الرئيسية / قلم رصاص / في الحب وأشياء أخرى

في الحب وأشياء أخرى

في الحب والحرب… وأشياء أخرى

جمانة حداد

 

 

عامٌ على حرب تموز 2006 على لبنان.

أن تكون مستعدا لكي تَقتُل؛ أن تكون مستعداً لكي تُقتَل: أيّ الجريمتين أفظع؟

***

 

لم يعد الرجل ضرورياً!

هذا، على الأقل، ما “تبشّرنا” به إحدى الفتاوى العلمية الأميركية الجديدة. فقد أعلن فريق من العلماء أخيراً أنه نجح في فبركة منيّ اصطناعي مستخرج من النخاع العظمي لامرأة. أي أن المرأة بات يمكنها أن تستخرج منيّاً من عظمها، وأن تلقّح بويضتها، أو بويضة امرأة ثانية، وأن تكفي نفسها بنفسها، وأن تُنجب، بلا “جميل” الرجل.

لم يعد الرجل “شرّاً” لا بدّ منه. إفرحن، إذاً، أيتها النسوة اللواتي شرعن في دقّ طبول الاحتفال تخلّصاً الى غير رجعة من جنس الذكور! كيف لا، وتدمير الرجل هو العنوان العريض الذي يمكن ان يختصر هدف عدد كبير من التيارات النسوية الراهنة، التي تتناسى أن تغيير ذهنية الرجل وسلوكه لا يتمّ من طريق القضاء عليه، بل من طريق الصبر والانتظار والعمل الدؤوب والاحترام المتبادل. لكن، مهلكنَّ أيتها الملوّحات بسيف “النصر النسويّ” (لأُعذَر على الاقتباس: لم أستطع مقاومة إغرائه): فبمعزل عن قابلية هذا الاكتشاف الجديد للتنفيذ العملاني، ثمة، بين بنات جنسكنَّ، من لا يزلن يؤمنّ – صدّقن أو لا تصدّقن – بأن العلاقة بين المرأة والرجل ليست بقصد الإنجاب فقط.

أو هي قد لا تكون بقصد الإنجاب على الإطلاق!

***

 

عامٌ على حرب تموز 2006 على لبنان.

أيهما أقسى: الحرب أم التلويح بها؟

الحرب أم العيش تحت وطأة احتمالها المهدِّد؟

الحرب… أم انتظارها؟

الأم الثكلى الجالسة على جنب الطريق، قرب أنقاض بيتها، تجيب: الحرب.

الأم الوحيدة التي تلوّح في المطار لطائرة ابنها المهاجر، تجيب: شبح الحرب.

الدمعة أخت الدمعة.

***

 

“الأمر غاية في البساطة”، قالت السيدة ماير وهي تطير من غصن الى غصن برفقة صديقها العصفور.

السيدة ماير هذه، بطلة قصة رائعة عنوانها “السيدة ماير والشحرور الصغير”، للألماني فولف إرلبروخ، صدرت لتوّها بالعربية (ترجمة ممتازة لشذا شرف الدين) عن “دار النهضة العربية” – “أصالة للنشر والتوزيع”. قصّة ترافقها رسومٌ بريشة الكاتب نفسه، موجّهة في الأصل الى القرّاء الصغار، وقد لا يتجاوز عدد كلماتها الألف، لكنها من أجمل ما قرأت، ومن أعمق ما تأملت، في الآونة الأخيرة.

الطفولة أذكى. إرلبروخ من الكتّاب القلائل يعرفون ذلك.

***

 

عامٌ على حرب تموز 2006 على لبنان.

ترى كيف نقول لنور، التي فقدت أمّها ولعبتها وأخاها عليّاً وعينها اليسرى، إننا “ربحنا”؟

ثم: ترى هل تصدّقنا نور، التي فقدت أمّها ولعبتها وأخاها عليّاً وعينها اليسرى، إذا نحن قلنا “ربحنا”؟

ثم: ترى، إذا نور، التي فقدت أمّها ولعبتها وأخاها عليّاً وعينها اليسرى، إذا صدّقتنا، ونَظَرَتنا بعينها اليمنى الباقية، المسنّنة، الصافعة، هل ترانا نخجل، ويُخفض كلٌّ منا عينيه الاثنتين السليمتين، لأننا، في قرارة أنفسنا، لا نصدّق أنفسنا؟

***

 

أن تكون شاعراً عربياً يخترق زمن الحرب. أن تصير أهمّ من البركان الذي على وشك الانفجار تحتك (هو دائماً على وشك الانفجار). أن تلهج الألسنة بخبر أمسيتك بدلاً من آخر التطورات على “الساحة” السياسية العربية. أن يتهافت الناس على شراء البطاقات للاستماع إليك. أن تنقل الفضائيات العربية قراءاتكَ، مضحيةً بوقت ثمين كان ينبغي له أن يكون مخصصاً لسيركٍ يوصف بالـ “توك شو”، يتشاجر فيه الزعماء أو اتباعهم أمام الناس. أن “تنتقم” للشعراء من لا شعرية الحياة… وبعض الشعراء. أن تزدري الحدود والتصريحات والاستنكارات واستخفاف الناس برغيف الأدب. أن “تنتصر”، لا بالسلاح، لا بالتظاهر، لا بالتخييم، لا بالأغاني الوطنية، لا بالمزايدات، لا بالضغط، لا بالتآمر، لا بالتفخيخ، لا بالبعبعة، لا بـ”التدخلات الإلهية”، بل بالشعر.

أن تكون محمود درويش.

***

 

لم يعد الرجل ضرورياً؟!

نظرةٌ واحدةٌ إليكَ، فأقول: تبّاً للعلم والعلماء.

ثم يدكَ، فأقول: تبّاً للبحوث والمختبرات والمعادلات والاكتشافات.

ثم طيشي ونزقي ومزاجيتي وصعوبتي في حِمى حنانكَ، فأقول: تبّاً للنسويين والنسويات.

ثم وعدكَ على عنقي، فأقول: تبّاً لبويضتي ولنخاعي العظمي ومنيّه، وتبّاً، خصوصاً، لقدرتي على تلقيح نفسي بنفسي!

ما لي والتطوّر؟ أحتاجكَ. لا غنىً لي عنكَ (ولا طمع لي في غنىً).

… الأدهى: راضيةٌ منتشيةٌ سعيدةٌ بـ”تخلّفي” هذا.

***

 

عامٌ على حرب تموز 2006 على لبنان.

وبعد،

أن تكون مستعدا لكي تَقتُل؛ أن تكون مستعداً لكي تُقتَل: ما الفرق؟

 

 

www.joumanahaddad.com

 

 

عن جمانة حداد

شاهد أيضاً

حكومة العالم الخفية تجتمع في مدينة دريسدن الألمانية (جمال قارصلي )

إن إجتماعات ما يسمى بحكومة العالم الخفية لا تشبه إجتماعات القمة السنوية لمجموعة دول الثمانية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *