طيات الثلج المنفرش على امتداد الأرض حوله ) ، دائما وحدة المرء على اديم المادة الموحشة ، بل ان تشكيل الجسد هنا —> (شخص فوق الثلج يتشكل متخذا وضع المسدس ) ! يتكرر
مع نفس الشخص في قصة ( الصورة الأخيرة ) –>( يرفع رأسه مشكلا مع جسده الراكن على الرمل كقشة لا معنى لها زاوية قائمة ) ! شكل المسدس هنا ، انطباع اللاوعي في مسدسات/عنف رمزي/ .. ( رفاق ، ضباط ، رجال امن,مجرمون، ارهابيون ) تنطبع في كوريوغرافيا فوق مسرح رملي ، لطالما ان الشخص في القصة تحت وطاة خوف وانسحاق ! لم يبق له سوى ان يبتكر لنفسه هذيانه الذي سيغذي معمار القصة —> (تبتكره أخيلته المبتلية في إيجاد تفسير منطقي لوجوده الفريد والرومنطيقي في هذه البقعة النائية من  الكون،) .

3 – الارض التي تكبل الشخص وتحتضن تعبه فيزيائيا ستتفاعل كيميائيا بين ثلج في قصة ( الفة ) + تراب في قصة اخرى اسمها ( صدى ) + رمل في قصة ( حب خرافي ) + رمل في ( الصورة الأخيرة ) .. واضح تفوق
الرمل بل سيكون حارقا في (قصة الصورة الأخيرة) ، في بقعة نائية من الكون –> بيئة القاص الذي تغرب فيها وبدا في ابتكار اخيلته ، بلا شك اذن وبالبداهة ان السارد ليس سوى ذلك الشخص ، الذي في الحكي المتكرر عنه طريق ( هيثم بردى ) في التجديد ! واذا كان في 1975 قد بدا بقصة واقعية تسجيلية ( تل الزعتر ) فانه وبعدحوالي 120 قصة ، قد تحول اسلوبيا، وبالتدريج الى الخيال المفتوح المستقي من تداخل الأجناس الأبداعية وتدربه في الأجناس الأدبية ، بوعي ودراية ، لذا اتت الفانتازيا وليدة مغامرة طويلة وليست تقليدا اعمى ، واذا كان ، (ماركيز ويوسا )قد عانا ما عانوه من تاثيرات (فولكنر )، ولم يتحررا الا بتدمير تاثيره ، فان كتابا في جيل ( هيثم بردى ) سقطوا في تكرار ممل لآلهة الخيال ، وهو شئ روقب جيدا من قبل ( بردى ) لينجح في تدمير مخلفات كتاب مثل ( تشيخوف+همنغواي) بل التزم مسار امتنان لهم مبكرا، متحررا ! ولن يقع ضحية كتاب اخرين..مستقبلا .. دراما الحياة ، مصباح لغته وشفافية حكاياته .

4 – في قصة (صدى ) يعلن فهمه للعبة الحياة —>( ياتون ويذهبون هكذا ، اغنية الحياة الأزلية ، من التراب
الى الثلج ) . .. الذي تغير في العالم بعد ( تل الزعتر ) هو ان ( في العالم افتراس متبادل ) وهو ما يبوح
به السارد + الشخص ( ضمير المتكلم) وسط خواء ، رمل ، سراب ، الحياة ، في انثى يحملها سراب   النوستالجيا ..في الماضوي برد ،برد كوني ، اسئلة وحوارات تنثال في لوحة تشكيلية مادتها كلمات الجمل ..
( – ما الذي أتى بي إلى هنا…؟..لم أنا متعب لهذا الحد…؟..- من هؤلاء ؟..ماذا يفعل النسر في الصحراء..؟)
.. نسور اربع تحوم فوقه! بل ان نسرا يقف خلف رقبته ويمد منقاره المعقوف نحو عينه ( صورة تذكرني بلوحة
للفنان علاء بشير ) ، كان هناك غراب ، مالفرق ؟!.. الشخص يستغرب ويحمل استغراب السارد نفسه في
غرابة البقاء على قيد الحياة ! –> لم لم يقطعّني ويلتهمني…؟.. سؤال مشروع لكائن يتمرغ بين اظلاف   الوحوش.. يطلب ماء.. يكرر.. ماء ، في قصة اخرى ( الفة ) –>( نظر بغضب صوب الشمس التي كانت تلسع
الكون بوهجها اللآئب ثم صرخ باستجداء..- ماء ) ! هناك صرخ باستجداء صرخ ..- اكاد اغرق .. ماء.. وفي
قصة الصورة الأخيرة يكرر – ماء ويسال ..- – لم لا تقترض الصحراء من الواحات مياهها..؟.. هنا هذيان ..

