الرئيسية / دراسات / خطيئة الاحالة في نصوص ابراهيم درغوثي الرولئية وبالاخص (شبابيك منتصف الليل)

خطيئة الاحالة في نصوص ابراهيم درغوثي الرولئية وبالاخص (شبابيك منتصف الليل)

خطيئةُ الإحَالَةِ في نُصُوصِ إبْراهيم دَرْغُوثِي الرِّوائيَّةِ

وفِي “شبابيكِ منتصفِ اللَّيْل” بصُورةٍ خَاصَّةٍ

 

د / فرج الحوار

كلية الآداب / سوسة / تونس

1 – التُّرَاثُ كمَادَّةٍ للسَّرْدِ

أ- بيْنَ التَّأسِيسِ والتَّنَاصِّ

ليْسَ من بَابِ الصُّدفةِ أن وقعَ اخْتيَارُنا علَى الرِّوائيِّ إبْرَاهيم دَرْغُوثِي، وعَلَى روايةِ “شبابيكِ منتصَف اللَّيْل”([1]) بِصُورةٍ خَاصَّةٍ، لتكُونَ مدَارُ حديثِنَا عنِ الكتابَةِ مُقْترنَةً بالتُّراثِ وتوْظيفِهِ، وبتوْظِيفِ نَوْعٍ خَاصٍّ منَ النُّصُوصِ التُّرَاثيَّةِ، منْ تلْكَ التِّي اصْطُلحَ علَى تسْميتِهَا بالأدَبِ الهَامشِيِّ، تِلْكَ التِّي تُمَثِّلُ فِي “التُّرَاثِ الرَّسْمِيِّ(…) نِدَاءَ هَوامِشِهِ المَقْمُوعَةِ، [أيْ] النُّصُوصُ التِّي اسْتعْصَى(…) فعْلُ احْتِوائِهَا (ألْف ليْلة وليْلة، النَّصُّ الصُّوفِيُّ، النَّصُّ الإبَاحِيُّ) لأنَّهَا الموْضِعَ الذِّي تنْكَشِفُ فيهِ الذَّاتُ بِكُلِّ أبْعَادِهَا: بنَزَواتِهَا وأهْوائِهَا، برَغَبَاتِهَا وميْلِهَا العَاتِي إلَى الوُقُوفِ ضِدَّ كُلِّ المَمْنُوعَاتِ والمُحرَّمَاتِ”([2]).

والحَقِيقَةُ أنَّنَا هُنَا إزَاءَ ظَاهِرةٍ مُطَّرِدَةِ الحُضُورِ فِي نُصُوصِ إبْراهِيم دَرْغُوثِي الرِّوائيَّةِ، أثَارت انْتبَاهَ كلِّ منْ تَناولَ أعْمَالَهُ بالنَّقْدِ، وخصَّهَا البَاحثُ أحْمد السَّمَاوِي بِمُؤلَّفٍ مُسْتَقِلٍّ، صَدَر فِي أعْقَابِ السَّنةِ المُنْصَرمةِ، تحْتَ عنْوان “التَّطْرِيسُ فِي القَصَصِ”([3]). وقدْ اعْتَبَرَ أحمَدَ السَّمَاوي هذِهِ الظَّاهْرةَ ضرْبًا منَ “الواقِعيَّةِ النَّصِّيَّةِ”، وذَكَرَ أنَّ دَرْغُوثِي “كَانَ الأبْرَزَ فِي طبْعِ نُصُوصِهِ الرِّوائيَّةِ والأقْصُوصيَّةِ بهَذَا الميْسَمِ”، وأضَافَ أنَّهَا لديْهِ ظَاهْرةٌ لاَفتَةٌ للانْتبَاه”([4]). وعَزَاهَا عُمُر حفيَّظ إلَى كَوْنِ هَذَا الرِّوائيِّ “رَسَمَ لنفْسِهِ اسْتْراتيجيَّةً قَاعِدَتُهَا(…) المُحرَّمَاتُ الممْنُوعاتُ [مُمَثَّلَةً فِي]: الدِّينِ والجِنْسِ والسِّيَاسَةِ”([5]).

ونحْنُ نَرَى أنَّ هَذَا الحُضُورَ الكَثِيفَ للنَّصِّ التُّرَاثِي -وسَنُشِيرُ إليْهِ فِي دراسَتِنَا بِعِبَارةِ “النَّصِّ الحَضَارِيِّ”- فِي أعْمَالِ دَرْغُوثي، وتنوُّعَ المَصَادِرِ التِّي تُحيلُ عليْهَا، بطَريقَةٍ مُبَاشِرةٍ أحْيَانًا وغيْرِ مُبَاشِرةٍ غَالِبًا، والوَظَائِفَ التِّي يضْطَلعُ بهَا الشَّاهِدُ التُّراثيُّ فِي هذِهِ المُدَوَّنَةِ -وهْوَ مَا سَنُفصِّلُ فيهِ القَوْلَ لاَحِقًا-، تجْعَلُ منْ هذَا الفعْلِ الإبْداعِيِّ فعْلاً حَضَاريًّا بالمقَامِ الأوَّلِ، أيْ فعْلاً تأسيسيًّا، ولذَلكَ أشَرْنَا إلَى تَعَالُقِ الشَّاهِدِ التُّرَاثِيِّ وتمَازُجِهِ مَعَ المتْنِ السَّرْديِّ بعبَارةِ النَّصِّ الحَضَاريِّ أو النَّصِّ المَرْجعِيِّ، لأنَّهَا أوْسَعُ مدًى منَ التَّناصِّ، ذلكَ لأنَّ النَّصَّ الحضَاريِّ يتخلَّل نسيجَ النَّصِّ في القصَّةِ أو الرِّوايَة إلَى حدِّ يتحوَّل معَهُ إلَى القَانُون الضَّابطِ لهذَا النَّصِّ.

ويَقُولُ محمَّد حسين عبيْد الله فِي معْنَى الفعْلِ التّأسيسيِّ الحضَاريِّ، بعْدَ أنْ أشَارَ إلَى أنَّ “نسْبةَ الرِّوايَةِ إلَى الثَّقَافَةِ الغَرْبيَّةِ نسْبةً ظَالمةً لسَائِرِ الثَّقَافَاتِ غَيْرِ الأوروبيَّةِ، تلْكَ الثَّقَافَاتِ التِّي لاَ يُنْتبَهُ عادةً إلَى منْجَزاتِهَا الثَّقَافيَّةِ والحضَاريَّةِ إلاَّ ضِمْنَ معَاييرِ النَّظَرِ الغَرْبيِّ”([6])، أنَّهُ “مَسارٌ يترسَّمُ التُّراثَ العَربيَّ والسَّرْدَ العَربيَّ، منْطَلقًا منَ الذَّاتِ أوَّلاً دُونَ أنْ ينْغَلِقَ عليْهَا. وقدْ بدأ هذَا التَّيَّارُ علَى اسْتحْيَاءٍ أوَّل الأمْرِ، لكنَّهُ اليَوْمَ تيَّارٌ قَويٌّ يُسْهِمُ بعمْقٍ فِي تحْديدِ ملاَمحِ الخُصُوصيَّةِ للرِّوايَةِ العَربيَّةِ، كمَا يفْتحُ أبْوابًا جديدةً يُمكنُ أنْ تمْضِيَ الرِّوايَةُ بعيدًا منْ خِلالِهَا”([7]). إلاَّ أنَّ التَّأسِيسَ “الحَقِيقِيَّ”، حَسَبَ محمَّد لُطْفِي اليُوسُفِي، “لاَ يُمْكِنُ أنْ يَتَحَقَّقَ ويَكُونَ إلاَّ بتَحْريرِ الذَّاتِ الكَاتِبَةِ. وتَحْريرُ الذَّاتِ الكَاتِبَةِ مُتَعَلَّقٌ لاَ يُطَالُ إلاَّ بتَحْريرِ ذَاكِرتِنَا المَحْجُوزَةِ، وتحْريرِ مُتخَيَّلِنَا الذِّي ظَلَّ، هُوَ الآخَرُ، محْجُوزًا مُصَادَرًا مُغَيَّبًا”([8]).

ب- النَّصُّ الإشْكَاليُّ

والحَقَيقَةُ أنَّ روايَةَ “شَبَابيكَ منتَصَفِ اللَّيْلِ” أثَارت منَ السِّجَالِ والجدَلِ الكثيرَ، إلَى الحدِّ الذِّي جعَلَ الأحكامَ حولهَا علَى طرفَيْ نقيضٍ. فمنَ النقَّادِ منْ رأى فيهَا “رمزًا لحداثةِ التَّماسَّات وتماسِّ الحدَاثَاتِ”([9])، ومنْهُم من اعْتَبَر أنَّ هذَا العملَ “فِي تواصُلٍ مع أعمَال إبْراهيم درْغُوثِي السَّابقَةِ” فِي انْتصَارهَا “للوُجُود العربيِّ بجِراحَاته السِّيَاسيَّة والاجْتماعيَّة والنَّفسيَّةِ”([10])، ومنْهُم منْ أهمَلَهَا تمامًا في حديثِه عنِ حوارِ مؤلِّفِهَا معَ ما “سمِّيَ فِي ثقَافتِنَا بالمحرَّماتِ والممنُوعاتِ الثَّلاثةِ”([11])، والحالُ أنَّ “خطابَ السَّرْدِ [فيهَا] يعجُّ بمعجمِ الجنْسِ، أسْمَاءِ ممارستِه وأسمَاءِ آلاتهِ، منْ أكثَرهَا حشْمةً وخفَاءً وتوريَةً، إلَى أشدِّهَا فُحشًا وسُفُورًا وصَراحةً”([12]).

لقدْ كانَ تَرْكِيزُنَا عَلَى “شَبابيكِ مُنتصَفِ اللَّيْل” إذَنْ منْ فعْلِ هذيْنِ الموْقِفيْن المُتناقضيْنِ، إذْ لمْ يتسنَّ لنَا أن نطمئنَّ تمامًا إلَى الاحتفَاءِ الذِّي حظيَ بهِ هذَا الأثَرُ، كما لم يُمكنَّا التَّسْليمُ بالدَّوافعِ الكامنَةِ وراءَ تجاهُله وإقصائهِ من مُدوَّنةِ المؤلِّفِ، وتسَاءلْنَا عمَّا إذَا لم يكن التَّبَايُنُ الحادُّ فِي تقييمِ هذَا الأثَرِ مردُّهُ إلَى أنَّ الرِّوايةَ لمْ تكُن -فِي الحالتيْن- إلاَّ تعلَّةً لتسْويغِ أحكَامٍ إيديُولوجيَّةٍ، هِيَ بالأسَاسِ منْ النَّتائِجِ المُبَاشَرةِ لتَلبُّسِ النَّصِّ الحَضَاريِّ -الهَامشيِّ فِي هذِهِ الحَالَةِ بالذَّاتِ- بالمتْنِ القَصَصيِّ إلَى حدِّ التَّمَاهِي.

فالقوْلُ مثَلاً بأنَّ هذَا “النَّصَّ [هُو] وليدُ عصْرهِ، ولكنَّهُ ليْسَ سجينُ مِصْره”، وأنَّ “القيمَ التِّي تتخلَّلُه ليْست إقليميَّةً وإنَّما هِيَ كونيَّة”([13])، أو القولُ بأنَّ هذه الرِّوايةَ هيَ أكثَرُ أعمالِ درغُوثِي “براءَةً [و] أكثَرَهَا صدْقًا وحيَادًا [لأنَّهَا] لا تُدينُ أحدًا، ولا تنْتصرُ لجهةٍ، ورغْمَ تعدُّدِ الأصْواتِ ووجهَاتِ النَّظَر، فإنَّ الكتابَةَ تظلُّ بيْنَهَا متنقِّلةً بحيَاديَّةٍ فذَّةٍ”([14]) هيَ منْ قَبيلِ الأحْكَامِ الذَّوْقيَّةِ التِّي تثمِّنُ فِي هذَا النصِّ ظواهرَ إشْكاليَّةً ليْست بمعزَلٍ عنِ الظَّواهرِ -إنْ لم تكُنْ هيَ ذاتُهَا- التِّي ترتكزُ إليْهَا الأحكامُ المُدينةُ لهُ.

والسُّؤالُ الذِّي نَرُومُ لهُ إجابةً من مُسَاءَلتِنَا لهذَا المؤلَّفِ الإشْكاليِّ -وهذَا الإشْكَالُ هوَ ما اسْتوقَفَنَا فيهِ تحْديدًا- هُو التَّالِي: لماذَا تحوَّلتْ روايةُ “شَبَابيكِ منتصفِ اللَّيْل” عنْدَ البعْضِ إلَى خطيئةٍ أخْلاَقيَّةٍ وفَنِّيَّةٍ فِي آنٍ، وَحُورِبَتْ علَى هَذيْنِ الأسَاسيْنِ؟ هَلِ مَا اسْتُهْدِفَ فيهَا وعبْرَهَا هُوَ الخَطيئَةُ -أيْ عَالَمُ الحَرَامِ والمنْعِ والعَيْب- أمْ كتابَةٌ مخْصُوصَةٌ لهَا (أيْ للخَطيئَةِ) تَتَعَارضُ -أو تنْتَهِكُ رُبَّمَا- القَوانينَ والأعْرَافَ التِّي تحْكُمَ الكِتابَةَ، مُرْتبطَةً بالجِنْسِ الرِّوَائيِّ؟

2- خطيئةُ الإحالةِ فِي “شبَابيكِ منتصَفِ اللَّيْل”

أ- فِي معْنَى الفَاتِحَةِ

تُطَالعُنَا روايةُ “شبابيكِ منتصفِ اللَّيْل” بنصٍّ افْتَتَاحيٍّ -وهْوَ منْ عتَبَاتِ المتْنِ السَّرْدِيِّ فيهِ، وهذهِ العَتَبَاتُ قَليلَةُ الحُضُورِ فِي أعْمَالِ دَرْغُوثِي- تعْلُوهُ لفظةُ “فاتحة”، ويتصدَّرُهُ فعْلُ الفتْح مُسندًا إلَى ضميرِ المتكلِّم المُفْرَدِ([15])، وفِي مَا يَلِي نصُّهُ:

“فتحْتُ شُبَّاكًا يُطِلُّ علَى قَلْبِي

فمَاذَا رَأيْتُ (أو رَأيْتَ)؟

ـ ليْلاً!

ومَاذَا رأيْتُ (أو رَأيْتَ)؟

ـ لَيْلاً!

ومَاذَا رأيْتُ (أو رَأيْتَ)؟

رَأيْتُ لَيْلاَ أيْضًا”.

ويُمْكنُ اعْتِبَارُ هَذَا النَّصِّ علامةً، من ضمنِ علاماتٍ كثيرةٍ أخْرَى فِي الرِّواية، يجُوزُ لنَا قراءةُ الأثَر انطلاقًا منْهَا، استنادًا إلَى المعْنَى المعْجميِّ والاصْطلاحيِّ للَفْظَةِ الفَاتِحةِ([16]). وسَنَدُنَا فِي ذَلِكَ أنَّ بنْيةَ الرِّوايةِ تتجلَّى بوُضُوحٍ في نصِّ الفاتحةِ هذَا، الذِّي صيغَ فِي شكْلِ حوارٍ تكرَّرَ فِي ثنايَاهُ فعْلُ الرُّؤيةِ -مسندًا إلَى ضميرِ المتكلِّم المُفْردِ- ثلاثُ مرَّاتٍ (رأيْتُ)، وإلَى ضميرِ المُخَاطَبِ المُفْردِ (رَأيْتَ)، فيكُونُ بِذَلكَ هذَا الحَوارُ حِوارًا بيْنَ الكَاتِبِ وقَارئِهِ.

إلاَّ أنَّهُ لاَ بُدَّ منَ الإشَارةِ هُنَا إلَى أنَّهُ بالإمْكَانِ قِراءَةُ فعْلِ الرُّؤيةِ هذَا -باعْتبَارِ أنْ لاَ شَيْءَ فِي السِّيَاقِ يحُولُ دُونَ ذَلكَ- مُسْنَدًا فِي مَوْقِعَيْ السُّؤالِ والجَوابِ إلَى ضميرِ المُتكلِّمِ المُفْردِ، وهْوَ مَا يجْعَلُ منَ الحِوارِ حِوارًا بيْنَ الكَاتِبِ وَذَاِتهِ، وَيُضْفِي كذَلكَ طَابَعًا اعْترَافيًّا عَلَى هَذَا المُؤلَّفِ، فضْلاً عنْ أنَّ فعْلَ الرُّؤيَةِ فِي هَذَا السِّيَاقِ لاَ يقْتَصِرُ علَى المعْنَى الحِسِّيِّ، وإنَّمَا يُشِيرُ أيْضًا، وبِصُورةٍ أسَاسيَّةٍ، إلَى الرُّؤيَةِ بصِفَتِهَا تمثُّلاً عقْليًّا([17]).

وقـدْ ورد هذَا الفعْلُ فِي سياقِ جوابٍ مكرَّرٍ عن سؤالٍ مكرَّرٍ هوَ الآخرُ، وهوَ مَا يجْعلُ منَ التِّكْرَارِ ومن وتيرتِه -أيْ الرَّقم ثلاثة([18])- ظَاهرةً نصِّيَةً مهمَّةً خاصَّةً وأنَّ الرِّوايةَ قسِّمت إلَى كُتُبٍ ثَلاثَةٍ([19])، وليْسَ إلَى أجزاء أو أقْسَام ثلاثةٍ، وتمحْورتْ حوْلَ ثَلاثةِ فَواعِـلَ تقَاسمتْ نفْسَ الاسْم -وسنعُودُ إليْه بعْدَ حينٍ- وتمايزتْ فيمَا بيْنَهَا بكنًى ثَلاثَةٍ (وهْيَ أبُو الشَّامات، وأبُو البركات، وأبُو اللَّعنات)، وهو اختلافٌ لمْ يحُلْ دُونَ أنْ تؤُولُ هذِه الفَواعلُ إلَى نفْسِ المصير، الشَّيْءَ الذِّي يجيزُ لنَا أنْ نحملَ هذَا التبَايُنِ فِي مستَوى الكُنَى محملَ المُرَاوغةِ والمغَالطَةِ لا أكثَر.

فالبنْيةُ الثُّلاثيَّةُ للنصِّ، وبناءُ الشَّخصيَّاتِ المحْوريَّة الثَّلاثِ فيه ليْسَ فِي الحقيقةِ غيْرُ تكْرَارٍ حرْفيٍّ لنفْسِ الكتَابِ فِي صيغٍ مختلفَةٍ لفظًا، ولكنَّهَا متَّسقَةً مبْنًى ومعْنًى. ويُفصحُ عنْ هـذَا الاتَّسَاقُ فِي نصِّ الفَاتحةِ تكْرَارُ نفْسِ السُّؤالِ -ماذَا رأيْتَ؟- بدُونِ مبرَّرٍ ظَاهرٍ، خاصَّةً وأنَّ الجَوابَ عنْهُ كانَ هُو نفسُهُ فِي كلِّ مرَّةٍ. وهو تكْرَارٌ لا يُمكنُنَا أن نكتفِيَ فِي تفسيرِهِ برغْبةِ السَّاردِ فِي التَّأكيدِ علَى لفظةِ “اللَّيْلِ” التِّي اقتصَر نصُّ الجَوابِ عليْهَا، وإنَّمَا نَراهَا تتجَاوزُ هذِه الوظيفةَ الأسْلُوبيَّةَ المحْدُودةَ وتتعدَّاهَا إلَى بنْيَةِ النصِّ برمَّتهِ وأبْعَادهَا الرَّمزيَّةِ([20]).

ونحنُ نَرَى، فِي هذَا الإطَارِ، أنَّ اخْتيَارَ السَّاردِ للفظَةِ الفَاتحةِ عنْوانًا لهذَا النصِّ بالذَّاتِ ليْسَ منْ بَابِ المصَادفةِ، ولا يحدُّ من تأثيرِه كونُ هذِه الكلمةِ جاءتْ فيهِ فِي صيغَةٍ مجرَّدةٍ من التَّعْريف. فإنْ كانتِ الفاتحةُ معرَّفةً إحالةٌ علَى الكتاب، الذِّي لا يستقيمُ هُو الآخرُ إلاَّ معرَّفًا([21]) -ونعْنِي به القُرْآن- بصفتِه الأفُقَ المعرفِيَّ المؤسِّسَ لكلِّ المعَانِي، ما تلاءَمَ منهَا معَ ما يَقُوم عليْه من قيم ومبادئ، وما تمايَزَ عنهَا، فالفاتحةُ -عاريةٌ منَ التَّعريفِ- إحالةٌ علَى الأبْعَادِ المعجميَّةِ البحتَة لهذهِ اللَّفظةِ التِّي تتمحْورُ حوْلَ معَانِي الاستهْلاَلِ، والحوار، والاسْتبَاحةِ، والانْتهاكِ.

ويتضَافَرُ البُعْدَانِ هُنَا ليُؤسِّسَا لفعْلَ الكتَابَةِ بصفتِه جوْسًا فِي الظَّلامِ، وكشْفًا عنِ الظَّواهِر التِّي تقعُ فِي نطَاقِ اللَّيْل باعْتبَارِ أنَّ اللَّيْلَ رمْزٌ لِزمنِ نُشُوءِ النَّوازعِ الكَامنَةِ، ونُمُوِّهَا، وانْطِلاقِهَا فِي الحَياةِ، وما يتَرتَّبُ عنْ ذَلكَ منْ مخَاطِرَ اقْتِرانِهَا بالكَوابيسِ والغِيلانِ، مُمثَّلَةً فِي الرِّوايَةِ بتَجَاوُزِ المَحَاذِيرِ الأخْلاَقِيَّةِ والجَمَاليَّةِ، ولاقْتِرانِهَا أيْضًا بلَونِ السَّوادِ، مُشَارًا إليْهِ بـ “اللَّيْلِ”([22]).

فالكتابةُ بهَذَا المعْنَى خطيئةٌ، أوْ “خُرُوجٌ”([23]) -علَى حدِّ تَعْبيرِ محمَّد لُطْفِي اليُوسْفِي- وهْيَ، إذْ تتعرَّضُ لما لا يجُوزُ فتُخْرجُهُ من دائرةِ العدَمِ، أو السرِّ -وهْوَ فِي العربيَّةِ كنايةٌ عنِ الجنْسِ([24]) إذْ يُشِيرُ صَاحبُ “لسَانِ العَربِ” إلَى أنَّ السِّرَّ هُو “الجِماعُ والإخْفَاءُ”، ويشْرحُ ذَلكَ بقَوْلِه: “السِّرُّ: النِّكاحُ لأنَّهُ يُكْتَمُ”([25])، أمَّا “القَامُوسُ المُحيطُ” فينُصُّ علَى أنَّ السِّرَّ هُوَ “الجِماعُ والذَّكَرُ والنِّكاحُ، والإفْصَاحُ بِهِ، والزِّنَا، وفَرْجُ المَرْأةِ”([26])؛ هذا فضْلاً عن ارْتِبَاطِ الجِنْسِ لُغَويًّا بالحَرَامِ([27])-، إلَى نطَاقِ الوُجُودِ النصِّي([28]) تقترفُ خطيئةً مُضَاعفَةً تتمثَّلُ فِي فسْخِهَا للحُدُودِ بيْنَ المرْكزِ والهَامشِ فِي الأفُقِ المرْجعيِّ ممثَّلاً هُنَا فِي رمزيَّةِ الكتابِ([29]).

وهَكَذَا تُضْحِي الكِتَابَةُ خُرُوجًا جَارِفًا “منْ شأنِهِ أْنْ يَدْفَعَ الذَّاتَ عَلَى دَرْبِ المَمْنُوعَاتِ والمُحَرَّمَاتِ، ويُطْلِقُ العَنَانَ للأهْوَاءِ والرَّغَائِبِ والنَّزَوَاتِ. هَذَا الخُرُوجُ الذِّي يتَحَقَّقُ فِي الكَلِمَاتِ وبِوَاسِطَتِهَا، وَيَتَجَلَّى مُمْكِنًا مُغْرِيًا لَحْظَةَ الشُّرُوعِ فِي مُمَارَسَةِ طُقْسِ الكِتَابَةِ، هَذَا الخُرُوجُ هُوَ بالضَّبْطِ مَا يَتَعارضُ مَعَ مُتطَلِّبَاتِ المَدِينةِ -المَدِينةِ الفَاضِلَةِ-، مَدينةِ العَقْلِ الذِّي يُلْجِمُ النَّزَواتِ، ويعْقِلُ الأهْوَاءَ، يَحُدُّ منْ جُمُوحِ الرَّغَائِبِ، ويُرَوِّضُ الجَسَدَ”([30]).

ب- فِي معَانِي الفَتْح

والكتابُ، بالمعنَى المرْجعيِّ للكلمةِ([31])، حاضرٌ فِي لفظِ “الفَاتحةِ”، وفِي اخْتيَارِ السَّاردِ “خليفَة” اسمًا جامعًا للفَواعِلِ الثَّلاث -وهْو ما يتُّفقُ معَ ما ينصُّ عليْه الكتابُ منْ كوْنِ الخلافَةِ منْزلةٌ دائمةٌ للإنْسَانِ بوَّأهُ إيَّاهَا خَالقُهُ-، وكلُّهَا إشَاراتٌ تُحيلُ علَى البعْدِ الإبْدَاعيِّ فِي فعْلِ الكتابةِ بصفتهِ إنشَاءً وخلْقًا وتأسيسًا، بالمعْنَى القَانُونيِّ والمؤسَّسَاتيِّ للعبَارةِ. فالخلْقُ إحْدَاثٌ للظَّواهرِ والموْجُوداتِ وتشْريعٌ لهَا([32])، باعْتبَارِ أنَّ الشَّريعَةَ والشِّراعَ والمشْرَعَةَ هِي، فِي الأصْلِ، تعْيينٌ للمَواضِعِ “التِّي يُنْحَدَرُ إلَى المَاءِ منْهَا”، أيْ أنَّهَا مَسَالِكُ وطُرُقٌ وأنْهُجٌ مُرْتبطَةٌ ضَرُورةً بالمصْلَحَةِ، ممثَّلَةً فِي فعْلِ الشُّرْبِ بصفَتِهِ منْ مُقوِّماتِ الحَيَاةِ([33]).

والشَّرْعُ والشِّرْعَةُ والشَّريعَةُ نُصُوصٌ متآلفةٌ منتظمةٌ فِي كتابٍ، وهْيَ بصِفَتِهَا هَذِهِ منْهَاجٌ، أيْ طَريقٌ مُسْتقيمٌ([34])، وعاَدةٌ ومثَالٌ([35])، أيْ قَاعدةٌ مُطَّردةٌ، وقَانُونٌ ثَابتٌ مُسْتقِرٌّ. وليْسَ منَ المشْرُوعِ أن يُدْرجَ فِي الكتابَةِ، ويكتسبَ شكْلَ الكتابِ وشرعيَّته، مَا خَرجَ عنْ نطَاقِ الصَّريحِ والمرئيِّ والجَائزِ، باعْتبَارِ أنَّ وظيفَةَ الشَّارِعِ تكْمُنُ فِي إظْهَارِ الحَقِّ وقَمْعِ البَاطِل([36]).

ومنْ هُنَا جازَ تكْرَارُ فعْلِ الرُّؤيةِ كتعبيرٍ عنِ هذَا التَّرابُطِ الحتْميِّ بيْنَ الفتْح كفعْلٍ إبْدَاعيٍّ، ومؤدَّى هذَا الفعْلِ وغَايَتَهُ. فأنْ تكُونَ الكتَابةُ فتْحًا، لا يجيزُ لهَا أنْ تطرُقَ كلَّ ما هُو قَابلٌ للفتْحِ، وإنَّمَا يُبيحُ لهَا فقط فتْحَ المسَالكِ المعْهُودةِ التِّي تفْضِي ضَرُورةً إلَى عَوالمَ منيرَةٍ -أو مُنَارةٍ- معْلُومةٍ، لا لُبْسَ فيهَا، منتظمةٍ فِي إطَارٍ معيَّنٍ، لا تشذُّ عنْهُ مطلقًا.

ولكنَّ الفتْحَ فِي “شبابيكِ منْتصَفِ اللَّيْل” غيْر ذلكَ، فهْوَ ليْسَ فتْحًا لمنفذٍ معْلُومٍ، وإنَّما هُو فتْحٌ لمَا صمِّمَ أصْلاً للسِّتْرِ والإخْفَاءِ -أيْ الشبَّاكُ([37]) بدَلَ الباب-، وهْوَ بهَذَا المعْنَى هتْكٌ واسْتبَاحةٌ. ودليلُنَا علَى ذلكَ أنَّ الفتْحَ فِي الرِّوايةِ استهْدفَ القلْبَ([38])، وهو مَا يتعارضُ معَ الفتْحِ المشْرُوع، ومنْ شُرُوطه أنْ يفتحَ علَى الخَارجِ بصفتِه تجلِّيًا للواقـعِ المحْكُوم بقَانُونِ العقْل. وهْوَ مَا أشَارَ إليْهِ أحْمد السَّمَاوي ضمْنًا عنْدَمَا لاَحظَ أنَّ “مَا يُثِيرُ انْتبَاهَ المسْرُودِ لَهُ [هُوَ] إصْرَارُ السَّاردِ علَى إيرادِ هذِهِ النُّصُوصِ بعيْنِهَا (والمقصودُ هُنَا هِي الشَّواهِدُ الجنْسيَّةُ) وهْوَ يعْلَمُ علْمَ اليَقِينِ أنَّ الرَّقَابَةَ تسْتهْجِنُهَا، وتُمَانِعُ فِي صُدُورِ النُّصُوصِ التِّي تحْويهَا”([39]).

وليْسَ منَ العسيرِ التكهُّنُ بأنَّ ثُنَائيَّةَ القلْبِ والعقْلِ هذهِ إنَّما تُحيلُ علَى ثُنائيَّاتِ الباطنِ والظَّاهر، وَالوعْيِ واللاَّوعْي، وَالحَلاَلِ والحَرَامِ. ويُصبحُ الكتابُ المرْجعيُّ، فِي إطَار هذهِ الثُّنَائيَّة، وعاءً حاويًا لجماعِ المعْرفةِ الضَّرُوريَّة والمُفيدة المستندةِ إلَى العقْلِ، بصفتِهِ السُّلْطةَ الوحيدةَ للتَّشْريعِ، ويُضْحيِ ما عدَاهَا، ممَّا يصدُرُ عنِ القلْبِ كنقيضٍ للعقْل، مادَّةً لا تستحقُّ إلاَّ الإهْمَال، لأنَّهَا تُحِيلُ عَلَى “المُتُوحِّشِ المَجْهُولِ المُخِيفِ”([40])، وقَدْ رُمزَ إليْه فِي النصِّ بـ “اللَّيْل”.

وبنَاءً علَى ذلكَ يقُومُ النصُّ الرِّوائيُّ، وفقَ تقنيَّاتِ المحاكاةِ السَّاخرة، كندٍّ نقيضٍ للنصِّ المرْجعيِّ بصِفَتِهِ فاتِحَةٌ، أيْ بدَايةً([41])، ومن شأنِ البدَاية أنْ ترْتبطَ بالجدّةِ فِي كونِهَا تشكيلاً مغَايِرًا لما هُو موجُودٌ، ومنطلقًا لسنَنٍ وأعْرافٍ فِي الكتابةِ مغَايرةٍ لما تقدَّمَ عنْهَا ولاَغيَةٍ لهَا، مجالُهَا اللَّيْلُ ودليلُهَا القلْبُ؛ وبصِفَتِهِ مُفَاتَحَةٌ أيْضًا، أيْ حوارٌ وَأخْذٌ وعطَاءٌ، باعْتبَارِ أنَّ أصْلَ المُفاتَحةِ، حسَبَ “لسَانِ العَرب”، هُوَ المُسَاومَةُ([42])، وهو ما يُفسِّرُ الشَّكْلَ الحواريَّ لنصِّ الفاتحةِ؛ وبِصِفَتِهِ انْفِتَاحٌ كذَلكَ، أيْ سبْرٌ تلقَائيٌّ لأغْوارِ الذَّاتِ، كما تنصُّ علَى ذلكَ لفظةُ القلْبِ؛ وهْوَ فتْحٌ بمعْنَى الاغتصَابِ والانتهَاكِ فِي تعرُّضهِ السَّافِر المكْشُوف للمسْكُوتِ عنْهُ من الظَّواهر ممثَّلةً فِي الجنْسِ أسَاسًا، باعْتبَارِ أنَّ منْ معَانِي الفتْحِ، كما ينُصُّ علَى ذَلكَ ابْنِ منْظُورٍ، “افْتِتَاحُ دَارِ الحَرْبِ”([43])، المُحَالِ عليْهَا نصًّا بلفْظَةِ “اللَّيْلِ”؛ وبِصِفَتِه فتْحَةٌ (Fente)، أيْ اخْتِراقٌ باعْتبَارِ أنَّ الفتْحَةَ هِيَ “الفُرْجَةُ فِي الشَّيْءِ”([44])، وهْيَ هُنَا انْعطَافٌ علَى معْنَى الشُّبَّاكِ وتنْصيصٌ علَى فعْلِ الانْتهَاكِ النَّاتِجِ عنْ فتْحِ مَا لاَ يتَعيَّنُ فتْحُهُ، ممَّا يجْعَلُ منَ الفتْحِ اسْتبَاحَةً، ومنْ نتائجِهِ إبَاحيَّةً؛ وبصِفَتِهِ أخيٍرًا مفْتاحٌ، أيْ مَا بِهِ “يُفْتَحُ المِغْلاَقُ”([45])، وهْوَ هُنَا المتْنُ الرِّوائيُّ، دُون اعْتبَارِ أنَّ المفْتاح من كنايَات الذَّكَر المُكَرَّسَةِ([46]).

3- النَّصُّ الحَاوِي، أو نصُّ الذَّاكِرةِ

أ- الجِنْسُ والعُنْفُ

ولا بدَّ لنَا منَ الإشَارةِ بهَذَا الصَّددِ إلَى أنَّ المقاطعَ الثَّلاثَةَ الأولَى من الرِّواية([47]) تنهضُ بوظيفَةِ الإعْلانِ عن هويَّةِ النصِّ وموضُوعه منْ خلاَلِ السُّؤالِ الذِّي وردَ فِي مُفتتحِ المقطعِ الأوَّل منْهَا: “هلْ تعرفُون كيفَ تُسَاقُ الكلابُ الشَّبقَةُ إلَى المشنقَةِ وهْيَ تسْتعدُّ لمُمَارسَة الجنْسِ؟”([48]). وهكذَا تسنَّى للسَّاردِ أنْ يقُصَّ عليْنَا وقَائعَ مواجهتِهِ القَاسيةِ معَ الكلابِ الهوْجَاءِ([49]) التِّي كانتْ تُعَاشـرُ كلْبتَهُ ومعاقبتِهُ لهَا ببتْر أعضائهَا التَّناسُليَّة” فِي جوٍّ احتفَاليٍّ مجُوسيٍّ”، علَى حدِّ قَوْلِ مجْدِي بِنْ عيسَى([50]).

وفِي نفسِ هذَا السِّيَاقِ يتعرَّضُ السَّاردُ لعمليَّةِ ختَانِه([51]) التِّي تحوَّلتْ بِدَوْرهَا إلَى عمليَّةِ اجْتِثَاثٍ لفُحُولتِه، مُقابلاً بذَلكَ بيْنَ طقس الختَانِ وطقس الإخصَاءِ بكيفيَّةٍ تُضحِي معهَا القسْوةُ المشْرُوعةُ مُسَاويةً للقسْوةِ السَّاديَّةِ. والتَّأكيدُ علَى العنْفِ والقسْوةِ فِي المقاطعِ الثَّلاثةِ الأولَى من الرِّواية([52]) هُو تأكيدٌ علَى اقتِرَانِ الجنْسِ بالعنْفِ، والإسْرافِ، والانْتهَاكِ، والجريمة، يصبحُ معَهَا “ضَرْبًا منَ المُواجَهَةِ، مُواجَهَةُ الكَائِنِ لحَقيقَتِهِ، أيْ هَشَاشَتِهِ”([53]) لأنَّ الجِنْسَ وفْقًا لمَقُولَةِ جُورج بَاتَاي (Georges Bataille) الشَّهِيرةَ: “تأكِيدٌ للحَيَاةِ حتَّى المَوْتِ”([54]).

وحريٌّ بنَا أنْ نذكِّرَ فِي هذَا الإطَار بأنَّ الرِّوايةَ توفَّرتْ علَى إحالاتٍ صريحةٍ إلَى كُتُبٍ كثيرةٍ، منْهَا “كُتُبُ الحديثِ، والفقه، والنَّحْو، والصَّرْفِ، وأدبِ الرَّحلاتِ وشعْرِ المتصوِّفةِ الكبَار، وكتُبِ البلاغةِ والتَّاريخِ”([55])، ضمَّنَ منْهَا السَّاردُ فِي المتْنِ الرِّوائيِّ أخبَارًا، وأحالَ على المصَادِر التِّي اسْتقَاهَا منْهَا فِي المتْنِ مرَّةً وفِي الهَوامشِ مرَّاتٍ، كما هُـو الحالُ فِي المقطعِ السَّادسِ من الكتابِ الأوَّل([56]) وفِـي المقطعِ السَّابعِ منهُ أيضًا([57]). ويُعَلِّلُ السَّارِدُ حُضُورَ النَّصِّ الحَضاريِّ فِي المتْنِ الرِّوائيِّ بِهذِهِ الكثَافَةِ بحِيَازتِه لمكتبةٍ عامرةٍ بكتُبِ التُّرَاثِ([58])، تحتَوي علَى كتُبٍ كثيرةٍ وثقيلةٍ، منْهَا استقَى الحكايَاتِ والأخبَارَ التِّي ضمَّنهَا روايتَهُ.

ونحْنُ نزْعمُ أنَّ هذِهِ الجزئيَّةَ ذَاتِ أهمِّيةٍ بالغةٍ، فالمكتبةُ([59]) المُشَارُ إليْهَا ليْسَت مجرَّدَ قطعةٍ من قطعِ الدِّيكُورِ المبْثُوثِ فِي فضَاءِ النصِّ، باعْتِبَارِ أنَّهَا هِيَ التِّي أجازتْ للسَّارد أنْ يسْتدْعيَ ما شَاءَ من الشَّواهدِ وأنْ يُنزِّلهَا أنَّى شَاءَ منَ المتْنِ الرِّوائيِّ بكيْفيَّةٍ يتَّحدُ وفْقَهَا أحيَانًا نصُّ الرِّوايةِ معَ النصِّ المضمَّنِ. ومعْنَى ذَلكَ أنَّ استدْعاءَ النَّصِّ الحضَاريِّ من بُطُونِ الكُتُبِ القديمةِ ليْسَ -فِي الرِّوايةِ- من قَبيل التناصِّ فَحسْبُ، وإنَّما هُو تنصيصٌ علَى بُؤرٍ فيهَا -أيْ فِي الكتُبِ التُّرَاثيَّة- متَّسقَةٍ معَ ظَواهرٍ مُعَاصرةٍ للحظَةِ الكتابةِ تصبحُ الخطيئةُ بمقْتضَاهَا ظَاهرةٌ ممتدَّةٌ فِي الزَّمانِ والمكانِ، يتمثَّلُ دورُ الرِّوايةِ فِي استدْعائهَا كما هِيَ، انْطِلاقًا منْ خَلْفيَّةٍ فِكْريَّةٍ تَقُومُ علَى الاعْتقَادِ بإمْكانيَّةِ تطَابُقِ المَاضِي معَ الحَاضِرِ إلَى حدِّ التَّمَاهِي. ولَعَلَّ التَّرْكِيزَ علَى الإحَالاَتِ الجِنْسيَّةِ فِي “شَبَابيكِ مُنْتصَفِ اللَّيْلِ” هِي مظْهَرٌ منْ مظَاهِرِ هذَا التَّصَوُّر([60]).

 ب- فِي معَانِي الخَطيئَة

وبمَا أنَّ الذَّاكِرةَ ضدَّ الإقْصَاءِ، فقَدْ كَانَ لاَ بُدَّ لهَا منْ فتْحِ المتْنِ السَّرْدِيُّ علَى الخَطِيئَةِ. وهْيَ، بِالمعْنَى الذِّي قَدَّمْنَا، قوْلٌ بليغٌ مكتفٍ بذَاته، فلذَلكَ يُجيزُ السَّاردُ لنفْسهِ أنْ يمتنعَ عنِ التَّعْليقِ علَى ما يضمِّنُ روايتهُ منْ نُصُوصٍ، كما هُو الحالُ فِي المقطعِ السَّابع من الكتاب الأوَّل الذِّي يسُوقُ خبَر غُلام الأميرِ بختيَار البُويْهيِّ، مفَاضِلاً بيْنَهُ وبيْنَ ممْلَكَتِهِ فِي إيمَاءَةٍ صَريحَةٍ إلَى تَهَالُكِ الحَاكِمِ فِي الملذَّاتِ إلَى حدِّ التَّفْريطِ فِي المصْلحَةِ العُلْيَا للمَمْلَكَةِ. وهو خبرٌ يعلِّقُ عليْه السَّاردُ بقوْلهِ: “لنْ أقُولَ أكثرَ من هذَا”([61])، ومعْنَى ذَلكَ “أنَّ القَدِيمَ يَظَلُّ دَائِمَ الحُضُورِ فِي اللَّحْظَةِ الحَاضِرةِ، لاَ سَيَّمَا أنَّ المَاضِي (النَّصُّ القَدِيمُ) لاَ يَمضي نِهَائيًّا. أمَّا الحَاضِرُ (النَّصُّ المُعَاصِرُ) فإنَّهُ لاَ يحْضُرُ بالكُلِّ، بَلْ يحْضُرُ، ومعَهُ فِي تَلاوينِهِ، يحْضُرُ المَاضِي، ويفْعَلُ فِي السَّرْدِ فعْلَهُ، وهذَا يعْنِي أنَّ اللَّحَظَاتِ جَمِيعِهَا: المَاضِي/ الحَاضِرُ/ ومَا سَيأتِي، لاَ تَتَعَايَشُ فَحَسْب، بَلْ تَتَعَاصَرُ هُنَا فِي منْطقَةِ الحُضُورِ، أيْ فِي ذَوَاتِنَا ونُصُوصِنَا”([62]).

وتستغلُّ روايةُ “شبَابيك منتصَفِ اللَّيْلِ” تيمتيْ الكتابِ والمكتبةِ بالتَّأكيدِ مرارًا علَى طابعِهَا الهجينِ والانْتقَائيِّ فِي آنٍ، فهْيَ مكتبةٌ حقًّا، ولكنَّهَا لا تفتحُ كلَّ الكُتُبِ فيهَا -وقدْ سبقَ وعدَّدتْ لنَا أصنَافَهَا بدقَّةٍ مُتناهيةٍ-، بلْ تفتحُ كُتُبًا بعيْنِهَا، لا تُبيحُ فيهَا إلاَّ صفحاتٍ بعيْنْهَا، ولا تفتحُ فِي هذِه العَوالمِ الرَّحْبةِ إلاَّ نوافذَ بعيْنْهَا. ومثَالُنَا علَى ذلكَ قوْلُ السَّاردِ مقدِّمًا لخبَرٍ من كتابِ الحيَوان: “إلَى أنْ صَادفَ وقرأتُ مرَّةً فِي “كتابِ الحيَوان” لأبِي عثْمان عمْرو بْن بحْرٍ الجاحظ هذهِ الحكايةَ”([63])، ويُتْبعُ كلامهُ هذَا بالخبَرِ بيْنَ علامتيْ تنْصيصٍ، مُعْلناً بذَلكَ عنْ الرَّوابِط العُضْويَّةِ بيْنَ النَّصِّ الحضَاريِّ والمتْنِ السَّرْدِيِّ، نلْمسُهُ بِوُضُوحٍ فِي التَّعْليقِ الذِّي يخْتتمُ بهِ السَّاردُ روايَةَ الشَّاهِدِ التُّرَاثيِّ الآنِفِ الذِّكْرِ: “جنَّنَتْنِي هَذِهِ الحِكايَةُ، وأوْجدَتْ لِي المخْرجَ الذِّي أبْحثُ عنْهُ منْذُ عَرفْتُ معْنَى أنْ يَكُونَ عضْوُكَ مقْصُوصًا إلَى النِّصْفِ”([64]).

ولكنَّ أبْلغَ الأمثلةِ علَى تماهِي الرِّوايةِ بالكتابِ والمكتبةِ يكمُنُ فِي إحالتِهَا علَى كتابِ “الرَّوضِ العاطرِ فِي نزهةِ الخاطر” لأبِي عبد اللَّه محمَّدٍ بْن أبِي بكْرٍ النَّفْزَاويِّ([65])، وقدْ نصَّ عليْه المتْنُ بهذِه العبَارةِ فِي مقدِّمةِ الكتابِ الثَّانِي([66])، ثمَّ أسهبَ السَّاردُ فِي الحديثِ عنْهُ وعنْ صاحبهِ فِي المقاطعِ الثَّلاثةِ الأخيرةِ من نفْسِ هذَا الكتاب([67]) بصفتِهِمَا جزْءًا لا يتجزَّأ من الخُرافةِ. ولِذَلكَ أقْحَمَ السَّارِدُ أبْوابًا منْتقَاةٍ من الكتابِ، فِي المتْنِ السَّرْديِّ، فِي شكْلِ قَوائمَ اسميَّةٍ تتالت فيهَا أسماءُ العضْوُ التَّناسُليِّ المذكَّرِ([68]) علَى لسَانِ سائحٍ أمريكيٍّ، فِي مناخٍ صُوفِيٍّ تبتُّليٍّ كانَ للمحاكاةِ السَّاخرةِ الدَّورَ الأكبَرَ فِي صيَاغتهِ([69]).

ويتَّضحُ ذلكَ فِي نهايةِ الفصْلِ الحَادِي والعشْرينَ من الكتابِ الثَّانِي فِي قوْلِ السَّاردِ: “تحلَّقَ الخلْقُ حولهُ عربًا وأجانبَ وراحُوا يُصفِّقُون، وهو يتماوجُ يمينًا وشمالاً، ويعْوي ويزْأرُ ويُنَادِي بصوْتٍ مبْحُوحٍ: اللَّهْ، اللَّهْ يَا نفْزَاوي”([70]). ويبلُغُ الانْتهاكُ مداهُ فِي تمثُّلِ المتْن الرِّوائيِّ للمعْجمِ الدِّينيِّ التعبُّديِّ فِي ثنَايَا هذه المقَاطعِ الثَّلاثةِ([71]). والأمَريكيُّ هُنَا لَيْسَ حَاضِرًا بصِفَتِهِ تجْسيدًا للآخَرِ فحسْبُ، وإنَّمَا بصِفَتِهِ المرْجَعَ الذِّي تكْتَسِبُ المسْألَةُ الجِنْسيَّةُ منْ خِلاَلِهِ القيمةَ التِّي هِيَ بِهَا جَدِيرةٌ، بمَا يُؤهِّلُهَا للتَّحَوُّلِ منَ الهَامِشِ إلَى المَرْكَز.

والحقِيقَةُ التِّي لاَ بُدَّ منَ التَّأكِيدِ عليْهَا بِهَذَا الخُصُوصِ هِيَ أنَّ دَرْغُوثِي لَمْ يَفْعَلْ هُنَا غيْرَ الاقْتِدَاءِ بالمعَانِي الرَّمْزيَّةِ لأخْبَارِ الجَسَدِ فِي النَّصِّ الحَضَاريِّ، باعْتِبَارِ أنَّهَا “إنَّمَا ضَمِنَتْ بَقَاءَهَا، وأمَّنَتْ اسْتِمْرَارَهَا فَاعِلَةً فِينَا إلَى اليَوْمِ بِمُسْتَواهَا الرَّمْزيِّ، لاَ بِمَا نفْهَمُهُ منْهَا عَلَى أنَّهُ حَقيقَةٌ ووَاقِعٌ وحَدَثٌ تَاريخِيٌّ، لاَ سيَّمَا وأنَّ هذِهِ الأخْبَارَ إنَّمَا تُلحُّ علَى أنَّ الخَلاَصَ مَشْرُوطٌ بإقْصَاءِ الجَسَدِ، وهذَا تصَوُّرٌ ينْتَظِمُ رُؤْيَةَ القُدَامَى ويُدِيرُهَا. ذَلكَ أنَّ إقْصَاءَ الجَسَدِ إنَّمَا يتَضمَّنُ بالضَّرُورَةِ إفْرَاغًا [للجِنْسِ] منْ مُحْتَواهُ منْ جهَةِ كوْنِهِ ميْدَانَ مُواجَهَةٍ وعنْفٍ، ومنْ جِهَةِ كوْنِهِ تَجْربَةً وُجُوديَّةً مصْدَرُهَا الاسْتيْقَاظُ الفَاجِعُ علَى رُعْبِ الوُجُودِ”([72])، فَلاَ عَجَبَ إذَنْ أنْ يتَحَوَّلَ الصِّرَاعُ فِي النُّصُوصِ المُهمَّشَةِ (وفِي المتْنِ الرِّوائيِّ لَدَى دَرْغُوثِي اسْتتْبَاعًا) إلَى “صِراعٍ يَجْرِي بيْنَ الأرْضِ والسَّمَاءِ، بيْنَ المُتَوحِّشِ والألِيفِ، بيْنَ الرَّغَبَاتِ ومَا يَمْنَعُهَا، [ينْطَلقُ فِيهِ] هَذَا المَهْدُورُ دَمُهُ ينْتَقِمُ لنَفْسِهِ ويَثْأرُ لَهَا. بَلْ إنَّ الأرْضَ سَتَثْأرُ لنَفْسِهَا منَ السَّمَاءِ فِي كُتُبِ الأخْبَارِ والتَّاريخِ والرَّسَائِلِ، وفِي النُّصُوصِ المُهَمَّشَةِ حيْثُ تُصْبِحُ السَّمَاءُ فِي خِدْمَةِ الأرْضِ، والمُقَدَّسُ فِي خِدْمَةِ اللَّذَّةِ والشَّهْوةِ والغِبْطَةِ”([73]).

ولعلَّ خطيئةَ الكتابةِ تتمثَّلُ، إضَافةً إلَى إقحَامِ المحظُورِ فِي نطاقِ الكتابَةِ وإضْفَاءِ شرْعيَّةِ الكتابِ عليْه، فِي الفعْلِ المنْجزِ للرِّواية، ولا سيَّمَا فِي استحْواذِ ضميرِ المتكلِّم علَى الجزْءِ الأعظَم من المتْنِ الرِّوائيِّ، وفِي الإحالةِ علَى الممارسَاتِ الجنْسيَّةِ اللاَّسويَّة([74])، كاللِّواطِ وجماعِ الحيَوانِ([75])، وكذَلكَ علَى التَّأطيرِ السَّرْديِّ لبعْضِ الألفَاظِ الفَاحشَةِ، وخاصَّةً ما تعلَّقَ منْهَا بأسْمَاءِ العضْو التَّناسُليِّ([76])؛ وكلُّهَا عواملٌ تؤدِّي إلَى إبْرازِ الطَّابعِ الفَاحشِ، بلْ والبورْنُوغْرافِي أحيَانًا، للنُّصُوصِ التِّي يكُونُ للجنْسِ حضُورًا بَارزًا فيهَا([77]).

وهذَا هوَ بالضَّبْطِ ما عيبَ علَى روايةِ “شبَابيكِ منتصفِ اللَّيْل” إذْ رمَاهَا بعْضُ قرَّائهَا بالجنُوحِ إلَى السُّوقيَّةِ المفرطةِ، وخاصَّةً فِي مُراكمتِهَا للألفَاظِ الفَاحشَةِ فِي مقَاماتٍ اعتبَاطيَّةٍ غالبًا. وقد ذهبَ بعضُهُم إلَى حدِّ القَوْل بأنَّ هذَا المؤلَّفَ يُمكنُ لهُ أن يكُونَ كلَّ شيْءٍ، ما عدَا روايةً. وكانَ من رأيِ جماعةٍ أخْرَى أنَّ هذَا النصَّ الذِّي فتحَ فضَاءَهُ لنماذِجَ من النُّصُوصِ الهَامشيَّةِ، فِي إطَارِ معالجتِه أدبيًّا لقضيَّةٍ شَائكةٍ وإشْكَاليَّةٍ، لاَ تكادُ تتوفَّرُ فِي الرِّوايةِ -العربيَّةِ والتُّونسيَّةِ- بخُصُوصهَا طرُقًا وسنُنَ معبَّدةً. وليْسَ يعْنِي ذلكَ أنَّ الروايةَ العربيَّةَ قدْ أدارتْ للجنْسِ ظهْرهَا كلِّيَةً، وإنَّمَا يعْنِي ذلكَ أنَّ كتَابةَ الجنْسِ -بالمعْنَى الإنْشَائيِّ للعبَارةِ- لم يسْتقرَّ بعْدُ.

ج- فِي وظَائفِ النَّصِّ الحَضَاريِّ

ولعَلَّهُ منَ الأهميَّةِ بمكَانٍ أنْ نُذَكِّرَ بأنَّ اسْتغْلاَلَ التُّرَاثِ فِي العمَلِ الإبْدَاعيِّ السَّرْديِّ تشَكَّلَ وفْقًا لمسَاريْنِ اثْنيْنَ حدَّدَهُمَا سعيد يقْطين كمَا يَلِي: “الأوَّلُ يتمثَّلُ فِي الانْطِلاقِ منْ نوْعٍ سَرْديٍّ قَديمٍ تشَكَّلَ، واعْتمَادُهُ منطَلَقًا لإنْجَازِ مادَّةٍ روائيَّةٍ، ويمْكنُ أنْ يتجسَّدَ علَى صعيدٍ كُلِّيٍّ، كمَا يُمْكنُ أنْ يأخُذُ شَكْلَ بنيَّاتٍ سَرْديَّةٍ صُغْرَى، علَى صعيدٍ جُزْئيٍّ (المقَامة، الخَبَرُ، القصَّةُ المثليَّةُ، الكَرامةُ الصُّوفيَّةُ، الخَبَرُ التَّاريخِيِّ). أمَّا الثَّانِي فيتمثَّلُ فِي الانْطِلاقِ منْ نصٍّ سَرْديٍّ قَديمٍ، محدَّدِ الكَاتِبِ والهَويَّةِ، وعبْرَ الحِوارِ أو التَّفَاعُلِ النَّصِّي معهُ، يتمُّ تقْديمُ نصٍّ سَرْديٍّ جديدٍ، وإنْتاجِ دلاَلَةٍ جَديدَةٍ، لهَا صلَةٌ بالزَّمنِ الجَديدِ الذِّي ظَهَرَ فيهِ النَّصُّ”([78]).

نخْلُصُ منْ كُلِّ ذَلكَ إلَى أنَّ لُجُوءَ إبْراهيم دَرْغُوثِي إلَى النَّصِّ الحضَاريِّ واعتمَادهِ عليْهِ بصُورةٍ أسَاسيَّةٍ فِي بناءِ المتْنِ الرِّوائِيِّ يصْدُرُ عنْ حسٍّ نهْضَويٍّ، نابعٍ بدَوْره عنْ وعْيٍ حادٍّ بأهميَّةِ اللَّحْظةِ الزَّمنيَّةِ الرَّاهنَةِ، وبالتَّالِي بأهمِّيَّةِ الرِّهَاناتِ المطْلُوبةِ، أيْ عنْ الْتزامٍ بضَرُورةِ تغْييرِ الأوْضَاعِ القَائمةِ، تُصْبحُ الكِتابَةُ بمُوجِبهِ تعبيرًا وتأكيدًا لموقِفٍ رافضٍ مُناهِضٍ مُنْخَرطٍ فِي التَّاريخِ، ومُعَبِّرٍ عنْ هاجِسٍ حداثِيٍّ مُلحٍّ.

وكَانَ منَ الطَّبيعيِّ إذَنْ أنْ يَكُونَ للنَّصِّ الحَضَاريِّ حُضُورًا ممَيَّزًا فِي هذَا الإطَارِ بصفَتِهِ رمْزًا علَى الانْتِمَاءِ الجَمَاعيِّ، وترْسيخًا لهُ، وبصفَتِهِ خَاصَّةً تَرْمِيزًا علَى تَردِّي الأوْضاعِ، واسْتفْحَالِ الظُّلْمِ، واسْتحالَةِ القَوْلِ، فيَقُومُ الشَّاهِدُ التُّرَاثِيُّ عنْدئذٍ مقَامَ النَّصِّ الغَائِبِ الذِّي حَالَتْ الظُّرُوفُ دُونَ كتابَتِه، ويضْطَلعُ فِي نفْسِ الوَقْتِ بِمُهمَّةِ إدَانَةِ هَذِهِ الظُّرُوفِ القَامِعَةِ، كمَا هُو الشَّأنُ مثَلاً فِي “الدَّرَاويشُ يَعُودُونَ إلَى المنْفَى”، و”الِقِيَامةُ الآنَ”، و”أسْرارُ صَاحِبِ السِّتْرِ”.

والمُلاَحظُ أنَّهُ رغْمَ “اتِّسَاع المَادَّةِ التُّرَاثيَّةِ، وحضُورهَا الفَاعِل فِي [الأعْمَالِ المُشَارِ إليْهَا آنِفًا]، فإنَّ [نصَّ دَرْغُوثِي] ينْأى عنِ التَّاريخيَّةِ، و[يظَلُّ نصًّا تخْييليًّا] بعيدًا عنِ السَّرْدِ التَّاريخيِّ، [وذلكَ لأنَّ] الكَاتِبَ اسْتمدَّ مضَامينَهُ منَ التُّرَاثِ فِي هيْئَةِ مواقِفَ ووحَدَاتٍ سَرْديَّةٍ يُبْنَى منْهَا العَمَلُ، لكنَّهُ عبْرَ عمليَّاتٍ منَ التَّحْويلِ والإبْدَاعِ الفَنِّيِّ وضعَهَا فِي خطَابٍ مُخْتلِفٍ، ومنْظُورٍ جَديدٍ لاَ يُدْركُ إلاَّ ضمْنَ سِيَاقِ [النَّصِّ الرِّوائيِّ]، وَهْوَ بمِقْدَارِ مَا ينْبَعُ منْ مُكوِّنَاتٍ تُرَاثيَّةٍ وتَاريخيَّةٍ، فإنَّهُ يُفَارقُهَا ضمْنَ سيَاقِه الجَديدِ، وصيَاغَتِهِ المُخْتلفَةِ”([79]). واسْتغْلاَلِ المَادَّةِ التُّرَاثيَّةِ، الذِّي يَقُومُ عنْدَ دَرْغُوثِي علَى التَّغْييرِ والتَّحْويرِ، سَمَحَ لهُ “بإنْتاجِ عَالَمِهِ(…) الذِّي يخْتلِفُ عنْ مجْمُوعَةٍ منَ المنَابِعِ الأولَى التِّي اسْتقَى منْهَا مضْمُونَهُ ومادَّتَهُ، فهْوَ فِي كلِّ [روايَةٍ] يعْمَدُ إلَى الإضَافَةِ وإلَى التَّعْدِيلِ فِي مواقِفَ سَرْديَّةٍ متخيَّلَةٍ، تتعدَّدُ روايَاتُهَا وصِيَاغَاتُهَا، لكنَّهَا منْسَجمةٌ معَ منَاخِهَا الأوَّلِ لأنَّهَا مشْتقَّةٌ منْ مَادَّتِهِ نفْسِهَا”([80]).

ولعَلَّ أبْرزَ أسَاليبِ حُضُورِ النَّصِّ الحَضَاريِّ -إلَى جَانِبِ اتِّخَاذِه شَكْلَيْ التَّضْمينِ والاسْتشْهَادِ- وأهمَّهَا هُو ذَلكَ الذِّي اعْتمدَهُ دَرْغُوثِي فِي “أسْرارِ صَاحِبِ السِّتْرِ”، والمُتمثِّلِ فِي صَهْرِ المخْزُونِ التُّرَاثِيِّ فِي صُلْبِ الرِّوايَةِ شكْلاً ومضْمُونًا، بكيْفيَّةٍ تتحوَّلُ معَهَا الكتابَةُ الرِّوائيَّةُ إلَى إبْداعٍ مُضَاعَفٍ، باعْتبَارِهَا كتابَةً للتُّرَاثِ والرِّوايَةِ فِي آنٍ. وذَلِكَ لأنَّ هذِهِ الرِّوايَةَ بالذَّاتِ لاَ تسْتحْضِرُ نُصُوصًا، بلْ تسْتحْضِرُ شَخْصيَّاتٍ ومَواقِفَ مخْصُوصَةٍ، فتزُجُّ بهَا فِي سِيَاقَاتٍ تنْأى بهَا عنْ مَعَانِيهَا ووظَائفِهَا الأصْليَّةِ([81]).

وبَقيَ أن نقُولَ خِتَامًا أنَّ اختلافَ المواقِفِ حوْلَ المؤلَّفِ الموْسُوم بـ “شَبَابيكَ منتصَفِ اللَّيْلِ” الذِّي ذهبَ بالبعْضِ إلَى حدِّ نفْيِ صفَةِ الرِّوائيَّة عنْهُ ليْسَ فِي الحقيقةِ غيْرُ ردِّ فعْلٍ طبيعيٍّ -ولاَ يعْنِي ذلكَ أنَّهُ مشْرُوعًا- مردُّهُ إلَى العقيدَةِ التِّي لا تَزَالُ ترْبطُ ربْطًا عضْويًّا بيْنَ الأدبِ كمُمارسَةٍ إبْدَاعيَّةٍ وبيْنَ الأدبِ كمنظُومةٍ أخْلاَقيَةٍ. والقَضِيَّةُ المَرْكزيَّةُ التِّي تطْرَحُهَا روايَةُ “شَبَابيكِ منْتصَفِ اللَّيْلِ” تتعَلَّقُ بالجنْسِ تحْديدًا، وبالطَّريقَةِ التِّي يتعيَّنُ علَى الأدَبِ أنْ يُعَالِجَهُ وفْقًا لَهَا، دُونَ إخْلاَلٍ بالمُقْتضَيَاتِ الفَنِّيَّةِ، ودُونَ الوُقُوعِ فِي فخِّ الإثَارةِ الرَّخيصَةِ.

هَلْ يكْمُنُ الحلُّ فعْلاً -كمَا هُو الحَالُ عنْدَ دَرْغُوثِي- فِي التَّوسُّلِ إليْهِ عبْرَ النُّصُوصِ التُّرَاثيَّةِ التِّي عَرضَتْ إلَى هَذَا الجَانِبَ بكيْفيَّةٍ تتَّسِقُ معَ القِيمِ والأذْواقِ السَّائِدةِ التِّي كُتبَتْ فيهَا هذِهِ الآثَارُ؟ وهلْ بالإمْكانِ أنْ نُعبِّرَ عنْ حسَاسيَّتِنَا المُعَاصِرةِ منْ خِلاَلِ نُصُوصٍ تتضَمَّنُ قِيمًا رَديئَةً وهَجينَةً، تتَنَاولُ الجِنْسَ منْ منْطَلَقٍ رُجُوليٍّ مُشَوَّهٍ يُشَيِّءُ المَرْأةَ، ويُكَرِّسُ دُونيَّتِهَا إلَى الأبَدِ؟

إنَّ مزيَّةَ “شَبابيكِ منْتصَفِ اللَّيْلِ” الأولَى تتَمثَّلُ فِي طرْحِهَا لهَذِه المُعْضِلةِ، وفِي اقْتراحِ حلٍّ إبْداعِيٍّ لَهَا هُو الرِّوايَةُ نفْسُهَا. ولا يجبُ أن يُحملَ كلاَمُنَا هذَا محملَ المبَاركةِ والتَّزْكيةِ لتجْربةِ إبْراهيم درْغُوثِي -فَلَنَا علَى هَذَا الأثَرِ مآخِذَ كثِيرةٍ ليْسَ هُنَا مَجَالُ الخَوْضِ فِيهَا-، وإنَّمَا يجبُ أنْ يُفهمَ منهُ فقط أنَّنا نقرُّ بالجسَارةِ -بلْ وبالمغامرةِ أيْضًا- كمجالٍ للإبْدَاعِ، فليْسَ لهَذَا الأخيرِ أنْ يقرَّ منَ الحُدُودِ -بالمعْنَييْن الاصْطلاحيِّ والمرجعيِّ للعبَارةِ- إلاَّ حُدُودُهُ هُو، وهْيَ تتَّسعُ لكلِّ التَّجْربةِ الإنْسَانيَّةِ، ما خفيَ منْهَا ومَا ظهَرَ. وقدْ كانتْ جريرةُ إبْراهيم درْغُوثِي فِي التزامهِ بهذَا المعْنَى -وهوَ رأيٌ من صُلبِ الحَداثَةِ الفكْريَّةِ والفنِّيَةِ- للتَّجْربةِ الإنْسَانيَّةِ.

وبِنَاءً عَلَى كُلِّ مَا تَقَدَّمَ يَتَبَيَّنُ أنَّ “النُّصُوصَ الإبْدَاعيَّةَ التِّي تَمَكَّنَتْ فعْلاً منَ المُضِيِّ عَلَى دَرْبِ الحُرِّيَّةِ وابْتِنَاءِ الاخْتِلافِ [هِيَ] النُّصُوصُ التِّي خَرَجَتْ منْ دَائِرَةِ سِحْرِ الشِّعَارَاتِ التِّي مَثَّلَتْ منْ خِطَابِ الحَدَاثَةِ أعْتَى مآزِقِهِ، [مُمَثَّلَةً] فِي شِعَارَاتِ الهَدْمِ والتَّجَاوُزِ والقَطْعِ. ولِذَلِكَ أيْضًا، حِينَ ننْظُرُ فِي هَذِهِ النُّصُوصِ [-ومنْهَا نَصُّ دَرْغُوثِي-]، نُدْرِكُ أنَّهَا لاَ تُكَرِّسُ التَّطَابُقَ، بَلْ تَهْفُو إلَى بنَاءِ الاخْتِلافِ: لاَ تَهْدِمُ القَدِيمَ العَربيَّ، بَلْ تَسْتَكْشِفُهُ فِي اخْتِلافِهِ وتَعدُّدِهِ. وتَفْتحُ مجْرَاهَا فِي تِلْكَ العَتَبَةِ المُمْتدَّةِ فِي المَابَيْنَ، مَا بيْنَ التُّراثِ الرَّسْمِيِّ وهَوَامِشِهِ المَقْمُوعَةِ، فتَغْتَذِي بالمُنْجَزِ الفَنِّيِّ للنُّصُوصِ التِّي تشْغَلُ منَ التُّرَاثِ هَوَامِشَهُ المَسْكُوتُ عنْهَا”([82]).

خَاتمة:

وقَدْ يكُونُ منَ المُفِيدِ أنْ نُشِيرَ إلَى أنَّ روايَةَ إبْراهيم دَرْغُوثِي لَمْ تُصَادَرْ منْ قِبلِ الرَّقَابَةِ الرَّسْميَّةِ علَى كثْرةِ مَا قِيلَ فيهَا، ومردُّ ذَلِكَ فِي اعْتقَادِنَا إلَى أنَّ “كثَافَةَ التَّحْريمِ مُتفَاوتَة جدًّا بيْنَ الأمْصَارِ [العَربيَّةِ]، ومتفَاوتَةٌ فِي كُلِّ مصْرٍ منْهَا فيمَا يتَّصِلُ بتلْكَ المحْظُوراتِ الثَّلاَثَةِ، [أيْ الدِّينُ والسِّيَاسَةُ والجِنْسُ]، فقَدْ تَرَى الحَظْرَ كثِيفًا شَامِلاً لَهَا جميعًا فِي موْطِنٍ، ثُمَّ تَرَى فِي موْطِنٍ آخَرَ أنَّ الكَثَافَةَ أكْثَرَ ضغْطًا علَى اثْنيْنِ منْهَا، أو علَى واحِدٍ. وليْسَ الوَاحِدُ هُو نفْسُهُ هُنَا وهُنَاكَ، ولاَ الاثْنَانِ”([83]).

والمُهِمُّ هُنَا -وهْوَ مَا لَمْ يُركِّزْ عليْهِ النَّقْدُ إطْلاَقًا- أنَّ الكِتابَ كَوُجُودٍ مَادِّيٍّ يُمثِّلُ اخْتِبَارًا طَريفًا لِمَدَى تسَامُحُ المُجْتَمَعِ وقَبُولِهِ بمقُولَتيْ الاخْتِلافِ والحُرِّيَّةِ كقيمتيْنِ أسَاسيَّتيْنِ فِي هَرمِ الحُقُوقِ المَدنيَّةِ والفَرْديَّةِ. ورغْمَ أنَّ الكتابَ لَمْ يتعَرَّضْ إلَى المنْعِ قَانُونيًّا -كَمَا أسْلَفْنَا-، فقَدْ تبيَّنَ بمَا لاَ يَدَعُ مَجَالاً للشَّكِّ أنَّ هَامشَ الحُرِّيَّةِ فِي المُجْتمَعاتِ العَربيَّةِ لَمْ يتَّسِع صدْرُهُ بعْدُ بمَا فيهِ الكفَايَةُ ليتقَبَّلَ أعْمَالاً منْ قَبيلِ “شَبَابيكِ منتَصفِ اللَّيْلِ” و”الخَبْزِ الحَافِي” للكَاتِبِ المَغْربِي مُحمَّد شُكْري.

وهَكَذَا يَتَّضِحُ أنَّ مطْمَحَ “الحُرِّيَّةِ والاخْتِلاف والإبْدَاع” الذِّي يُرَاوِدُ الأدِيبَ قدْ تظَلُّ “مُجَرَّدَ شِعَاراتٍ آسِرةٍ(…) مَا لَمْ نشْرَع فِي مُسَاءَلَةِ(…) القَدِيمِ الذِّي نعْتَقِدُ أنَّهُ قَابِلٌ للهَدْمِ والتَّخَطِّي، والحَالٌ أنَّ ذَلِكَ القَدِيمَ يَظَلُّ دَائِمَ الحُضُورِ فِي اللَّحْظَةِ الحَاضِرَةِ إنَّمَا هُوَ المَوْضِعُ الذِّي حَدَثَ فِيهِ فِعْلُ الحَجْزِ الخَطِيرِ، حَجْزَ ذَاكِرَتِنَا وحَجْزُ مُخَيَّلَتِنَا. وَهَهُنَا بالضَّبْطِ يُمْكِنُ أنْ يَضْطَلِعَ النَّصُّ الإبْدَاعيُّ المُعَاصِرُ والنَّصُّ المُهَمَّشُ فِي القَدِيمِ العَربيِّ بأشَدِّ أدْوَارِهِمَا خُطُورَةً(…)، [لأنَّ] الكتَابَةَ الإبْدَاعيَّةَ، قَدِيمًا وغَدًا، هِيَ المَوْضِعُ الذِّي تسْتَعِيدُ فيهِ الذَّاتُ عَلاَقَتَهَا البِكْرَ باللُّغَةِ والجَسَدِ والوُجُودِ، وفيهَا يُوضَعُ الكَائِنُ أمَامَ هَشَاشَتِهِ، ويشْرعُ فِي مُوَاجَهَةِ قَدَرٍ لَمْ يَخْتَرْهُ، ولَكنَّهُ اخْتَارَ أنْ يُنَازِلَهُ”([84]).

 

 

 

 

 

 

[1]) إبْراهيم درغُوثِي، شَبابيكُ منْتصَف اللَّيْلِ، دَار سحر، أفريل 1996. 

[2]) محمَّد لطْفِي اليُوسْفِي، “فتنةُ المُتَخيَّلِ وسُلْطَانُ القَدَامَة”، ضمْنَ فِي المُتَخَيَّل العَرَبِيِّ، منشُورات المهْرجَان الدُّوليُّ للزَّيْتُونة بالقَلْعة الكُبْرى، سُوسة، تُونس، 1995.  

[3]) أحْمد السَّماوي، التَّطْرِيسُ فِي القَصَص، إبْراهيم دَرْغُوثِي نمُوذَجًا، التَّسْفير الفنِّي، صفاقس، 2002.  

[4]) ن.م: 60.

[5]) عُمر حفيِّظ، التَّجْريبُ فِي كتابَات إبْرَاهيم دْرغُوثِي القَصصيَّةِ والرِّوائيَّةِ، دار صَامد للنَّشْرِ والتَّوزيع، صفاقس، 1999، ص: 80.  

[6]) محمَّد حسين عبيد الله، ” تمثُّلُ الرِّواية فِي الأرْدنِّ للتُّراثِ السَّرْديِّ العَربيِّ “، علامات، محرم 1424/ مارس 2003، ص: 564. 

[7]) ن.م: 566. 

[8]) محمَّد لُطْفِي اليُوسُفِي: 39.  

[9]) د. محمَّد القَاضِي، قِراءَةٌ فِي روايةُ “شَبابيك منتصَف اللَّيْل” لإبْراهيم درْغُوثِي، الحيَاةُ الثَّقَافيَّةُ (تونس)، العدد 80، السَّنة 21، ديسمْبر 1996، صص 55-60؛ وقدْ أعيدَ طبْعُ المقَالِ ضِمْن حداثَةُ التماسَّات تماسُّ الحدَاثَات، دَار سحر للنَّشْر، تونس، أفريل 2000، صص: 18-32. 

[10]) مجدِي عيسَى، ” المرايَا المُتنَاظرةُ: المصَائرُ ودلالاتُهَا فِي رواية ” شبَابيكِ منتصَف اللَّيْل “، م.ن: 100.

[11]) عمر حفيَّظ، م.ن: 6.

[12]) مجْدي عيسَى، م. ن، ص 108.

[13]) د. محمَّد القَاضِي، م. ن، ص 31.

[14]) مجدي عيسَى، م. ن، ص 100.

[15]) شبابيكُ منتصفِ اللَّيْل: 3.

[16]) لسَانُ العَرب: 2/536 فتح: ” فاتحَةُ الشَّيْءِ: أوَّلُهُ. وفَواتِحُ القُرْآنِ: أوائِلُ السُّوَرِ، الواحدةُ فَاتحَةٌ. وأمُّ الكِتابِ يْقَالُ لهَا: فَاتحَةُ القُرْآن “، وانظُر:

 Malek Chebel, Dictionnaire des symboles musulmans, Rites, mystique et civilisation, Editions Albin Michel, Paris, 1995: « Fatiha: Nom de la sourate qui inaugure le Coran. Extrêmement populaire, elle fait partie des sourates que le fidèle récite en permanence. Elle est également appelée Omm al-kitab (La Mère du Livre), parce que tout en étant au début, la fatiha contient le Coran tout entier. Elle est un « condensé spirituel » qui symbolise à lui seul l’ensemble de la loi du croyant et son adhésion sans réserve aux conditions du dogme », p. 160.

[17]) انْظُر فِي مَعَانِي فعْلِ الرُّؤيَةِ: لسَان العَرب: 14/300-301 رأي ؛ وانظُر كذَلكَ:

 Jean Chevalier, Alain Gheerbrant, Dictionnaire des symboles, Editions Robert Laffont et Jupiter, Coll. « Bouquins », 1982, p. 266: Le Coran lui-même fait allusion à la connaissance par le cœur. (…) La vision spirituelle est comparée à l’œil du cœur.

[18])Dictionnaire des symboles,: ” Dans la tradition des Fidèles de la Vérité (Ahl-Haqq) en Iran, un caractère sacré est attaché au chiffre trois. On le retrouve fréquemment soit dans les récits de cosmogonie, soit dans les descriptions des actes rituels”, p. 974.

[19]) الكتابُ الأوَّل: 6-39 ؛ الكتابُ الثَّانِي: 40-73 ؛ الكتابُ الثَّالثُ: 74-98. 

[20]) Dictionnaire des symboles: « Les tableaux d’Apprenti et de Compagnon comportent, dans la Maçonnerie, trois fenêtres munies de grilles, conformes en ceci à ce que dit le Livre des Rois (6, 4) des fenêtres du Temple de Jérusalem. Ces trois fenêtres sont dites correspondre, à l »orient, au midi et à l »occident, qui sont les trois stations du soleil, aucune ouverture ne correspond au nord, où le soleil ne passe pas. Il s’agit donc de permettre la réception de la lumière à ses trois stades, et peut-être trois modalités différentes. (…) En tant qu’ouverture sur l’air et la lumière, la fenêtre symbolise la réceptivité ; si la fenêtre est ronde, c’est une réceptivité de même nature que celle de l’œil et de la conscience (…) ; si elle est carrée, c’est la réceptivité terrestre, à l’opposé des apports célestes », p. 432 ; Voir aussi Dictionnaire des symboles musulmans, op. cit., p. 426.  

[21]) انْظُرْ تفْصيلَ ذَلكَ فِي لسَانِ العَرب: 1/699 كتب، وانظُر كذَلكَ:

 Dictionnaire des symboles musulmans, op. cit., p. 247.

[22] )Dictionnaire des symboles, op. cit., pp. 681-682: « La nuit symbolise le temps des gestations, des germinations, des conspirations, qui vont éclater au grand jour en manifestation de vie. Elle est riche de toutes les virtualités de l’existence. Mais entrer dans la nuit, c’est revenir à l’indéterminé, où se mêlent cauchemars et monstres, les idées noires. Elle est l’image de l’inconscient et, dans le sommeil de la nuit, l’inconscient se libère. Comme tout symbole, la nuit elle-même présente un double aspect, celui des ténèbres où fermente le devenir, celui de la préparation du jour, où jaillira la lumière de la vie » ; Voir aussi Dictionnaire des symboles musulmans, op. cit., p. 300. 

[23]) محمَّد لُطْفِي اليُوسْفِي: 37.  

[24]) مقاييس اللُّغة: 3/ 67 سر: “السِّينُ والرَّاءُ يَجْمَعُ فُرُوعَهُ إخْفَاءُ الشَّيْءِ، ومَا كانَ من خَالصِه ومُسْتَقِرِّهِ لاَ يخْرُجُ شَيْءٌ منْهُ عن هَذَا. فالسِّرُّ: خِلافُ الإعْلان.ومنَ البَاب السِّرُّ، وهْوَ النِّكَاحُ، وسُمِّيَ بذَلكَ لأنَّهُ أمْرٌ لاَ يُعْلنُ بهِ”، واللِّسَان: 6/235 سرر، والصِّحاح: 2/681 سرر، والقَامُوس: 2/48: “السِّرُّ: الجمَاعُ، والذَّكَرُ، والنِّكاحُ، والافصَاحُ بهِ، والزِّنَا، وفرْجُ المرْأةِ”، وتاجُ العَروس: 12/5 سرر: “منَ المجَاز: السِّرُّ: النِّكَاحُ، ووَاعَدَهَا سرًّا، أي نكَاحًا، قالَ ابْنُ السَّيِّد: هُو كنايَةٌ عنْهُ. قَالَ الحُطيئةُ:

وَيَحْرُمُ سِرُّ جَارَتِهِم عَلَيْهم

  وَيَأكُلُ جَارُهُم أنْفَ الِقصَاعِ

وقيلَ: إنَّهُ سُمِّيَ به لأنَّهُ يُكْتَمُ؛ قَالَ رُؤبَة:

فَعَفَّ عن أسْرَارهَا بَعْدَ الغَسَقْ

وَلَمْ يُضِعْهَا بيْنَ فِرْكٍ وعَشَقْ

ومنَ الكنايَةِ أيْضًا: السِّرُّ: الإفْصَاحُ به والإكْثَارُ منْهُ، وهْوَ أنْ يصفَ أحدَهُم نفْسَهُ للمَرأةِ في عدَّتِهَا للنِّكاح”، والوشَاحُ فِي فَوائدِ النِّكاحِ للسُّيُوطِي، البَابُ الثَّانِي: فنُّ اللُّغَة: 107، وانظُر: Dictionnaire des symboles musulmans, op. Cit., p. 195.  

[25]) لسَانُ العَرب: 4/358 سرر. 

[26]) القَامُوس: 2/48. 

[27]) Dictionnaire des symboles musulmans, op. Cit., p. 195 ; Voir aussi: Malek Chebil, Encyclopédie de l’amour en Islam, Editions Payot & Rivages, Paris, 1995, pp. 295-299.  

[28]) ممثَّلاً فِي الإحَالةِ علَ كتابِ الرَّوْضِ العَاطِرِ ونزْهةِ الخَاطِرِ للشَّيْخِ النَّفْزَاويِّ.  

[29]) جاءَ فِي Dictionnaire des symboles أنَّ الكتابَ، إضَافةً إلَى كونِهِ رمْزًا للعِلْمِ والحِكْمة، هُو عنْدَ الصُّوفيَّةِ رمْزٌ للكَونِ، ويعْنِي ذلكَ أنَّ الكتابَ عنْدَهُم هُو الوحْيُ وتجلِّيًّا لكَلاَمِ الله، op. cit., p. 579  ؛ وانْظُرْ لسَانَ العَرب: 1/699 كتب.

[30]) محمَّد لُطْفِي اليُوسْفِي: 37، التَّشْديدُ منَّا.

[31] )Dictionnaire des symboles musulmans, op. cit.,: « Dans l’univers musulman, le livre – tout livre – est chargé d’une signification de savoir et de sacré. Plus encore que l’oralité, marque de prestige des anciens Bédouins, partout l’Ecrit est sacralisé, car, ici, tout écrit dérive potentiellement du Coran, l’Ecrit suprême », p. 247.

[32]) انْظُر لِسَان العَرب: 10/88 خلق، وفيه أنَّ “الخَلْقَ هُو ابْتِداعُ الشَّيْءِ عَلَى مثَالٍ لَمْ يُسْبقْ إليْهِ ” ؛ ” والخَلْقُ فِي كَلاَمِ العَربِ علَى وجْهيْنِ: أحدَهُمَا الإنْشَاءُ علَى مثَالٍ أبْدعَهُ، والآخَرُ التَّقْديرُ ” ؛ ومنْ معَانِي الخَلْقِ أيْضًا ” الكَذِبُ. خَلَقَ الكَذِبَ والإفْكَ: ابْتَدَعَهُ”.  

[33]) لسَانُ العَرب: 8/175 شَرَعَ.   

[34]) ن.م: 8/176. 

[35]) ن.م: 8/177. 

[36]) ن.م: 8/176. 

[37] )Dictionnaire des symboles, op. cit., p. 432.

[38]) شبابيكُ منتصَفِ اللَّيْل: “فتحْتُ شُبَّاكًا يُطِلُّ علَى قَلْبِي”: 3، وانظُر بخُصُوصِ رمزيَّةِ القَلْبِ فِي الثَّقَافةِ الإسْلاميَّةِ:

 Dictionnaire des symboles, op. cit., p. 266 ; Voir aussi: Dictionnaire des symboles musulmans, op. cit., pp. 104-105.     

[39]) أحمد السَّماوي، ن.م: 90.  

[40]) محمَّد لُطْفِي اليُوسْفِي: 34. 

[41]) لسَانُ العَرب: 2/539 فتح. 

[42]) ن.م: 2/539. 

[43]) ن.م: 2/537.  

[44]) ن.م: 2/540. 

[45]) ن.م: 2/539. 

[46]) الكناية والتَّعريض (بتحقيقنا): الفقرة رقْم: 42: “وكانت جِنَان المَدَنيَّةُ تُكْنِي عن متَاعِ الرَّجُلِ بـ “مفْتَاح اللَّذَّةِ”؛ والفقرة رقم 43: “وفِي كتَابِ “مُلَحِ النَّوادِرِ” أنَّ رجُلاً رَاودَ امْرأةً عذْرَاءَ عنْ عُذْرتِهَا، فقَالَت: هذِهِ “خَتْمُ الله”، فقَالَ -وأشَارَ إلَى متَاعِهِ-: وهَذَا “مفْتَاحُ الله”.  

[46]) الدِّيوان: 45/2، وهما بيتان فِي القيَان، أوَّلهُما:

تتجمَّلُ الحسْنَاءُ كُلَّ تَجمُّلِ

  حتَّى إذَا مَا أبْرزَ المفْتَاح

وجاءَ في العقد الفريد: 3/339: “كانَ أبُو البيْدَاء عنِّينًا، وكَانَ يتجلَّدُ ويقُولُ لقَومه: زوِّجُوني امْرأتيْن! فيُقَالُ لهُ: إنَّ في واحدةٍ كفايَةٌ. فيَقُولُ: أمَّا أنَا فَلاَ! فقَالُوا: نُزوِّجُكَ واحدةً، فإنْ كَفتْكَ وإلاَّ زوَّجْناكَ أخْرَى. فزوَّجُوهُ أعْرابيَّةً، فلمَّا دخَلَ بهَا أقَامَ معهَا أسْبُوعًا. فلَّا كانَ في اليَوم السَّابع أتَوْهُ، فقَالُوا لهُ: يَا أبَا البيْداء، مَا كانَ أمْرُكَ في اليوم الأوَّل؟ قَالَ: عظيمٌ جدًّا! قَالُوا: ففي الثَّاني؟ قَالَ: أجلُّ وأعْظم! قَالُوا: ففي الثَّالث؟ قَالَ: لاَ تسْألُوا! فَأجَابتِ المرْأةُ منْ وراء السِّتْر، فقَالت:

كَانَ أبُو البيْدَاء ينْزُو في الوَهَقْ

حتَّى إذَا أدْخِلَ في بيْتٍ أبقْ

فيه غَزَالٌ حَسَنُ الدَّلِّ خَرقْ

مَارَسَهُ حتَّى إذَا ارْفضَّ العَرَقْ

انْكَسَرَ المفْتَاحُ وانْسَدَّ الغَلَقْ

وفي معْناه: ص 438: “الرِّيَاشيُّ قَالَ: أنْشَدَني العتْبيُّ لأعْرابيٍّ:  

مَاذَا تَظُنُّ بسَلْمَى إنْ ألَمَّ بهَا

  مُرَجَّلُ الشَّعْر ذُو بُرْدَيْنِ مَزَّاحُ

حُلْوٌ فُكَاهتُهُ، خَزُّ عمَامتُهُ

  فِي كفِّهِ منْ رُقَى إبْليسُ مفْتَاحُ؟!

[47]) ن.م: 7 –16.

[48]) ن.م: 7.

[49]) انظُر بخُصُوصِ رمزيَّةِ الكَلْبِ، والأسْودِ منْهُ علَى وجْهِ الخُصُوص:

 Dictionnaire des symboles, op. cit., p. 243 ; Voir aussi: Dictionnaire des symboles musulmans, op. cit., pp. 96-97.    

[50]) مجدي عيسَى: م.ن: 107.

[51]) شبابيكُ منتصَفِ اللَّيْل: 11-13.

[52]) ن.م: 14-16، وفِيهِ يتمُّ قتْلُ الكَلْبِ الأسْود الذِّي يُشْبِهُ أبَا الهَوْلِ. 

[53]) محمَّد لُطْفِي اليُوسْفِي: 34. 

[54]) Georges Bataille, L’Erotisme,: « De l’érotisme, on peut dire qu’il est l’approbation de la vie jusque dans la mort », Editions de Minuit, Paris, 1957, p. 17،

وانْظُرِ الفَصْلَ الذِّي ترْجمَهُ منْهُ محمَّد علِي اليُوسْفِي، مجلَّة الكَرْمَل، العَدد 26، 1987، ص: 177، ونحْنُ نَرَى أنْ تُترْجَمَ قَوْلَةُ بَاتَاي كالتَّالِي: “الجِنْسُ هُوَ الإقْرَارُ بالحَيَاةِ حتَّى فِي المَوْتِ”، ونَجِدُ مصْدَاقَ ذَلكَ فِي الفصْلِ العَاشِرِ منْ “شَبَابيكِ منتَصَفِ اللَّيْلِ” المَوْسُوم بـ جِسْمُ أنْثَى سَخِنٌ فِي القَبْرِ طيلَةَ ثَلاَثِينَ سَنَةٍ: “حَفَرْتُ تحْتَ الصَّخْرةِ إلَى أنْ ظَهَرت كُلُّهَا. دفعْتُهَا جَانِبًا ووَاصَلْتُ الحَفْرَ إلَى أنِ اصْطَدَمَ الفَأسُ بِشَيْءٍ كَالحَدِيدِ أحْدَثَ صَوْتًا أصَمًّا. وضَعْتُ الفَأسَ جَانِبًا وَمَدَدْتُ يَدِي. وجدْتُ خَلْخَالَ المجْنُونَةِ. وأحْسَسْتُ بِلَحْمٍ طَريٍّ يُلاَمِسُ كَفِّي. رفَعْتُ التُّرَابَ عنِ السّاقِ، ثُمَّ عنِ الرِّجْلِ والفَخِذِ والبَطْنِ والصَّدْرِ والرَّأسِ. عَرَّيْتُ المجْنُونَةَ فَوجدْتُ جسْمَهَا سَخِنًا، فَكَأنَّنِي أخْرَجْتُهَا منْ فِرَاشِهَا” ؛ ويُلاَحظُ محمَّد لطْفِي اليُوسْفِي حوْلَ عَلاَقَةِ الحُبّ بالجُنُونِ أنَّ “الحُبَّ [خطَرٌ] عَلَى أمْنِ المجْمُوعَةِ. إنَّهُ نوْعٌ منَ الخُرُوجِ الخَطِيرِ، خُرُوجٌ منَ العَقْلِ إلَى الجُنُونِ، منَ النِّظَامِ إلَى الفَوْضَى، منَ المُدَجَّنِ إلَى المُتَوحِّشِ. [فالجُنُونُ] فِي لسَانِ العَرب يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الخُرُوجِ منْ عَالَمٍ إلَى عَالَمٍ، منْ عَالَمِ الإنْسِ إلَى عَالَمِ الجَانِ، أيْ منَ الإنْسيِّ الأليفِ المُتَعَارَفِ إلَى المُتوَحِّشِ المَجْهُولِ المُخِيفِ”، ن.م: 34. 

[55]) شَبَابيكُ منتَصَفِ اللَّيْل: 27.

[56]) م.ن: 27، نقْلاً عن كتابِ الحيَوان: 1/371-372.

[57]) م.ن: 31، نقْلاً عن مسْكويْه، ولعلَّ الكتابَ المقْصُودَ هُو تَجَاربُ الأمَم: 6/469، والكَامل لابِنِ الأثير: 8/495.

[58]) م.ن: “كانتْ لنَا مكتبَةٌ عَامِرةٌ بِكُتُبِ التُّرَاث”: 27. 

[59]) انظُر بخُصُوص رمزيَّةِ المكتبَةِ:

 Dictionnaire des symboles, op. cit., p. 120: « La bibliothèque est notre réserve de savoir, comme un trésor disponible ».  

[60]) وتجْدُرُ الإشَارةُ هُنَا إلَى أنَّ الاعتقَادِ بأنَّ المصنَّفاتِ الجنسيَّةِ العَربيَّةَ القديمةَ هِيَ مظهَرٌ منْ مظَاهِرِ التَّحرُّر الفكْري الذِّي يفتقِرُ عصْرُنَا الحاضِرِ إلَى شيْءٍ يسيرٍ منْهُ، هُوَ اعتقَادٌ فِيهِ الكَثِيرُ منَ التَّجَاوز والتجنِّي. وسَنكتفِي بالإشَارةِ، اعْتراضًا منَّا علَى هذه القِراءَةِ اللاَّتَاريخيَّةِ المجحفةِ، أنَّ هذهِ المؤلَّفَات تتناولُ الشَّأنَ الجنْسيِّ منْ منطلقَاتٍ فكْريَّةٍ وجماليَّةٍ وإيديُولوجيَّةٍ مُناقضَةً تمامًا للقيمِ التِّي تحْكُمُ حاضِرنَا. وليْسَ أدلّ علَى ذلكَ منْ أنَّ المرأةَ فيهَا مُشيَّئَةٌ، بلْ ومغيَّبةٌ إلَى حدِّ العدَمِ فِي أغْلبِ الأحْيَانِ، وأنَّ حضُورهَا فيهَا حضُورًا جسديًّا صرْفًا، يؤكِّدُ وظيفتهَا كأداةِ لذَّةٍ لا غيْرَ. 

[61]) م.ن: 31.

[62]) محمَّد لُطْفِي اليُوسفِي: 32-33.

[63]) م.ن: 27.

[64]) ن.م: 28.

[65]) الشَّيْخُ العَارف أبِي عبد الله محمَّد بْن أبِي بَكْرٍ بْنِ عَليٍّ النَّفْزَاويِّ، الرَّوضُ العَاطِر فِي نزهَةِ الخَاطِر، تحقيق جَمَال جُمعة، ريَاض الريس للكُتُبِ والنَّشْر، لندن، الطَّبعة الأولى، أغسطس 1990؛ وعنْهُ يَقُولُ محمَّد لُطْفِي اليُوسْفِي: “يَكْفِي أنْ نُشِيرَ تمْثِيلاً إلَى أنَّ كتابَ الشَّيْخ النَّفْزَاوي يبْدأ فِي شَكْلِ ابْتِهَالٍ للسَّمَاءِ والقَدَاسَةِ والله، ثُمَّ يَجُرُّ الجَمِيعَ: الله والقَدَاسَةُ والسَّمَاءُ لتُصْبِحَ بمثَابَةِ خَدَمٍ للذَّةِ والجَسَدِ، فيتَحوَّلُ الابْتِهَالُ منْ إنْشَادٍ يُرْفَعُ تَمْجِيدًا للسَّمَاءِ إلَى قُدَاسٍ يُقَامُ فِي حضْرَةِ الأرْضِ وَالجَسَدِ”، ن.م: 38.     

[66]) م.ن: 40.

[67]) م. ن، المقاطع: 20 و21 و22، صص 63 – 73.

[68]) الرَّوض العَاطِرُ فِي نزهة الخَاطِر: البَابُ الثَّامن: فِي أسْماءِ أيُور الرِّجَال: 93 ؛ والبَابُ العَاشِر: فِي أيُور الحَيَوان: 121. 

[69]) انْظُر الأبْعَادَ الرَّمْزيَّة للذَّكَرِ فِي:

 Encyclopédie de l’amour en Islam, op. cit., p. 500

[70]) شَبَابيكُ منتصَفِ اللَّيْل: 68.

[71]) انْظُرْ م.ن: 71-73.

[72]) محمَّد لُطْفِي اليُوسفِي: 37-38. 

[73]) ن.م: 38. 

[74]) م . ن: 73. 

[75]) م.ن: 27-30. 

[76]) ن.م: 50-54.  

[77]) انْظُر بهذَا الخُصُوص:

 Lucienne Frappier-Mazur, « L’obscène, le mot et la chose dans la pornographie du XVIIIe siècle », in Poétique, février n° 93, 1993, pp. 29-41.

[78]) سعيد يقْطين، الرِّوايةُ والتُّراثُ السَّرْدِيِّ، المركز الثَّقَافِي العَربي، بيروت، الطَّبعةُ الأولَى، 1992، ص: 5.  

[79]) محمَّد حسيْن عبيْد الله، ص: 571. 

[80]) ن.م: 575-576.

[81]) انْظُر مقَالنَا عنْ هذِهِ الرِّوايَةِ بجريدةِ Le Renouveau ، بتاريخ 19/3/1999، وحديثِنَا عنْهَا فِي مقدِّمتِنَا لكتابِ “حَدَاثَةِ التَّمَاسَّاتِ وتمَاسِّ الحَدَاثَاتِ”: 9-11.

[82]) محمَّد لُطْفِي اليُوسْفِي: 39، التَّشْديدُ منَّا. 

[83]) د. عبد السَّلام المسدِّي، العَربُ والسِّيَاسَةِ، يوميَّاتٌ علَى جسْرِ العُبُور، مؤسَّسَات بن عبد الله للنَّشْر والتَّوزيع، تونس، بدُون تاريخ، ص: 46.  

[84]) محمَّد لُطْفِي اليُوسُفِي: 39-40. 

عن الدكتور فرج الحوار

شاهد أيضاً

قراءة في رواية “رقص السناجب” لعباس خلف علي

قراءة في رواية “رقص السناجب” لعباس خلف علي بقلم: شميسة غربي/ سيدي بلعباس/ الجزائر “رقص …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *