لقاء مع المستشرقة الالمانية فيبكه فالتر
اجرى اللقاء وترجمه الى العربية :عامر تايه
(( أدب المديح للدكتاتورية هو أدب سلطوي ومنبثق من الضغط السياسي على الأدباء والشعراء))
الادب والشعر العربي عموماً والعراقي تحديداُ , كثيراَ ما أثار ويثير تسائلات الأدباء والمستشرقين الغربيين , لاسيما اذا كان هناك ربط مرحلي أو زمني لما يمر به الأدب والشعر العراقي مع أدب بلد المستشرق الغربي.. المانيا الديمقراطية سابقاً عاشت ثقافيا وأدبياً تحت ظروف وأجواء تكاد تكون مشابهه أن لم تكن مطابقة لما عاشه أدباء وشعراء العراق تحت ظل الدكتاتورية الصدامية من كبت فكري وثقافي وتحجيم الأبداع الثقافي وتحريكه فقط ضمن أطار آيدلوجية النظام البائد والمستندة على منطق خاص بها الا وهو كل شئ يجب أن يمجد و يصب في مصلحة النظام المتمثلة بشخص الرئيس . ولتسليط الضوء على جانب من هذة المسألة التقيت بالدكتورة البروفيسورة فيبكة فالتر
وهي أحدى المستشرقات الألمانيات التي أهتمت وتهتم بالأدب والشعر العربي عموماً والعراقي خصوصاً , كتبت عدة بحوث ودراسات عن الأدب والشعر العراقي وذلك ضمن مشاريعها البحثية عن الأدب والشعر العراقي أضافة الى ترجمة الأعمال الأدبية العراقية وتبويبها وأدخالها الى المعاجم العالمية , زارت العراق في نهاية الثمانينات وقامت بالقاء عدة محاضرات أدبية بحثية في جامعة بغداد , ألتقيتها في مدينة توبينغين فكان لي معها هذا الحوار .
1– كيف بدأت رحلتك مع الأدب العراقي؟
رحلتي أو أهتمامي بالأدب العربي الحديث بدأ أثناء دراستي بجامعة مارتين لوتر في هالة . ولأن في ذلك الوقت كان الشرق الحديث والأدب الشرقي بصورة عامة يثيران أهتمامي , لكن لم تكن هناك نصوص كافية في جامعة هالة في المانيا في ذلك الوقت للأطلاع عليها ودراستها بصورة دقيقة . وبعد حصولي عام1966 على شهادة الدكتوراة عن بحثي لأسماء معينة ما قبل وبعد الأسلام , وبمساعدة عدة دراسات أدبية تمكنت من الأطلاع على الأدب العربي الحديث عن كثب وقرائته وكان في الغالب الأدب المصري , ثم تمكنت من أستعارة بعض النصوص الأدبية عن طريق المكتبات الخارجية . ثم كتبت وألقيت عدة محاضرات على طلابي حول تاريخ الأدب العربي وعلى سبيل المثال قرأت طه حسين , محمود تيمور , توفيق الحكيم , يوسف أدريس , ونجيب محفوظ حيث ترجمت للأخير ايضاً . وبما أن جامعة هالة في المانيا كان لديها أتفاقية صداقة مع جامعة بغداد وعلى الرغم من أني لست عضوة في حزب ( SED ) الألماني تمكنت وبسهولة نوعا ما من الدخول الى العراق , فقمت بألقاء عدة محاضرات في جامعة بغداد , فكانت لدي الفرصة لأحصل بنفسي على كتب عن الأدب العربي عموما والعراقي خصوصاً وأقامة علاقات أدبية عديدة وعدا ذلك كان هناك تبادل ثقافي بين مكتبتي جامعة هالة وجامعة بغداد , لذللك تمكنت أكثر وأكثرمن التعرف على الأدب العربي والعراقي حيث اثار أهتمامي حينها النثر أكثر من الشعر . وفي عام 1986 وفي دار نشر (الشعب والعالم ) في المانيا الشرقية وضمن سلسلتها ( بحوث ) أصدرت كتاب بعنوان ( بحوث عراقية ) وضمن هذا الكتاب ترجمات ل 28 قصة قصيرة من محمود أحمد السيد والى الكتاب الحديثين مثل موسى كريدي , مهدي عيسى الصقر وغيرهم وضمنتها بمقدمة طويله في تاريخ الأدب العراقي الحديث حيث شاركني في ترجمة بعض القصص زملاء اخرين , لذلك وجب علي لأجراء مثل هذه الدراسة قراءة الكثير من القصص لأوفق في أختيار الجيد والمهم من هذا الكم الكبير , حيث تعرفت من خلالها أيضاً على غير المهمين منهم , وبعد أن تركت المانيا الديمقراطية وقبل عام من سقوط جدار برلين وذلك لعدم قناعتي بسياستها آنذاك والتي كان لها الأثر الكبير على دراساتي الأدبية , بدأت في مشروع بحثي وهو ( الأدب العراقي الحديث ) والذي تضمن الشعر العراقي كذلك وأضطررت أن أوقف مشروعي هذا عدة مرات لكوني بروفيسورة ومحاضرة في في عدة جامعات المانية وعامل الوقت كان يضايقني . فبدأت بكتابة عدة مقالات ودراسات بالألمانية والأنكليزية عن تاريخ الشعر والنثر العراقي من البداية الى الوقت الحاضر , وأدخلتها في أكبر المعاجم الأدبية وطرحتها وساهمت بالتعريف عليها ضمن المحاضرات الدراسية والمؤتمرات العالمية . بالطبع أنا ركزت بعدها على الكتاب اللذين يعدون كرواد في الشعر الحر مثل السياب , نازك الملائكة , البياتي , الحيدري كذلك اللذين سبقوهم حيث الشعر الكلاسيكي الحديث وشعراء الأجيال الحديثة ,وعندما توفرت لي ألأمكانية وبعد الأطلاع أثار أعجابي من ألأجيال الحديثة أحمد مطركذلك تعرفت على بعض الشعراء الشباب والأجيال التي سبقتهم ومن ضمنهم الشاعرة أمل الجبوري بعد أن كلفتني بترجمة بعض من نصوصهم لمجلة ديوان الشعرية . وعلى الرغم من قلة النصوص التي ترجمتها لهم لكنهم كانوا مفهومين ولهم قوة شعرية مؤثرة وحتى في غموضهم يعجبوني في بعض الأحيان , بالطبع ترجمة شعرهم الى الألمانية هي أكثر سهولة من ترجمة شعر السياب .
2- هل تعتقدين أن الديمقراطية أو مصطلح الديمقراطية سيكون له تأثير على أدباء العراق بعد سقوط النظام ؟؟ وان كان فما هو؟؟
أنا أعتقد ان كثير من الشعراء والمثقفين العراقيين تركوا العراق لأنهم وجدوا ان الوضع السياسي السابق كان يشدد الخناق عليهم وانهم كانوا يحنون الى الديمقراطية , ليس هم فقط وإنما جميع العراقيين أحتاجوا ويحتاجون الى الديمقراطية . فيجب أن يتحسن الوضع في البلد أولاً حتى يتمكن الأدب والفكر الحر من الأزدهار , ليس مصطلح الديمقراطية فقط , لكن الأوضاع الديمقراطية كذلك , حياة فكرية حرة ومتحررة فقط هي التي تكون نافعة ومفيدة للأدب عند تبادل الأفكار مع البلدان الأخرى, , في هذه الحالة سيجد الشعراء العراقيين وبالتأكيد , طريقهم , أحاسيسهم , أفكارهم , وسيعكسونها شعرياً , أنا أتمنى لهم ذلك.
3- هل هناك ربط أو شبه بين الأدب العراقي بعد سقوط النظام والأدب الألماني بعد سقوط جدار برلين؟؟
سقوط صدام حسين حصل قبل بضعة أشهر , وأنا مع الأسف ليس لدي علم حول تطورات الأدب العراقي الآن ولكني أتواصل مع الأدب العراقي حالياً عبر وسائل الأعلام على الرغم من انه لم يظهر وجهه بصورة كاملة .. يجب على الأدباء أن يستقروا نفسياً حتى يستطيعوا أن يظهروا جديدهم . التطور الأدبي الذي حصل في المانيا الديمقراطية بعد سقوط جدار برلين تابعته من خارج المانيا وذلك لأني تركت المانيا قبل عام واحد من سقوط الجدار ولأن مدينة شفاين فورت وفي تاريخ3.12. 1988قررت منحي جائزة فردريك روكيرت على جميع أعمالي الأدبية عن الشرق في ذلك الوقت , عندها أستطعت مغادرة المانيا للحصول على الجائزة فأستغليت هذه السفرة للهروب مع زوجي الى المانيا الغربية آنذاك , بالطبع تابعت أدب المانيا الديمقراطية بأهتمام وأزعجني بعض الأحيان النقد السطحي والتجاهل في أعلام المانيا الغربية , أنا أعرف على سبيل المثال ان( فولكر براون) وفي أشعاره وبعض أعماله الأخرى ولغاية سقوط جدار برلين في نوفمبر 1988 ظل يكتب بصورة مجازية وغير مباشرة واضعاً حاجزاً غير مرئي بينه وبين المباشرة بالطرح في ذلك الوقت وأنتقدها كمتضرر , واستهزأ بتأثير التغيير على الناس في البلاد حينذاك , ووجد أن بعض الأنتقادات رضخت للأمر الواقع بمرارة .
4- أذن ماذا تنصحين الأ دباء و الشعراء العراقيين , كونك مررت بمثل هذه الحالة التي يمرون بها الآن ؟؟
هذا شئ صعب قوله , كل يجب أن يبحث ويجد طريقه في أطار أمكانياته , أنا أأمل أن تكون هناك فرص كبيرة للأزدهار الفكري وتبادلها مع الشعوب الأخرى , وكما قلت حيث يجب أن تتطور وتستقر وضعية العراق , ويجب على المرء هنا أن يختبر تطور الوضعية السياسية وصلاحيتها , فأنا أستطيع أن أتصور العودة السريعة الى الخصوصية ذلك ان العراق يملك كنز كبير من الادباء والشعراء . من جهة أخرى فأن الأوضاع التي أستطعت أن أراقبها عن بعد مضطربة وخطيرة , حيث تقود الى التحدي , ولكن الى من , الشعر ؟؟ ربما المستقبل القريب ؟؟ على كل حال فيجب أن تسود الصراحة .
5- هناك وكما هو معروف أدب حرب في المانيا , فهل هناك تشابه بين أدب الحرب في المانيا والعراق؟؟
في جميع الدول التي شاركت في الحرب العالمية الثانية , المانيا , انكلترا , روسيا , فرنسا , ايطاليا , وامريكا وجد هناك شعر وأدب حرب ووجدت روايات حرب وتوجد أيضاً دراسات على هذه الأعمال . في المانيا وجد هناك بطبيعة الحال شعراء مجدوا (هتلر) وايضاً في الأتحاد السوفيتي السابق والمانيا الديمقراطية وبعض بلدان شرق اوربا حسب ما أعرف , لكن في جميع الأحوال وجدت اعمال واشعار مديح ل (ستالين ) من قبل شيوعيون في بلدان اوربا الغربية .. قبل عدة اشهر وعندما كنت في مؤتمر في مدينة كراكوف البولندية , ألقيت محاضرة عن الشعر العراقي في حرب الخليج الثانية , استطعت ان أكشف من خلالها بأن هناك شبه كبير في أدب الحرب بين البلدين العراق والمانيا . شعر الحرب الألماني في الحرب العالمية الأولى كان كما في الدول الأوربية الأخرى في ذلك الوقت يعكس الكثير من روح الأعجاب بالحرب آنذاك . هذا أعتمد بالتأكيد على التربية القومية لذلك الجيل . الحقيقة الصعبة لتلك الحرب جعلت هذا الأعجاب يستسلم أكثر للواقع والظروف المرة . حركات السلام والتراجع القوي للقومية في المانيا تطورت بعد الأنهيار التام عام 1945.. أدب المديح للدكتاتورية كان يعد وبكل تأكيد كأدب سلطوي منبثق من الضغط السياسي على الأدباء والشعراء . وفي العراق لايختلف ذلك عن( المانيا هتلر) وقبلها الأتحاد السوفيتي ..ولكن وجد هناك دائماً معجبين بهذا الدكتاتور أو ذاك , واللذين يخدمونهم طواعية, استفادوا منهم و يتحسرون عليهم الآن عندما تسقط أنظمتهم , واللذين هم و تحت ظروف أخرى يظهرون ندمهم للحكومات الجديدة القادمة ويبدأون في خدمتها ..وحول هؤلاء المتقلبين كتب الحريري في مقاماته وفي شعر لاذع (أنهم دائماً موجودين وفي كل مكان ).
حاورها .. عامر تايه
توبنغين 2003