5 – واذ كان صنو ذلك الشخص في قصة ( حب خرافي ) ، كلب :

.. ( هما اثنان، رجل وكلب.. يسعيان بخطى متعثرة متعبة في أديم لا متناه من رمال ناعمة تصطلي بنار حامية  تنثال من شمس هصورة.
هما إثنان، رجل وكلب.. رجل تعرى من ثيابه وقد إلتصقت شعيرات صدره وعانته وفخذيه بالجلد الذي دبغته سياط الشمس، ودبق الرمل الرطب بفعل تعرقه الشديد فغدا جسده متيبساً كالحاً.
هما إثنان، رجل وكلب.. كلب يطالع الشمس بعينين أرمدهما الرمل الناعم الحارق، ولسان ينسل من نهاية بوزه الاسيان.
هما اثنان، أكلا الشوك والصبار والعوسج وكل ما لقياه من شيء يؤكل ولا يؤكل وشربا البول والمياه الآسنة الراكدة المليئة بالديدان.
هما اثنان، يجرجران خطاهما نحو المجهول المتربص خلف كثبان تعقب كثبان، يدرجان في كون يتشكل من صحراء خرافية لا متناهية، وسماء زرقاء لا متناهية، وشمس صفراء لا متناهية.
هما اثنان، صنوان، حبيبان، ندان، صديقان منذ الأزل، يرمق أحدهما الآخر مستجلياً في ذاكرته المتعبة الزمن المتبقي لإحتضار صاحبه، بيد إن الإنتظار طال واستحال إلى قرون.
هما     رجل وكلب، وقفا متقابلين، شهر الرجل أنيايه، شهر الكلب أنيابه، ووثبا… الواحد على الآخر، شاحناً في  جسده المدرع بنزعة البقاء، كل الحب الخرافي الذي يكنه للآخر.
هما….)

..  وجدت ضم النص الكامل لهذه الحكاية ( حب خرافي) التي هي تجسيد مذهل لما سيقال في ( الصورة الأخيرة)  من ان ( في العالم افتراس متبادل ) مفيدا.. اشارة قاطعة في تكرار خلاق ( هما اثنان.. ) نعم!  المفارقةالأنسانيةالمرة،شريعة الغاب في تحولات  الطبيعة البشرية ؟! وظهور اخوة كازنتزاكي الأعداء من جديد في زمن موت تفكيكي ، يتراوح بين البطئ والصادم !.

6 – .. يفضل السارد ،تركه وحيدا في قصة قصيرة جدا اسمها ( اخيل ) …في قصة تقترب من قصيدة
نثر ، كوريوغرافيا الموت والأنبعاث !

الصورة الأخيرة :

في (الصورة الأخيرة ) يكون ( مصور فوتوغرافي شمسي ) صنو له .. تحضر الصورة .. ينتقل القارئ
سينمائيا في بلاغة رائعة الى مشهد سينمائي شعري خلاق : ( تستدعيه جمجمته للولوج إلى صندوق المصور الفوتوغرافي الشائب، يتملى تفاصيله بإمعان، انه يشبهه كثيرا،) ! مثلما كان الكلب صنوه وشبيها له هناك في ( حب خرافي ) هنا ايضا وسط هياكل عظمية وبعير نافق .. اخيلة ، جمل الماضي تلد جمل المستقبل ، الحاضر –>نسور تبغي الأنقضاض.. ( ماض طائر مخلفا طحالبه ، حاضر مخيف ، مستقبل مجهول ) .. الغرابة في التجاذبات في الظهور الحلمي للمصور ، مبنية على اختزال الأزمنة في لحظة واحدة وتوليف الأمكنة هو ظهور واختفاء في فضاء مفرد .. هنا تظهر قدرة الكاتب في الجمع بين النقدي الماساوي في القصة الأولى التي كتبها و قصته الأخيرة ، دمج الكل في طاقة الخيال الحلمية ، نية الألتصاق العميق
بالحياة ..

المصور الفوتوغرافي :

(انه يشبهه كثيرا، ولكن السنين قد تركت  فيه إبداعها فحصدت شعره الأسود وحولت هامته إلى صحراء مديدة تنتشر في بعض جوانبها شجيرات الصبير تعبث بها الريح أنى ما شاءت، وعيناه سجينتا نظارات طبية سميكة تركتها إحدى ماسكاتها فأستعاض عنها بمطاط أسود يحصر صلمة أذنه المشعرة بشدة، وفي رقبته حبال لحمية تعزف لحن الزمن الذي يجعل كل من يسمعه يشيخ بأستثنائه هو فهو دائم الشبوة، )

حموضة الواقع !

وجود المصور الفوتوغرافي كان ضروريا لمد خيط السنارة لمدها ابعد فسمكة الخيال الذهبية ، حقا كانت
هناك ! بين الخيال والحلم والواقع ، ينظر الشخص الى صورة مطادة ، صياد يمتطي فرسا وكلب سلوقي في زاوية الصورة. يطاردان غزالة ذات عيون تشبه عيون زوجته ! الصورة الفوتوغرافية ادت الى ظهور السينما ، هيثم بردى يحرك الساكن في الفوتوغراف ويقدم للقارئ مشهد مطاردة  !—-> (كون الأثنتين، الغزالة والزوجة، تحملان نفس السمات، وثمة في إطار الصورة مقاربة أخرى أقل جنوحاً للخيال ولكنها ليست صعبة التحقّق سيما وأن السعي لتحقيقها جار في الواقع في الأثنين معاً… فالأول الرشيق الرهوان يحلم بعلف من دريس الشعير والتبن، والثاني الرشيق السلوقي يحلم بعظمة هذا الفخذ الشهي الراكض أمامه بتلك السرعة الخارقة التي أنهكته وهو الخبير بفنون المطاردة وجعلته يفكر في الكف عن المطاردة، بيد أن عظمة الفخذ الشهية للغزالة شحنته بقوة مضاعفة للأنقضاض …) .. الكل له اعذاره واسبابه في اتون الأفتراس..
الماء الحامض في السطل المرافق والضروري للمصور ، تحريك السوالب في تلك الحموضة هو تشغيل حسي في لاوعي الكاتب لحاسة التذوق ، صورة الأفتراس القديمة سبق لها ان حركت في السطل الحامض ، ذلك الراسب ، هو خلاصة حموضة الواقع  !

النسور :

( …… وبوغت بهم يملأون الفضاء بطيرانهم الرشيق، أجساد أربعة يشقّون عباب الفضاء بأجسادهم المغزلية العملاقة الرشيقة وأجنحتهم الممدودة على سعتها، يرسمون في السماء  دربا مستقيما مثل موكب جنائزي، وعندما إستقروا فوقه إنحدروا بأجنحة لا تريم ورؤوس محنية نحو الأسفل وقوادم معقوفة ناصلة حادة  وكأنها دواليب طائرات ممدودة تحت الصدور والبطون، فغر فاه وقال لنفسه.

– ما أحّد أظفارهم…؟!!!))

التهديد المستمر ، في واقع حلزوني مرعب ، تلك الاجساد هي الأخرى تبحث عن فريسة ، الكل يبحث عن فريسة في ( عالم فيه افتراس متبادل ) حتى الماضي المختطف في صور المصور الفوتوغرافي ، بل هو نفسه ! الذي يعد هامسا في التشوش لمنح الصورة الأخيرة يشبه النسور ! —>( تهيأ له ونظرات النسر الأيمن تعانق روحه، أن العينين… عينا النسر والمصور متشابهتان بل متطابقتان.)
..لو لم يكن اشتراك جزئي او كلي في اللعنة ، لما كان هناك لاجدوى و.. ( خواء يفضي الى اخر اكثر كثافة ) .تمرس الأنسان اليومي ولسنوات طويلة وحلوله القدري في نقطة تحيط بها دائرة (تهديد ،قسوة، افتراس) والياته في الدفاع عن حياته والحفاظ ولو على الرمق الأدنى ، ستجعله يفكر عوضا عن المتسلط، وتلك افضع قساوة تعرضنا لها في الواقع..:
( ترى هل ستكون قسمة ضيزي..؟!! أم أنكم ستختلفون كما نحن البشر، وسيستأثر أحدكم بعد صراع دامٍ بي وليمة كاملة غير منقوصة، أم سيتفق إثنان منكما على تحريم الإثنين الآخرين، أم أن احدكم سيستسأد على الآخرين ويظفر بالغنيمة لوحده.)

البداية ! :

(الخواء يفضي الى اخر اكثر كثافة )

استطيع القول بعد هذه القراءة :

– الخيال يفضي الى اخر اكثر كثافة !.

.. عربة الخيال اصبحت خلف حصان القص ، لابد وان تكون الخطوات واثقة وجامحة ، طريق معبد لتسلق تل ينتظر ..

هذه الشخصية ، لم تترك وحيدة في نهاية ( الصورة الأخيرة) فقط، لأنها ستظهر ثانية ،في قصص اخرى؟
لانها وببساطة ( هيثم بردى – نفسه ) فالقصة لم تنته بعد !! /…

“الخيال اكثر اهمية من المعرفة ، الخيال يحيط العالم”

(البيرت اينشتاين)

………………………………………………………….

عن بولص آدم

شاهد أيضاً

قراءة في رواية “رقص السناجب” لعباس خلف علي

قراءة في رواية “رقص السناجب” لعباس خلف علي بقلم: شميسة غربي/ سيدي بلعباس/ الجزائر “رقص …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *