الرئيسية / دراسات / التابو في الفيلم الديني

التابو في الفيلم الديني

قراءة في واقع إنتاج الأفلام الدينية العربية

التابو في الفيلم الديني

د. حسن السوداني

باحث عراقي مقيم في السويد

Hassansudany@maktoob.com

” يمنع ظهور صورة الرسول(ص) صراحة أو رمزا أو صورة أحد الخلفاء الراشدين وأهل البيت والعشرة المبشرين بالجنة وسماع أصواتهم وكذلك إظهار صورة السيد المسيح وصور الأنبياء بصفة عامة وعلى أن يراعى الرجوع في كل ما سبق للجهات الدينية المختصة”

وزارة الإعلام والثقافة المصرية

لجنة الرقابة على المصنفات الفنية

الفقرة (5) من قرار رقم 220 لعام 1976

ـ ليس هناك باطل على وجه الأرض أبطل من التمثيل ـ

الفقيه أحمد بن الصديق

إقامة الدليل في حرمة التمثيل

ـ لا مانع من تشبه الرجال بالنساء, والنساء بالرجال في التمثيل ـ

الإمام حسن الشيرازي

الشعائر الحسينية

ـ أجمع علماء المسلمين على تحريم تقديم الشخصيات الإسلامية في أعمال فنية ومن ينادي بأن هذه الأعمال تعطي صورة للإسلام وتساعد الغرب على فهمه واعتناقه أيضا أقول هذا هراء.. ـ

الشيخ يوسف البدري

عضو مجمع البحوث الإسلامية

مفتي الشارقة السابق

ـ الغناء ليس حراما على إطلاقه أو حلالا على إطلاقه.. وأن العبرة بالمعنى… الرسول(ص) حينما كان يحفر الخندق هو وأصحابه في غزوة الأحزاب كانوا يرددون بعض الأغاني بغية طلب العون والمدد .

شيخ الأزهر

محمد سيد طنطاوي

ـ أن الحياة تتغير وأساليب الدعوة في الماضي كانت مختلفة, وإلا فعلينا أن نمتنع عن استخدام أساليب التكنولوجيا الحديثة لأنها لم تكن موجودة في عهد النبي ـ

مصطفى العقاد

مخرج فيلم الرسالة

واجهت السينما ومنذ نشأتها الكثير من الأسئلة عن مدى جدواها وبالتحديد في النواحي غير الترفيهية, وكتبت الكثير من البحوث عن مدة تأثير السينما على المشاهدين كالعنف والجنس والقيم الاجتماعية والدينية, إلا أن الفلم الديني ظل بمنأى عن الدراسات المعمقة وعانى كثيرا من إشكاليات الإنتاج وابتعاد المنتجون عنه مقارنة بغيره من الأفلام, وذلك لما يتعرضون له من مشكلات تصل في كثير من الأحيان إلى تحريم عرض الفلم ومقاطعته ومنع عرضه في صالات العرض الجماهيرية كما حدث مع معظم الأفلام الدينية العربية المنتجة في مصر فضلا عن أفلام الرسالة والقادسية والمهاجر وما لاقاه فيلم( محمد خاتم الأنبياء) المنتج بتقنية الرسوم المتحركة من نقود شتى على الصعيدين الفني والديني. ولعل عنوان دراستناالحالية يحمل في طياته عددا من الأسئلة الملحة التي تطرح في ميدان السينما العربية اليوم بعد أن تحولت السينما إلى ميدان واسع وجذاب في تمرير الأفكار والمعتقدات بطريقة فعالة وخاصة طريقة تناولها للأحداث ودخول السياسة هذا الميدان وأثر ذلك في الرأي العام .

الدين والسينما:

مما لاشك فيه أن السينما العالمية انتبهت بصورة مبكرة لأهمية السينما في توصيل الأفكار بطريقة سهلة وسريعة أكثر منها في الكتب أو باقي الوسائل المتاحة خاصة بعد أن أعلن علماء تكنولوجيا التعليم أن الصورة الواحدة تعادل أكثر من عشرة آلاف كلمة, والصورة كما يرى       ( جون لوك غودار) تحتوي على جانبين متعارضين ومتكاملين, هما الجانب الدلالي, أي( ما يقال) والجانب الجمالي, أي ما يتضمنه الخطاب دون قوله مباشر, بل هو منغرس في ثنايا الخطاب ورموزه الموحية)(1). وإذا كان النص الأدبي(رواية, قصة) يمكنه (أن يدمج متلقيه في تركيبة ملامحه) كما تقول جوليا كرستيفا في كتابها (علم النص) فأن السينما يمكن أن تلعب دورا محوريا في توجيه سلوك الأفراد مثلما هي وسيلة فعالة لتوجيه أهدافهم واتجاهاتهم داخل المجتمع وذلك لعدة أسباب يلخصها( روسك) بـ:

1/ يضع الناس أنفسهم في موضع الأبطال, ويتقبلون بطريقة لا شعورية الاتجاهات التي يعبرون عنها, والأدوار التي يقومون بها.

2/ الأفراد الذين يعانون من المشاكل المختلفة يتقبلون بطريقة لا شعورية, أو شعورية, الحلول التي تقدمها الأفلام كحلول لمشكلاتهم الخاصة(2).

ويتم ذلك عبر مفهوم التراكم, وهو مفهوم تستعمله السينما كثيرا من خلال قوة تأثير الصورة وفنية صناعتها ويكمن أثر هذا التراكم من المشاهدات على المتلقي في صياغة الشخصية بمواصفات معينة تحددها مضامين المنتج السينمائي والفرد عندما يتلقى الرسالة من السينما بشكل تحكمه خاصتان هما:

1/ الأرجاء: بمعنى أن التأثير على الجمهور لا يبدو مباشرة بعد التلقي, بل لابد من مضي زمن يسمح بتراكمها واختمارها وفقا لقوانين نفسية محددة.

2/ الكمون: حيث تكمن التأثيرات التي تعرض لها الجمهور وهي ليست تأثيرات مادية ظاهرة يمكن رصدها بسهولة, بل تأثيرات تعبر عن نفسها في مواقف تستثيرها للظهور في شكل استجابات(3).

وأول من أنتبه إلى تأثير السينما في كل ذلك هم رجال الدين المسيحيين والمبشرين منهم على وجه الخصوص وبدؤوا بإنتاج سلسلة أفلام التوراة مثل ( الوصايا العشــر) و( سادوم وعمورة)       لـ( سدي ميل) و( شمشون و دليلة) لـ( وليم ويلر) وبعض الأفلام الدينية التي تناولت حياة السيد المسيح أبان دعوته وما لاقاه من عنت وتعسف من الدولة الرومانية كفيلم( ملك الملوك) ولتستمر دون توقف رغم ما يعترضها أحيانا من انتقادات ودعوات لمقاطعة هذا الفيلم أو ذاك ومن بينها فيلم (التجربة الأخيرة للمسيح) الذي قوطع في العديد من الدول وأحرقت بعض دور السينما التي أصرت على عرض الفيلم والذي صور السيد المسيح بطريقة لا تتفق مع المعتقدات المسيحية. كما تذكر مجموعة تطلق على نفسها (شهود يهوه) أنها أول من أنتج فلما ناطقا عن رواية (أيام الخلق المصورة) تناولت فيه مواضيع عديدة ابتداء من خلق الأرض إلى” نهاية ملك المسيح” وبوشر العرض عام 1914 بحضور بلغ 35000 مشاهد كل يوم(4) وقد أعقب ذلك إنتاج عشرات الأفلام السينمائية التي اتخذت في كثير من الأحيان شكل المسلسل الفيلمي متناولة حياة الأنبياء والرسل, ولم تتوقف هذه الإنتاجات حتى اليوم.

ولعل أولى المحاولات العربية في هذا الباب كانت للفنان المصري يوسف وهبي الذي حاول تجسيد شخصية الرسول(ص) في السينما بالتعاون مع المخرج وداد عرفي في عام 1926, وقد جوبه بانتقادات شديدة من قبل علماء الأزهر الذين رفضوا ظهور الشخصيات المقدسة في السينما وأجبر يوسف وهبي على تقديم اعتذار علني عن فكرته هذه تحت ضغط الإكراه الذي وصل بالملك فؤاد إلى التهديد بحرمانه من الجنسية المصرية إذا أصر على تأدية الدور!! وكانت هذه أول مواجهة بين “الفن الجديد” والمؤسسة الدينية تنتهي لصالح الأخيرة بسهولة مطلقة!! بل وقد عززت من مواقف رجال الأزهر ضد هذا الفن واعتبروه رجس من عمل الشيطان وطالبوا بمزيد من الرقابة على الأزياء والحوار, وقد أدى ذلك إلى انصراف السينما إلى محاكاة الحياة الأوربية أسلوبيا وقضايا حياتية وابتعادها عن إنتاج الأفلام الدينية لمدة ربع قرن كامل وأكثر من نصف قرن على بداية الفن السينمائي في مصر والعالم قبل أن يظهر إلى النور أول فيلم ديني عربي يحمل عنوان(ظهور الإسلام) عن قصة( الوعد الحق) لطه حسين ومن إخراج إبراهيم عز الدين. وقد استقبل الفيلم بترحيب كبير من الجمهور العربي في كل مكان وقف معه رجال الدين موقفا متباينا بين الرفض القاطع والتأييد المشروط بـ(الاستغناء عن مغريات الجسد بانطلاق الروح, وعن اللذات الملموسة بالنشوة المحسوسة, وأن يخاطب القلوب والعقول خطابا واضحا مستنيرا حتى يحس الجمهور بأن السينما ترتفع به إلى ربه ولا تنزل به إلى حمأة الشهوات         والالتزام بالملابس الشرعية بالنسبة للنساء, فلا يظهرن كاسيات عاريات بما يشف ويكشف ويجسم ولا مائلات مميلات بما يغري ويقلد والابتعاد عن الأحضان والقبلات بعدا نهائيا) (5) وكان

الموضوعة الدينية في الأفلام العربية:

الحديث عن كيفية تناول الموضوعة الدينية في السينما العربية يقتضي منهجيا التمييز بين نوعين من الأفلام السينمائية هما:

1/الدين موضوعا رئيسيا للفلم وهذا يشمل اثنتي عشرة فيلما أنتجتها السينما المصرية وفيلم الرسالة الذي أنتجه وأخرجه الفنان السوري الأصل مصطفى العقاد, وهو ما سنتناوله في هذه الدراسة.

2/ الدين موضوعا فرعيا, وهذا يشمل العديد من الأفلام العربية التي أنتجت عبر حقبة زمنية قاربت القرن من الزمان. فضلا عن فلمي القادسية, الذي أنتجته شركة بابل ودائرة السينما والمسرح العراقية والمقاطع منذ أكثر من عشرين عاما من قبل الأزهر وفيلم المهاجر ليوسف شاهين, وسنفرد لها دراسة خاصة لاتساع مساحة البحث في هذا الموضوع.

كما يود الباحث الإشارة إلى أن هدف البحث الحالي هو دراسة الأفلام ذات الموضوعة الدينية المنتجة في البلدان العربية وبالتحديد جمهورية مصر العربية مع وجوب التذكير بوجود أفلام سينمائية ينطبق عليها هدف البحث ولكنها أنتجت بلغات أخرى في دول إسلامية مثل جمهورية إيران الإسلامية سيخصص لها الباحث دراسة خاصة في المستقبل.كما يستثني البحث الحالي أفلام الرسوم المتحركة ذات الموضوعة الدينية .

وقبل الخوض في دراسة هذه الأفلام لابد من الدخول في الموضوعة الأكثر شائكية في هذا الباب وهو موضوع التحريم الذي لازم موضوعة الفن بمختلف أبوابه وما هو موقف المؤسسة الدينية بمختلف أطيافها المذهبية أو مستوى اعتدالها من موضوعة إنتاج الأفلام الدينية.

ماهية التحريم؟

يتلخص موضوع التحريم لدى السلفية الإسلامية اتجاه التمثيل في المسرح أو السينما بفكرتين أساسيتين هما التحريم بالموضوع والتحريم بالذات وفي هذا الباب أسهب الناقد حسن بحراوي في ذلك عبر مناقشته لرسالة الفقيه أحمد بن الصديق المعنونة( إقامة الدليل في حرمة التمثيل) الصادرة في القاهرة سنة 1953(6). فحرمة الموضوع كما يرى أصحاب هذا الاتجاه ترى الفن مباح وأن حكمه هو حكم موضوعه فإذا كان الموضوع شائنا ويمس الحرمات فهو محرم وما كان غير ذلك فهو مباح. وأما التحريم بالذات فهو تحريم على وجه الإطلاق وهو من أكبر الكبائر والمحرمات وفيه أسباب عامة وأخرى خاصة, فالعامة هي تلك التي تخص البدع وعلى اعتبار أن التمثيل هو نوع من البدع بل هو شر البدع ومن ابتكار الكفار وجاء بسبب الاستعمار الإفرنجي!! والتشبه بالكفار محرم( ليس منا من تشبه بغيرنا) (7) ويرى الباحث أن حقيقة تفسير هذا الحديث قد اختلف فيه علماء الدين وخاصة في مفهوم التشبه أولا وموضوع أصل التمثيل ثانيا, فالأول يبتعد كثيرا عن تفسير صاحب رسالة التحريم, فهل كل ما يأتي به الاستعمار أو الكفار أو الإفرنجة هو من الكفر ولا يجوز الأخذ به!!؟ وهنا يتوجب علينا ترك كل التقنيات الحديثة من الكهرباء حتى العلاج بالليزر على اعتبارها من ابتكارات العقل الاستعماري حسب رأي الفقيه بن الصديق!! الذي يذهب في دعم رأيه في التحريم بالقول( التمثيل من اللهو الباطل واللعب المذموم شرعا وعقلا حيث يذهب الممثلون …. إلى تقمص أدوارا تحط من إنسانيتهم فيصبحون قردة وخنازير… ويجعل الممثل نفسه حمارا يمشي على أربعة.. وتارة يجعل نفسه حاملا ذات بطن منتفخ ثم يجلس للولادة… ويخلص بن الصديق إلى القول أن التمثيل هو من قلة الحياء والإخلال بالمروءة وضياع للوقت ووسيلة لتبذير المال وما يقوم به الممثلون هو حرام ملعون محرم شرعا) (8) أما الأسباب الخاصة في الحريم فهي تلك التي تخص تمثيل الأشخاص المعينين أو غير المعينين ويسوق في ذلك العيد من أخبار الصحابة وعن نهي الرسول(ص) لهذا الفعل الشائن ويختم بن الصديق هذا الباب بفتوى( ليس هناك باطل على وجه الأرض أبطل من التمثيل)!!. والغريب في الآمر أن بن الصديق قد بنى مناقشته لفن التمثيل على اعتبارات عدم التميز بين الواقع والخيال الذي يعتمده فن التمثيل أساسا في بنيته التكوينية ولا يمكن الخلط بين مفهومين متناقضين في مناقشة موضوع واحد!! وهل يجوز معاملة المتناقضات على درجة حكم واحدة!؟ وكما ذكرت فقد اختلف علماء الدين في تفسير موضوع التشبه ومدى حرمته فقد ذكر الإمام حسن الشيرازي في كتابه( الشعائر الحسينية)(9) الكثير من مواضع التشبه الإيجابي في القرآن الكريم كتشبه نور الله تعالى بمشكاة. وفي كثير من الأحاديث الصحيحة تشبيه الأمام علي(ع) بالأسد أو يعسوب النحل وتارة بالزناد القادح, وفي موضوع التشبه أيضا يفرق الأمام بين التشبه الدائم والمؤقت فالتشبه الدائم هو حرام ومكروه ونص عليه الحديث الشريف ( لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) وفي حديث أخر( لعن المخنثين من الرجال المتشبهين بالنساء والمترجلات من النساء المتشبهات بالرجال) وهذه الأحاديث تنهى عن التشبه الدائم, أما التشبه المؤقت فهو ما يحصل في حالات التمثيل الشائعة اليوم ويورد الإمام نصا واضحا بالقول( لا مانع من تشبه الرجال بالنساء, والنساء بالرجال في التمثيل)(10) ولكن هذا الرأي العلمي المفتوح تقابله العديد من الآراء المتشددة المغلقة التي ترفض مجرد مناقشته وتصر على التحريم المطلق لهذا الفن, فيذكر الشيخ يوسف البدري, عضو مجمع البحوث الإسلامية ومفتي الشارقة السابق: التمثيل نفسه ليس له هدف إسلامي فالإسلام عندما جاء حرم هذا الفن تماما.. والسيدة عائشة(رض) كانت تشكو للرسول(ص) من امرأة ظلت تحاكيها وتفعل مثلما تفعل فقال” مه” يا عائشة.. أي توقفي, أن الله قد نهانا أن يحاكي بعضنا البعض ونتشبه بالآخرين. وقد أجمع علماء المسلمين على تحريم تقديم الشخصيات الإسلامية في أعمال فنية ومن ينادي بأن هذه الأعمال تعطي صورة للإسلام وتساعد الغرب على فهمه واعتناقه أيضا أقول هذا هراء.. فهل الذين أسلموا في أمريكا كلهم شاهدوا مسرحية أو فيلما عن الإسلام؟ وأفلام صلاح الدين والشيماء, ماذا فعلت للإسلام؟ هل زادت معدلات المسلمين بعد عرضهما؟ وهوليود قدمت أكثر من 1500 فيلم يسب الإسلام والمسلمين ومع ذلك أسلم الكثيرون بلا أفلام أو أعمال درامية وعندما كنت في نيويورك جلست مع بعضهم وقالوا لي أننا قرأنا عن الإسلام الكثير بشكل أذهلنا وشرح صدورنا فكان اختيارنا الشخصي لدخول الإسلام ولم يقولوا شاهدنا فيلم كذا(11). والذي يتفحص رأي الشيخ البدري يجده مليء بالثغرات والانفعالية واستخدام المفردات التي لا تعبر عن روح التسامح الإسلامية الرفيعة, فضلا عن استخداماته لأدلة غير علمية ولا تجوز في البحث العلمي من قريب أو بعيد كقوله ( جلست مع بعضهم وقالوا لي)!! وإذا كانت هوليود أنتجت 1500 فيلم ضد الإسلام والمسلمين كما يقول البدري أفلا يجدر بالمسلمين أن ينتجوا أفلاما وبرامجيات تدافع عن الإسلام أو تزيح هذه الصورة السيئة التي لحقت بهم من جراء ماكنة الدعاية المضادة الموجه ضدهم؟ خاصة إذا ما عرفنا مدى التأثير الفعال الذي تحدثه وسائل الإعلام في تغير الرأي العام في كل مكان وخاصة في الغرب الذي يعتبر الإعلام جزء من مفرداته اليومية. والمشكلة التي واجهت معظم الأفلام الدينية ومنها فيلم الرسالة هي عينها التي واجهت فيلم القادسية للمخرج صلاح أبو سيف والمنتج عام 1979 والذي أصبح جاهزا للعرض في عام 1981وقد منعت لجنة الأزهر عرضه جماهيريا. وجاء في نص المنع( تدور أحداث هذا الفيلم حول الصراع بين العرب والفرس وانتصار العرب في معركة القادسية بقيادة الصحابي سعد بن أبي وقاص(رض) واللجنة التي شاهدت هذا الفيلم ترى أنه قد خرج على ما أجمع عليه علماء المسلمين وأقره مجمع البحوث الإسلامية من منع تمثيل شخصيات العشرة المبشرين بالجنة وسعد بن أبي وقاص(رض) بطل هذه الملحمة واحد من هؤلاء المبشرين العشرة)(12) ويستند هذا المنع في الأصل إلى قرار وزارة الإعلام والثقافة المصرية رقم 220 لعام 1976 بشأن القوانين الأساسية للرقابة على المصنفات الفنية, وتنص الفقرة الخامسة منه على” منع ظهور صورة الرسول(ص) صراحة أو رمزا أو صورة أحد الخلفاء الراشدين وأهل البيت والعشرة المبشرين بالجنة وسماع أصواتهم وكذلك إظهار صورة السيد المسيح وصور الأنبياء بصفة عامة وعلى أن يراعى الرجوع في كل ما سبق للجهات الدينية المختصة”.هذا القرار في حد ذاته قد ساهم بصورة أساسية في ابتعاد المنتجين والمهتمين بهذا النوع من الأفلام عن إنتاجها خشية الوقوع في شرك قرارات المنع وتدخل علماء الدين في تفسير كل شاردة وواردة مما يعيق حرية التفكير والإبداع في تناول الموضوعات, والمشكلة تتكرر كلما أقدم مخرج أو منتج على التفكير في تقديم عمل جديد يتناول موضوعا دينيا ولعل ما حدث للمخرج المصري يوسف شاهين في عمله المهاجر 1992 خير دليل على ذلك فقد وصل الموضوع إلى حد الحسبة التي أقامها أحد المحامين لوقف عرض الفيلم ورفض الأزهر الفيلم بشكل تام كونه يجسد شخصية أحد الأنبياء” النبي يوسف(ع)”. وتحت ضغط الأزهر أضطر المخرج لإعادة كتابة سيناريو الفيلم كما غير أسم الفيلم من “يوسف وأخوته” إلى ” المهاجر” كما اضطر أيضا إلى كتابة مقدمة تعرض في بداية الفيلم تنص على أن الفيلم لا يتعرض لشخص من الأنبياء ولا علاقة للفيلم مع قصة النبي يوسف(ع) ولا تمت بصلة إلى أية أحداث تاريخية. إلا أن الأزهر قد رفض الفيلم رفضا قاطعا بحجة تحريم تجسيد الأنبياء على الشاشة.

ومما تقدم يتضح أن معظم الأفلام الدينية التي أنتجت داخل مصر وخارجها قد تعرضت إلى الكثير من الاعتراضات والمنع من قبل لجنة الأزهر على الرغم من بعض الفتاوى التي صدرت من قبل علماء الأزهر وخاصة في موضوع الغناء في الأفلام أو خارجها ومنهم شيخ الجامع الأزهر”جاد الحق علي جاد الحق” الذي أفتى بعدم حرمة الغناء والموسيقى إلا إذا اقترنا بمعصية(13) كما أفتى شيخ الأزهر الحالي” محمد سيد طنطاوي” بأن الغناء ليس حراما على إطلاقه أو حلالا على إطلاقه.. وأن العبرة بالمعنى.. فإذا كان يدعو إلى مكارم الأخلاق فهو حلال وإذا كان يدعو إلى الرذائل فهو حرام.. فالرسول(ص) حينما كان يحفر الخندق هو وأصحابه في غزوة الأحزاب كانوا يرددون بعض الأغاني بغية طلب العون والمدد(14). وتنسجم هذه الفتوى مع موضوعة التحريم بالموضوع التي تأخذ بها السلفية الإسلامية التي ذكرناها في بداية الموضوع.

الأفلام الدينية:

يرى البعض أن مصطلح الفيلم الديني مصطلح مشوش ومتداخل مع مصطلحات أخرى كالفيلم التاريخي أو الأسطوري أو فيلم الأزياء, ولعل أقرب تعريف للفيلم الديني قد جاء في معجم الفن السينمائي بخصوص الفيلم التاريخي الذي نص على(أنه فيلم يصور الأحداث التاريخية التي وقعت في مرحلة أو أكثر من مرحل التاريخ. وهو الفيلم الذي يعرض مسيرة بطل من أبطال التاريخ الذين لعبوا دورا خطيرا, في عصر من العصور الماضية. وقد يكون موضوع الفيلم مأخوذا من واقع الحياة أو مؤلفا من وحي الخيال. وقد يتعرض الفيلم لمرحلة معينة, في عصر من العصور, أو ترجمة علم من أعلام التاريخ, أو قصة من روائع الأدب العالمي, التي تعرض صورة من حياة الماضي البعيد أو القريب, وقد يعرف بفيلم الأزياء أي الفيلم الذي يعتمد الأساليب القديمة أو التاريخية في الأزياء والأثاث)(15) ومن يستقرئ هذا التعريف يجد تداخلا في مضامين المصطلحين فالفيلم الديني لا تخرج موضوعاته عن ما ذكره التعريف أعلاه فهو غالبا ما يتناول مرحلة معينة من التاريخ الإسلامي أو يترجم لحياة علم من أعلام الإسلام أو ولي من أولياء الله الصالحين أو قصة من القصص التي تتناول جانب معين من الدعوة الإسلامية, وهي ذات الموضوعات التي تناولتها السينما المصرية عبر اثنتي عشرة فيلما للفترة ما بين 1951ـ 1972 والتي تم اختيارها في هذه الدراسة والأفلام هي:( ظهور الإسلام, انتصار الإسلام, بلال مؤذن الرسول, السيد أحمد البدوي, بيت الله الحرام, خالد بن الوليد, الله أكبر, شهيدة الحب الإلهي, رابعة العدوية, هجرة الرسول, فجر الإسلام, الشيماء) . ومنذ عام 1972 توقفت السينما المصرية عن إنتاج هذا النوع من الأفلام , ولم ينتج بعد هذا التاريخ سوى فيلم الرسالة للمخرج مصطفى العقاد السوري الأصل والأمريكي الجنسية والذي يعد اضخم إنتاج سينمائي يتناول موضوعا دينيا عن الإسلام, وكذلك فيلم القادسية للمخرج صلاح أبو سيف, ومن إنتاج شركة بابل ودائرة السينما والمسرح العراقيتين, والمقاطع من قبل الأزهر لمدة جاوزت العشرين عاما بسب ظهور شخصية الصحابي سعد بن أبي وقاص وهو من المحرمات الدينية وفقا لتعليمات الأزهر. ولا يمكن حسابه على قائمة الأفلام الدينية بل يمكن ضمه إلى قائمة الفيلم التاريخي والجدول رقم(1) المرفق في نهاية الدراسة يوضح ببليوغرافيا بالأفلام العربية المنتجة في تلك الفترة.أن قراءة موضوعية للدوافع الحقيقية وراء إنتاج هذه الأفلام تضعنا أمام الكثير من التساؤلات التي تكشف الإجابة عنها حقيقة التخلف الفني والإنتاجي التي تعرضت له السينما العربية عبر مسيرتها التاريخية التي قاربت القرن من الزمان. هذه المسيرة التي تكشف المصادر التي تناولت تاريخ السينما العربية أنها اعتمدت الحماسة والمبادرة الفردية أكثر من اعتمادها على الدولة أو المؤسسة الرسمية, وبالتالي فقد تأثرت بصورة رئيسية بالمتغيرات التي تطرأ على هؤلاء المبادرين وحماستهم من ظروف حياتية أو مادية. وإذا كان ذلك هو حال السينما عموما فكيف هو الحال مع السينما المعنية بالموضوعة الدينية ومواجهتها للمؤسسة الدينية بثقلها ونفوذها على المستويين الشعبي والرسمي والذي كشفت عنه أولى المحاولات( ظهور الإسلام) 1951 عندما بادر المخرج إبراهيم عز الدين إلى اختيار قصة الوعد الحق لطه حسين ليخوض تجربته الأولى في الإنتاج والإخراج السينمائي والذي جوبه بعاصفة من الهياج في الأوساط الدينية التي اتهمته بالفساد!! ومن المفارقات المأساوية في هذا الموضوع أن تتدخل السلطة السياسية لإنقاذ هذه التجربة بعد أن ضمت وزارة النحاس وزيرين كان لهما صلة مباشرة بالفيلم هما طه حسين مؤلف قصة الفيلم ومحمد صلاح الدين, شقيق المخرج. ولولا هذه المصادفة التاريخية لما تحقق إنتاج هذا العمل أو غيره!! ومن المفارقات التي صاحبت عرض الفيلم هو الدهشة التي أصيب بها رجال الدين بعد النجاح الكبير الذي حققه الفيلم والاستقبال الجماهيري المذهل له كان البداية لإعادة رجال الدين حساباتهم في العروض السينمائية التي كانوا يفتون بها قبل أن يشاهدوا مدى تأثيرها على الناس!! وقد ساعد ذلك على التفكير بمواصلة التجربة التي أدت إلى إنتاج العمل الثاني( انتصار الإسلام) لمخرجه أحمد الطوخي الذي بالغ في استرضاء رجال الأزهر!! من خلال مقابلة الممثلين لرجال الدين وعرض السيناريو بتفاصيله الدقيقة عليهم ووضع الآيات القرآنية في مقدمة الفيلم وما إلى ذلك. ورغم ذلك فقد ظهر الفيلم ضعيفا في الكثير من النواحي ولم يحقق النجاح الذي حققه الفيلم الأول ظهور الإسلام. إلا أن ذلك لم يثن المنتجين على الإقدام على التجربة الثالثة( بلال مؤذن الرسول) لمخرجها أحمد الطوخي التي يعتبرها النقاد من أفضل التجارب في ذلك الحين حيث عرضت في أغلب الدول العربية والإسلامية وقد لامست مشاعر المسلمين عموما باعتباره يترجم سيرة حياة صحابي جليل كان من الذين تحملوا الصعاب الكبيرة في نشر الدعوة الإسلامية السمحاء فضلا على تأديتها من قبل فنان قدير(يحيى شاهين) رغم الأداء الكلاسيكي التي اتسمت به معظم الأفلام السينمائية في تلك الحقبة. بعد النجاح الذي حققته هذه التجارب الثلاثة بدأ المنتجون يستثمرون هذا النوع من الأفلام لتحقيق الربح السريع فأخذوا بالبحث عن الموضوعات التي تستهوي أكبر عدد من الناس وتلامس مشاعرهم على حساب القيم الدينية الحقيقية. فقد ذهبت التجربة الرابعة( السيد أحمد البدوي) إلى تناول موضوع الكرامات لدى الأولياء وعدم وقوعهم في المغريات الدنيوية, وهي موضوعة نكاد نجد لها تناصا مع الكثير من القصص الدينية, مثل قصة النبي يوسف(ع) وقصة السيد المسيح(ع) مع مريم المجدلية, وبالتالي فأن قصة الفيلم تقترب من الذاكرة العامة للناس وهو بحد ذاته دافعا لمشاهدتها متحققة بصورة حسية. كما استثمر المنتج وجود ضريح السيد البدوي في مدينة طنطا المصرية فوضع صورة المسجد الأحمدي في إعلاناته وفي الصحف والمجلات, ويذكر الناقد محمد صلاح الدين أن أبواب دار العرض قد تهشمت بسبب الجماهير الغفيرة التي حضرت لمشاهدة الفيلم. ومن هذا المنطلق فقد بدأ المنتجون البحث عن قصص تجتذب أكبر عدد ممكن من الناس, وقد تم اختيار(موضوعة بيت الله الحرام) لتكون مادة وعنوان التجربة الخامسة في السينما المصرية والتي كتب القصة والحوار لها فؤاد الطوخي متناولا قصة أبرهة الحبشي وفيله ومحاولة هدم بيت الله الحرام وما آلة إليه وفقا للقصة القرآنية المعروفة, والكاتب هو شقيق مخرج الفيلم أحمد الطوخي الذي سبق وأخرج فيلمي انتصار الإسلام وبلال مؤذن الرسول. وقد واجه الفيلم كسابقاته من الأفلام الدينة الكثير من المفارقات مثل الرفض التام للمشروع بسبب التكاليف والخدع السينمائية وحجم الديكورات ثم تدخل أحد المهتمين بالشأن السينمائي(محمود سمهان) لإنقاذ الموقف واستعداده لإنتاج الفيلم شريطة إدخال تعديلات على السيناريو تتلاءم مع متطلبات الدور الذي يجب أن يسند إلى زوجته في حينها (برلنتي عبد الحميد)!!. أن هذه الحادثة تكشف بشكل حقيقي المأزق الذي تعانيه السينما في البلاد العربية منذ ذلك الحين وحتى الآن من تفشي ظاهرة المحسوبية والواسطة والمؤسسة السياسية والتدخل السافر في شؤون المبدعين ومحاولة لي عنق الحقائق بما يتناسب وموقف هذه الجهة أو تلك مما ساهم بشكل فاعل في تردي هذه الصناعة وجعل السينما العربية بعد قرن كامل على بدايتها تعاني مشاكل التأسيس الأولى!! ورغم كل ذلك فقد خرج الفيلم بنجاحات بسيطة مع فشل المخرج بدبلجة الفيلم إلى لغات أخرى بسبب ارتفاع تكاليف ذلك في وقتها. ثم جاءت التجربة السادسة بمبادرة فردية وحماسة غير عادية للفنان حسين صدقي الذي كان يحلم في تقديم عمل ديني كبير لم يسبقه إليه أحد!! مستثمرا صداقاته العديدة مع شيوخ الأزهر ليحصل على موافقتهم المبدئية لفكرة عمله(خالد بن الوليد) بل وموافقة أحد شيوخ الأزهر على المشاركة في كتابة السيناريو هو الشيخ أحمد الشرباصي! وقد بذل الفنان حسين صدقي مجهودا كبيرا في كل النواحي الفنية والمادية مستثمرا علاقاته الجيدة مع السياسيين الكبار آنذاك أمثال المشير عبد الحكيم عامر وأنور السادات وغيرهم, وبالرغم من كل ذلك فقد وقع الفيلم بالكثير من المطبات الفنية والمبالغات وطول فترة الفيلم(150) دقيقة وحشر العديد من المعارك الغير مبررة فنيا فضلا عن النقود التي وجهها بعض رجال الدين لمضمون العمل ورداءته ومن بينهم الشيخ د. محمد سعاد جلال الذي كتب مقالا هاجم فيه الفيلم وساخرا منه( حضرت رواية خالد بن الوليد على شاشة السينما وكنت ـ طبعاـ أقارن طول الوقت بين الموجود في ذهني من التصورات الحقة الرائعة عن خالد بن الوليد ومواقفه البطولية العظيمة… ومظاهر عبقريته العسكرية الخارقة, وبين هذا الذي كنت أشاهده من التمثيل حينذاك… فلا أرى إلا مسخا وتشويها لسيرة هذا البطل الإسلامي العظيم)(16). ولم تكن التجربة السابعة أفضل حالا من سابقاتها, بل يمكن اعتبار ما حدث لها نموذجا للعقبات المختلفة التي واجهت صناعة الفيلم الديني في مصر, فقد تعرض الفيلم إلى اعتراضات كبيرة من قبل رقابة المصنفات الفنية التي رفضت الفيلم لضعفه الفني ولسذاجة بعض مشاهده ولكونه يحمل عنوان(الله أكبر) باعتباره نداءا قدسيا ليس له علاقة بمجريات الفيلم!! وبعد الكثير من المحاولات وتقديم الإلتماسات تم الإفراج عن الفيلم مع ترك الحكم عليه للجمهور, وليصبح فيما بعد مادة أساسية لمعظم المحطات التلفزيونية في المناسبات الدينية. ثم جاءت التجربتان الثامنة والتاسعة تحملان موضوعا واحدا هو قصة(رابعة العدوية) حمل الأول أسم(شهيدة الحب الإلهي) وحمل الثاني أسم(رابعة العدوية). وقد اختلف النقاد في تقيم موضوع الفيلم باعتباره يفتقر للمصدر التاريخي الواضح فهو أقرب للأسطورة منه إلى الواقع, فضلا عن مدى جدوى إنتاج فلمين لموضوع واحد!! ولم يسلما من تدخل رجال الأزهر ونقدهم اللاذع لاستخدام مشاهد الغناء والرقص واللهو الماجن!! في هكذا نوع من الأفلام وكانت هذه التجربة مدعاة لصدور قانون يعطي الحق بمراقبة ومصادرة المطبوعات الدينية المخالفة مع وجوب الحصول على تصاريح مسبقة بالموافقة على أي عمل فني يتناول موضوعا دينيا. كما أعطت هذه التدخلات المزيد من القيود والمضايقات على إنتاج المزيد من هذه الأفلام وكاد يمنع عرض التجربة العاشرة(هجرة الرسول) التي رفض الأزهر سيناريو الفيلم, وكان الأسباب هذه المرة قد دخلت في تفاصيل الديكور والاكسسوار وحركة المشاهد!! فضلا عن تفاصيل موضوع الفيلم. ولم يفلح منتجو الفيلم إلا بعد أن أخذوا بجميع ملاحظات الأزهر على الفيلم!! وكانت هذه المسألة بداية النهاية لإنتاج هذا النوع من الأفلام, فلم تنتج السينما المصرية بعدها سوى فلمين هما( فجر الإسلام) و( الشيماء). فقد توفر للتجربة ما قبل الأخيرة مجموعة عمل قلما تتوفر لفيلم من هذا النوع بدأ من كاتب السيناريو والحوار(عبد الحميد جودة السحار) وانتهاءً بمخرج العمل(صلاح أبو سيف) مرورا بكل الفنيين وهم من كبار فني السينما المصرية. ويعد النقاد هذا الفيلم من الأفلام الجيدة ولولا ظهور فيلم الرسالة فيما بعد لاعتبر (فجر الإسلام) من أفضل الأفلام في هذا الباب. ومن المفارقات التي حدثت في هذا الفيلم أن شيوخ الأزهر قد اختلفوا على مكياج بطلة الفيلم, هل هو من حرام أم حلال؟! وقد مهدت هذه لاختلافات للتوقف التام عن إنتاج هذه الأفلام بعد المشكلة التي أثارها الفيلم الأخير(الشيماء) التي صادف عمل بطلة الفيلم في حينها في فيلم آخر تظهر فيه بأحد أدوار الأغراء, مما أثار حفيظة رجال الدين ولم يتوقف النقاش في هذا الموضوع إلا بالتوقف التام عن إنتاجها. وبذلك توقفت السينما المصرية منذ عام 1972 ولغاية الآن عن إنتاج هذه الإعمال مما أسهم في خسارة الجمهور العربي والإسلامي مصدرا هاما في التوعية والإرشاد الديني عبر وسيلة تعد من أهم الوسائل المعاصرة في التعليم والتوجيه كما خسر هذا الجمهور من يرد التهم عنه إزاء عشرات الأفلام التي أنتجت في الغرب وما تتضمنه من دس ولغط وتشويه للحقائق عن الإسلام والمسلمين.

فيلم الرسالة:

يعد فيلم الرسالة الذي أنتجه وأخرجه الفنان الأمريكي الجنسية والسوري الأصل(مصطفى العقاد) من أفضل الأفلام الدينية العربية التي أنتجت في تاريخ السينما ولذلك للاستعدادات الكبيرة التي قام بها المخرج وانتقاءه أفضل الكفاءات الفنية من ممثلين ومصورين وديكورات وأزياء ومواقع تصوير, وقد حرص المخرج على الحصول على موافقة الأزهر على سيناريو الفيلم الذي اشترك في كتابة السيناريو والحوار له أدباء مصر الكبار(توفيق الحكيم) و(يوسف أدريس) فضلا عن المخرج نفسه. ومنذ البداية خطط العقاد إلى تجاوز المشكلة الكبيرة التي واجهت معظم منتجي الأفلام الدينية السابقة وهي تقديم الفيلم باللغة الأجنبية ولكن هذه المرة ليس بطريقة الدبلجة وإنما بطريقة إنتاج الفيلم مرة ثانية بممثلين أجانب مستثمرا جميع مواقع التصوير السابقة والديكورات وما إلى ذلك. وقد أظهرت هذه الطريقة قدرة الممثل العربي على القيام بدوره على أفضل وجه وبما لا يقل كفاءة عن زميله العالمي, بل أن الكثير من النقاد العرب والأجانب أشاروا إلى هذا الموضوع فضلا عن تصريحات الممثلين الأجانب أنفسهم, وخاصة عند مقارنة أداء الفنان العالمي (انطوني كوين) بالفنان العربي( عبد الله غيث) واللذان أديا دور( الحمزة )عم الرسول(ص). وكذلك هو الحال مع الممثلة السورية( منى واصف) التي أدت دورا من أفضل أدوارها على الشاشة السينمائية. ولعل مرد ذلك كله إلى الإحساس العميق الذي شعر به الممثل العربي في تقديمه لموضوعة الفيلم ومسؤوليته كمسلم وعربي إزاء هذا الموضوع, وهو ما صرح به أعلب المشاركين في الفيلم. كما كشف الفيلم عبر موضوعه المحبك عظمة هذا الدين وقدرته في البقاء والانتشار ورفضه لكل أشكال العنف ودعوته للتسامح. ورغم كل ذلك فأن الفيلم مازال ممنوعا من العرض في مصر من قبل لجنة الرقابة على المصنفات الفنية في الأزهر بدعوى ظهور العديد من الشخصيات الإسلامية في الفيلم وهو ما يتنافى وتعليمات الأزهر بمنع ظهور هذه الشخصيات مطلقا في الأعمال الفنية. وفي هذا السياق يذكر مخرج فيلم الرسالة مصطفى العقاد في معرض رده عن منع عرض الفيلم في مصر من قبل الأزهر( قد لا يعلم الكثيرون أنني أحمل موافقة لجنة الأزهر على سيناريو فيلم الرسالة. وأن العمل جيد وقد مكثت سنة كاملة في القاهرة في بداية السبعينات للإعداد لسيناريو الفيلم مع كبار الكتاب مثل توفيق الحكيم, ويوسف إدريس, فأنا مسلم, عربي لا أستطيع الإساءة للإسلام. ولهذا حرصت أن يخرج العمل في أفضل صورة ممكنة سواء من ناحية القصة والسيناريو. أو ناحية التصوير وفريق الممثلين والإخراج. هل يعلم المصرون على المنع أنه بعد أحداث 11 سبتمبر تم بيع 100 ألف نسخة من فيلم الرسالة للقوات الأمريكية وأجرت معهم إحدى المجلات حوارا لمعرفة سبب ذلك فقالوا أنهم أرادوا معرفة الإسلام فمنهم من اشترى كتب وآخرون اشتروا أفلاما. أنا أقول للذين يرون في منع ظهور تلك الشخصيات حماية لأصول الدين. أن الحياة تتغير وأساليب الدعوة في الماضي كانت مختلفة, وإلا فعلينا أن نمتنع عن استخدام أساليب التكنولوجيا الحديثة لأنها لم تكن موجودة في عهد النبي) (17) ولم يلتفت الأزهر للتأثير المذهل الذي أحدثه الفيلم منذ عرضه في بداية الثمانينيات ولغاية الآن وظل الجدل قائما بين الذين يرون أهمية عرض وإنتاج هذه الإعمال وبين رجال الدين في الأزهر الذين يصرون على المنع مهما تكن المبررات!!. وربما السؤال الأكثر أهمية في هذا الباب هو: لماذا تراجع الأزهر عن موافقته التي أعطاها للمخرج من قبل؟ ولماذا هذا الإصرار على منع هذه الأفلام على الرغم من النجاح الذي تحققها على مستوى الإقبال الجماهيري عليها؟ ولماذا لا يجري الأزهر دراسات لقياس أثر هذه الأفلام على المشاهد العربي؟

ويمكن أن نستنتج مما سبق بعض النقاط منها:

1/ أن معظم الأفلام(عينة الدراسة) ولدت بطريقة قيصرية ومن خلال مبادرات شخصية وبدوافع مختلفة, ولم تبادر أية جهة رسمية أو دينية إلى تبني مثل هذه المشاريع وغالبا ما كانت المؤسسة الدينية تقف حجر عثرة أمام هذه الأفلام.

2/ أن سبب توقف إنتاج هذه الأفلام هو العراقيل الكثيرة التي وضعتها المؤسسة الدينية في مصر البلد العربي الوحيد الذي ما زالت فيه صناعة السينما مستمرة.

3/ عدم توفر المنتج العربي الذي له القدرة على المغامرة في إنتاج هذه الأفلام وانصرافهم إلى شراء وتأسيس القنوات الفضائية ذات الربح السريع والمضمون.

4/ خوف بعض علماء الدين من الخروج على أراء السلفية الإسلامية المتشددة في هذا الباب وإصدارهم لفتاوى تقترب من مسك العصا من المنتصف.

5/ هيمنة الخطاب الديني المتشدد على المؤسسة الرسمية العربية أعاق كثيرا من فرص إنتاج الجديد من هذه الأفلام.

6/ ليس هناك في الأفق فرصة لتكرار إنتاج هذه الإعمال في العالم العربي مرة أخرى بسبب القوانين الرقابية المتشددة وخوف السينمائي العربي من الإقدام على هكذا إعمال , والفرصة الوحيدة المتوقعة ستكون من خلال السينما العالمية كما حدث مع الفنان مصطفى العقاد.

 

 

الهوامش:

1/ محمد نور الدين أفاية, السينما.. الكتابة والهوية, مجلة الوحدة, أكتوبر/ نوفمبر,الرباط, 1987,ص27.

2/ سمير نعيم أحمدـ علم الاجتماع القانوني ـ دار المعارف, القاهرة, ص2,د.ت,ص13.

3/ قدري حنفي, ملامح البطل في الأفلام المصرية في (هاشم النحاس محررا) الإنسان المصري على الشاشة, الهيئة المصرية العامة للكتاب, القاهرة ,ص18, 1986.

4/ شهود يهوه من هم؟ سلسلة مطبوعات مركز المراقبة, , الولايات المتحدة الأمريكية, نيويورك, ص6 , عام 2000.

5/ ت هذه الشروط بمثابة أولى المقترحات لإقامة سينما إسلامية كما يشير بعض المهتمين بهذا الموضوع. محمد صلاح الدين, الدين والعقيدة في السينما المصرية, ط1, مكتبة مدبولي, 1998م,19.

6/ حسن بحراوي, الإسلام والمسرح, إقامة الدليل في حرمة التمثيل, دراسة منشورة على الانترنيت في موقع مسرحيونwww.masraheoon.com بتاريخ 25/8/2003.

7/ حسن بحراوي, المصدر نفسه.

8/ المصدر نفسه.

9/ الإمام حسن الشيرازي, الشعائر الحسينية, ط5, مؤسسة الإمامة للطباعة والنشر, بيروت, لبنان, عام 2000 ,ص 112.

10/ المصدر نفسه, ص 122.

11/ منى مدكور, الأعمال الدينية بين الرفض والقبول واعتراض الرقابة وساحات المحاكم, صحيفة الشرق الأوسط, العدد 8796, بتاريخ 8/11/2002, ص13.

12/ المصدر نفسه.

13/ البيان الذي أصدره فضيلة الأمام الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر في أول تموز عام 1988 بعنوان( سمات الحلال والحرام في الإسلام) .

14/ محمد صلاح الدين, الدين والعقيدة في السينما المصرية, مصدر سابق, ص146.

15/ محمود قاسم, الفيلم السياسي في العالم العربي, مجلة الرافد,العدد49,سبتمبر2001, ص61

16/ محمد صلاح الدين, المصدر السابق, ص80.

17/ منى مدكور, مصدر سابق.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

جدول رقم(1) لببليوغرافيا الأفلام العربية المنتجة في مصر1951 ولغاية 1972

 

أسم الفيلم سنة العرض المخرج كاتب السيناريو كاتب الحوار المصور المونتاج زمن العرض الممثلون
1ـ ظهور الإسلام 1951 إبراهيم عز الدين إبراهيم عز الدين طه حسين ورتر هولكوم كمال الشيخ 97 دقيقة عباس فارس, كوكا, عماد حمدي, سراج منير, سعد أردش
2ـ انتصار الإسلام 1952 أحمد الطوخي أحمد الطوخي أمام الصفطاوي اوهان جورج ـــــــــــ 95 دقيقة ماجدة, محسن سرحان, عباس فارس, فريد شوقي
3ـ بلال مؤذن الرسول 1953 أحمد الطوخي أحمد الطوخي فؤاد الطوخي عبد العزيز فهمي ــــــــــــ 110 دقيقة يحيى شاهين, ماجدة

حسين رياض, عزيز حلمي, سناء جميل, لولا عبدو

4ـ السيد أحمد البدوي 1953 بهاء الدين شرف بهاء الدين شرف بيرم التونسي محمود نصر ـــــــــــــ 120 دقيقة عباس فارس, تحية كاريوكا, سراج منير, فاخر فاخر, عبد السلام النابلسي
5ـ بيت الله الحرام 1957 أحمد الطوخي أحمد الطوخي فؤاد الطوخي كليليو البير نجيب 90 دقيقة برنلتي عبد الحميد, عباس فارس, عمر الحريري, حسين رياض
6ـ خالد بن الوليد 1958 حسين صدقي حسين صدقي, حسين حلمي, عبد العزيز سلام, الشيخ أحمد الشرباصي حسين صدقي حسين حلمي, عبد العزيز سلام, الشيخ أحمد الشرباصي وديد سري ــــــــــ 150 دقيقة حسين صدقي, مديحة يسري, مريم فخر الدين, عمر الحريري,عباس فارس,( عشرة آلاف ممثل مع المجاميع)
7ـ الله أكبر 1959 إبراهيم السيد نجيب محفوظ فؤاد الطوخي حسن دهش فكري رستم 75 دقيقة زهرة العلى, محمد الدفراوي, عبد الوارث عسر
8 ـ شهيدة الحب الإلهي 1962 عباس كامل عباس كامل, إبراهيم الأبياري عباس كامل, إبراهيم الأبياري ـــــــــــ ــــــــــــ ــــــــــــــ عايدة هلال, رشدي أباظة, حسين رياض, توفيق الدقن, صلاح جاهين, نجوى فؤاد
9ـ رابعة العدوية 1963 نيازي مصطفى نيازي مصطفى

سنية قراعة

نيازي مصطفى

سنية قراعة

إبراهيم عادل ـــــــــــ ـــــــــــ نبيلة عبيد, فريد شوقي, عماد حمدي, حسين رياض, عبداللة غيث, زوزو نبيل
10ـ هجرة الرسول 1964 إبراهيم عمارة حسين حلمي المهندس حسين حلمي المهندس إبراهيم عادل ــــــــــــ ــــــــــــــ ماجدة, أيهاب نافع, عدلي كاسب, سميحة توفيق
11ـ فجر الإسلام 1971 صلاح أبو سيف عبد الحميد جودة السحار عبد الحميد جودة السحار عبد العزيز فهمي حسين عفيفي 120 دقيقة محمود مرسي, لحلى شاهين, سميحة توفيق

12ـ الشيماء

1972 حسام الدين مصطفى عبد السلام موسى, صيري موسى عادل عبد الرحمن أحمد خورشيد ــــــــــــــ ـــــــــــــــ أحمد مظهر, سميرة أحمد, غسان مطر, أمينة رزق, كنعان وصفي

 

 

عن د. حسن السوداني

شاهد أيضاً

قراءة في رواية “رقص السناجب” لعباس خلف علي

قراءة في رواية “رقص السناجب” لعباس خلف علي بقلم: شميسة غربي/ سيدي بلعباس/ الجزائر “رقص …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *