لقاء مع المستشرقة الألمانية الدكتورة لسلي ترامونتيني
أجرى اللقاء وترجمه إلى العربية : عامر تايه
1. لماذا اخترت الشعر العراقي؟
لماذا اخترت السياب كموضوع لشهاده الدكتوراه؟
عندما اقول ان ذلك كان مصدافة ان التقي بالشعر العربي لكان ذلك شيء غير مهم(مجاملة) لبديهية اللغة العربية وشعرها لكني هنا لااعني التقليل من اللغة العربية,انا اريد فقط ان اقول باني بالمصادفة التقيت باللغة العربية,كان ذلك عندما سجلت كمستمعة في جامعة الكويت وفي السنة الرابعة في مادة الادب العربي.هنا وللمرة الاولى قراءت قصيدة ايليا ابو ماضي الطويلة(جئت لااعرف من اين ولكني اتيت,ولقد ابصرت قدامي طريقا ومشيت,سابقى ماشيا ان شئت هذا ام ابيت,كيف جئت؟كيف ابصرت طريقي؟لست ادري).
اعجبني هذا جدا بسبب الوزن المنتظم وسهولته,كذلك قراءت انشودة المطر للسياب التي ابهرتني تماما.
اليوتEliot ذكر في احدى مقولاته انه لم يفطن فيما لو ان الشخص يقرأ الشعر بلغة اخرى,ان كان من البداية يفهم جميع الكلمات ومعناها الدقيق او حتى نغماتها الداخلية,وانا اعتقد انه كان على حق,وهذا ما ينطبق علي بالطبع, ان لم افهم شيئا بعد ذلك(بعد قراءة القصيدة) .
وانا لم اكن اعرف تاريخ العراق بصورة جيدة حتى افهم المضامين السياسية لانشودة المطر,لكني فهمت روح القيصدة,وكلماتها لامستني,لامستني في نقطة وهي اني عند رجوعي الى بلدي المانيا,وضد ارادة استاذي المشرف في ان اخذ السياب كموضوع لمناقشة رسالتي وافرضها عن حكمة وتقدير,وساكون بذلك من يعلم نفسه بنفسه,حيث ذلك الوقت وفي الجامعات الالمانية لم يكن العربي الحديث مقروئا نهائيا, وبعد ذلك والحمد لله تغير ذلك ولكني وكما يقال بدات من الصفر.
شخص حكيم اخر قال (حاول ان تعبر عن نفسك ,وسوف لايبقى لديك شيئا اخر سوى ان تكون مجازي).
السياب هو استاذ المجازية , في دراستي التي كتبتها قبل اربعة عشر عاما بحثت اسلوبه واستخدامه للمجازية في دواوينه الاولى او ديوانه انشودة المطر,فوصلت الى اثبات او حقيقة هي ان السياب كان وظل شاعرا رومانسيا حتى عندما يلاحق اهداف سياسية معينة.
لقد كان رجلا معذبا, وشاعرا,كان نعيم العراق يسره واحب شيئا الى قلبه وهذه الحقيقة تظهر خلال شعره.
ان سكنت عما ونصف في البصرة,وكنت اذهب دائما الى مدينتي السياب جيكور وابو الخصيب,وكانتا دائما تدهشاني وتفاجئاني…كيف يمكن لرجل من هذا المحيط ان يملك مثل هذه الشعرية العالمية وكلماته تقيد وتلبس العالمية في تعبيرها وشعرها.
انا لاادري (عالمية)او(ادب عالمي)المهم فقط هو ان يكون الوصف جيد,لكني اود ان اقول انه لاتوجد(معوقات)او عوارض ثقافية او صعوبة فهم يجب ان يتغلب عليها المرء حتى يفهم السياب.
عندما يشعر(ياجوادان ركيضان يعدو على جسمي التاريخ,يا جوادان شهيقان عيناي عيناي بالصخر الزنابيق).عندها يستطيع ان يشارك الالم والعذاب في هذه الاسطر دون معرفة الخلفيات السياسية والثقافية.
2 – من هو من الادباء العراقيين قريب او مشابه لااحد الادباء الالمان؟
4 – نازك الملائكة!..من كان لديه محاولات مثل محاولاتها في الادب الالماني؟
الحقيقة اني غير متخصصة في ادب المقارنة,حتى وان كنت اقراء واحاول متابعة الشعر الالماني وبما يتطلب ذلك,اذا لااستطيع ان ادعي اني متخصصة في هذا المجال,واقل من ذلك فيما لو اني ادعيت اني متخصصة في الادب العربي الحديث.انا اعرف جزء بسيط من هذا الطيف الهائل من الأدب.
الادب العربي وفي اكثر من 22 بلد عربي هو شيء انا غير قادرة عليه.انا مسرورة عندما استطيع ان القي نظرة على الشعر العراقي,وهنا كذلك من خلال عملي في لبنان استطيع ان القي نظرة على الانتاج الادبي اللبناني.
سؤالك اذن عن القرابة او الشبه بين الشعر العراقي والالماني,اجده من غير حاجة الى جواب.قبل كل شيء امانع دائما وابدا المقارنة على سبيل المثال بين Rilke والسياب,انا اعتبر هذه مقارنة مظللة ,اذ هنا اختلاف الوقت بين الشاعرين متباعد تماما,على الاكثر يستطيع المرء ان يقارن تاثير الشاعرين على مجتمعاتهم او على الاجيال التي تلتهم,هذا سيكون شرعي ويستحق البحث.
بالنسبة لنازك لااستطيع قول الكثير,قراءت سابقا بحثها العلمي الادبي وكنت معجبة بذكائها الذي افتقده قليلا عند السياب,الذي كان اكثر ضعفا في نظرياته الكتابية لكنه قويا في شعره,السياب يعاقب بشغعره كذبة نظرياته المشوشة.
5- كيف يستطيع القارئ الالماني ان يتذوق جمال الشعر العربي من خلال الترجمة؟
6- كيف تتذوقين الشعر العربي بدون ترجمة؟
سؤال جيد,وينطبق على جميع الترجمات,بالنسبة لي وعلى سبيل المثال من غير المتصور قراءة ريلكة او غوته بالانكليزية او الايطالية,لكن هذا هو رد فعل تلقائي, بالطبع الترجمات الموجودة للغات الاخرى هي جيدة,ولايهمني في هذه الحال ان قرأت لشكسبير بالالمانية وهذا يجب ان يشمل كذلك الشعراء العرب. انا كانت لدي الميزة هي اني استطيع قراءة الشعر العربي دون ترجمة وهذا ما افعله دائما ,اذ انا احب وزن ونغمة اللغة العربية,سواء في القصيدة الحرة او شعر ما قبل الاسلام(المعلقات),كذلك في الشعر الخطابي البليغ في الكلاسيكية الحديثة لبدايات القرن العشرين,وفي جميع الاحوال وهذا هو تصوريوان الشعر العربي يجب ان يسمعه المرء حيث بعدها يبهرك ويستحوذ عليك بشدة.
في الترجمة يفقد الشعر حدته,وهذه هي قوة الاستحواذ والبداعة.عندما اترجم الشعر احاول قدر الامكان ان احافظ على الحس وايصاله,لكن هنا يعاني الوزن, والنغمة(عندما عندما يقارن مع الاصل),كما اقول لكل متجم..اترك تنظيم القافية بحق الشيطان,اذا كان في الاصل قافية,فانا اعتبر ذلك جهد بدون داعي,القلب والالم تقفى في الالمانية وتؤثر بالتاكيد في ادراكنا للحب والعالم والمعاناة,لكن في اللغات الاخرى تكون الكلمات (القوافي) حس آخر هو الذي يؤكد الادراك.
8- البلاغة ! هل ان اللغة العربية هي اغنى بها من الالمانية؟..هل هناك صعوبة في ترجمة بعض الكلمات؟
اغنى؟..افقر؟..انا لااعرف ان كان بالامكان قياس غنى اللغة,كم كلمة توجد للاسد..الجمل او الصحراء,انا اعتقد,تكون اللغة غنية اذا استطاع المرء الوصول الى الكلمات وظلها بدقة, واذا استطاع اللعب بالكلمات ايضا,وكما يقال ان يستطيع المرء تحويلها كمادة ملموسة.
اذا انا غير متاكدة ان كانت اللغة العربية غنية ظمن هذه الحالة.بالتاكيد توجد هناك صعوبات في ترجمة بعض الكلمات,لكن هذه الصعوبات تظهر عادة اكثر
عندما اترجم الشعر القديم,حين يتكئ الشاعر على المثالية(الغرائب) القديمة ويزين لغتها بقصد.
في ترجمة الشعر الحديث لايمكن ان تظهر مشاكل لغوية اكثر مما تظهر معنويا.
7- لماذا اخترت في بحثك الحالي شاعري العشرينات..محمد مهدي البصير وحبيب العبيدي الموصلي؟
بالصدفة ايضا وقعت على هذين الاختيارين,عندما عملت ومن منظار اجتماعي على عشرينات القرن في العراق وثورة العشرين,هنا وجدت قصائد الشاعرين مدونة تقريبا في كل الاعمال التاريخية العلمية العراقية.
وهذا ما جعلني محبة للاستطلاع. وخلال زياراتي المنتظمة لبغداد في الاعوام الاخيرة حاولت الحصول على دواوينهم. محمد مهدي البصير هو نومعا ما معروف ولكن العبيدي يظهر لي انه في طي النسيان تماما.
شعرهم الذي انشغل به وبالاخص الشعر الثوري لثورة العشرين ربما في بعض وجهات النظر الجمالية ليس قيما بصورة خاصة,لكن رغم بلاغية الشعر ولهجته الدعائية(والتي هي بالطبع مصممة للتعبئة والحشد الكبير)كان مهما جدا.وبالاخص الان عندما يعيد التاريخ نفسه يظهر ان العراقيين سيدلفعون عن انفسهم بعد احتلال غربي جديد,انا اجد بحث المقارنة سابقا واليوم لها دلالة كبيرة جدا.حيث سابقا جاء البريطانيون ودخلوا مع المقولة (محررين وليس فاتحين). وكلمة.. كلمة تتكرر الحجج الان ومن دون ان تتغير الاجواء السياسية وبدون شكوك ان كثير من العراقيين قد ازيح هم عن كاهلهم عندما تخلصوا من الحكومة السابقة.
سابقا كان الشعراء البصير والعبيدي وفي جميع الاحوال,ملك القوة الدافعة للثورة.انا متشوقة اليوم لمعرفة كيف ستقمع المقاومة الادبية ضد الوصاية الغربية,اذا سافرت الى بغداد في تموز المقبل ان شاء الله اتمنى ان اجد واسمع ماذا سيقول شعراء اليوم على هذه الحالة ومتى واين سيجدون صوتهم.
9- المرأة عند نزار القباني السياب,هل هي نفس المرأة التي يتحدث عنها الاثنان؟
انطباعي هو.ان المرأة مختلفة تماما في روح كل شاعر منهم عندما يشعرونها.نزار القباني يظهر انه محب للحياة وان استطاع المرء الحكم عليه فهو كان رجلا سعيدا,وان شعره العاطفي مفرح,منشرح الصدر,مسيطر وفكه.بينما السياب وبالتاكيد يشعر اكثر شيء بانه معذب من النساء او انه يعاني من الم الحب,او حب غير سعيد.
اجرى اللقاء وترجمه الى العربية : عامر تايه