الرئيسية / دراسات / كامل حسين و جماليات اللون

كامل حسين و جماليات اللون

التشكيلي كامل حسين وجمالية اللون

أحمد بجاي – السويد

 

وظيفة الفن السامية هي توضيح المفاهيم ورؤية اللامرئي من تحت انامل وطموح الفنان لتقليل هذا الكم الهائل من الصور والاشارات التي يضج بها عالم اليوم وللوصول لفضاء اكثر صفاءا  وجمالا تتضح فيه رؤية الأعمال الجيدة, وهذا مانراه جليا في  جميع انواع الفنون تقريبا التي تبحث في اضافة شيئا جديدا الى الحياة اليومية المليئة  بالمرئيات ومهما يكن الفنان حذرا في توظيف ادواته الفنية فأنه يضيف في النهاية شيئا مغايرا للاشياء الموجودة مسبقا يكتب له الصمود في مسيرة الفن ولو لحين, واذا اخذ المرء وقته الكافي لتأمل عملا فنيا منفردا ووقتا اطولا آخر لتأمل مختلف التكنيكات الفنية الجمالية وعلاقتها بالبيئة (المكان) سيفاجأ بالمتضادات والمتباينات في زمن يرقص على دفوف المولود وطقوس المتوفي دون تمييز.

 

المفاهيم والتصورات

 

كامل حسين ( 1952 –  ) فنانا تشكيليا عراقيا يمسك بتلابيب المثلث المطاط  بين اللاتشخيصية التعبيرية والتحولات الديناميكية المحلية والعالمية المذهلة والمعايير الجمالية للوحة([1ٍٍ]) وكما قال الفنان نفسه في لقاء صحفي  ” وصلت الى التجريدية التعبيرية بعد ان قطعت مسافات طويلة في بحر التجريد. التجريد منطقة خطرة كالبحر, اما ان تبتلعك واما ان تواصل التجديف فيها, لكنني على يقين بأن المناطق الخطرة هي اجمل المناطق في الحياة, والتجريد ايظا مغامرة  قد يسقط فيها الفنان أو يواصل التسلق”([2]) ونلاحظ ان مسيرة الفنان, ابتداءا من معرضه الشخصي الأول 1975 على قاعة اكد في مدينة البصرة وانتهاءا بمعرضه الأخير 2006 على قاعة مدارات في بغداد, كانت ناشطة وواثقة متخذة من جمالية اللون مرجعية لها حيث تقلب الفنان بين الرسم التشخيصي واللاتشخيصي ليستقر اخيرا في احضان اللاتشخيصية التعبيرية([3]), وايظا اقام معرضا يتيما خلال ثمانينيات القرن الماضي حيث طالت الحرب العراقية الايرانية العراقيين والايرانيين على حد سواء.

 

ليس كل الاعمال الفنية تعكس وجه الفن بيد ان الكثير من المرئيات التي ليس لها علاقة بالفن تعكس وجه الفن بعد معاينتها وفحصها وهذا دليل على ان الاشكالات في تحليل المفاهيم والتصورات, على الارجح, لها علاقة وثيقة بجزئيات حياتنا اليومية وظواهرها المتكررة( الشكل واللون) التي عودتنا على الروتين وتقييم الافعال والمنجزات عموما وفقا لقربها او بعدها منا.

استقى  الاوربي, قبل قرن من الآن, مفاهيمه وتصوراته التشكيلية من  التقاليد الكلاسيكية واعمال بيكاسو او براك مثلا كانت بعيدة عن الاعراف والتقاليد الفنية السائدة انذاك ولكنها تبدو لنا اليوم قريبة من هواجسنا وعيوننا, اي بمعنى آخر ان اختيار بيكاسو وبراك للموضوعة الجمالية لم يكن مألوفا للنقاد ومتذوقي التشكيل حيث اعتبرها رواد الحداثة ثورة ليس فقط على مفهوم الجمال وانما ثورة على الاشياء المرئية في الواقع المعاش وتقريب اللامرئيات جماليا لاصحاب الأرشفة وتجار اللوحات والمتلقين انسجاما مع  حقائق وقواعد بناء المجتمع فنيا كما اشار بيكاسو لذلك في مقولته الشهيرة ” الفن اكذوبة يراد منها رؤية الحقيقة”

افكارا ومفاهيما كهذه او قريبة منها يعكسها لنا فئة كبيرة من الفنانين التشكيليين العراقيين الشباب ومنهم الفنان كامل حسين بلوحاته اللاهثة وراء تلمس مواطن الجمال في اللوحة  في مجتمع انهكته المفخخات والنحيب وطمع الآخرين في ثرائه الفاحش وطيبة اهله اللامتناهية كالمجتمع العراقي, وكما عبر عنها الفنان “اللوحة التي لاتسعد الجمهور ارميها في نهر دجلة”([4]).

 

 الفنون الجميلة والمتلقي

 

 

في احيان كثيرة في النقاشات الفنية حول مرجعيات الفن التشكيلي واقفاله يقع اللامتفقون في عالم الصور والاشارات المستوحاة من واقع الحياة اليومبة لتأخذ من  الضوء وفنون الشوارع(المكان) مرجعا لها ولاتختلف في اساسيات الجمالية السياسية, اي بعبارة آخرى ان الأماكن التي تمطرنا بآلاف الصور المفرحة والمحزنة, الأجساد المضرجة بالدماء, موعد مع الموت قد يكون غدا او بعده ليحترق الجسد او يغتصب, تأخذ على عاتقها مسؤولية ابراز النواحي الجمالية لجزء انساني وفعال من فكر سياسي يغلف الانسان المعاصر دون الارتباط يه سياسيا وهذا مانستدل عليه من قول على لسان الفنان كامل حسين ” على هذا العالم ان يستعيد وجده وجماله قبل ان يتشظى ويتحول الى مسخ, اريد اعادته الى برائته الأولى, لأنه اظن انه كان اجمل انذاك فالانسان حين اصبح كائنا كونيا صار بشعا وافتقد خصوصيته وتميزه”([5]).

 

يعتبر الضوء احد اعمدة حاسة البصر وكما علمنا العالم العربي ابن الهيثم بأن الأشياء المحيطة بنا ترسل اشعتها لأبصارنا  لنتمكن من رؤيتها وعدم وجود الضوء يعني انعدام الحياة بما فيها الفنون البصرية, الضوء اذن يحملنا على تمييز الألوان وتدرجاتها  والأشكال وحركتها ويساعدنا على رؤية خبايا الفنون وليس غريبا ان يكون رمزا للحكمة والتعقل وللرؤى الميتافيزيقية في كل المجتمعات على مر العصور ليحكم كامل حسين  قبضته على ادواته الفنية ويوظفها لزرع البهجة والأمل المتأصلين في عمق التاريخ العراقي الذي يمر الآن بمرحلته الدموية المظلمة.

قوة تأثير الفنون التشكيلية على المتلقي تكمن في التبصر في العمل الفني ابتداءا من مراقبة الفنان الناضجة لتطور عمله اثناء انجازه الى محاولة حصر وتوجيه عيون المتلقين لثيمة معينة مع اطلاق العنان للفنطازية في نفس الوقت ليتمكن المتلقي من اكمال قراءة العمل وفقا لمفاهيمه وتصوراته للحقائق والمنطق.

يقف المتلقي مبهورا أمام لوحات التشكيلي كامل حسين بما يمتلك من براعة في استخدام اللون ليقتحم بصر المتلقي ويجبره على اعادة النظر في التكوينات اللونية الصافية غالبا وعلاقتها الجمالية مع بعضها ومع الاشكال اللاتشخيصية المجاورة لها.

في لوحات الفنان الجديدة يغادر المتلقي العناصر الاولية للتلقي ليدخل في لعبة تأملية بصرية جديدة يتعمق فيها الوعي في دراسة وتحليل الكتل اللونية وتغيراتها في اللوحة الواحدة ليتفق فيها الفنان في اشد عطاءه مع وعي المتلقي, ولايحتاج المرء تأمل كل اعمال الفنان حتى يدرك ان كامل حسين يمتلك امكانية التطور كفنان تشكيلي ويبحث في انقاذ الفنون الجميلة من السقوط في الفنون اللاجميلة.  

 

 

 

 

 المراجع والهوامش

 

  1. شوكت الربيعي, يوميات رسام:

http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&task=view&id=6202&Itemid=149

  1. صفحة من موقع الفنان:

http://www.kamelhussein.com/images/press8.jpg

  1. تيار فني ظهر في اميركا في اربعينيات القرن العشرين.
  2. صفحة من موقع الفنان:

http://www.kamelhussein.com/images/press8.jpg

  1. نفس المصدر السابق.

 

 

عن احمد بجاي

شاهد أيضاً

قراءة في رواية “رقص السناجب” لعباس خلف علي

قراءة في رواية “رقص السناجب” لعباس خلف علي بقلم: شميسة غربي/ سيدي بلعباس/ الجزائر “رقص …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *