الرئيسية / دراسات / سعد جاسم …تجليات الحب ومدارات التاويل

سعد جاسم …تجليات الحب ومدارات التاويل

سعد جاسم

تجليات الحب ومدارات التأويل

سمر محفوض*


(الخلق كتابة ) بحسب تعريف الشيخ ابن عربي …

ببساطة موجة ووضوح شاطئ يفصح الشاعر (سعد جاسم )
في مجموعته الشعرية (ارميكِ كبذرةٍ واهطلُ عليكِ) عن
قصيدته المتروكة بكل نقائها, وحرية النور من بداية الحرف حتى نهايات الفواصل ورشاقة التصوّر من أبدية الكلمة الى منتهاها المجموعة . انه النغم الفرد الذي يرمينا به (سعد جاسم ) بعمق حياة لايمكن قياسها بوحدات الزمان والمكان , بل كامتحان للهفة واستلهام وإعادة تشكيل وإنتاج . هو فن الأمل الذي يتعامل مع اللحظة القادمة بتوازن الواقع واجتياز الهوية , إلى فضاء مفتوح الإبداع بحس شفاف متشابك يعبر عن شمولية الرؤى..بالطبع العلاقة ليست جدلية اذ لا تقوم على تناقض انما هي علاقة إبداعية استثنائية , تقوم على الحلم والانطلاق الذي يؤكد صفة الدهشة , ويمنح الإيقاع هدوءه, وهو بذلك يزيل فعل الوقت والإحساس بثقله من حيث أن الشعر يعيد الى الحياة توازنها  بوجه القبح من أول ابتسامة حتى أخر غيمة . وجع مولِّد للخفقة أو للأحلام هي الغصة والضحكة معاً والحقيقة المعبرة عن كل منا كجسر للتواصل بين الذاتي والعام , بأحوال عفوية الشاعرية . لان النص يقوم على التشكيل الانفعالي وحضور الذات ومعاناتها :


وتفتحينَ سواقيَ دمعك نافوراتِ فقدِ )
او هواجس غياب
رغم أننا لانعرفُ أيَّ المسافاتِ
والازمنة قد تلاشتْ بيننا
في التوحّدِ والتجاسدِ والماءُ أولنا
والشهقة برقُ الله

لاوقتَ عندي الا لقراءتكِ
يالصحائفِ هديلكِ وهديركِ
وصهيلكِ يصعدُ في دمي
ونصوصك البحرُ
نداءاتُ
وصيحاتُ
ومسرّاتُ
واسرارُ الجسد
حيثُ كوَّنتُهُ في احتفالاتِ المروجِ
والصنوجِ والقرنفل والبخور )


نلاحظ ان الوحدات التكوينية التي يقوم عليها المفهوم الشعري لديه, والذي يتحرك ضمن الثنائيات المتعارضة التي تجعل وظيفة الشعر أعمق من الوظيفة الوجودية , إلى رحاب معان مختزلة ؛ تدل على العبارة بكلمة كما يدل اللفظ على لازم معناه, وليس على معناه الذي يجعله باباً لليقين , بعيداً عن الحدس بل يتعداه إلى النص المشغول بلغة غير عادية ؛هي لغة تطويرية عمادها الصورة المبتكرة بقوة التأثير والدالة على الانفعال , تمتلك مسوغات وجودها وتُكسب مجالها دفقاً داخلياً . كما تمنح اللغة أفقاً من حنين مفتوح على فضاءات حب متجذر, حالم متفائل يقول بعلامة ترقيم أو بنقطة

كل ما يريد إنها قوة الإيحاء والعلاقة بين ألفاظ غير معقولة ولا منطقية ؛ ولكنها منسجمة ولهذا الانسجام منطقه الداخلي والخارجي الذي يولّد حالة من التعاشق والتكثيف . من الإيجاز والسحر الشعري بصورة متميزة .. و تتباين لدى ( سعد جاسم ) أحاسيس الألم والفقد والبراءة , ضمن الإيقاع النصي الذي يتلامح غالباً على ثلاثية الحركة , لكأن النص قائم على تفعيلة المتدارك , بسرعة إيقاعه ودهشة ختامه التي لا تخلو من الجراءة كما في :


هي آياتُ ينابيعي )
وأرغفتي
وكاساتُ نبيذي
أتعالى … أتجلى
في فراديسِ نداها
وصداها …
النصوص … ك وتراتيل الجنونْ
أكونُ …….. ياهذيان إنوثة الأرضِ….فيكِ
في قيامتكِ … أكونْ )

ألا يشبه ذلك هالة من رموز سحرية تكثف العالم أو تصوغه من جديد, لعل هذه هي ميزة القصيدة كحالة شعور طاغٍ ,لا لتكشف العالم بل لتصوغه بلغتها  التي هي وحدة الوجود ذاته . هنا بين الذات والموضوع يعبّر سعد عن رغبة داخلية على صعيد الوعي ,حسب السياقات التقنية التي تعيّن بحسب صيروتها ومجرياتها الشعرية , بيان الفعل الذي يستنهض الطاقة وكينونتها . وهي تتجارف وتتراعد  مع ايحاءاته بتشاركية تحقق النفاذ إلى حقيقة الأمور واشتقاقاتها التي تحيل بعض العناصر لمعبرها الواقعي مما يعزز الخلفية المشهدية  لتناغم العام وتجلياته الأقرب إلى الروح من خلال غلالة شفافة تحاكي فنون الشرق القديم .. عبر الرمز والمثيولوجيا بتفاصيل عفوية مدهشة دون ان يقفل الثيمة المركزية لتجليات التأمل  كرغبة بالانعتاق من رمزية الأشكال إلى مستوى حرية حركتها , دون أن يقع بأسرها :


أُسَمّيكِ :  )
المرأَةَ – المرآةْ
الشمعةَ – المشكاةْ
وأُسَمّيك :
نهرَ الودادْ )

أُسَمّيكِ : البصرهْ )
وأَعني : اللعنةَ والفكرةْ
أُسَمّيكِ : بابلْ
وأَعني : الجوهرَ والقاتلْ
أُسَمّيكِ : أَربيلْ
وأَعني : بابَ اللهِ الى التأويلْ
أُسَميكِ : الديوانيهْ
وأَعني : الطيبةَ والحريهْ
أُسَميكِ الموصلْ
وأَعني : السنبلةَ الأُولى

والموتَ الأوّل )

بحساسية متفردة وبمزاج منسجم , يعيد ترتيب توابع الفكرة , لتتلمسها بإرباك حذر وطفولي يصور داخلك غابات خضراء , غير مسيجة حيث تقدر عصافير حرفه أن تأوي إليها هرباً من الزوبعة

لتشعر برطوبة الندى يدخل من واجهة الكلمات مع الضوء كعلاقة وحيدة مع العالم , كما مع الصورة المتفاوتة تشرئب من انفراجا ته أعناق الكلمات . حيناً كالباقة وحيناً كوردة الريح ,تزيد تموج النبض وتجلي مبهمات النص بتركيبات صيغه النابتة كسنبلة تحتضن المعنى وتنطوي على كثافتها بحوار العمق وحديث حماية الروح . ولبدء طقس الحب ثمة أوقات غزيرة البقاء بالذاكرة , لا تخرج ولا تطل إلا عليه وحده , ساعات الحرية المفتوحة على سر علامة شوق لأنثاه , يتتالى كلمة كلمة وسؤالاً سؤالاً ينفي إجابته ليقولك , أينا لايعيش منفاه أينا ليس منفى منافينا – جزرنا المقفلة على هامش العبارة , أليس ذلك حوار بماهية الأشياء , وأليس هو ايضاً حاجة الاتصال , التي خنقت المسافة لحلم مزدوج : حلمه وحلمنا ايضاً , كأنها غمامة الماء والمطر ,وسعد جاسم يتماثل مع كناياته الممتزجة بالفعل وباللهفة ذاتها كمفردة مستعارة من جموح الخيال , الباحث عن منظومة قادرة على ضبط كتلة  الحوار المفتوح على فضاءات النص غير المتناقضة مع جوهر الإحساس بأناقة الحب ومهابة الشساعة حيث لا مسافة ولا محدودية
التوق الذي امتزج بالحياة بسيمفونية متناغمة تنسكب ابتهاجات يافعة الصدى قوامها  شغب القصيدة وشرفتها الحنين الذي يسكب بعضه نشيد اغتراب يبحث عن قصيدة وجده ؛ ليكتبها على صدر الوقت معرشاً ببياناته على شرفاته كدلالة اكتنازية تعيد النسق للغة التي تحرر أنساقها الثقافية والجمالية … بتصاعد يشاغب الشاعر الرتابة والسكون آخذاً بتعزيز سماء الروح قريبا جدا من مكمن النبض والأحلام التي استدعت حضورها :


ولفرطِ توقي  )
وكثرةِ طيوفي
أَصبحتُ طائراً
من الأحلام
أُرفرفُ ملتاعاً
في أُفقكِ المستحيلِ
وأحلّقُ
أُحلّقُ
ولاأَصلُ
لأنكِ
تتوارينَ عميقاً
عميقاً
في بيتكِ – النهر
والنهرُ فراتٌ
وقدْ إصطفاكِ
حوريةً لهُ
ليزدادَ عذوبةً
وطفولةً وغواية
ويتخلصَ من عزلتهِ
ووحشتهِ الفادحةِ
ويتمهِ القديم  )

هذا العبور الجميل والعالي الجدير بالدراسة والاستقراء  عبر تجربته المؤكدة بنفس العذوبة والسلاسة وقوة التشكيل  المغمس بشفافية روح الشاعر التي تلتقط المؤثر  بنوع من الوجد الصافي مع الذات ليعيد صياغة الاختزان والتفاعل والكمون والاختزال بتعبيرية مدهشة لابد لها من التغلغل بنسيج الفكرة من اجل التقاط  صيغها التجريدية وجنوحها الى البوح , مشكّلا بذلك عذوبة التفاؤل وتجليات إخلاصه لحساسية رؤيته التي تتمرد متحررة من الصيغ المعروفة ومؤسساً للخطاب الإبداعي الذي امتلك  أدواته بتقنية الإيجاز , نزوعا لتأكيد شكل ديناميكي لايروي التاريخ الفعلي  لبدء الإبداع ولا يعبر عنه كفعل انما يطرح علينا  أسئلة محرضة لمخيلتنا .. من حيث ان المبدع دائم الحراك ضمن التمرد على العوائق مما يتيح له انتاج الأسلوبية .. محيطا إيانا على مدار المجموعة بتياراته المومئة , والمفصحة تبعا لحركته , وايضا يحيطنا بلا محدودية زمن الشعر؛ زمن لاينتهي كجسر ضوء بين زمنين  مشغولين بعفوية لها قوة وجاذبية الحكاية الأولى للحب والشعر والموسيقى , يحكي عن فرحه ويأسه , كمن يودُّ اختراق العالم بمجرد فكرة وهو لايريد أن يكون الفكرة ذاتها بل هو معناه الحافظ لركائز موروثه الموحي

برمزيته التي تشي بالاستفادة من الازدواجية المعرفية الفكرية لمعينه الثقافي الاثني بتداعيات الشرقي وطغيان التوازن على مفاعيل الكلمات المتباينة والمتمحورة على حركة وانتظار ..انسياب ونشوة اقرب الى الوجد والاندغام بالمحيط ,

سواء كان افقا حقيقيا او فكرة من سطور
مهرجانات الزهر وليالي قطاف النبض الذي اختزنته ذاكرته الطفولية طويلاً ,كاسلوب وانتماء بالتوازي مع خط الحنين , مزاوجا بذلك بين ثقافة الشرق والغرب كترجمة ابداعية لحرارة شرقه المتأصل بجزر ثقافته , واقعا ورمزاً يسجل انفعاله المختزن بحرقته وبين الصمت وحركة معابر الضوء والمفردة بتجلياتها الانفتاحية المتأثرة بثقافة الأخر المعاش والمُكون لمنحاه الحداثي كشفافيات حرة تتدثر زرقة الاطلسي, وعالمه الداخلي , متخلصا من القواعد والصيغ وصولا إلى التركيب الشعري الإيمائي وما يثيره من ايحاءات اكتنزت بخبرته التقنية عبر تماثلها لشتى الاتجاهات والمدارس الغربية..

جاءت نصوص سعد جاسم بما فيها من تنوع لتطرح
قلقه ومطامحه وانفعالاته وهواجسه, وما تشربت ذاكرته .. متطلعاً إلى ارتياد حقول وموضوعات جديدة تساهم بخلق منظومة لا تتكئ على المرجعيات والأشكال المعتادة و
إن كانت لاتتناقض معها .. بل كتجربة تحمل بطياتها ملامح شخصية عفوية بسيطة تفغو على بيادر النص الذي يؤكد حضوره الجمالي من حيث الحياة الت تحتضن نرجس الروح, مستمداً من تشكيلات الحداثة وإيماءات المخيلة بصور تولد احتمالات غير محدودة بظرف مكان , أو شرط غير التأملي لغبطة الروح وأحوالها حيث لا عتمة ولا تناقض مع مناخاته
المسكونة بالأمل, والاختزال الرشيق إلى ابسط مايمكن لتتبدى الغربة بتلك الشاعرية التي هي روح الفن,, وليدخل الحرف ملكوت الدلالات يعكسه فرحا وولادة وانتظاراًعلى تقاطيع الجسد وانحناءاته يتعداها الى ترجيع سطوة الرموز الاسطورية :

 

(_أُسمّيك
آشوريةً ويزيديةْ
أُسمّيكِ :
البتولْ
وشمسَ الحقولْ
أسمّيكِ :
عشتارَ
شبعادَ
مياسهْ
وفدعةَ البهيةْ
أُسمّيكِ :
بنتَ الهدى
وقطرَ الندى
وأُسميكِ : مريمَ المجدليةْ
* *
مولعٌ بكِ )
لأَنكِ تغمرينني
بكلِّ هذا الحبِّ
الحب – الرؤيا
الحب – الجوهر
الحب – اليقين
الحب – المعنى
الحب – الخلاصة
وأَنتِ خلاصةُ الحبِّ   )

* * *
مولعٌ بكِ )
لأَنكِ أَصبحتِ لي
في منفايَ بلاداً
و ” في الارضِ عن دارِ المذلّةِ مذهبٌ
وكلُ بلادٍ أَوطنت كبلادي  )


وسعد جاسم ينتج معاييره كعناصر دينامكية تضفي على النص أبعادا تأويلية تدور بفلك الإشارة , كعلاقة إبداعية عالية الهاجس عبر توليفات ذات ترميز يقوم بتوظيف جمالياته كثيمات خاصة به , وبروح الفن الذي يمنح استرخاء لغوياً لدى (سعد) وتوافق داخلي يصل الى الايقاع اللغوي , ابتداءاً بالعناوين وانتهاء بالاشراقات التعبيرية وتحريكها بين زمن وأخر؛ متجاوزاً محدودية الوقت التي تدور فيه أحداث كائناته , مما يجعل نصه قابلاً للإنفتاح على مضامين عدة وقراءات متعدده وهامة ,بإدراك خاص يستطيع إيصال محموله طبقا للحالات الشعورية التي يعيشها , ضمن شبكة العلاقات وميكانزم حر يسعى لتوسيع افقه المعرفي الإنساني
دون أن يتخلى عن خصوصيته التي تنتمي إلى الإبداع, لايجري على مألوف الأجناس الاثنية بل يمحور محتواها, بحيث تكون الكتابة الشعرية
نوعاً من سيرة تأملية, يمحو بها الشاعر التفاصيل المجزأة , متوازنا مع الإفصاح وأحوال القلب, ليزين صفحة البياض, بأحلامنا ونحن , نمارس الخيال ونؤججه بإلهام, هو يجدد نفسه بنفسه , ويغير المعنى كلما اطلنا التأمل لنقرأ الشعر بحواسنا هكذا بترسب طبقات القراءة, والمعنى ليظهر عميقا ماهو خارج المنظور أو الحيز , اعتماداً على حساسيتنا المستعجلة لمعرفة انفعالات أقدم من زمنها كحلم يجب أن لا يكتمل , قبل أن تقترب الروح من الجسد , تتمازج معه بشكل حقيقي وتتلاحق حتى لايحدها المكان , بل هي من يسع المكان حيث يصبح داخلها تماماً, ببساطة لان الصورة الشعرية هي حاجة الشاعر للتجسيد , ليس عليها ان تكون اعني الصورة رسولاً للفهم بل هي الاشاره للبريق الداخلي , مهما يكن المتخيل , كأنه أي المبدع خارج من السحر , ليخط تجربة الحياة , بشكل ما خارجا من قلبه , عبر أصابعه . أوليسَ الحب هو طريق إلى إرادة أرواحنا, غير المحدودة , كجزء من الحكاية والأسطورة والتاريخ والأصداء للزمن المألوف , وهو ينتقل من القلب إلى الذاكرة ثم الخيال كتجربة أولا ومهرجان قصيدة ثانياً من اجل عيش الأزمنة والأمكنة كلها, كحالة لايمكن مقارنتها بغيرها , يتكون الشعر شاهقاً بارتفاع مئذنة , هو بذات منظورة أو منحى الرؤية :

 

( منذكِ ….
أَصبحَ للصباحِ طعمٌ آخرٌ
هو طعمُ روحكِ
التي تفيضُ بنورِ اللذةِ
وبفراتِ الغزلِ المكشوفِ
وأصبحَ للصباحِ
لونٌ آخرٌ
هو لونُ النهرِ
الذي غادرَ عزلتهُ
وجاءَ وحيداً ليغفو في عينيكِ
وفي غابتكِ السوداء
لعلَّهُ ينسى رائحةَ الجثثِ

ويتطّهرُ من ذنوبهِ القديمةِ

 وأَصبحَ للصباحِ
إسمٌ آخرٌ
هو إسمكِ الذي لهُ
إنوثةُ  الندى
وغواية الذهب )


وباعتبار أن الغربة والمنفى , مصيراً اختياريا لديه وصيغة تصل ببعض حالاتها إلى حدود السيرة, الت تفتتح باحتفالية , مقسومة, إلى جزء مجازي وأخر راهن كصورة استعادية تحتفظ بشكل متناغم الإيقاع و استخدام شرطه الذي جاء( للمتروبول) الغربي محملاً بثقافته الأصلية مع حتمية التعاطي مع الظرف الثقافي الانثروبولوجي للمجتمع الذي دخله كاقتحام لثقافة المركز وكإضافة تساهم بصياغة هوية المتروبول ,ضمن مايسمى التجربة التاريخية التي تشيد المكان الذي يؤرق سؤال الثقافة والفعل الإبداعي برمته لان الثقافات هي نتاج خطابات معرفية مختلفة ومتغايرة بل أحيانا متنا قضة , إذ تنطوي على آليات خاصة بتشكلاتها وآليات قراءاتها من حيث استخدام اللغة للتعبير عن التجربة لا عن خصائصها, من حيث هي تركيب يعاش بشكل متواصل, فيكون برد الكلمات إلى واقعها.. انتصاراً لصالح الهامش أو تجربة الوافد  ضمن عالم الخطاب الذي يسكن الثقافة الكونية, كلقاء المكان والزمان للإبداع والكتابة :


أو مثل زقورةٍ )
منفيةٍ عن متنها
وتنافى عن مكانها
زمانُها ……..
وكذا … …….. نهرُها
طاغياً ….. …… عالياً
كما كوكبٍ فاتنٍ
صارَ …………
أو كما …. …… آلههْ
دائماً ………. أَسألها
لماذا ………. هيكلها ؟
صارَ مصطخباً …
وملتبساً ………..
وصارَ عبداً لها
وكذا ( هوْ ) إلهُها ؟
أَهذا آخرُها ؟
أَمْ هذا أَولُها ؟
الحكايةُ لمْ تبدأْ
بعدُ …………
و ….. أَبداً …
لمْ يبدُ ………
لا دليلُها ……
ولا مدلولُها ..
ولا دالُها  ) ……


وكعلامة دالة للفصل بين مقطع وأخر يقول مالا يمكن انجازه بالحروفية , مشكّلاً كثافة ظليلة من شجن, دون أن يصل إلى منطقة اليأس . إنه يرتفع بالروح , ليهيئ بمفرداته التنوع المفترض. إنَّ الحب لدى سعد جاسم صديق للإبداع والكتابة . صديق بغاية الالق والألفة ورحابة عنايتنا بالكلام , والمقدرة على الحياةالتي يجعلها حافزاً للقاء الروح بالجسد بكونه وعياً محققاً كطاقة حيوية للقصيدة و اقتراب من المعاني بغنائية عميقة يجعلها مدركة لذاتها عبر اللهفة كسفر الى حارات الحب الجديرة بأحمال النبض , وهو معني بتكريس الحب كقيمة وكشكل تعاطي, مع الواقع بمشاغبات المودة , ومواثيق القلب لمصالحة النسبي والمطلق, حد الموت الجميل ؛ هي الحبيبة وحدها المؤكدة , تسكب الفرح الذي لا تغتاله الأزمنة الرديئة :


للانتظارِ وقلقهِ المربكِ  )
لهيامي في جنوناتكِ
لولعي الصادحِ في براريكِ
لعواصفِ انفاسكِ تشعلني وتحلّقُ بي الى اعاليك الكوكبية
لما يعشوشبُ منكِ في خلاياي الصاهلة
لحضوركِ في ابعادي
ومجاهيلِ منفاي
لعسلكِ يدافُ كحناءٍ كي يشفي حنيني  )


كائن أدمنته الغربة و أدمنها . صار جزءً من ذاكرتها ورماد نارها . ترى ذاته التواقة إلى زمن أخر زمن الكائن الذي بحجم حنينه الماطر, يمارس الأمل أبداً ومسكو ن أبداً بالحب والحنين  والترحال منها إليها أنثاه التي تستنهض النبض  برهافة اللقيا والسفر الدائم , لا كحالة شعرية بل كحقيقة يتناولها بالمجاز والتشبيه والتخيل والاستعارة , يصيغ منها أساساً للصورة الشعرية . كمفهوم جمالي انطلاقا من الاستعارة والتي هي حسب ( الشيخ عبد القاهر الجرجاني ) ليست مجرد مفهوم جمالي بل آلية مولدة للجمالية المعنوية.. الت تتضافر منتجاتها لخلق الخيال الشفاف للجوهر. وتلك الحالة المتحققة لدى سعد كطاقة خلاقة من الدلالة والتأثير , وبهذا لم تكن الأنساق اللغوية عند سعد جاسم مباشرة بل مرتبطة بالعلاقة  مع عناصرها ضمن النص كحامل ومحمول قابض على الجزئيات النصية , التي تعين المعنى ابتداءاً بالاستفهام والتمني  والنداء كتنوع دلالي للغة مترفة بمسالك الحساسية , ويترك بمخيلته مكاناً للحظة التأثير القادمة , تلك التي تمنع الانهيار الداخلي كنتيجة منطقية لتماسكه الهش وكتخطي شعري لامتناه موغل لحد السطوة برسم حدود عالمه الذي تشعر بإنه موجود قربك وتستطيع ان تكون جزءاً منه. حيث علاقته بالحياة وتحولاتها , يرمم الانكسارات محفزاً المتلقي على واقعية التأمل , واستحضار التجربة التي تكمن في خصوصية الاتزان الواقعي وبين المتخيل الاسطوري البعيد عن التوازنات , ضمن التبسيط المختزل يتجاوز ملامح الشكل والرمز , إلى التوليف الجمالي للرمز المراد , يجسد أجواء حلمه كنوافذ على حكاية مستشفة من التأني , يستفيد من عوالمه الحية ومنهجه العقلاني المكثف . الذي يربط بين تكاوين الأشكال وحاملتها :


بمائي أَنا )
ياحليب الطينْ
ستكونينْ
أُنثايَ التي
تعاقرُ جوهرَ الأَشياء
(. وطقوسَ المستحيل

وبهدف إيجاد صيرورة التداعيات والإيقاعات المفرطة بحداثة التوازن  تشعر المتلقي عابرا أو متخصصاً بالمحتوى وترجمة الأحكام الذاتية الانفعالية , ومن هنا تتولد كما أسلفت إشكالية تحليل أو تقييم المجموعة المشبعة بالمزاج الشخصي , وهذا يجعل الإبداع وظيفة عصية على التعريف الأكاديمي. لتبقى أبوابه مفتوحة على الاجتهاد الجمالي المصاغ بمحتوى شكلي راقٍ ومضمون موضوعي  متوافق وآليات النص ضمن المجال الحيوي للمفردات والعناصر , كحالة توليف وتركيب توصيلي ينتهي بنا إلى اللهفة كحامل مادي للمعنى وخصوصية تشكيلات الشاعر النصية, التي لاتكتفي بالإيجاز بل تتجاوزه الى ربط القصيدة بذاتها ؛ أي حريتها حيث تشكل لحظة زمنية تتحرك بزمنها وتمشي باتجاه تفجير محتوياتها بالجوهر واللغة والتفاصيل المفتوحة على تقنيات عناصره . وهذا يعني ببساطة أننا علينا اكتشاف الإشارة العفوية المترامحة أبدا على متن التنويعات التأملية, بنوع من التركيز و الواقعية :


حبُّكِ
لهبٌ يُذكي روحي
ويضئُ خلاياي

حبُّكِ …
ندى ونبيذٌ
يمنحُني البسالةَ
وجنوحَ المخيّلةِ
والتحليقَ عالياً … عالياً
حتى الينابيع

حبُّكِ ….
تعويذتي
التي أَحترسُ بها
من الخيباتِ والحروبِ
ووحوشِ العالمْ )

.
مابين هدوء وانفعال, يواصل السكون والحركة المعفاة من الإجهاد ؛ مما يسجل له الانفلات إلى اللانهاية واللا محدود ,من المفردات اللغوية كتقصٍ للحرية , وكروابط تجربة معنية  باللغة وان اختلفت بسبل تعريفها , كصورة ذاتية على قدر من العمق في مكاشفاتها , التي تحل التوقفات فيها مكان الفواصل التي تدلل على فضاءات شعرية تتسع لحرية الروح , وحرقتها أيضا . يمزق صورته من أحوال القلب  لنشعر بالموسيقى العذبة لروحه كتعبير مرتجل , وكمنجز لتجربته أيضا يحقق الإمتاع ومناخات الإبداع, وهذا يجعلنا أمام مأزق توصيفي لان سعد ضمن تحولات أسلوبه وتقنياته من أفق الدقة إلى التطرف بالعفوي يربك التوصيف لصالح حيوية التشكيل الجمالي ؛ كحداثة شعرية وما بعد حداثة أو تجاور واقعي ورمزي , يقوم بكتابة النص داخل أعصابنا ذاتها وعلى خط توترنا أبدا. بمباشرة او بإيحاء , يجعل قلقه هو قلقنا بحيوية الانفعال , يحقق ذلك بدهشة الوقوف على باب المفردة الناقصة والتالية حتى تكتمل الرؤية ويأتي المشروع الخلاق الذي لايلغي الأصيل, بل يدعمه ويقدمه لنا بطزاجه المكتشف ونكهة المعتق :

كُلَّما أُحَدّقُ في مرايا عينيكِ )
أَراها تتلألأُ …
مثلَ سراجٍ كوكبيٍّ
وتتسامى نوراً وعشقاً
لتضيئَ عتمةَ العالمِ
الطاعنِ في خرابهِ الفاجعِ
وظلامهِ المُريبْ  )
* * *
يالعينيكِ المُتفرستينِ
والفرائسيتينِ
والفارستينِ
في إكتشافِ الجوهرِ- السريِّ وإستقراءِ

لغزِ
ومستقبلِ العالم )

ضمن منحى الحداثة الذي يتكئ على الموجودات ويحيلها صياغات بلغة الإيحاء وابعاده التأثيرية . هو واقع اختزالاته لمحصلات طاقة العناصر وتكويناتها بالتعبير الذي يسكنه ويشكل هاجسه الكامن أصلا في استيعاب , أدق التفاصيل والجزئيات, لاستكمال إيقاعاته يحاور فضة الجسد , بالشكل وبالتقنية المؤثرة , مفتشاً أبدا عن ومضة لكلمة تشبه الحبيبة أو تشبه الحرية :

( مامذاقهُا ضحكتكِ
بنكهةِ الرحيق ؟
أم بفرات الحنين والأغاني؟ )

و :

( أَنتِ كينونتي وكياني
وبكِ … أتألهُ )


على قيد الشاعرية ..  التي هي ملكوت الحرية بقدر ماهي ملكوت الجدلية حيث تحتاج لقراءة مجموعة سعد جاسم

أرميك كبذرةٍ وأهطلُ عليكِ ))
تحتاج لأن تتخطى ذاتك . وتصبح مؤهلا لاختراقها بالصمت والخيال والخصوصية المتفجرة حتى انبثاق القصيدة بانزياح شفيف, ذلك يعني جدل الشعر لصالح الابتكار .. بدون تقيم أو حكم قيمة بالضرورة

بل كحالة تستفزنا لمعاودة القراءة بتلك الحميمة بخطابه الشعري كمفتاح للدالة الذي يتجاوز المكان والجسد , مكتفيا بتقديم ملامحه من الداخل من زهرة الروح , بين الحرف ولحظة تجسيده كمساحة مشتعلة بالتواتر , انطلاقا من اللغة – الحب للأنثى التي وان كانت كائناً من لغة إلا أن جسدها اللغوي يتزامن مع مسار حركتها الخفية بتلك المساحة الخضراء الفاصلة بينهما , ككينونة متحصنة داخل العلاقات النصية, لنبض الحب بنسق مطابقة الكلمة والمسمى الذي كلما اتسعت المسافة بينهما , حضرت الشاعرية وكانت اللغة ربط بجذرها البياني :


لايفيضانِ الا )
بالحبِّ الشاسعِ
والدفء الجنوبيِّ
واغنيات الحنين
واصبحَ واديكِ الأَحمق
برزخاً مخيفاً
بينَ قلبينِ
كانا لايفيضانِ
الا :
بعسلِ اللذةِ
وماءِ الكينونةِ
الذي صيَّرَ لكِ
ملاكاً عجيباً
كانَ زينتكِ
ومرآةَ بهائكِ
مع عاشقكِ الفنتازيِّ )

إنَّ هذا الاشتغال هو تعاطٍ خاص بالشاعر . بمعنى السعي لمنح الخطاب الشعري صحته وهدوءه ومصداقية الدفق بأسرار الينابيع وابهات الدفء , قرب شفة الخلق والتكوينات يتجاور فيها نظام الحركة والشكل وتقلبات المعنى الذي هو الأصل المبكر لمفهوم النص الإبداعي ومخيلة المبدع . لتحولات لحظة الكتابة والفعل كحوار وتلاق بين الرؤيا والحقيقة الحاملة لأسئلة الوجد الانساني ومقدماته وتأملاته النابضة بنشيد التواصل الذي ينسجه ويبنيه سعد شكلا وصياغة. لكأن قراءة النص هي مقاربة لاختزال جديد يأهل لاستقبال محمولاته ؛ والحوار مع وحدات الاستحضار واستجلاء زمن الشعر وزمن الحكاية, بالملاحظة والتأمل الذي يتكشف عن تشابك وظيفي هام, يتعلق بالمتخيل وبالواقعي والمروي اللغوي, وكخطاب وجداني يحضن علاقة الذات ومعاناتها ,حيث الينابيع الأولى للانفعال الذي لا يبنى على التعليل بل على البراءة والانعتاق , لتغدو الكتابة حالة خلق وابتكار حاملة لصيرورتها ومجازها
مع معاناتها لا على مستوى المنطوق , بل ايضا على نطاق البنية الخارجية, ايضا بتوازي المعطيات المولدة لنمط تكوينها :

 

( لستُ معنياً
بأسمائكِ المُستعارةِ
والمُعارةِ
المُلغَّزةِ … الغامضةِ
كأقنعةِ الظلامِ
غرفِ الجنرالاتِ
وقلبِ اللهِ .
لستُ معنياً بكلِّ هذا
ولكنني معنيٌّ …
بروحكِ النافرةِ
الساحرةِ
والبريةِ
مثلَ نمرةٍ … أَو غزالةٍ
تضيقُ بجموحها البراري
والغاباتُ والينابيعُ
ولذا تهيمُ رو حُها
كما حمامةِ ضوءٍ
أو كما برقٍ مُكتضٍّ بالرغباتْ
وأمطارِ الغوايةِ
وعسلِ اللذاتْ
ومعنيٌّ أنا …
بقلبكِ العذبِ … الطفلِ
المجنونِ … الحكيم …العاشقِ
المشاكسِ … المقهورِ
والمهضومِ على البلاد
البلاد – الأُمهاتْ
البلاد – الأَراملْ
البلاد – الخساراتْ
البلاد – الذكرياتْ
البلاد – القاتلة – القتيلةْ
البلاد – أُمُنا الجليلةْ
البلاد – المستحيلة ْ)

كفعل من زمن حاضر ودائم لعلاقة الحب المغمورة بالأمل. لان الحب بمفهوم سعد جاسم هو ان تكون ابدا بموازاة الغيم الحالم بالهطول على كف الحبيبة كقطرة ري مشفوعة بعبق الرواء .. وقد اكتمل كل شيء داخله بلقاح الحياة وعطر الروح .

* أرميكِ كبذرةٍ وأَهطلُ عليكِ

مجموعة شعرية جديدة للشاعر

العراقي سعد جاسم .. وقد نُشرتْ

طبعتها الالكترونية في عدد من المواقع الثقافية .

* شاعرة وناقدة سورية

عن سمر محفوظ

شاهد أيضاً

قراءة في رواية “رقص السناجب” لعباس خلف علي

قراءة في رواية “رقص السناجب” لعباس خلف علي بقلم: شميسة غربي/ سيدي بلعباس/ الجزائر “رقص …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *