الرئيسية / دراسات / شيفرة دافنشي

شيفرة دافنشي

 

 

 

 

هل حاول.. دان براون نسف الكنيسة .. وهل ينتمي لأخوية سيون السرية

“شيفرة دافنشي” حشد من الاحداث والرموز والعقائد والطقوس والاحاجي والاساطير في زمن روائي لم يتجاوز نصف يوم !؟
عمان – محيي المسعودي

 

قبل الخوض في تفاصيل رواية شيفرة دافنشي للروائي دان براون ينبغي التوقف عند ذيوع صيتها الواسع .. فالرواية وقبل ان تتحول الى فيلم سينمائي يثير جدلا واسعا وكبيرا يعم العالم باجمعه.. قبل هذا كانت الرواية عملا ليس اعتياديا لانها تنطوي على ثمة حقائق افردتها بتميز والمؤكد ان الحقائق التي افردتها او ميزتها هي السبب الفعلي وراء شهرتها الواسعة وليس كما يدعي البعض بأن شهرتها جاءت نتيجة حملة اعلامية مخطط لها او ان الرواية شاكست السائد في الاعتقادات المسيحية مما اثار حفيظة وانتباه الجمهور العريض من القراء وغير القراء .. ومن هنا تجدر الاشارة الى ان دان براون لم يكن روائيا عاديا او حالما او هاويا يعتمد على قدراته الذاتية من خيال وثقافة في صياغة منجزة الروائي وموهبة بل كان حرفيا ومثقفا ومفكرا ومبدعا بامتياز في انجاز عمله على مستوى قدراته الذاتية المتوفرة فيه وتلك القدرات التي يستعين بها من مصادر خارجية يختارها بذكاء وكأنه رجل اعمال ومن يطلع على مشروع الرواية منذ بداياتها يجدها اقرب الى البحث والتحقيق او الى الانشاء العمراني الذي يتطلب الخرائط والاموال والعمال والمواد والخطط فالفكرة التي تعتبر النواة لم تكن تأتي من خيال منقطع عن الواقع بل كانت ابنة الواقع الملحة على ولادتها منه وخروجها عنه الى النور , ذلك لان ثمة صراع قائم وحقيقي حولها بعد ان ابطل العلم معظم العقائد والطقوس الدينية واصبح هذا العلم دين العصر.. فكانت فكرة الرواية شبة بالروح الثانية التي تطوف حولها اجزاء الجسد دون ان يجمعها وينظمها او يلظمها احد او ينتبه لعلاقاتها مع بعضها البعض . فكانت الفكرة هي (الكاس المقدسة) بحضورها العقائدي وشكلها القديم ولكن براون طرحها بالتزاوج مع رؤية ومعالجة عصريتين كانت ظاهرة بوضوح في احداث ومكونات الرواية الاساسية وكانت اركان الرواية التي قامت على هذه الفكرة هي جمعية سيون الدينية السرية حامية سر الكاس المقدسة والتي ضمت في عضويتها عددا من مشاهير العالم مثل دافنشي ونيوتن وهيجو وغيرهم ومن ثم خصم هذه الجمعية اللدود وهي مجموعة (او بوس داي) الاسقفية الفاتيكانية و بظل هذان العنصران يتصارعان حول الوصول الى الكاس المقدسة ويشكل المجتمع ارضية لاحداث الرواية .. كشف دان براون هذين العنصرين وخلافاتهما من خلال اداة الوصل بينهما وهم الخبراء في ميدان التاريخ والانثربولوجي والمثيولوجي وتفسير الرموز والشيفرات وقد اختار لهذا الدور استاذا جامعيا من امريكا وهو لا تغدون وبريطانيا متخصصا, بموضوعة الكاس المقدسة ومتربصا لها وهو السير تيبينع صاحب لقب فارس اضافة الى صوفي ذات العلاقة المباشرة بموضوعه الكاس وهي حفيدة جاك سونير القيم على متحف اللوفر كبير اخويه سيون واعتمد براون على الصراع ما بين اخوية سيون ومجموعة اوبوس داي ليضع المعلومات التاريخية والقعائدية .. الحقيقة والخرافية كاسرار وأحاجي ورموز تشد القارىء الى الرواية خصوصا وانها تخوض في موضوعه الدين المسيحي وعلاقته الاولى بالدين اليهودي وينعش براون ذاكرة و انجذاب القارىء للرواية من خلال فك الشفرات والرموز وشرح الاحاجي وتوضيحها .. وذلك من خلال الشخصيات التي اختارها الدور وهم لانغدون وصوفي وتيبينع او من خلاله كروائي عليه توضيح المشهد من اجل البناء عليه. .ولان موضوعة الرواية تقوم على عقائد مبينة على اسرار ورموز وشيفرات وهي عقائد حقيقة كما قال عنها الروائي في بداية روايته لذلك فهي تحتاج الى كم كبير من المعلومات التاريخية والعقائدية.. من طقوس وسلوكيات.. اضافة الى معلومات غاية في الندرة وهي التي تفسر وتعني ب¯ الرموز التاريخية والدينية القديمة ومراحل وجودها وانقراضها وعلاقتها بما موجود منها في عصرنا ومن المؤكد ان الروائي براون لم يكن بمقدوره لوحده القيام بكل هذه المهام داخل احداث للرواية ومهما كان مثقفا موسوعيا فانه يحتاج الى مختصين ومصادر معلومات وجهد كبير ووقت طويل من أجل التحقق من المعلومات من ثم صياغتها في أحدث الرواية وعليه فقد اعتمد بروان على مختصين من اجل وصف الاعمال الفنية والمعمارية والطقوس السرية والوثائق التي وردت في الرواية..

لم يكن براون ليدخل عالم الاحاجي والرموز والانثربولوجي من أجل تسويق الرواية لدى القارىء بخلق عنصر شد وتشويق وحسب بل ربما كان هذا العنصر غير مقصود اصلاً في موضوع الرواية وهدفها ولكنه دخل ضمن تقنيات السرد التي يحسن استعمالها جيداً الروائي براون.. ذلك لأن الرواية اقتحمت منطقة او حلقة معتمة – بتشديد التاء- في العقيدة المسيحية وتاريخها بغلت ذورتها عندما حاولت الرواية وبنجاح نزع الالهوية عن المسيح من خلال نبش تاريخ قسطنطين – الروماني الوثني- الذي اقتضت مصالحه السياسية ان ينزع الالهوية على المسيح- بالتصويت- كما تذكر الرواية بل وبأغلبية بسيطة.. وهنا تحدث الصدمة الكبرى .. كيف دخل المسيح -الالهوية من خلال تصويت بشري سياسي وديني ثم تدعم الرواية هذه الحقيقة التي تتناولها بالمحور الاساس داخل الرواية ونفسها وهو الانثى المقدسة وتحديداً مريم المجدلية التي تقول عنها الرواية بانها كانت زوجة المسيح وقد خلفت منه وتؤكد الرواية ايضا زواج المسيح من مريم المجدلية من خلال ذكر القوانين والانظمة اليهودية آنذاك والتي لا تسمح لبقاء الرجل بعد البلوغ ..دون زواج وتشير الرواية الى منفى المجدلية الذي فرض عليها في فرنسا.. اذن الرواية تطرح المسيح بانه رجل عظيم وجبار بحق ولكنه لم يكن اله بل كان انسانا فانيا ولكن استغلال قسطنطين لتأثير المسيح الهائل واهميته العظيمة في العالم هو الذي شكل وجه المسيحية كما نعرفها الان والحقيقة الاهم والتي ركزت عليها الرواية هي سلالة المسيح- الدم الملكي المقدس- اذ اكدت الرواية ان للمسيح سلالة لم تزل الى يومنا هذا تحتفظ بالاسرار وتلتزم الاحتجاب خشية من ¯ أوبوس داي- المذهب الكاثوليكي المتشدد .. بل ومن الكنيسة المسيحية نفسها.. وبهذا الطرح تكون الرواية قد نسفت الكنيسة المسيحية برمتها اذا ما نظرنا للكنيسة على انها قائمة على الهوية المسيح.. تذكر الرواية ثمة رموز واسماء وطقوس ذات علاقة بموضوعة المسيحية من طرف ومن طرف اخر ذات علاقات متشبعة مع متراكم الانثربولوجي.. مثل رمز الانوثة (7) ورمز الذكورة(8) وعلاقتهما بالديانات القديمة ومن ثم اتحادهما الذي يشكل النجمة السداسية والتي كانت تمثل رمزا لكهنة النجوم ومن ثم اتخذهما فيما بعد ملكا اسرائيل داود وسليمان شعارا لهما وهذه النجمة يدخل جزءها الانثوي في موضوعه ال¯ (سانغريال) – الدم المقدس .. الكاس المقدسة .. السلالة المقدسة وتمثل الكاس المقدسة .. مريم المجدلية اما السلالة المكلية فهي ليسوع المسيح ..هذه الرموز وكثير من الاحاجي دخلت في السرد وحبكة الرواية وهي ذات هدفين واضحين الاول كمبرر لشرح وتوضيح ماهيتها ونشرها بطريقة ادبية والهدف الثاني هدف تروجي او تسويقي للرواية اذ تعمل كعنصر جذب وتشويق وشد القراء اليها وتبعث بهم التساؤل حولها مما يجعلهم يروجون للرواية دون علم منهم وذلك بالحديث عنها ومحاولة تكذيبها او تصديقها..

اختار براون مكان احداث روايته في فرنسا وبريطانيا مع امكنة اخرى هامشية وردت استرجاعا- على اصول بعض الاشياء او الشخوص اما الزمان فلم يتعد اليوم ان لم يكن نصف يوم وهو محصور ما بين بعد منتصف ليل والهزيع الاول من النهار الذي تبعه وهنا تبرز حرفية براون وذكائه عندما وضع احداثا كثيرة وهائلة ملأت مئات الصفحات داخل هذا الزمن المحدود ربما يقول البعض فعل هذا عن طريق التداعي .. نعم كان هناك تداع او استرجاع قلص الحاجة الى الزمن ولكن حتى فترة ¯ التذكير- الاسترجاع او التداعي تحتاج الى وقت كاف والوقت الممنوح من قبل الروائي ضيق جدا (ويبدولي) ان الرواية كانت تعاني من ضعف في هذا الموضوع وبدا واضحا ان الوقت الممنوح غير كاف سواء لقيام الاحداث وانتهائها او لاسترجاع بعض الاحداث وبالتالي يستشعر القارىء انه أمام حدث روائي اختل فيه عنصر الزمن ولم يعد مقنعا..

اما بخصوص الصفة البوليسية التي اتصفت بها الرواية بعض الشيء فانها لم تكن سوى وقود لادامة الاحتراق داخل محرك الاحداث ولم تكن جزء من موضوع الرواية او هدفها الا في مسألة التأثير على القارىء وشده للقراءة.

ولكن الامر الذي يثير الانتباه هو موقف مؤلف الرواية السيد دان براون من جمعية سيون السرية اذ يبدي وفي اكثر من موضوع منحازا وبشكل واضح لها وكأنه احد اعضائها.. قد يكون كذلك فعلا ومن يتتبع احداث الرواية سوف يلتقط هذه الحقيقة بصراحة ووضوح تامين وسوف يجد الروائي مختبئاً وراء شخصية لانغدون منذ البداية.. ويؤكد براون انحيازه لجمعية سيون بافكارها وعقائدها وعيادتها للانثى من خلال وصفه لشعور لانغدون في اخر الرواية عندما يقول عنه -شعر لانغدون للحظة انه سمع صوت امرأة.. ينطلق بحكمة العصور بهمس له من اعماق الارض – ترى هل كان براون.. يجسد موضوع الرواية وشخوصها من خلال التقمص ام انه فعلا ينتمي لسيون.. !?

وتظل الرواية تثير التساؤلات بموضوعاتها حول الهدف الحقيقي لجمعية سيون وهل حقا انها تؤمن بالانثى المقدسة وتؤدي طقوسها بعيدا عن اهداف اخرى كعداء الكنيسة .. ثم كيف تنسجم عبادة الانثى مع تبني فكرة مريم المجدلية ام السلالة المقدسة ليسوع .. وهل المجدلية اهم من يسوع .. ام ان الجمعية تهدف الى خراب العقيدة المسيحية من اجل ديانة اخرى كاليهوديه وتمجيد الدم اليهودي على حساب الدين المسيحي .. هذه التساؤلات والكثير مثلها كانت وراء شهرة الرواية وذيوع صيتها عالمياً…

 

 

عن محيي المسعودي

شاهد أيضاً

قراءة في رواية “رقص السناجب” لعباس خلف علي

قراءة في رواية “رقص السناجب” لعباس خلف علي بقلم: شميسة غربي/ سيدي بلعباس/ الجزائر “رقص …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *