مش كده يا عمو جمال مش كده ألله:
إبراهيم قعدوني
من المؤكد أنّ بضعة سطور يكتبها شاب مغمور مثلي لا يشتري صحيفة أخبار الأدب أكثر من خمس مرات في السنة، لن تهز شعرة في رأس الكاتب الكبير جمال الغيطاني – نصف الأصلع أساساً- لكنّني ولسوءٍ في طبعي (عقدة ربما ) سأتحرَّش بقامته الثقافية الفذَّة علَّني أحظى بمن يقرأ سطوري هذه ويشاهدني أتناول شخصية ثقافية من شخصيات الصفّ الأول متباهياً بإمساكي بعثراتها التي اعتبرتها كبيرة !
في صحيفة أخبار الأدب حيث تشاهد صورة عمُّو جمال الرصينة والتي يبدو فيها متورطاً في حالة تأمل عميق يرى الداخل فيها ما لايراه الأخرون بالتأكيد.
في العدد رقم 697 – الأحد 27 من شوال الموافق 19 من نوفمبر 2006 والذي يتضمن محوراً خاصاً بالشاعر السوري المقيم في ألمانيا عادل قرشولي، يكتب الأستاذ جمال الغيطاني في ساحة الأخبار ” نقطة عبور ” ، مقالاً عروبيَّاً بامتياز، عابراً ومعبراً عن رؤية رصينة لما يجب أن يكون عليه حال أبناء الأمة كونه العارف بحالها، من خلال الحالة التأميلة التي يغرق فيها في صورته السالفة، ولابد لأي كاتب عروبي يحفظ القومية العربية عن ظهر قلب من مرويات صدام حسين في أثره ” الخالد ” (زبيبة والملك)، أن يبدأ بالكلام الكبير، قبل أن يصفي حسابات صغيرة أو أحقاد مع أقرانه الكتاب أو حتى غيرته منهم !!
والكلام الكبير (أوي) لابد أن يتحدث عن الأمة وثقافتها وحضارتها وعظمتها وغيرته عليها، ليأت الى بيت القصيد، الذي غالباً تفوح منه رائحة عفونة ما، لأن الشمس لا تدخله عادة ( أي بيت القصيد ).
وما جاد به استاذنا الغيطاني ينطبق عليه المثل الشعبي القائل: ” إجا يكحلها عماها ” إلا أنه يفترق عن مدلول المثل بأن أستاذنا كان في بيت قصيده متعمداً أن يعميها، حين يرطن مشكوراً بمناقب الشاعر عادل قرشولي معتبراً – على ما يبدو – أن ذلك لا يتحقق دون أن يسوق مقارنةً مشوَّهة بين الشاعر عادل قرشولي والروائي رفيق شامي يعرب فيها – على عادة الكبار- عن أسفه لسلبية – الغائب – رفيق شامي ويرتكب بحقه نميمة ثقافية يختزنها في صدره منذ أمدٍ ما، لكنه لا يكمل على عادة – الآباء – في تمنياتهم للمذكور بالهداية والرجوع إلى طريق الصلاح والسداد.
يقول الأستاذ جمال ممهداً لهجومه الكاسح مستعجلاً الوصول إلى ما يريد قوله ومتجنباً سياسة اللف والدوران : ” …ترسخت قيمة عادل عندي بالقياس إلى ما عاينته من طفح ثقافي بدأ يظهر في أوروبا مع ازدياد الهجرة وظهور الأفاقين والمدعين والمغامرين والراغبين في نسيان جذورهم الأدبية التي جاءوا منها ” !!
و شرح الأبيات: يقول أديبنا الكبير ما معناه أنه يتعيّن عليك يا أخي المثقف أن تحمل ثقافة أمتك كالبوق أينما ذهبت وتظلّ نافراً في كل سياقات العالم، مدافعاً عنها ومتستراً على عواهنها أمام الغرباء، فأنت ومالك لأبيك …الخ ( يمكن الحصول على الشرح كاملاً بقراءة بيان لأحد الأحزاب القومية أو شراء كاسيت لأحد الدعاة الجدد). لا أدَّعي هنا أنني أتصدى لأسئلة الثقافة الكبرى ومقاربة مفهوم المثقف الملتزم عروبياً، الذي أكل عليه الدهر وشرب ونام، لكنني أتمسك ببداهة أن نقول ما نريد معتقداً أنَّ الحرية كقيمة لم تجد بعد حضورها المقنع في الأدبيات العربية الثقافية والاجتماعية والسياسية.
ثم يكمل الأستاذ جمال مغالطته التي تتحقق لاحقاً في أول سطر يكتبه معد الملف في الصفحة 15 من نفس العدد حيث يتحدث الأستاذ ” معد الملف ” عن احتفال ألمانيا بالشاعر قرشولي وتكريمها له، بينما يتباهى عمو جمال بفضحه الصحف الألمانية التي أخذت بمهاجمة الأدب العربي والأدباء العرب المترجمين إلى الألمانية، يقول:
” …..ويتجاوز الأمر إلى حد إنكار وتشويه الثقافة العربية كلها، والحجج عديدة، كأن يقول أديب عربي مشهور في ألمانيا يكتب بالألمانية ( رفيق شامي ) أنه لا يوجد أدب عربي حقيقي لنقص الحرية وبدا موقفه غريباً خلال المشاركة العربية في معرض فرانكفورت رغم أني رأيته في التلفزيون الألماني واقفاً يتحدث في الأجنجة العربية ويتفقد بعض التوابل الشرقية في دكان بقال عربي، ”
ثم يصل الأستاذ جمال إلى خلاصته التي تدور (مقالته) حولها، يصل إلى الشِعار تماماً في ابهى تجلّياته في النص الثقافي العروبي، حيث يخلص إلى القول : ” رفيق شامي ربما يمثل الوجه النقيض لعادل قرشولي فكلاهما يعيش في ألمانيا وكلاهما يكتب بالألمانية، غير أن رفيق شامي ينأى بنفسه عن ثقافته الأصلية رغم أنه يستخدم مفرداتها وتراثها القصصي الشفهي والشعبي لإبهار القارئ الألماني “.
على أنَّ رفيق شامي وفي الحوار الذي أجراه معه الأستاذ خلف علي الخلف على صفحات موقع جدار الالكتروني منذ فترة ليست بالبعيدة يقول بصريح العبارة : ” نشرت حوالي 4500 صفحة. وأتحدى أي باحث أن يجد في كل هذه الصفحات سطراً واحداً مهيناً للإنسان العربي وللثـقافة العربية “. ورغم أن رفيق شامي لم يترجم له الا كتاب واحد الى العربية وأخمن أن الاستاذ الغيطاني لم يقرأه، إلا أن ذلك لم يمنع ” الاستاذ ” ان يصنف ما يكتبه رفيق شامي ويضعه في ما يراه مكانه المناسب ” إبهار القارئ الألماني “ولا نعلم إن كان الاستاذ الغيطاني يتقن الألمانية ليهرف بما يعرف حول ما يكتبه شامي، ويعرف ما تحدث به شامي بالالمانية للتلفزيون الالماني رغم أنه كان ملتهياً حينذاك أي الغيطاني بالتنقل وهو يحمل مبولته الالكترونية على ما كتب الشاعر الاردني ” حسين جلعاد ” في جدار
وبدوره يذكر الشاعر عادل قرشولي أنه كتب يوماً قصيدته ( العمامة المهترئة ) والتي تفصح دلالاتها عن عبئ الموروث ونفوره في ثقافة تتوخى منك أن تتسق ضمنها أو بتعبير أخف تتوخى منك أن تفرد أجنحتك على الشامل والإنساني ويعتبر ذلك أمراً طبيعياً في سيرورة التجربة الحياتية والشعرية فلماذا ننكر على شامي ذلك ( في حال حدوثه )؟!
تتلخص المسألة إجمالاً على ما يبدو في التناقض الذي تمتاز به البنى الثقافية الضيقة التي تدَّعي انفتاحها واتساعها لكنها لا تقوى على تجنب المحكَّات الضيِّقة والتي يأتي الافتراء والارتجال المتعجرف في مقدمة مفرزاتها.